|
إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...
انضم الينا
#1
| ||
| ||
الزوج المجرِّيُّ المُستغرب إن نشاط الثقوب السوداء العملاقة وتَشَكّل النجوم ظاهرتان مختلفتان على ما يبدو. لكن لماذا غالبا ما تكونان متلازمتين؟ لذا كان للمعلومة التي انتشرت في العقد الماضي، والتي مفادها أن ثمة ارتباطا وثيقا بين نشاط الثقوب السوداء والتكوّن النجمي، وَقْعَ المفاجأة. ففي كثير من المجرات، حيث تلتهم الثقوب السوداء المادة بشراهة ـ مولِّدة ظاهرة يسميها الفلكيون نواة مجرية نشطة active galactic nucleus AGN ـ تتكون النجوم بمعدل عال في حوادث تسمى انفجارات نجمية starbursts. ترى، كيف يمكن لهاتين العمليتين المنفصلتين ظاهريا أن تكونا مرتبطتين ارتباطا وثيقا؟ إن الارتباط بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية يمثل حاليا مجالا ثوريا للبحث. والصور الجميلة التي يرسلها مقراب هبَل الفضائي تسمح للفلكيين بأن يختاروا منها تلك التي تُظهر أحداثا معقدة تجري في قلب المجرات، ومرصد شاندرا للأشعة السينية Chandra X-ray Observatory يحدق في أمكنة لا يستطيع أن يكشفها مرصد هبل، ويبذل المنظِّرون جهودهم لتفسير كل ما يصل إليهم من المقراب والمرصد. وهذا البحث يحاول الإجابة عن عدد من أهم الأسئلة في علم الفلك وهي: كيف تسنى للعالَم البدائي المظلم أن يصبح مضاء ببلايين النجوم؟ هل كانت الثقوب السوداء الفائقة الكتلة بحاجة إلى مساعدة لتنمو وتصبح بالغة الضخامة؟ أيمكنها أن تكون عوامل للنشوء وكذلك للتدمير؟ إن المجرة التعسة NGC 3079 هي واحدة من أكثر المجرات إنهاكا نتيجة أقوى ظاهرتين في الكون هما: انفجار نجمي وثقب أسود شره فائق الكتلة. ونتيجة لذلك، ثمة فقاعة غازية لها شكل مخروطي تندفع بعنف من المركز الغازي بسرعة تعادل نحو 1000 كيلومتر في الثانية. وتدمج هذه الصورة بيانات الضوء المرئي لمقراب هَبل الفضائي (الأحمر والأخضر) وبيانات الأشعة السينية لمرصد شاندرا (الأزرق). مجرات على كويكبات إن كلا من النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية يقع ضمن أكثر الظواهر التي تشاهد في الكون، روعة وجلالا. والنواة المجرية النشطة هي مصدر ضوئي متراص وشديد السطوع يقع في مركز المجرة. وأهم مثال عليها الكوازارات quasars. والنواة المجرية النشطة، التي تضخ من الطاقة إلى خارجها ما يضخه بليون إلى تريليون شمس، يمكن أن يفوق سطوعها سطوع باقي مجرتها التي تستضيفها. والثقوب السوداء الفائقة الكتل، التي يظن أنها تزودها بالطاقة، تحشر كتلا تبلغ من مليون إلى بليون مرة كتلة الشمس في منطقة قطرها أصغر ألف مرة من قطر الشمس. والمادة المندفعة لولبيا نحو الثقب الأسود، مثلها مثل صخرة هاوية، تكتسب سرعة هائلة خلال اندفاعها محررة طاقة عند اصطدامها بمادة أخرى. وبفعلها هذا، فإنها تصدر إشعاعات بجميع الأطوال الموجية: الراديوية وتحت الحمراء والضوئية وفوق البنفسجية والسينية كما تصدر إشعاع گاما. ومجرات الانفجارات النجمية تضاهي في سطوعها النوى المجرية النشطة. إنها الأمكنة التي يتكثف فيها الغاز ليكوِّن نجوما بمعدل ألف شمس سنويا ـ وهذا أسرع بألف مرة من معدل تكوّن النجوم حاليا في مجرتنا. وبعض الانفجارات النجمية محصورة في مناطق صغيرة نسبيا لا يزيد قطرها على مئات السنين الضوئية، وتقع قريبا من مركز