|
إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...
انضم الينا
#1
| ||
| ||
كان موضوع التعدد في الزواج مثار نقاش وجدال وأخذ ورد منذ القرن الماضي ولا يزال، بل نرى اليوم الحديث عنه أكثر حيوية وبشكل متزايد. وهذا ما يدعونا إلى النظر فيه بمنظار عقلاني وشرعي وواقعي جميعا. وفي هذا المقال سأجتهد في ملامسة هذا الموضوع عبر المطالب الآتية: أولا: الأصل في الزواج التفرد، والتعدد فرع عنه: إن الأصل في الزواج أن يتزوج الرجل امرأة واحدة، ومن الأدلة على ذلك: أ- لما خلق الله سيدنا آدم، خلق له من نفسه أمَّنا حواء، فكانت له زوجا، ولم يكن له سواها بالإجماع. ب- جمهور العلماء على أن النكاح (أي: الزواج) مندوب في الأصل،(1) ويتحقق هذا الندب بمطلق الزواج، فلو اقتصر الرجل على واحدة كان قد حقق الغاية التي أراد الله تعالى من الزواج. وحتى المذهب الظاهري الذي جعل الزواج فرضا وواجبا قال إن هذا الواجب يتحقق بمطلق الزواج وليس بشرط التعدد. والقول بأن الأصل في الزواج هو التزوج بواحدة لا يتنافى مع مبدأ التعدد، ولكن يتكامل معه، فالتعدد -كما سنرى- هو حل طارئ يُلجأ إليه عند انتفاء موانعه وتوفر أسبابه وشروطه. فهو فرع عن التفرد. ثانيا: مشروعية التعدد: من المعلوم من الدين بالضرورة أن التعدد مشروع، بالكتاب، كما في قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع…الآية} [النساء:3]. ومشروع بالسنة القولية والفعلية المتواترة، فقد عدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعدد معه الصحابة والتابعون وأتباعهم. وبالإجماع أيضا، فلا نعرف أحدا من العلماء أنكر أصل مشروعية التعدد، وإنما اختلفوا في شروطه، وهذا لا يضر في أصل مشروعيته. والشريعة الإسلامية الغراء لا تشرع أمرا إلا لمصلحة فيه قطعية، ولا تنهى عن أمر إلا لمفسدة فيه قطعية. فالتعدد ولا شك أنه يحقق مصلحة شرعية، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. ثالثا: التعدد حل من الحلول الاجتماعية وليس نزوة وشهوة: كي نفهم مراد الشارع من التعدد ينبغي أن نفهم مراده أصلا من الزواج، فما هي الغاية من الزواج؟ عند مراجعة نصوص الشريعة ومقاصدها يظهر أن للزواج غايات ومقاصد، على رأسها: أ- بناء أسرة على منهاج الله تعالى، يحضر فيها السكون والمودة والرحمة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم:21] ب- الإحصان والعفاف وتجنب السقوط في الرذيلة، ومن النصوص الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(2). ج- رجاء النسل والولد، فالأبناء من أعظم غايات الزواج، وبهم يستمر نسل البشرية، ويحصل القصد الإلهي من الاستخلاف والتعمير في الأرض. من خلال هذه الأهداف وهذه المقاصد (وهي بعض من الكل)، نستنبط أن الزواج وسيلة إلى هذه الغايات، فهو وسيلة وليس غاية في حد ذاته. ولكنا نحن اليوم أصبحنا ننظر إلى الزواج على أنه غاية في حد ذاته، لذلك أصبح عسيرا، وأصبح التعدد شبه مستحيل. نأتي الآن إلى المقصد من التعدد؛ إذا نظرنا إلى التعدد نظرة متأنية مستصحبين المسألة التي ذكرناها في البداية من أن الأصل في الزواج التزوج بواحدة، أدركنا ان التعدد يُشرع للحاجة، وليس للتفكه والتنزه، فهو مسؤولية عظيمة وجسيمة. فالتعدد له أسبابه ودوافعه الشرعية، منها: أ- أن يحتاج إليه الرجل احتياجا حقيقيا، كأن يكون بعيدا عن زوجته لمدة طويلة. أو أن تكون زوجته مريضة لا تطيق الوطء ونحوه من الحقوق الواجبة له عليها، مما لا يستطيع الرجل -عادة- الصبر على فقدانها. أو أن تكون الزوجة عاقرا ممن لا يلدن، فيعدد جلبا لهذه المصالح الشرعية. ب- أو أن يكون التعدد حلا من حلول المشاكل الاجتماعية، كأن يكون النساء أكثر من الرجال، فيُشرع التعدد ويُرغّب فيه من أجل أن يحصن جميع بنات المسلمين. ولكن هذه الحاجة تقدر بقدرها. رابعا: شروط التعدد وموانعه: إن التعدد لا يُباح ولا يُشرع إلا إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه، وأهم شروطه: 1- العدل بين الزوجات في المسكن