هو مطلع الكلمات النقية الصافية التى استقبل بها المسلمون من أهل المدينة المنورة خير خلق الله وخاتم المرسلين، صلى الله عليه وسلم، وعلى كل سابقيه ممن اصطفاهم تعالى بحمل رسالاته إلى بنى آدم وحواء.
أغنية تدل على استبشارهم بوصوله إليهم ومعه الخير الوفير.. أهنئكم بمناسبة العام الهجرى الجديد، وأتخذ من الهجرة مصدرًا لحكمة هذا .. لم أعد أفاجأ بكثرة الذين يحدثوننى عن هجرتهم إلى خارج مصر.. لم أعد أجادل أحدًا فى الفكرة أو أشكك فى جدواها، فحتى وقت قريب كنا نقول لمن يفكر فى الهجرة: هل درست الأمر جيدًا؟ احذر التعرض لعمليات النصب والاستغلال! أتنوى العمل لبضعة أعوام والعودة، أم أنك قررت الهجرة نهائيًّا؟ هل تظن أنك تستطيع التأقلم مع بيئة ومجتمع غريبين عنك تمامًا؟ أصبحت أكتفى بالدعاء الطيب، وأقول لنفسى: لا شك أن لكل منهم أسبابه التى تجعله يتحمل عناء الانخلاع من الأرض التى نما وترعرع فيها، ليذهب إلى أرض أخرى، يحاول أن يغرس جذوره فيها.




لم تعد الهجرة رغبة من ضاقت بهم السبل وحدهم، فقد أصبح الأغنياء أيضًا يحلمون بها، ويخططون للأنواع الفاخرة منها!
هناك من يلقى بنفسه إلى التهلكة فى تلك المحاولات الانتحارية لعبور البحار أو الصحارى، وهناك من يشترى إقامته بالملايين واستيفاء الكثير من الشروط المعقدة حتى يحقق حلم الوطن الجديد.




هناك أيضًا صنف ثالث يمكن أن نسميهم المستعدين، هؤلاء يعدون كل شىء للرحيل إذا تدهورت الأحوال- لا قدر الله- وأصبحت الحياة فى مصر غير محتملة أو غير مطابقة لمواصفاتهم القياسية، يبيعون أملاكهم ويرتبون أماكن دراسة جديدة لأبنائهم وأحفادهم ويجهزون كل ما يمكن تجهيزه للهروب الكبير!







أعلم أن الهجرة «مش عيب ولا حرام»، ولكن تحولها إلى ظاهرة عامة يجعلها تفتقد إلى الحكمة، ولتوضيح ذلك أستعين بنموذج البعثات التعليمية، وهى وسيلة ثبت نجاحها فى الارتقاء بأى مجال من مجالات العلوم أو الإبداع الإنسانى على اتساعه: ترسل مجموعة محدودة من الدارسين المتميزين، فيحتكون بمن هم أكثر خبرة وأعلى إلمامًا بما نُعِدّهم من أجله، فيعودون إلينا بما حصلوا عليه من مهارات وخبرات ومعارف.
هذه طريقة، والطريقة الأخرى تكمن فى دعوة بعض الأساتذة أو الخبراء أو العلماء ليتولوا تعليم جيل كامل من أبنائنا، والطريقة الثانية هى الأنسب، إذا كنا نسعى إلى رفع مستوى الكثيرين دفعة واحدة.








لماذا لا نحول فكرة الهجرة الجماعية التى نعيشها بالفعل إلى طاقة تغيير حقيقية تؤدى بنا جميعًا إلى هجرة ما نكره من أوضاعنا وواقعنا، وتسمح لنا بتزويد وطننا الغالى بما يسعى المهاجرون إليه فى أوطان أخرى؟ فليكن السؤال التالى هو: عَمَّ يبحث الحالمون بالهجرة؟
أستطيع أن ألخص الإجابة فى كلمات: الأمان، والاستقرار، وتوفير مستوى المعيشة الذى يتمناه كل منهم لنفسه ولأسرته.. قد يتصور أحد أنى أتحدث عن حلول اقتصادية وفرص عمل تؤدى إلى تقليل الأزمات والمعاناة تدريجيًّا حتى يسود استقرار الأطفال الذين إذا شبعوا غنوا!!
الإجابة- فى رأيى- «نعم» و«لا» فى نفس الوقت، فالاقتصاد لن يتحسن إلا بتحسن الأوضاع السياسية وشعور كل مواطن بالعدالة التى تضمن له المشاركة الكاملة فى اتخاذ القرار، وفقًا لآليات يحددها الشعب لنفسه.

سئم الكثيرون حديث الحريات والديمقراطية، لدرجة أن البعض يحدثك عن شعوب تعيش بسعادة فائقة فى ظل نماذج من الحكم الفردى أو العائلى، وينسى هؤلاء أنهم يتحدثون عن عدد محدود جدًّا من الدول التى تأسست على كنوز اكتشفوها منذ نصف قرن أو يزيد قليلاً، ومازالت مغاراتهم المليئة بخيرات الله تغنيهم وتلهيهم عن تطوير أنظمتهم لتتوافق مع مستقبل آتٍ لا محالة!
الديمقراطية- وإن اختلف عليها البعض- ماززززالت هى الصيغة الوحيدة التى نجحت فى إسعاد الشعوب، فجعلت أوطانهم جاذبة للمهاجرين.
دعونا نبدأ بهجرة البلطجة التى تفشت بيننا كالأنفلونزا!