المجرة، والبعض الآخر لهذه الانفجارات يحدث في مناطق أكبر بكثير، يصل قطرها أحيانا إلى عشرات الآلاف من السنين الضوئية. وتحدث الانفجارات النجمية غالبا في مجرات تمر، أو مرت حديثا، قريبا من مجرة مجاورة، أو سبق أن اندمجت فيها. والقوى المدّية tidal forces بين المجرتين تحدث اضطرابا في الغاز وتجعله يسقط باتجاه الداخل، وهذا يسرّع كثيرا من العملية العادية التي ينجم عنها انهيار الغيوم بين النجوم وكذلك تكوّن النجوم. وكما هو معهود، يستمر الانفجار النجمي نحو 10 ملايين سنة قبل أن ينضب ما يحرقه. وكما هي الحال في النوى المجرية النشطة، فإن مجرات الانفجارات النجمية تسطع بمدى واسع من الأطوال الموجية. إن قدرا كبيرا من الطاقة التي تنتجها هو مجرد ضوء النجوم التي تكونت. وتنحو الانفجارات النجمية إلى أن تكون منابع ساطعة للأشعة تحت الحمراء التي تتولد عندما يقوم الغبار بين النجوم بامتصاص الضوء النجمي وإعادة إشعاعه. كما تولِّد الانفجارات النجمية كميات كبيرة من الأشعة السينية، التي تنطلق من النجوم الضخمة، وبخاصة حين موتها. ويواكب النجمَ الضخمَ دويٌ شديد ناجم عن انفجار مستعر أعظمي يولِّد مباشرة أشعة سينية، وينشر حطاما مصدرا لأشعة سينية حارة، ويخلف وراءه نجما نيوترونيا أو ثقبا أسود صغيرا نسبيا، قادرًا على تحطيم نجم رفيق وإصدار أشعة سينية. ويقوم الغاز المحيط به، الذي سخنه النشاط النجمي، ببث أشعة سينية أيضا. إن فكرة كون النوى المجرية النشطة مرتبطة بالانفجارات النجمية، لم تنجم عن كشف عبقري وحيد، بل نشأت تدريجيا وببطء. وهي تعود إلى زمن كان فيه الفلكيون يتحاورون ويبحثون عما يزود النوى المجرية النشطة بالطاقة. ومع أن جميعهم تقريبا في هذه الأيام يعزون النوى المجرية النشطة إلى ثقوب سوداء فائقة الكتلة، فلم تكن الحال بهذا الوضوح قبل 15 سنة تقريبا. ويحاجج فلكيون ـ ومنهم [من جامعة كمبردج] و [من المرصد الأوروبي الجنوبي] في أن النوى المجرية النشطة هي نمط من الانفجارات النجمية. وفي المقاريب الحالية، تظهر عقدة محكمة من النجوم الفتية وحطام لمستعر أعظمي، تماما مثل ثقب أسود فائق الكتلة. الحجج المؤيدة لوجود صلة لم تلق هذه الفكرة استحسانا إلا في أواخر الثمانينات، وذلك عندما بدأت المقاريب ذات الميز resolution العالي والتي تعمل بأطوال موجية متعددة، بكشف درجة تراص النوى المجرية النشطة: فوُجد أن قطرها يبلغ بضع سنوات ضوئية على الأكثر، وربما ينخفض إلى بضع دقائق ضوئية؛ وهذا حجم أصغر من أن يحتوي انفجارا نجميا. وحتى لو حشر حشد نجمي كامل في مثل هذا الحجم الصغير، فسرعان ما تندمج النجوم بعضها في بعض وتنهار مكونة ثقبا أسود. إضافة إلى ذلك، فغالبا ما تُرافق النوى المجرية النشطة بدفقات سريعة الحركة من المادة ـ كتلك التي يولّدها عادة ثقب أسود، لا انفجار نجمي. ومع أنه تبين أن النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية ظاهرتان مختلفتان، فإن هذه المناقشات هيّأت الفلكيين لقبول فكرة أنه ربما تكون هناك علاقة على نحو ما بينهما وتوجد الآن عدة شواهد رصدية تشير إلى هذه العلاقة. وتأتي هذه المكتشفات في تنوع مذهل يوحي بأنه كان لهذه العلاقة أثر في كل مكان من الكون. نظرة إجمالية /النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية ▪ أقوى ظاهرتين في المجرات هما النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية. أولاهما هي مصادر ضوئية قوية ومركزة ـ وربما كانت مادة تسقط في ثقب أسود ذي كتلة فائقة [الكوازارات هي أفضل مثال معروف عليها]. أما الانفجارات النجمية فهي انطلاقات نارية مجرية هائلة تتكون خلالها نجوم بسرعة مذهلة. ▪ كان الفلكيون يظنون أنه لا وجود لعلاقة بين النوى المجرية النشطة وبين الانفجارات النجمية التي غالبا ما تفصل بينها مسافات شاسعة. لكنهم اكتشفوا أن ثمة ارتباطا بين حدوث هاتين الظاهرتين. ▪ تُرى، هل تسبب النواة المجرية النشطة حدوث انفجار نجمي؟ أو أن العكس هو الصحيح؟ أو هل أن هاتين الظاهرتين نتيجتان لعملية واحدة؟ للجواب دور حاسم في فهم نشوء المجرات وتطورها. أول الشواهد مباشر أكثر من غيره. فقد رصدت المقاريب نوى مجرية نشطة في محاذاة انفجارات نجمية في مجرات قريبة. وكان إجراء هذه الأرصاد عملا صعبا يتطلب خبرة ومهارة لأن قلوب المجرات مملوءة بالغاز والغبار اللذين يحجبان الرؤية. وهنا يتدخل علم فلك الأشعة السينية، ذلك أن هذه الأشعة تخترق الغازات الكثيفة. ومع أن ميز مقاريب الأشعة السينية الحالية لا يضاهي ميز مقراب هبل الفضائي، فإن هذه المقاريب غالبا ما تولد صورا واضحة للمراكز الغبارية للمجرات. وتأتي مجموعة ثانية من الشواهد من مسح حديث لنحو 23000 نواة مجرية نشطة أجراه [من جامعة جونز هوپكنز] بالتعاون مع زملائه. وعندما قام هؤلاء الباحثون بإنعام النظر في صور تلك المجرات، استنتجوا وجود نوى مجرية نشطة أو انفجارات نجمية، مستندين في ذلك إلى قوة خطوط طيفية خاصة أخذت أكسجينا عالي التأين، وهذا علامة على وجود نواة مجرية نشطة، وامتصاص قوي للهدروجين، وفي ذلك مؤشر إلى وجود انفجار نجمي. لقد كان الاستنتاج الرئيسي أن المجرات التي فيها نوى مجرية نشطة قوية، تحوي عددا من النجوم الفتية أكبر بكثير مما تحويه مجرات مشابهة لا تحوي نوى مجرية نشطة. وكلما ازدادت قوة النواة المجرية النشطة، ازداد احتمال كونها مجرة تعرضت لانفجار نجمي ضخم قبل زمن قصير. واختصارا، أكدت هذه الدراسة أن الصلة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية ليست مجرد أمر عابر. ثالثا، إن المجرات التي تحوي نوى مجرية نشطة ليست الوحيدة التي يوجد فيها ثقوب سوداء فائقة الكتلة. فقد كشفها الفلكيون في مراكز مجرات غير نشطة أيضا. ويبدو أن الثقوب العملاقة موجودة أينما كان. وهي في معظم الوقت هاجعة وغير مرئية، كما أنها لا تولِّد نوى مجرية نشطة إلا حينما تسقط المادة فيها بمعدل كبير ومستدام. وقد بيّن< J . كورمندي> [من جامعة تكساس بأوستن] و [من جامعة ميتشيگان في آن آربر] وآخرون، وجود علاقة بين كتلة هذه الثقوب والكتلة الكلية للنجوم في المراكز المجرية: فكتلة الثقب الأسود تعادل نحو 0.1 في المئة من تلك الكتلة النجمية. وهذه العلاقة صحيحة بالنسبة إلى معظم (إن لم يكن جميع) مجرات النوى المجرية النشطة. لذا، ثمة عملية ما ربطت بين الثقوب السوداء المركزية وبين التكون النجمي. وتبين الخلافات التي طال أمدها بين الباحثين أنهم لا يدركون تماما هذه العلاقة. إن رابطة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية قد تُرصد حتى على بعد لا يتجاوز 24000 سنة ضوئية ـ في قلب مجرتنا نحن. فالحركات السريعة للنجوم والغازات حول مركز المجرة تفضح وجود كتلة مركزة تساوي