لماذا لا يمكن نجاح الثورة بالسلوك السلمي؟

محروم.كوم · #1 02-25-2013, 02:50 AM

منذ ان بدأت الثورة في البحرين وأنا أراقب الوضع، كما كنت أيضاً ممن يراقب الأوضاع في باقي الدول العربية كمصر وتونس وليبيا ، ولما كانت ظروف كل بلد مختلفة من حيث نوعية النظام السياسي والحالة الاجتماعية والاقتصادية .. الخ. فإننا لابد من ان نزن المتغيرات المحسوسة وغير المحسوسة لنصل الى إمكانية استنتاج حقائق لابد من مواجهتها بكل رحابة صدر.

أننا في هذا المدخل المختصر سوف نسلط الضوء على كل الفريقين المطالب بإسقاط النظام و المطالب بإصلاحه وكيف يمكن ان نصل الى قناعات كل منهما على ان الناتج من هذه الفعاليات ( السلمية ) قد لا تجدي لأي نتيجة حسية. على أنني أقر مسبقا أنني سوف لا أضع نفسي موضع المطالب بتحويل الثورة الى ثورة مسلحة لاعتبارات خارجة عن موضوع هذه الورقة ولابد من الإشارة أننا لا نود ان نكون من المحبطين لكلا الطرفين.

ان المتتبع للأحداث على المستوى الإقليمي يلاحظ تباين النظم. ففي الوقت الذي يثور فيه الشعب المصري فيسمى ماعمله الشعب المصري ثورة ولا اعلم كيف يمكن تعريف حركة الشعب المصري ثورة بالأصل، وتجاوزا عن المصطلحات سوف نطلق على ما حدث ثورة.

أقول ان ( ثورة ) الشعب المصري ومطلبه الأساس إسقاط النظام. إلا ان النظام في مصر رئاسي وبقى كذلك بعد الثورة فلم يسقط أصلا. وان المطلب بإسقاط مبارك قد حدث فعلا فالمطلوب إذا كان إسقاط مبارك والذي هو في الحقيقة مطلب بسيط نسبيا إذ ان الشعب هو من يختار الرئيس. وكذلك هو الحال بالنسبة لتونس لتشابه النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ان ناتج ( الثورة ) المصرية والتونسية هو إسقاط الحكومة وتكوين حكومة أخرى أكثر ديمقراطية ( ربما ).

إلا ان الوضع تغير في ليبيا. والفارق واضح ولا نحتاج الى توضيح إذ ان النظام السياسي والاجتماعي مختلف عن مصر وتونس فالمجتمع الليبي قبلي بامتياز والنظام السياسي دكتاتوري بامتياز مع التحفظ على النظامين السابقين لاعتبارات نسبية فكل الأنظمة العربية دكتاتورية مع الفارق النسبي.

ان التجربة في البحرين مغايرة تماماً عن تلك التي حدثت في باقي الدول العربية، لأكثر من متغير حسي ومعنوي. وحتى نستطيع توضيح ذلك قد وضعنا في الأعلى ثلاث متغيرات حفاظا على اختصار الموضوع وعدم تشعبه. فالمتغيرات الأساس كانت: نوع النظام، الحالة الاقتصادية والاجتماعية.

ولابد من توضيح أمر ذا أهمية عالية إذ ان طلب إسقاط النظام هو المطلب الثوري الوحيد مقارنة بجميع الثورات التي حدثت في الدول العربية. ذلك لان ما تعنيه الثورة هو التغيير الجذري للنظام وليس استبدال رئيس بآخر.

