يومٌ.. فـي حياةِ رجل أمن// بقلم: ابراهيم المناعي// الدراما التالية بأحداثها وشخوصها هي خليطٌ من الخيال والواقع//. الساعة الآن الخامسة بعد الظهر من يوم الجمعة من شهر اكتوبر.2011 كان العريف الشرطي (خميس) يتسوق في البقالة القريبة من منزله بمنطقة إسكان البحير بالرفاع الشرقي، برفقة زوجته وولده الصغير أحمد (3) سنوات وابنته فاطمة (8) سنوات. فجأة يتلقى اتصالا من عمله. ينادي زوجته وأطفاله، ويتوجه إلى محاسب البقالة، يدفع الحساب ويهمّ مسرعاً بالخروج. تسأله زوجته بانزعاج: ما بك؟ يقول لها: لا شيء، يريدوننا في العمل حالاً. تلحق به ابنته وولده احمد الذي دائماً ما يحمل في يده علماً للبحرين صغير الحجم، يلوح به أمام الناس. يصل خميس إلى منزله في غضون دقائق قليلة على نداء أذان المغرب، يلقي بالمشتريات على طاولة المطبخ ويتوجه إلى الحمام، يغتسل ويتوضأ، يفتح الدولاب ويخرج ملابس العمل. زوجته تقول له: (دوامك اليوم آخر ليل!). يواصل ارتداء ثيابه، ويقول لها: مظاهرات في النويدرات، وأحد أفراد الشرطة مصاب ونقلوه إلى المستشفى. تقلق زوجته وتذكر الله، تقول له: «خل بالك على روحك».. الأطفال يتفقدون المشتريات، الولد أحمد يبدأ بالبكاء «ماما: شوفي فاطمة، وين لعبتي؟».. يفرش العريف خميس سجادته ويصلي الفرض، ثم يدعو الله أن يحفظه ويعيده إلى أسرته سالماً. تأتي إليه زوجته مسرعة لتقول له إن (جيب الشرطة) أمام المنزل بانتظاره. يطوي سجادته، ويلملم باقي أشيائه، ويهمّ بالخروج، زوجته تناديه: «تليفونك» فيعود ليأخذ التليفون معه، تقول له: «اتصل فينا»، ينظر إليها وإلى أطفاله، يرمقهم بنظرة الوداع التي اعتادها في كل مرة يخرج فيها إلى عمله منذ الأحداث في البحرين، لا يعلم إذا كان سيراهم مرةً أخرى أم لا، ولكنه استودعهم الله الذي لا تضيع ودائعه، يُقبّل الأطفال ويُوصيهم بالأدب مع والدتهم، يودعهم ويتوكل على الله ويخرج مسرعاً. في الخارج كانت سيارة الشرطة بانتظاره، يلقي التحية على زملائه ويصعد السيارة، جلس في الأمام بجانب السائق، في الخلف كان هناك شرطيان حديثي التخرج. تناول جهاز اللاسلكي وتسلم التعليمات من الضابط المسؤول. انطلقت السيارة إلى موقع الحدث، فالأخبار التي وردت إليه تفيد بوقوع اشتباك بين أفراد الشرطة وبعض المتظاهرين، قريباً من مدخل القرية، وأن أحد المتظاهرين ألقى حجارةً أصابت شرطيا في رأسه، نقل على إثرها إلى المستشفى في حالةٍ حرجة. والمتظاهرون في ازدياد وعازمون على الخروج إلى الشارع العام. بعد بضع دقائق وصل إلى موقع الأحداث، ترجّل من السيارة وراح يتفقد الموقف، كانت سيارات الشرطة تغلق المدخل الرئيسي للقرية، وسياراتٌ أخرى للشرطة كانت قد توغلت بين البيوت كي تمنع تدفق المتظاهرين الآخرين للمساندة وتفريقهم. كان الجو مشحوناً بالانفعال والغبار ودخان قنابل الغاز وتكدس بعض السيارات الخاصة على جنبات الشارع المؤدي إلى القرية، كان هتاف المتظاهرين وأبواقهم تصل إلى أسماعهم وتؤذيهم. كان الهتاف جارحاً والإساءات بالغة، وكانت المعلومات التي تصل إلى أفراد الشرطة من طائرة الهليكوبتر المحلقة فوق رؤوسهم أن عدد المتظاهرين يقدر بنحو ثلاثمائة متظاهر، متفرقين بين جنبات القرية وأمام مدخلها، وأن بعضهم قد اتخذ من سطوح المباني موقعاً لرمي الحجارة و(الأصباغ) على رجال الشرطة وسياراتهم. فجأة يتلقى اتصالا من الضابط المسؤول يطلب منه أن يتوجه مع قوته وسيارتين إضافيتين إلى داخل القرية من ناحية الغرب، كي يوجه المتظاهرين إلى داخل