كتلة 2.6 مليون شمس. وتدل الإصدارات الراديوية وإصدارات الأشعة السينية من هذا الموقع على أن هذه الكتلة هي ثقب أسود فائق الكتلة ـ ليس بالضرورة ثقبا نشيطا بل ثقب يلتهم المادة من وقت إلى آخر. وقد قدم بعضهم فرضية مفادها أن تلك الكتلة تعمل مثل نواة مجرية نشطة صغيرة، وتلتهم المادة المحيطة بها بمعدل يعادل واحدا من عشرة ملايين مما تفعله نواة مجرية نشطة حقيقية. ومع أنها غير مرافَقَةٍ حاليا بانفجار نجمي، فإن ثمة حشودا نجمية ساطعة تقيم قريبا منها. وربما كانت هذه النجوم بقايا انفجار تكوّن نجمي حدث قبل عدة ملايين من السنين. ثمة دليلان آخران يتضحان لدى عودتنا بالزمن إلى الوراء. فقد لاحظ الراصدون أن النوى المجرية النشطة والتكون النجمي كانا أقوى ارتباطا أحدهما بالآخر عندما كان عمر الكون عُشر عمره الحالي. في ذلك الوقت، كان ثمة نوعان شائعان من المجرات: المجرات تحت الحمراء الشديدة السطوع (التي تسمى ULIRGs)، والمجرات الراديوية التي يبدو أنها مجرات إما في طور مبكر من تكونها، وإما أنها مقبلة على اندماج مجري. وتحوي قلوبها كميات كبيرة ـ بلايين من الكتل الشمسية ـ من غاز بارد وكثيف. وهي تؤوي كلا من النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية الكثيفة. والمقاربة التاريخية الأخرى تذهب إلى نوى مجرية نشطة قصية وساطعة ـ وهي تحديدا الكوازارات. وهذه كثيرا ما تعيش في مجرات تسودها الفوضى، وتوحي أشكالها المشوهة وألوانها غير العادية بأنها في طور الاندماج وتوليد نجوم بمعدل عال. تشريح مجرة تحتوي مجرة حلزونية نموذجية 100 بليون نجم، معظمها موجود في أقراص مفلطحة. ويوجد قرب المركز انتفاخ نجمي. أما في المركز نفسه، فيوجد عادة ثقب أسود فائق الكتلة. وإذا كان الثقب يقوم بالتهام ما حوله بنشاط، فإن المادة الداخلة فيه تكوّن قرص تنام accretion disk أو يقذف بها خارجا على هيئة دفقة. وإذا كانت المجرة تمر بطور انفجار نجمي، فإن الغاز المتخلخل يتحول إلى نجوم بمعدل عال. وعلى مدى سنين، ظن الفلكيون أنه ليس ثمة علاقة بين الثقب الأسود والانفجار النجمي. وقد كانوا على خطأ. ثمة شاهد أخير يأتي من إشعاع الخلفية للأشعة السينية، وهو ابن عم أقل شهرة لإشعاع الخلفية الميكروي الموجة. وقد أماطت دراسات الخلفية اللثام عن حشد من النوى المجرية النشطة محجوب عن المقاريب الضوئية. ولهذا الحَجْب تفسير طبيعي: فقد كانت النوى المجرية النشطة مرافَقة بانفجارات نجمية ملأت المجرات بالغبار ربما حدثت الصلة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية وفق أربعة سيناريوهات عامة: فإما أن تكون النواة المجرية النشطة والانفجار النجمي هما شيئا واحدا، أو أن ثمة عملية ثالثة سببت النواة المجرية النشطة والانفجار النجمي كليهما، أو أن النواة المجرية النشطة هي السبب في الانفجار النجمي، أو أن الانفجار النجمي هو سبب النواة المجرية النشطة. فالسيناريو الأول هو نسخة محدودة من الفكرة القديمة القائلة بأن النوى المجرية النشطة هي مجرد نمط من انفجار نجمي. ومع أنه ثبت خطأ هذه الفكرة في معظم النوى المجرية النشطة، فقد تصح في بعضها. فمن الممكن التصور إمكان توليد النوى المجرية النشطة الضعيفة بوساطة نشاط نجمي متطرف بدلا من ثقب فائق الكتلة. ويمكن لهذا النشاط أن يحدث في منطقة صغيرة قد تفسرها المقاريب خطأ بأنها