الواقع الاجتماعي

بعد هذه المقدمة سوف نعرض مواضع التباين والمؤثرات التي قد تجعل استحالة الوصول للمطالب بصورة سلمية سواءا الإصلاحية منها أو الإسقاطية ( الثورية )، وحتى نصل للمطلب علينا بداية دراسة الحالة الاجتماعية، ولما كنت قد كتبت مقدمة حول تطور المجتمع البحراني والعوامل المؤثرة في تكوينه أحببت ان يرجع القارئ الكريم لها لاختصار المطلب وعدم التكرار على الرابط –--------------------
http://bahrainonline.org/showthread.php?t=435279

ان المجتمع البحراني بدا يتغير نحو طبيعة المجتمعات المركبة وما هذه الاحداث الا صورة من صور ومؤثرات التحول، انه صراع التحول لمجتمع اكثر تعقيدا، واكثر عنفا، انه السلوك الطبيعي لتغير المجتمعات، ولما كان هذا التغيير يتم تحت مؤثرات خارجية لا يمكن فصلها عن واقع المجتمع ، فالطائفية هي صفة من صفات الحقبة التاريخية في هذا العصر ولذا نستطيع ان نقول ان المجتمع في البحرين متأثر كل التأثر بمرض الطائفية، ولما كان ذلك يعني التكتل المذهبي اصبح من الواجب افتراض الانقسامات في المجتمع افتراضا حتمي، ما يعني ان الثورة لن تكون خارجة عن الواقع الاجتماعي حتى وان أراد مريديها تفعيله.

ان أكبر ما استفاد منه النظام هو قدرته على شق المجتمع البحريني على أسس طائفية مما ساعده في تفكيك الحراك الثوري العام ( مستوى شعبي عام ) الى طائفي ضيق الأفق يعتقد اعتقاد جزمي بالمفاهيم الجاهلية التي تقول أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب. أننا جميعا رأينا المحاولات الحثيثة من بعض القادة من الحراك الثوري على رص الصفوف ونبذ الطائفية إلا ان الحكومة استطاعت عزل جزء من المجتمع لتعاضد الواقع الاجتماعي الطائفي وغلبة النفس الطائفي في المنطقة.

ان الواقع الاجتماعي أيضاً يحوي العديد من الجنسيات والتي تشعر بالخوف من انتصار فكر الثوار لانه يعد تحد لهم بل قد نعتبره تحد وجودي ولذا لا بد من حساب هذه النقطة والتي قد يتفق معي الكثير على ان حسابات الثوار لم تكن موفقة إذ ان المفهوم العام للثورة كان معاديا للتجنيس السياسي ولربما كان من واقع حسي ان الأخوة من أهل السنة سوف يقفون مع هذا المطلب إلا ان النفس الطائفي الذي غذته الحكومة كان أقوى فهو يعني أنا وأخي ضد ابن عمي. فعلى الرغم من الخلاف الحاد بين أهل السنة في البحرين والمجنسين إلا أنهم اتفقو على ان يكون العدو الأوحد بينهم هم الثوار.

ان ما نستنتجه من ما سبق ان الحكومة تغلبت على الثوار واستطاعت ان تفرض الحس الطائفي والذي يعد أقوى سلاح لصالح الحكومة، ولم يستطع أحدا من قيادات المجتمع ولا القيادات الثورية ان تواجه أو ان تعالجه، وقد استخدمت الحكومة سلاح الطائفية بصورة موسعة وعلنية أيضاً.

يبدو واضحا أيضاً ان المجتمع البحريني منفصل بصورة حادة، وان الواقع الذي يعيشة المجتمع لا يمكن ان يتعايش مع بعضه البعض ذلك لتورط البعض بصورة مباشرة ومكشوفة في الكثير من الجرائم وكالتعذيب والاغتصاب وجرائم الاعتداء المباشر، والذي لا يمكن ان تنته أو تنس بتسوية سلمية . فالحكم السلمي هنا من واقع العض لا يمكن ان يكتمل إلا ان كان الشعب البحراني مستعد للتخل عن ما سبق وهذا ما أظنه الهدف من رحلات جنوب أفريقيا للاتفاق على طريقة من التسوية كما حدث في جنوب أفريقيا.

إلا ان الأمر في البحرين أكثر تعقيدا، فالمفاهيم الدينية والعرفية الاجتماعية تحيل دون ان ينجح هذا الحل، هذا من الناحية الاجتماعية. ومن الناحية السياسية لا يمكن قبول تحول ديمقراطي حقيقي على الرغم من أنني لا افرق بين جمهورية أو ملكية دستورية ففي الحالتين تنعدم سيطرة الطائفة أو العائلة. وهذا ما لا يمكن قبوله، و هو واضح وتصرفات الحكومة تعكس هذا التصور.

