من الأجدى لعبدالوهاب حسين أن يستمر في وضْعه الذي أرساه قبل أربعة أعوام. تحتاج التيارات الدّينيّة كافة إلى نموذج حسين، وأعني تحديداً الوجهَ النقدي لهذا النّموذج. من الطبيعي أن يُثير موقعه السّياسي - أو بالأحرى مواقعه السياسيّة المختلفة - اختلافات كثيرة، وقد لا يُشكّل وجوده عند البعض المناخَ الأنسب لخلق التّسويات التطبيعيّة، ولكن الإشارة هنا إلى تركيبته غير المتكرّرة والتي بات يُمثّلها داخل التكوين الدّيني للبحرين ولتيار عريض تموجُ فيه كلّ الأفكار والهواجس والتقلّبات. من المعترك الذي تولّدت منه الجماعة الدّينيّة، جاء عبدالوهاب وانطلق. آمنَ بأبرز عناوين الجماعة وهويّتها، وتحلّى بدرجةٍ خاصةٍ من التميّز الدّيني، وقد شهِد له بذلك رموزٌ كبار، من قبيل خطاب الشّيخ عيسى قاسم في استقبال عودة حسين من رحلة العلاج الأولى. بسبب المباشرة الحيّة لجدل الدّين والواقع (التنظير الدّيني للممارسة السياسيّة) صادفَ حسين الكثير من الظواهر والتناقضات، ووقعَ في الكثير من الاشتباهات والصّدمات، واكتشف عدداً كبيراً من الأخطاء والانفعالات؛ بعضها كان شريكاً فيها بشكل أو بآخر. استجمعَ كلّ ذلك وحوّله إلى مادةٍ للقراءة والاستنطاق النقدي، ويوماً بعد يوم تخلّقت المعالجة النقديّة في شخصيّته، وبطريقةٍ جمعت الجرأة والصّراحة وقدراً من الاعتداد بالرّؤية الذاتية ومراعاة مشاعر الآخرين، وقد أثارت نقديّاته - حتّى السّاعة - حفيظة الأقربين قبل غيرهم. من الحرّي هنا أن يُواصل حسين تأكيده على الطابع الدّيني لأفكاره الناقدة، وأنّ المنظور الدّيني بالنسبة إليه متقدّم على أيّ منظور آخر. ذلك يعني الدّعوة مجدّداً إلى ممارسة المهمّات الكبرى في السّاحة الدّينيّة البحرينيّة: كسْر احتكاريّة التمثيل الدّينيّ وأحاديّته. إعادة الاعتبار للتديّن الأيديولوجي - على بعض علاّته - في قبال التديّن الحزبي وتديّن الطوارئ السّياسيّة. تفكيكُ آليات التوظيف المسيّس للشّعارات الدّينيّة، بما فيها مقولة الحكم الشّرعي والمرجعيّة الدّينيّة، والاستقواء بها لتحقيق الانتصارات السّياسيّة ''الصّغيرة''، وتكميم العقول والأفواه، والتخويف من إبداء الآراء المخالفة للمشهور والسّائد والغالب.
سوف يكون مفهوماً، بعد ذلك، عدم استطاعة حسين الاستمرار على رأس جمعيّة دينيّة مثل ''التوعية الإسلاميّة''، بعد أن أخذ يشعرُ تدريجياً بخيبة الأمل إزاء القيادة العلمائيّة التي سعى بكلّ عنفوان لتثبيتها قبل أن يراها تسلكُ مساراً غير قريب من القيم (المُثل) القياديّة التي آمن بها ونظّر من أجلها ولازال. في هذه الحال، وتأسيساً عليها، يمكن القول بأنّ المشروع الحقيقي لعبدالوهاب حسين هو ''الإصلاح الدّيني'' أولاً وأخيراً، ومن الأفضل الاسئناس بهذه النافذة لأجل استيعاب مجمل اشتغالاته الفكريّة والدّينيّة - وفي عرْضها حركته السياسيّة - وتحديد طبيعة الرؤية التي ينطلق منها، وبالتالي الفوائد المرجوّة التي يمكن انتظارها. الامتياز الذي يختصّ به عبدالوهاب هو أن خطواته الصّعبة، ولكن الوقورة، في الإصلاح الدّيني اقترنت بالتنظير والممارسة معاً. لا يمكن القوْل بأنّ جهازه المعرفي مكتمل البناء وكامل الفرادة، ومن المجازفة الإدّعاء بأن الطريق أمامه ميسورة وهو ''الأفندي'' غير الحائز رسميّاً على شكلانيّة الانتساب للمؤسّسة الدّينيّة، وإنْ مارس أدوارها وتفوّق فيها على معمّمين كُثر. المؤكّد قبل ذلك أنّ حسين ليس الإسهام الجدّي المحلّي الوحيد في الإصلاح الدّيني، فهناك أسماء أخرى، وإنْ كانت محصورة. إلا أنّ إصلاحيّته تختلف في كونها تعتني بترتيب بنائها الفكري، وإسباغه بالواقعيّة والاتصال بالمعيوش، وبشعاراتها المثاليّة المسنودة بالمساعي العمليّة للإنجاز وتقديم التطبيقات، التي يحقّ للآخرين الاختلاف معه فيها. ضمن ذلك، تُحقّق إصلاحيّة حسين اقترابها من الجمهور، وإشراكه فيها وليس التفذلك والتّعالي عليه، وهي خاصّية نادرة في سِير الإصلاح والإصلاحيين.
الخلاصة: كلّ الجماعات الدّينيّة تحتاج إلى النقد الداخلي المتجانس، لا النقد المتعاكس. ليس ببعيد عنّا النماذج ''الصّاروخيّة'' التي أشعلت نفسها بدعوى نقد الذات الجماعيّة، ولكنها لم تقدّم شيئاً حقيقيّاً على طريق الإصلاح الدّيني، فهي كانت تحرق ذاتها لكي تبني من رمادها أحلامَها الشّخصيّة. الخروج من/ على الجماعة ليس هدف الإصلاح الدّيني، وليست هي النتيجة المنتظرة من الإصلاحيين. أيّ نقدٍ لا يرتسم وفق معايير الإصلاح هو مجرّد كلام، ومحاورة في الفراغ، وربّما هرطقات.
__DEFINE_LIKE_SHARE__