ثقب، ومازال الفلكيون مختلفين في قبول هذا السيناريو. أما السيناريو الثاني فهو أن "الصلة" التي نتحدث عنها هي مجرد مصادفة. فنفس العمليات تسمح بإعداد المسرح لحدوث جميع النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية. وعلى سبيل المثال، فإن اندماجا مجريا يمكن أن يدفع بعنف غازا باتجاه مركز النظام الذي تشكل حديثا، وهذا يولد انفجارا نجميا، ولدى توافر الوقود لثقب، تحدث نواة مجرية نشطة. ومن المثير للاهتمام أن النظرية تتنبأ بأن الوقت الذي يستغرقه ثقب أسود ليتحول إلى جسم ضخم فائق الكتلة (نحو 10 ملايين سنة) قريب من العمر النموذجي لانفجار نجمي، وهذا قريب أيضا من الوقت الذي تستغرقه مجرتان لتندمجا معا. بيد أن معظم الباحثين ميالون إلى السيناريوهين الأخيرين، اللذين يذهبان إلى أن الرابطة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية هي رابطة سببية. فالسيناريو الثالث يفترض أن ثقبا أسود ذا كتلة فائقة يُحدِثُ، خلافا لما هو متوقع، تأثيرا قويا في المجرة التي تؤويه. وربما يسحب الثقب مادة نحو مركز المجرة، وهذه عملية تسمح بحدوث تكوُّن نجمي. وقد اقترح هذا النموذج [من مرصد پاريس الفلكي] التي تحاجج في أنه عندما يكون ثقب في موقعه الصحيح، فإن الغاز يجري بطريقة طبيعية إلى قلب المجرة، ويزود نواة مجرية بسيطة بالوقود اللازم. ويقوم الغاز المتجمع مقام مادة أولية لانفجار نجمي. وهذه النظرية مقنعة، ذلك أن كثيرا من المجرات القريبة التي تؤوي نوى مجرية نشطة تحتوي أيضا على بنى غبارية داخل قلوبها، يمكن أن تكون مادة مسحوبة من خارج تلك المجرات. ومن ناحية أخرى، فليس لهذه البنى كلها الشكل المتوقع لها نظريا. وبدلا من أن يكون الانفجار النجمي ناتجا من تدفق للمادة إلى الثقب، فمن الممكن أن يحدث نتيجة تدفق خارجي للطاقة من الثقب. وعندما يبدأ ثقب أسود فائق الكتلة بالتهام المادة وتوليد نواة مجرية نشطة، فإن موجات للصدم ودفقات يمكن أن تندفع عبر المجرة. ويقوم الغاز بالتجمع على طول موجات الصدم ويتكثف متحولا إلى نجوم. وتشير أرصاد مرصد شاندرا لمجرة قنطورس A، حيث معدل التكون النجمي عال جدا، إلى أنه حدث انفجار نواة مجرية نشطة قبل نحو 10 ملايين سنة. وتقع على أطراف هذه المجرة حلقة من إصدارات الأشعة السينية قطرها زهاء 25000 سنة ضوئية، ربما نشأت نتيجة موجات صدم هذا الانفجار. وقد رافق الانفجار سلسلة من عمليات تكون نجمي، ومن ثم تراكبت حلقة الأشعة السينية مع أقواس من النجوم الفتية. للسيناريو، الذي يأتي فيه الثقب الأسود أولا، نتائج مثيرة للاهتمام. فالثقوب السوداء، قبل النجوم، ربما كانت أولى منارات للظلام الكلي الذي كان يهيمن على الكون الأولي. إضافة إلى ذلك، اقترح بعض الفلكيين أن الشمس وُلدت خلال انفجار نجمي. ولو أن هذا الحادث نجم عن نواة مجرية نشطة في درب التبانة، لكان الفضل في وجودنا يعود إلى ثقب أسود. حفر ثقب ومع ذلك، فإن للسيناريو الذي يأتي فيه الانفجار النجمي أولا، أكبر دعم نظري وعملي. ومن الممكن أن تكون الصلة ناتجة من نشوء نجمي عادي. فالانفجار النجمي يولد حشودا من النجوم، تكون فيها التصادمات النجمية عملية شائعة . إن النجوم الضخمة في الحشد تموت بسرعة وتتحول إلى نجوم نيوترونية أو ثقوب سوداء ذات كتل نجمية، وهذه الأجرام تتجمع كلها معا. وعلى مدى عشرات الملايين إلى مئات