وفي النفقة وفي القسمة وفي المبيت وفي الزيارة… فكل ما يستطيعه الرجل ويدخل تحت قدرته لا بد وأن يعدل فيه، أما ما لا طاقة له به كالحب والميول القلبي ونحوه، فأمره إلى الله تعالى. وقد كان لكل واحدة من نساء النبي عليه السلام حجرتها الخاصة واستقلالها الخاص عن الباقيات، كما أنه عليه السلام كان يعدل في قسمته بينهن والمبيت عندهن، فإذا أراد أن يبقى عند إحداهن أكثر من مدتها القانونية استأذن الأخرى؛ فإن أذنت له بقي وإلا فلا، وكثيرا ما كانت نساؤه رضي الله عنهن يتنازلن عن حقهن في المبيت لعائشة رضي الله عنها؛ لأنه عليه السلام كان يحبها أكثر من غيرها، فكُن يهدين ليلتهن لها تقربا من النبي عليه السلام لشدة حبه لها. وهذا مشهور في كتب الحديث. وهذا يدل على أن الرجل ولو كان محبا لواحدة من نسائه أكثر من الأخرى فلا يجوز له أن يمكث عندها أكثر مما يمكث مع الأخرى(3). وقد شرط الله تعالى التعدد في الآية بالعدل، فإذا انتفى العدل مُنع التعدد. قال تعالى في نفس الآية: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}. أما قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} [النساء:129]، فالمقصود به العدل في الميول القلبي، وهو فوق طاقة الإنسان، فلو كان شرطا في التعدد لمنع البتّة ولم يشرع أصلا؛ لأنه ولا بد أن يكون الميول القلبي لزوجة أكثر من أخرى كما رأينا مع النبي عليه السلام وعائشة، وقبلها خديجة رضية الله عنها، وهذا كما يكون الميل من الأب لأحد الأولاد أكثر من الباقي، فهذه غريزة إلهية لا يُلام عليها الإنسان(4). وقد كان عليه السلام يعدل في الأمور المادية، ثم يسأل الله تعالى العفو في الأمور القلبية. فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه، فيعدل. قال عفان: ويقول: “هذه قسمتي” ثم يقول: “اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”»(5). وقد ثبت أنه عليه السلام كان يحب خديجة رضي الله عنها أكثر من جميع نسائه، ثم كان يفضل بعدها عائشة على باقي نسائه،(6) دون أن يكون لهذا الحب وهذا التفضيل تأثير في الأمور الواجبة عليه تجاه باقي زوجاته رضي الله عنهن. 2- أن يكون التعدد له دواعيه وأسبابه المذكورة آنفا. فلو كان التعدد لمجرد التفكه والاستمتاع، فهل يكون جائزا أو ممنوعا؟ المسألة فيها نقاش. ولكن بالنظر إلى غايات الزواج نجد الشارع قد ركز على غايات أسمى من مجرد الاستمتاع، وإن كان الاستمتاع إحدى هذه الغايات. 3- أن لا يكون عقد النكاح قد بُني على شرط عدم التعدد، فإذا اشترطته الزوجة على زوجها قبل العقد، ورضي به الزوج، وكان شرطا في العقد، وجب على الزوج الوفاء به، ويحرم عليه مخالفته، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري وغيره: «المسلمون عند شروطهم»(7). 4- أن يكون الزوج قادرا على التعدد بدنيا وماليا؛ لأن أي زوجة لها حقوق على زوجها يجب عليه أن يقوم بها. ومن لوازم القدرة البدنية أن يكون قادرا قدرة كاملة على المعاشرة ونحوها. أما القدرة المالية فالحد الأدنى فيها أن يستطيع توفير الضروريات والحاجيات لجميع زوجاته بالتساوي. فإذا توفرت هذه الشروط وانتفت الموانع، فمن حق الرجل أن يعدد، وليس من حق المرأة أن تمنعه البتة، إلا أن تراضيه وتسايسه! لأن التعدد إذا كان حقا للرجل فإن المرأة لا يجوز لها أن تمنعه. ولا عبرة بغيرة المرأة في هذا المجال؛ لأن أي امرأة تغار من ضرّتها، ولا تحب أن يتزوج عليها زوجها، فلو أُخذ رأي النساء في هذا الأمر لما تزوج رجل البتة، حتى النبي والصحابة وغيرهم. فهذه فكرة مهمة ينبغي التأمل فيها. وكتب الحديث والسيرة تخبرنا بالغيرة التي كانت تشتعل في قلوب بعض نساء النبي رضي الله عنهن من الأخريات، وقصص عائشة وحفصة وأم سلمة ومارية القبطية رضي الله عنهن قصص معروفة في كتب التفاسير وغيرها(8). خامسا: وقفة تأملية مع التعدد في واقعنا: إذا ما ربطنا هذه الأحكام الشرعية بواقعنا، وأتينا إليه نفحصه، نجده بعيدا كل البعد عن هذه الأحكام، إلا القليل القليل ممن