قاسم حسين : نوّاب الشنق وقطع الرقاب!

محروم.كوم · #1 02-25-2010, 08:50 PM

افتتحنا شهر فبراير/ شباط بتكريم روّاد الصحافة الأوائل، ونختتمه بدعوة أحد النواب بشنق الصحافيين والحمد لله!

ففي الأول من الشهر الجاري، وفي خطوةٍ مشكورةٍ ومقدّرةٍ، كرّم اتحاد الصحافة الخليجية مؤسسي ورواد الصحافة في البحرين، بحضور وزيرة الثقافة والإعلام، وعدد من السفراء والإعلاميين من داخل وخارج البحرين. يومها سألني أحد السفراء الأجانب: ماذا كتبت اليوم؟ فأجبته ضاحكا: «طالبت بمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان... بوش وبلير ورامسفيلد وهندرسون»! أما أمس، فطالب أحد النواب بشنق من ينتقد سياسة التجنيس، وكنّى عنها بانتقاد القبائل العربية! ونسي أن من يطالب بشنقهم عربٌ أقحاحٌ (pure arab) مئة بالمئة.

المطالبة بقانون عصري متنوّر أصبح مطلبا يردّده جميع رموز الحكم والمعارضة، باستثناء بعض الأصوات النشاز، الذين لا يخجلون من الدعوة جهارا إلى قمع الصحافة، حتى خرج أحدهم أمام البرلمان ليدعو إلى شنق الصحافيين. ولو أتيحت لهؤلاء فرصة التحكّم في رقاب الناس لأعادوا إحياء محاكم القرون الوسطى، ولسالت بالدماء الأباطحُ!

وتسأل: أين موقع هذا الحكم القراقوشي المضحك من أحكام القرآن الكريم؟ وأينه من السنة النبوية الشريفة؟ وأيّ شريعة أو دين يعاقب الشتم بالشنق؟ أم إنها العصبية الجاهلية التي حاربها الإسلام، يوم كان يتبجح بعض الأعراب الجفاة بقتل مئة إنسانٍ بسبب ناقةٍ أو بعير؟

هذا الحكم لا يصدر إلا عن نزعةٍ دمويةٍ دفينة، تحتاج إلى تحليل سيكولوجي، قبل أن تستفحل ويعم بلاؤها، فهي التي أخرجت للعالم شخصيات سيكوباثية مريضة مثل دراكولا وجنكيزخان وأتيلا وهتلر وموسوليني وغيرهم من مصّاصي الدماء!

ثم هل الشنق وحده يشبع الشخصيات السادية؟ أم لابد أن يسبق الشنق عمليات «تعزير» و»تأديب» أخرى، مثل التعليق في مروحة السقف، والصعق بالكهرباء في الأعضاء الحسّاسة، والتوقيف عشرة أيام للحرمان من النوم حتى يدخل الصحافي مرحلة الهلوسة؟ وما رأيك بقلع الأظافر وتمرير المكواة على الجلد؟ أليس ذلك أشفى للغليل وأذهب للضغائن والأحقاد؟

إننا في بلدٍ متحضّرٍ يحكمه قانون ومؤسسات وقضاء، ولسنا في غابةٍ أو صحراء أو بادية، تحكمها الثارات والعصبيات. فالشنق أو الإعدام لمن قتل نفسا بغير حق، كما يشير القرآن الكريم، وليس لمن اختلف معك في الرأي أو شتمك وشتمته! أين هذا المنطق البربري من شرعة حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية؟

لا أدري كيف سينظر السفراء العرب والأجانب لمثل هذا التصريح الأعوج، في اليوم الذي يناقش فيه البرلمان مشروع الصحافة الجديد. أليس معيبا أن يتكشّف أحد النواب عن مثل هذه النزعة الدموية، وأن تشترك معه إحدى الشوريات المتوترات الداعيات لقمع الصحافة وقطع أيدي الصحافيين؟

نحمد الله على أن هذه الأصوات مازالت نشازا، وأن أغلب تصريحات النواب والشوريين كانت إيجابية، بل إن القانون نفسه صادرٌ عن مقترح تقدّم به مجلس الشورى نفسه، رغم غلبة الاتجاه المحافظ عليه.

تلك أمنية هذا النائب وأشكاله، أن يقطع أصابع الصحافيين ويعلّق أجسادهم على المشانق، ولكن الوسط الصحافي كله مستبشرٌ بقرب ولادة قانونٍ جديدٍ يليق بالبحرين وماضيها الصحافي العريق، ولن يتمكن الدمويون من شنق قلمٍ واحد، وكما قال جرير: زعم الفرزدق أن (سيشنق) مربعا... فابشر بطول سلامةٍ يا مربعُ! __DEFINE_LIKE_SHARE__