ورد عن مولانا وإمامنا الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه) توقيع بخط يده "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم". في زمن حضور الأئمة ترجع الأمة فيما تحتاجه إلى الإمام المعصوم (عليه السلام)، وأما في زمن غيبة الإمام فإلى من ترجع الأمة فيما يستجد من قضايا ويطرأ من حوادث ومشاكل يتطلب منها موقفا؟ التوقيع الصادر يرجع الأمة إلى الفقهاء " فارجعوا " أي ارجعوا للفقهاء في كل الحوادث والقضايا الاجتماعية والسياسية وارجعوا لهم في العقيدة والفكر والثقافة والمفاهيم والأحكام. والعلماء في لسان الروايات اقرب الناس إلى درجة النبوة وهم ورثه الأنبياء وكأنبياء بني إسرائيل وان مدادهم يوم القيامة يرجح على دماء الشهداء وكفلاء أيتام آل محمد. فالأمة تيتمت بغياب إمامها الثاني عشر (عجل الله فرجه) وهذا يُتم اشد من يتم فقد الأب، ولكن الإمام نصّب كفلاء لأيتام آل محمد يقومون بشئونهم ويرعون مصالحهم ألا وهم الفقهاء، فعن الإمام الرضا (عليه السلام ) يقال للفقيه يوم القيامة: "يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لمن أخذ عنك". هذا مقام العلماء عند الله، تكريم ومنزلة وثناء أما أعداء الدين فلهم موقف آخر موقف على النقيض تماما، وهو موقف لا يختلف عن طبيعة موقف أعداء الدين تجاه الرسل والأنبياء، وهذا ما تقتضيه الوراثة، فالعالم وريث والوراثة وراثة خط ومبادئ، ووراثة دور ووظيفة، لا وراثة دينار ودرهم، وهذه الوراثة لها ثمنها وضريبتها. فهناك تشابه بين التحديات التي واجهت الرسول والمعصومين وبين التحديات التي تواجه العلماء، وهناك تشابه في طبيعة العدو ومنطلقات العداء والمواجهة، فالاتهام بالجنون والسحر والشعر والكهانة والكذب ونزعة الهيمنة والتحكم والتصفية المعنوية والتشويه التي تم بها مواجهة الأنبياء، يُرمى اليوم بها العلماء فاتهامهم بأنهم يخدرون الأمة وأنهم دكتاتوريون وغيرها من التشكيكات في نزاهتهم ومواقفهم. فذات المنطلقات والأهداف، ونفس أدوات المواجهة، ونفس الأساليب التي استعملت بالأمس مع المعصومين تستعمل اليوم مع العلماء لإقصائهم عن مسرح الحياة، فكم من دم فقيه سفك؟ وكم من عالم كبير قتل؟ ولو تُلاحظ فترة الغيبة الكبرى التي امتدت قرونا، بل لو اقتصر على المدة الأقل، على مدة العقدين الأخيرين أو الثلاثة، لكان الرقم كبيرا من قافلة الفقهاء الشهداء فالشهيد الصدر الأول والثاني والشيخ الغروي والبروجردي والسيد الحكيم والمفكر الشهيد المطهري والسيد البهشتي ودست غيب وعشرات العلماء. ثم إنه كلما كان العالم الفقيه أكثر وعيا وأكبر مسؤولية وأكثر قدرة وقوة على إحياء الاسلام، كان الأوفر حظا من العداء والمواجهة، والسيد الإمام روح الله نموذجا. والكلمة التي تُنسب للشيخ بهجت في حق الإمام بعد رحيله عميقة ومعبرة وهي "طمع الكفر في الاسلام بعد رحيله"، نعم ما بغض الكفر في هذا العصر عالما فقيها كما بغض السيد الإمام، وما واجه وحارب بشراسة وضراوة عالما كما كان شرسا في مواجهته وعداءه مع السيد الإمام، فيوم رحل السيد من الدنيا كان يوم عيد من أعياد الاستكبار، إلا أنه عيد لم يستمر وما لبث أن تحول إلى مأتم بعد أن انتخب مكانه سيد فقيه جليل وهو السيد الخامنئي. وبمناسبة رحيله أذكر صفة واحدة من صفاته وهي أن الإمام ذا بصيرة نافذة، وهذه صفة مهمة خصوصا لمن يتبوأ موقعا متقدما، فكان (رضوان الله عليه) يرى الشيء كما هو بحقيقته، لا يراه ضده أو نقيضه كما يراه البعض أوتلتبس عليه الحقائق، أما السيد فيرى الصديق صديقا، ويرى العدو عدوا، ولنفاذ بصيرته يدرك حجم العدو وخطورته، ولذا يبين للأمة ويحذرها ويتحرك لدرء الخطر. يوظف (رضوان الله عليه) بما يملكه من بيان راق وأسلوب جذاب لتنبيه الأمة من العدو وخطورته فيقول: كان رجل له وجه مخيف وذات يوم قام بحمل طفل فأخذ الطفل بالصراخ والبكاء كلما رأى ذلك الوجه بينما الرجل يقول للطفل لا تخف أنا هنا معك وقريب منك لاحظوا الرجل يطمئن الطفل بما يخاف منه، ويضيف (رضوان الله عليه): إن أمريكا حالها حال ذلك الرجف المخيف، فهي تأتي للشعوب وتقول لا تخافوا اطمئنوا أنا قريبة منكم بينما معاناة الشعوب من الحروب والدمار وعدم الاستقرار بسببها فهي الداء فكيف تكون الدواء؟ّ! روح الله ببصيرته بصّر الملايين ورسم لهم درب العزة والكرامة وأحيا في نفوس المحبطين الآمال، ولذا عادوه وحاربوه لأنهم خافوا وعيه وشجاعته وسياسته وبصيرته على دنياهم. أيها الأخوة والأخوات، إن السيد الإمام المصداق البارز للعالم الذي ينقذ الأمة ويحميها ويحافظ على دينها، إنه نعم المصداق لرواية الإمام السجاد (عليه السلام) فقد روي عنه أنه قال: "لو لا من يبقى بعد غيبة قائمنا (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا وارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسّكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك الأفضلون عند الله". فالفقيه الذي يربط الناس بالإمام المهدي (عليه السلام)، ويدافع عن دينه بعلمه ومواقفه وحججه، هو ضمانة للأمة من الارتداد عن الدين، ولقد كان الإمام المدافع عن دين الله وقد أنقذ بثورته الملايين وقادها نحو الاسلام، فالإمام أحيا المسجد والصلاة، وأحيا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحيا ثقافة الانتظار والارتباط بالإمام، إنه العالم الرباني الذي أحيا الاسلام، فالسلام على روحه الطاهرة، ورحم الله من قرأ سورة الفاتحة لروحة المباركة. .........................المركز الاعلامي انشرة المؤمن الإسلامية في قرية الدير
__DEFINE_LIKE_SHARE__
|