يراعيها في التعدد. وعلى العموم فإن المجتمع المغربي ينظر إلى التعدد بنظرة ناقصة، خصوصا من قبل المرأة، وهذا أمر عادي؛ لأن المرأة لم تكن يوما من الأيام تجيز للرجل التعدد عن طيب خاطر، ولذلك لم يجعل الشاعر التعدد مشروطا بموافقة المرأة، وإنما طلب من الرجل استرضاءها في ذلك. وما ذهبت إليه مدونة الأسرة المغربية من جعل رضاها شرطا في التعدد ما هو إلا مقدمة لمنع التعدد بصفة نهائية، وهذا سيكون مدخلا عظيما للفساد في رأينا. هناك تيار من المسلمين اليوم يظن أن التعدد سنة، وهذا طبعا فهم خاطئ، فلا نعلم أن أحدا من علماء الأمة قال إن التعدد سنة، بل الزواج هو السنة، وقد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(9). فسنة النبي تكمن في الزواج، وليس في التعدد. فإذا كان الإنسان قادرا على التعدد واستوفت فيه الشروط المذكورة، فله أن يعدد ويكون أيضا متبعا للسنة ولا شك. أما أن يرى السنة في التعدد رأسا فهذا ليس فهما صائبا. ينبغي على مجتمعنا اليوم أن يغير نظرته إلى الزواج، فهو وسيلة لغايات، وليس هو غاية في ذاته، وهذه النظرة هي التي ربطت كل التعقيدات بالزواج، حتى أصبح الزواج بالواحدة من أعسر الأمور بلْه بأكثر من واحدة. وأصبحت المطلقة يُنظر إليها نظرة حقيرة، بعدما كانت في الماضي من أكثر النساء حظا في الزواج؛ فكانت بمجرد أن تخرج من عدة الطلاق يتهافت عليها الخطّاب، (ولا زال بعض من هذا التقليد متبع في صحراء المغرب). فنظرتنا للزواج ينبغي أن تتغير حتى يصبح ميسرا، ومعه ستتغير النظرة إلى التعدد أيضا. وطالما أن هذه النظرة لم تتبدل، فإن التعدد فيه خطورة كبيرة، خاصة في بلدنا المغرب، الذي كان يُصنف كثاني بلد إسلامي بعد لبنان من حيث قلة التعدد. وخلاصة الأمر: أن التعدد في الأصل مشروع، وهو استثناء من الأصل الذي هو التفرد في الزواج، فإذا توفرت شروطه كان جائزا اللجوء إليه، وهو من حق الرجل ولا دخل للمرأة فيه طالما أنه قادر على الوفاء بشروطه. فلا يمكن أن نجيز التعدد بإطلاق ولا يمكن أن نمنعه بإطلاق، بل لا بد من التفصيل، وقد رأينا بعضه. والله أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل. ــــــــــــــــــــــــــــــــ الهامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)يُنظر: المقدمات الممهدات لابن رشد الجد، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1408 هــ – 1988 م. (1/451). (2) يُنظر تفسير القرطبي لهذه الآية الكريمة. (3) يُنظر صحيح البخاري، كتاب النكاح: باب كثرة النساء. (4)يُنظر تفسير القرطبي لهذه الآية الكريمة. (5)يُنظر: مسند أحمد بن حنبل، (42/46). تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 هـ – 2001 م. (6) يُنظر صحيح البخاري، (5/166). (7) يُنظر: صحيح البخاري، (3/92). (8) يُنظر تفسير أوائل سورة التحريم في أي كتاب من كتب التفسير. (9) صحيح البخاري، (7/2). __DEFINE_LIKE_SHARE__ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
![]() | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السيد علي الحسيني الخامنئي ..حديث حول (( العوام والخواص في المجتمع )) | محروم.كوم | منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية | 0 | 02-08-2012 05:00 AM |
حصريا 2012 كتاب تحفة العروس للمقبلين على الزواج هام لمعرفة اسرار الزواج بصيغة jar قو | محروم.كوم | منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية | 0 | 11-08-2011 06:20 PM |
من فوائد التعدد في الزواج | محروم.كوم | منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية | 0 | 03-23-2010 09:10 AM |
هل تقبلين الزواج من شاب اصغر عنج؟؟وانتا هل تقبل الزواج ببنت اكبر عنك؟؟ | التفاحة | المواضيع المكرره | 2 | 03-18-2009 02:17 PM |
الزواج التقليدي...هل انتهى, الجيل الجديد يرى هدا النوع من الزواج تخلف | ليبى_طرابلسى_افتخر | الحوار والنقاش - الرأي والرأي الآخر | 7 | 07-23-2008 02:49 PM |