القرية ويمنع التفافهم وتوجههم إلى الشارع الرئيسي الغربي. ينادي القوة وينطلق لأداء المهمة، يتوغل في القرية من ثغرها الغربي، ويشاهد عن بُعد بعض المتظاهرين الذين يهتفون بهتافات تسيء إليهم، يقف مع القوة أمام المتظاهرين مباشرةً، يبدأ المتظاهرون برميهم بالحجارة، يتقدم بالسيارات إلى الأمام، يبدأ المتظاهرون بالتراجع، يتوغل أكثر فأكثر بين بيوت وبنايات القرية، هو في الأمام وخلفه السيارتان. فجأة تخرج مجموعة من المتظاهرين خلف السيارات وتبدأ برميها بالحجارة، أصبحت القوة الآن محاصرةً بين المتظاهرين، يأمر السيارات بسرعة التراجع إلى الخلف، تعود السيارتان الأولى والثانية وبالكاد تعبران بين المتظاهرين الذين يرشقونهم بوابلٍ من الحجارة، عليه الآن أن يقرر الهرب من هذا الموقف من خلال أحد الممرات الضيقة عن يمينه، يأمر السائق بالإسراع نحو الطريق الضيقة، تنطلق السيارة في هذه الطريق ولكنها تنزلق في إحدى الحفر العميقة، يحاول السائق عبثاً أن يُخرج السيارة من الأمام أو من الخلف لكن من دون جدوى، يتجمع حول السيارة عددٌ من المتظاهرين الغاضبين يرمون السيارة بالحجارة والأصباغ ويتعالى الهتاف والصراخ، أصبح الموقف مرعباً وفظيعاً، يُرسل نداء استغاثة يقول فيه إنهم محاصرون في القرية، الطوافة كانت تراقب ما يجري وتعطي الحيثيات. الساعة الآن التاسعة مساء، أصبح العريف محاصراً في السيارة ينتظر الإمداد تحت رحمة المتظاهرين الغاضبين. يتقدم أحد المتظاهرين بقوة إلى جانب السائق يحاول فتح باب السيارة، السائق يحاول دفع السيارة إلى الأمام أو الخلف من دون جدوى. يتقدم متظاهرٌ غاضبٌ إلى الباب الآخر للسائق. يمسك الباب بقوة يحاول نزعه بيده، يضيء العريف (خميس) المصباح في عيني المتظاهر كي يبعده عن الباب، وتلتقي عينا العريف بعيني المتظاهر، العيون البحرينية التي تقاتل بعضها بعضاً، في لحظة من لحظات الخوف والهلع والضياع، بين الصراخ والهتاف والدخان والغبار والسب والجنون، وبين خفقات القلوب المضطربة والمشاعر المتأججة، ينظر (خميس) إلى المتظاهر في عينيه وينظر المتظاهر إلى عيني ( خميس) ويتوقف الزمن، كأن شيئاً سيئاً سوف يحدث الآن.. ولكن فجأة يبدأ المتظاهرون بالهرب والتفرق، فقد وصلت النجدة واستطاعت أن تنقذ المجموعة وتعود إلى مواقعها أمام الشارع الرئيسي. الساعة الآن الثانية صباحاً، أخبارٌ تأتي من السنابس تفيد بوقوع اشتباكات حادةٌ بين المتظاهرين والشرطة تسفر عن مصابين وجرحى من الفريقين. الرابعة صباحاً، تأتي الأوامر إلى العريف (خميس) بانتهاء مهمته وأن بإمكانه الآن الذهاب إلى منزله.. يستقل إحدى سيارات الأمن ويتوجه إلى منزله.. يصل إلى المنزل، يفتح الباب ويرى زوجته على سجادتها تصلي، يرمي بأشيائه على الأرض ويرمي بجسده على أحد الكراسي ويطلق زفرةً حارقة.. تنهي زوجته الصلاة وتتوجه إليه ممسكةً يده (الحمد لله على السلامة).. (الله يسلمك).. تسأله (ما الأخبار؟) يجاوبها (عادي) . يتوجه صامتاً إلى الحمام كي يستحم ويتوضأ ويصلي الفجر. يسأل زوجته قبل أن يصلي (شخبار العيال؟) تطمئنه: (بخير).. يسألها (شخبار الديرة؟) تجاوبه «الحمد لله.. البارحة في الأخبار- القيادة السياسية - تطلب من الناس عدم المقاطعة والهدوء»، يفرش سجادته للصلاة وهو يقول: «فعلاً.. أنا في أمس الحاجة إلى الهدوء».. ينتهي من صلاته ويلقي بنفسه على الفراش يطلب النوم. غداً يومٌ آخر من أيام البحرين العصيبة. /////http://www.akhbar-alkhaleej.com/#!467557
__DEFINE_LIKE_SHARE__
|