الملايين من السنين، فإنها تكوِّن ثقبا أسود أشد ضخامة. ثمة احتمال آخر هو أن ينشأ ثقب أسود ضخم عن نجوم خفيفة الوزن شبيهة بشمسنا لا تتحول عادة إلى ثقوب. ففي حشد كثيف، يمكن أن تتعرض هذه النجوم إلى عملية تصادمات فيما بينها، مكونة نجوما ضخمة؛ وهذه ينضم بعضها إلى بعض لتكون نجوما عملاقة كتلها أكبر من كتلة الشمس بين بضع مئات إلى بضعة آلاف من المرات. بعد ذلك تنهار هذه النجوم العملاقة لتكوِّن ثقوبا سوداء لها كتل مماثلة. وهذه العملية تستغرق أيضا قرابة 100 مليون سنة ـ وهذا زمن أقصر بكثير من عمر مجرة، وهو سريع بقدر يكفي لتكوّن الكوازارات المبكرة. أربع طرق للربط بين الثقوب السوداء والانفجارات النجمية 1 الانفجار النجمي يأخذ شبه الثقب مقراب ميزه غير كاف، يبدو الانفجار النجمي المتراص كثقب أسود نشط. 2 إن الانفجارات النجمية والثقب هما مصدر مشترك للوقود عندما تقترب مجرتان إحداهما من الأخرى... منطقة تتكون فيها النجوم ... تدفع القوى المدية الغاز نحو الداخل... ... حيث يغذي الثقب ويكوّن نجوما. 3 ثقب أسود يولّد انفجارا نجميا 4 انفجار نجمي يولّد ثقبا أسود في حشد نجمي قريب من مركز المجرة... إن ثقبا يتغذى بنشاط، يوجه دفقات نحو الخارج... ... تصطدم بعنف بالغاز المحيط بالثقب... ... مما يرفع ضغط الغاز ويجعله ينهار متحولا إلى نجوم. ... تموت نجوم ضخمة وتصبح ثقوبا سوداء، تندمج... ... لتصبح في نهاية المطاف ثقبا منفردا ذا كتلة فائقة. ومهما تكن الطريقة التي تُولَد بها، فإن الثقوب السوداء قد تنحو إلى الغرق في مركز المجرة. وكثير منها يمكن أن يندمج معا ليكون ثقبا أسود ضخما. وقد دعمت هذه الفكرة أرصادُ المجرة NGC 6240، التي يدور فيها ثقبان أسودان فائقا الكتلة كل حول الآخر، وينتهيان بالاندماج. وتستطيع الثقوب السوداء المفرطة في كتلها الاستمرار في النمو عن طريق التهامها للمادة المحيطة بها. وحتى الحشود النجمية التي تتكون في البقاع النائية من مجرة، يمكنها تقديم كتلة إلى الثقب المركزي. وهذه الحشود تفقد ببطء طاقة حركية وزخما زاويا angular momentum بسبب حدوث احتكاك بمقياس مجري تسببه تفاعلات دينامية وتثاقلية مع سائر المجرة. لذا فهي تتجه بحركة لولبية نحو الداخل، وينتهي بها المطاف إلى التمزق إربا بفعل القوى المدية. وعلى مدى بلايين السنين، يمكن لهذه العملية حقن الثقب الأسود المركزي بكتلة تعادل عشرات الملايين من كتلة الشمس. إن اضطرابات القرص المجري، التي تحدث نتيجة التفاعلات أو الاندماجات، ربما تصب وقودا أيضا داخل الثقب الأسود. مشكلة مزدوجة: مثلما يوحي الشكل الغريب الذي يشبه الفراشة [في الأعلى]، فإن NGC 6240 ليست مجرة واحدة وإنما زوج من المجرات اندمج حديثا. ويظهر أنه لا يوجد في هذا النظام ثقب واحد، بل ثقبان أسودان فائقا الكتلة، يبدو أنهما منبعان منفصلان للأشعة السينية [دائرتان زرقاوان في الصورة السفلى]. إن إصدار منبعي الأشعة السينية لغاز منتشر diffuse [اللون الأحمر] على تكون نجمي سريع. إن المجرتين NGC 6240 مثال معهود على الكيفية التي تحدث وفقها معا الثقوب والانفجارات النجمية والاندماجات المجرية. أوزان متوسطة يتنبأ النموذج، الذي يأتي فيه الانفجار النجمي أولا، بحشد جديد تماما من الثقوب السوداء، التي كتلها تقع بين كتل الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، وكتل الثقوب السوداء الفائقة الكتل. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، برزت أدلة ظرفية على هذه الثقوب ذات الحجم المتوسط التي تتخذ شكل ما يسمى منابع الأشعة السينية البالغة السطوع ultraluminous x-ray sources. هذه المنابع التي عُثر عليها في عدة مجرات قريبة، تُصدر من الأشعة السينية قدرا يعادل عدة مئات من المرات مما تُصدره النجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية. وربما تكون هذه نجوما نيوترونية ضوؤها يسير باتجاه واحد، مما يجعلها تبدو قوية بشكل غير عادي. بيد أن ثمة شواهد آخذة في التزايد تشير إلى أنها في الحقيقة ثقوب سوداء كتلها تصل إلى عدة مئات من كتلة الشمس. في عام 2002، عثر فريقان من الفلكيين، يقودهما [من معهد علوم المقراب الفضائي في بالتيمور] و [من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس] على إشارات خفية تدل على وجود ثقوب متوسطة الكتلة في مركزي الحشدين النجميين الكثيفين M15 وM31-G1. وفي هذين الحشدين، تتحرك النجوم بسرعة كبيرة جدا بحيث لا يستطيع اعتراضها سوى أجسام كتلتها 2000 كتلة شمسية في الحشد الأول، و 000 200كتلة شمسية في الحشد الثاني. وهذه "الأجرام" ليست بالضرورة ثقوبا سوداء كبيرة ـ إذ يمكن أن تكون مجموعة من النجوم النيوترونية أو ثقوبا سوداء صغيرة. بيد أنه لو كانت هذه هي الحال، لانتهت بالاندماج وتوليد ثقب أسود كبير. هل هذا دليل إثبات قطعي؟ توحي المنطقة المركزية من المجرة NGC 253 [في اليسار] أن الانفجارات النجمية يمكن أن تولِّد ثقوبا سوداء مفرطة الكتل. ومنابع الأشعة السينية [الدوائر في الصورة اليمنى] الخمسة هي أشد سطوعا من الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، لكنها أعتم من الثقوب السوداء ذات الكتل الفائقة. وقد تكون هذه المنابع ثقوبا سوداء من حجم متوسط، وهذه مرحلة متوسطة في عملية توليد ثقوب كبيرة من اندماجات نجوم ميتة. إن الشكل الضبابي الظاهر في صورة الأشعة هو غاز يرتبط بالتكون النجمي. وحديثا، اكتشف و< R .ماشوتسكي> [من مركز كودارد للطيران الفضائي التابع للوكالة ناسا] أن ضوء أحد منابع الأشعة السينية البالغة السطوع، الواقع قرب مركز مجرة الانفجار النجمي M82، يتذبذب بدور قدره نحو 18 ثانية. وهذا التذبذب أبطأ من أن يصدر عن سطح نجم نيوتروني، وأسرع من أن يصدر عن مادة تسبح في فلك حول نجم. ولو صدر هذا الضوء، بدلا من ذلك، عن مادة تدور في فلك حول ثقب أسود، لكان من الممكن أن يحوي الثقب كتلة تعادل عدة آلاف من كتلة الشمس. وفي المجرة الحلزونية NGC 131 وجد [من مركز هارڤارد السميثسوني للفيزياء الفلكية] وزملاؤه، اثنين من منابع الأشعة السينية البالغة السطوع، حرارتهما أخفض مما هي في الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية. وتتنبأ النظرية بأن درجات الحرارة قرب الثقوب السوداء تتناقص مع تزايد كتلها، لذا فإن كتل الثقوب في المجرة NGC 1313 يجب أن تكون أكبر مما هي في الثقوب ذات الكتل النجمية. إن الثقوب من الوزن المتوسط المرشحة لا تقع في مراكز مجراتها المضيفة، ومن ثم لم تؤيد بقوة صلتها بالعلاقة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية. لكن دراساتي لمجرة انفجار نجمي قريبة، وهي NGC 253، وفَّرت بعض الأدلة المباشرة. فقبل عام 1995، كان الفلكيون