مما سبق فان الواقع الاجتماعي اصبح عقبة في وجه الثوار على الأقل الى هذه المرحلة ونحن في السنة الثانية من عمر الثورة. على الرغم من وجود بوادر تغيير في المجتمع وهو بطيء جداً، وعليه فان تصور انتصار الثوار بسلوك سلمي على الرغم من وجود شرخ اجتماعي واضح على أسس طائفية أمر مستبعد.

الواقع السياسي

لم نسمع ولم نقرا ان نظاما ملكيا تبدل بسلوك سلمي، فلم تكن الثورة الفرنسية ولا الإيرانية ولا حتى السوفييتية في أنهاء الحكم القيصري قد تبدل الحكم فيها بسلوك سلمي. أننا وان كنا لا نقبل الاحتكام الى الألعاب إلا اننا نستطيع ان نقول ان حتى من وجهة نظر بعض الألعاب كالشطرنج مثلا لا ينتهي الملك إلا بقتله... كش ملك.

اننا وان كنا نتوقع ان تتغير الأوضاع إلا ان تغيير النظام لا يمكن من خلال تحرك سلمي، ولا شك ان الواقع الإقليمي له الأثر الاكبر في ذلك إذ ان كل الدول المحيطة بالبحرين ترفض هذا التغيير لا بل سوف تحاربه بكل ما لها من قوة وقد رأينا جيدا ما حدث من الجيوش الخليجية في الهجوم على المعتصمين في الدوار.

ان افتراضية المقايضة بين الملك والثوار في إعطاء ( بعض ما عنده ) على ما يفترضه هو، ممكن بشروط منها أنها لا تؤثر على مستقبل عائلته وحواريه، إلا اننا نفترض أيضاً حربا ضروسا بين المكون الثاني من المجتمع والحكومة ذلك لان المكون الثاني قد ضلع في تعذيب وقتل واغتصاب يخشى ان يأتي اليوم الذي ينتقم الضحية منه، وهذا كفيل بان يوقف أي تفاوض ( أو حوار) ينتج منه إمكانية ان يكون للضحية الحق في محاكمة المعتدي. ولذا نستطيع ان نجزم ان المكون الثاني من مجتمع البحرين لا يقبل بتوافق إلا فيما يمكن ان يستخلص منه السكوت عن ما سلف. وهو على ما أظن خاسرة على الأقل من الأفراد المتضررة وهم كثر في هذه المرة ......
ولان ما حدث في هذه الثورة تحول الى إهانة الى شريحة واسعة من المجتمع على المستوى الأخلاقي والديني والجسدي. فإننا نستطيع ان نستنتج ان القبول بالتغيير بسلوك سلمي أمرا مستبعد، إلا ان تتوافق الأفراد المعنية على السكوت عن ما سبق، وتعويض المتضررين على ان هذا ليس حلا إذ ان الثورة لم تقم من اجل هذه السفاهات.

ما يهمنا ان مطالب الثوار سوف لن تتحق بسلوك سلمي، لانها سوف لن تصل الى مستوى تهدد امن الحاكم، ولما كان الحاكم مدعوما بمستوى قل نظيره فهو ليس في خطر مادي أو معنوي.

مع تحياتي
ابومشاري __DEFINE_LIKE_SHARE__

أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق
انواع عرض الموضوع
العرض العادي الانتقال إلى العرض المتطور الانتقال إلى العرض الشجري

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
مقياس فشل الثورة ومقياس نجاح الثورة	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	06-26-2012 01:10 AM
مقياس فشل الثورة ومقياس نجاح الثورة	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	06-26-2012 12:40 AM
مقياس فشل الثورة ومقياس نجاح الثورة	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	06-26-2012 12:10 AM
لماذا لا يمكن وضع 6 شاشات في n8 بدون مود او شيء مثل e6 ?!	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-19-2011 11:20 PM
تحذير روّاد السينما من الإخلال بالسلوك العام‏	خـوار تلي	اخبار محلية و عالمية	5	03-28-2010 12:55 AM