قانون الأسرة والتحول الاستراتيجي
الشيخ عبد مجيد العصفور
لاشك ان التقنين افضل دائما من ترك الامور للاجتهادات الشخصية،اذ بالتقنين يمكن لاي انسان ان يقوم مصداقية ما يصدر من احكام في مختلف القضايا،وبه كذلك يمكن للدفاع ان يتوقع ما يمكن ان يصدر من حكم وفي ذلك تأهيل نفسي كبير لتقبل الاحكام وان كانت قاسية احيانا. وهو ما ينعكس على تجاوب الناس مع القضاة وعدم اتهامهم بالتحيز او اتباع الهوى. والثقة بالقضاء مسألة في غاية الاهمية بالنسبة لاي مجتمع، وفي كافة المجالات، وبالاخص ما يتعلق منها بالقضايا الشرعية. من هنا لايمكن لنا الا ان نعتبر صدور قانون الاسرة الا قفزة ايجابية في تاريخ القضاء الشرعي في مملكة البحرين. غير ان القفز بجناح واحد في المجتمع يجعل من القفزة اهتزازا في توازن المجتمع، وتعميقا للفوارق المذهبية الى درجة التشويه الاجتماعي. وهذا ما يفرض على الشيعة بقياداتهم الدينية ورموزهم الاجتماعية ومؤسساتهم الاهلية الدفع باتجاه ان يرى قانون الاسرة بشقه الجعفري النور عبر السلطة التشريعية مثلما جرى للشق السني تماما. ولابد من القول هنا ان الاستمرار في التحفظ لن يكون في صالح الطائفة الشيعية بالدرجة الاولى،اضافة الى ان ذلك يوحي بعجز لدى هذه الطائفة الكريمة بكل مكوناتها عن تقنين فقهها وعدم التفاعل الايجابي مع فرص مشاريع التقنين التي تتوفر عليها، وليس دائما يمكن التوفر على مثل هذه الفرص. ولعل التذكير ببعض النقاط يمكن له ان يساهم في تقليل التحفظ، والتحول الى استراتيجية جديدة في التجاوب مع مجمل المشاريع الرسمية من قبل هذه الطائفة الكريمة في مملكة البحرين. 1- لم يسجل في تاريخ العلاقة بين الاسرة الحاكمة وهذه الطائفة ان تدخلت الحكومة في تقنين المدونات التي يعمل بها في القضاء الجعفري،او ان فرضت الحكومة على هذه الطائفة احكاما شرعية خاصة، بل لم يذكر القضاة الجعفريون في تاريخهم ان مسؤولا حكوميا تدخل لصالح تغيير حكم شرعي وفق الفقه الجعفري لصالح طرف ما. نعم لقد ذكر بعض القضاة الكبار ان القاضي السني الشيخ المهزع كان يحكم احيانا في قضايا يرجع له فيها شيعة ولكن وفق فقههم الجعفري، وليس ما يعمل به هو في القضاء السني، كذلك ذكروا ان الشيخ باقر ال عصفور كان يحكم احيانا لمن يراجعه من السنة في دعاوى وفق فقههم السني ايضا، ولاشك ان ذلك الزمن كان زمنا جميلا،يحترم فيه كل عالم ما يؤمن به اتباع كل مذهب فقهي، وهو بالتأكيد ما نحتاجه اليوم. 2- الصيغة الحالية للقانون الجعفري المقترح، وضعه قضاة جعفريون يمكن مناقشتهم في تفصيلاته، تماما كما جلس العلماء من السنة الذين شاركوا في وضع القانون السني، ويمكن تدارك اي فقرة قبل ان يعرض على المجلس وتعديلها بحيث تكون محل توافق بين الاجتهادات المتباينة لدى المراجع الشيعة،اضف الى ان القضاة الجعفريين، وهم المعنيون بتطبيق هذا القانون لايمكن لهم ان يخالفوا عقيدتهم الفقهية لصالح اي قانون وضعي او ما لايتفق والفقه الجعفري في مختلف القضايا التي تعرض عليهم،ولم تسجل على قضاة الشرع طيلة تاريخه انهم تجاوزوا الفقه الجعفري لصالح اجتهادات اخرى. 3- يوجد اليوم في مجلس النواب ما يزيد على اثنين واربعين بالمئة من اعضائه شيعة، وبعضهم متخصصون شرعيون، وهي اقل نسبة يمكن لنا ان نتوقعها للمجالس القادمة ايضا، وهو ما يجعل من هذه الكتلة رقيبا لعدم المساس بهذا القانون، او اخراجه من مسلك الفقه الجعفري، حاضرا ومستقبلا ايضا، طالما تبنت الزعامات الدينية لدى الطائفة الجعفرية، استراتيجية الثقة لا التحفظ. 4- ان اي مطالبة بضمانة خارجية لعدم تغيير القانون لايمكن لها ان تكون فاعلة اكثرمن وجود الضمانات الداخلية، واي كانت المرجعية التي يرى البعض ضرورة اشرافها على اصدار هذا القانون، فان وجود الوكلاء الشرعيين للمراجع الكرام، يمكن له ان يشكل حصانة اخرى لكي لا يخرج هذا القانون او غيره عن جادة الفقه الجعفري،ومن دون شك فان تأثير الوكلاء المجتمعي لايمكن نكرانه، او التقليل من تأثيراته، وان لم يتشكل في تنظيم واضح. مع كل ذلك، فان ما يمكن له ان يصنع تحولا بالنسبة لهذا القانون او غيره، ليس هذه المطمنات على اهميتها، انما الذي يمكن له ذلك هو اعادة النظر في الرؤية المستقبلية لهذه الطائفة، لدى زعمائها وقادتها الدينيين والناشطين السياسين والاجتماعيين ومؤساتها الاهلية بمختلف انشطتها، فالتحفظ الحالي لا يساعد على الدفع باتجاه المشاركة في التنمية المجتمعية الشاملة، الامر الذي يستدعي المراجعة الشاملة والجادة للرؤية التي تحدد المسار والمستقبل. ان الثماني سنوات الماضية التى صبغت باستراتيجية التحفظ، لم تساهم في اعتزال المشاركة عن المشاريع التنموية الكبرى فحسب، بل شجعت على نمو التيار الصدامي، الذي يتبرأ منه الجميع، ويخالف توجهه كل مسلمات الفكر الشيعي الاثني عشري القائم على السلم في كافة علاقاته داخل بيت الوطن. ولعل ظهور موجة جديدة من مظاهر العنف مؤخرا، رغم العفو الملكي الذي لم يجف حبره بعد، ما يدل على ان هذه الاستراتيجية المتحفظة، لن توصلنا الى بر آمن، وهو ما يستدعي بجد اعادة تقويم الرؤية واعادة هندستها من جديد، فالتعويل على رؤية خاسرة، هدر للموارد وتفويت للفرص وضياع للمستقبل، وهو ما لايرتضيه الدين لاية طائفة واي وطن.
وتسستمر سقوط بعض العمائم أمام رغبات الشيخة سبيجة في قانون الأسرة !! فالأمس يطبل لها ضياء القلاف في الصحافة وفي مجلس الشورى ! واليوم يخرج لنا الشيخ عبد المجيد العصفور ليطبل لنفس الرأي !! ولا أدري لو لم يكن لنا علماء ثقاة مسكوا بهذا الملف الى اين كانت ستتجه الأمور !!!
__DEFINE_LIKE_SHARE__
05-25-2009, 01:00 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