يعتقدون بأن الأشعة السينية العالية الطاقة الصادرة عن هذه المجرة، نشأت في الغازات الحارة المرتبطة بالانفجار النجمي. لكنني وجدت في ذلك العام (1995)، تلميحات إلى وجود ثقب أسود في طيف الأشعة السينية. بيد أنني وزملائي لم نتمكن من الحصول على صورة للأشعة السينية لهذه المجرة من مرصد شاندرا إلا عام 2001 لقد وجدنا خمسة منابع للأشعة السينية البالغة السطوع ضمن 3000 سنة ضوئية في داخل المجرة NGC 253. ولأحدها، الواقع في مركز المجرة تماما، سطوع يعادل نحو 100 مرة من سطوع نجم نيوتروني أو ثقب ذي كتلة نجمية، وهذا يوحي بأن له كتلة تعادل نحو 100 كتلة شمسية. وقد يكون ثقبا أسود حدث خلال عملية تحوله إلى نواة مجرية نشطة. وربما تجري سلسلة الحوادث على النحو الآتي: يحدث انفجار نجمي قرب مركز المجرة، والنجوم الضخمة التي تكونت بهذه الطريقة تنهار وتندمج لتكوِّن ثقوبا سوداء خفيفة الوزن، ثم تندفع بحركة لولبية إلى المركز المجري وتندمج، غارسة بذلك بذور ثقب فائق الكتلة. ومع انخفاض قوة الانفجار النجمي، يبدأ الثقب الأسود ذو الكتلة الفائقة بتوليد نواة مجرية نشطة. إن دراسة الكيفية التي يؤثر بها نشاط انفجار نجمي في تزويد ثقب ذي كتلة مفرطة بالطاقة وفي نموه، يجب أن تزودنا بفكرة عن ولادة أقوى النوى المجرِّية النشطة، ألا وهي الكوازارات. وقد فكر الفلكيون طويلا في سبب أن الكوازارات في بدايات الكون أقوى بكثير من النوى المجرية النشطة الموجودة حاليا. وببساطة، ربما كان السبب، هو أنه كان في الكون المبكر أحداث أكثر تكرارا لتكوّن النجوم، وقد أطلقت هذه الأحداث العنان لتكوّن عدد أكبر من النوى المجرية النشطة. معلوم أن الوضع أعقد من مجرد حدوث مباشر لنمط من النشاط بفعل نشاط آخر. فقد تنتقل المجرات بين طور نواة مجرية نشطة وطور انفجار نجمي. وعند تراكب الطورين، يمكن للفلكيين مشاهدة كلتا الظاهرتين معا. إن النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية يمكن أن تنشأ حتى في وقت واحد. ولا تستطيع الأرصاد الحالية إثبات ما إذا كانت النواة المجرية النشطة تأتي أولا، أم أن الانفجار النجمي هو الذي يأتي أولا، أم أنهما يأتيان معا. ولا بد من الإجابة عن هذا السؤال المحير بعد استعمال الجيل التالي من المقاريب. وستوضح الأرصاد بوساطة المقراب الفضائي المسمى Space Infrared Telescope Facility، الذي تخطط الوكالة ناسا لإطلاقه، الصلة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية في أقدم المجرات. وسيكون العلماء قادرين على المقارنة بين بيانات (معطيات) الأشعة تحت الحمراء والضوء المرئي والأشعة السينية، ليقرروا ما إذا كانت النوى المجرية النشطة، أم الانفجارات النجمية، هي التي كانت المهيمنة خلال تكون المجرات. ويمكن أن يحدد ذلك أيهما حدث أولا. ومن المهم أيضا اكتشاف عدد أكبر من المجرات القريبة مثل المجرة NGC 253. ربما كانت الصلة بين النوى المجرية النشطة والانفجارات النجمية هي الرابطة الأساسية بين الأجيال المتعاقبة في الكون. فالثقوب السوداء تمثل الجمر المتجمع المتخلف عن نجوم سالفة؛ أما الانفجارات النجمية فتمثل ولادة نجوم فتية مفعمة بالطاقة. وربما كان من الضروري وجود هذه الشراكة بين القديم والحديث لتأخذ المجرات شكلها، ومن ضمنها مجرتنا. ▪ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |