إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية

         :: تفسير حلم اني انخطبت وانا عزباء (آخر رد :نوران نور)       :: القدم في المنام للعزباء (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم سقوط سن واحد سفلي في اليد (آخر رد :نوران نور)       :: تفسيرحلم الزواج للمتزوجة (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم دورة المياه للعزباء (آخر رد :نوران نور)       :: السياحة في مصر للعوائل (آخر رد :emad100)       :: رؤية طائرة في السماء في المنام (آخر رد :نوران نور)       :: رحلة انقاص وزنك تبدأ مع الرشاقة السعيدة (آخر رد :دارين الدوسري)       :: شركة سنت الفندقية (آخر رد :ريم جاسم)       :: الحمل في المنام للمطلقة (آخر رد :نوران نور)      

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2013, 01:10 AM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,611
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2139

مستقبل البحرين وضرورات التكامل المذهبي
قراءة في رسالة سماحة العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني لإخوانه أهل السنة

بقلم:
الكاتب والباحث
المهندس غ. م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله:
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ}

سورة الأنفال، الآية:46









تمهيد:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين.
لا مناص أن مسألة الحقيقة والاطلاع عليها والوقوف على حيثياتها وأبعادها وجذورها وآفاقها ومضامينها، هي منتهى غاية المؤمنين الصادقين وهي الفيصل بين الشك واليقين، والحق والباطل، والخير والشر، حيث يقدر المؤمن عبر التفكر والمقاربة والتفكيك والتحليل أن يمسك بعروة الحق والحقيقة عبر الانفتاح على الصدق مع الله والنفس والناس والتاريخ، يسجل رؤاه ومواقفه طبقا للحق والصدق والعدل، هناك يمكن للمؤمن أن يكون على بصيرة بما يجيب الله عليه يوم يسأل عما فعل وعما قال...
إنطلاقا من المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتق علماء الدين والمفكرين و الإعلاميين والسياسيين ممن يلتزمون المبادئ والقيم، جاءت رسالة العلامة سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني – حفظه الله - لإثارة دفائن العقول ووضع المؤمنين أمام الواقع الحقيقي لا تلك الصورة المشوهة والمموهة التي تبثها وسائل الإعلام المنافقة عما يجري في البحرين ومحاولة تصوير مشهد الأحداث البحرينية تصويرا طائفيا يؤلب الإخوة في الدين على بعضهم البعض...
وبعد إطلاعنا على مضمون هذه الرسالة، وجدنا ضرورة ملحة لتحرير هذه السطور المقتضبة كقراءة تحليلية لأفكارها وإرهاصاتها وغاياتها والتعليق على بعض مقارباتها من أجل تقريب وتوضيح الصورة الحقيقية وبيان معالمها، لمن كان همّه الحق والعدل والصلاح والأمان والسلام والمحبة والتسامح والتعايش ومعرفة هذه الغايات السامية في حياة المؤمن المسلم...
وأملنا من الله تبارك وتعالى أن تنال حقائق وآفاق هذه الرسالة الاهتمام الرشيد والانفتاح الاسلامي الاصيل من قبل شعب البحرين المسلم كله، وبالتالي يكون الجميع قد وفق لخدمة دين الله القويم وساهم في خلق رؤى حقيقية لبناء الوطن الواحد الجامع المانع لكل أسباب الفرقة والتخلف والظلم ، ذهابا الى عاقبة المتقين.
وبعد السلام والتبجيل والتقدير لأستاذنا العبد الصالح العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي - حفظه الله-، و بعد الابتهال إلى العلي القدير أن يديم بركاته وعزه على رؤوس المؤمنين بالبحرين والعالم الاسلامي كله.. نستسمح سماحته هذه المحاولة الهادفة للإضاءة على خطوات هذه الرسالة التي بعثها كنداء لأهله وإخوانه أهل السنة، والوقوف على ضرورات هذه الرسالة بأبعادها وآفاقها في هذا التوقيت والتي جاءت لدرء الفتنة ولمّ الشمل وتأسيسا وتأسيا بوصية النبي الأكرم (ص) الذي أوصانا بالحذر من حالقة الدين (فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال:" إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة " وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم "[1]).

في البدء...
هنا، نرى من المناسب أن نتوقف قليلا و سريعا مع بعض النقاط التي نهدف منها توضيح طبيعة هذه الرسالة، ليكون المطالع العزيز الكريم على بينّة من الأمر وذلك عبر التالي:
· تقوم هذه الاضاءات على الاختصار الشديد، حيث لم نعمد للرصد التاريخي وتفاصيله، لأنها معلومة لدى كل من تابع المشهد السياسي البحريني قبل أكثر من 40 سنة، كما أن الهدف من هذا الكتيب أن يكون جملة مداخل الصدق والخير والعدل والسلام...
· التركيز على التعليق و التحليل للخطوات التي طرحها العلامة المهتدي في رسالته الموجهة لإخوانه أهل السنة في البحرين...
· تعمدنا الوقوف على بعض المفاهيم حتى يكون المطالع الكريم على علم بها ويسهل الفهم.
· الاعتماد على التفكيك والنقد والتأسيس للفكرة العامة وهي الوحدة من أجل بناء الوطن الواحد، إثارة للوعي وليس انتقاصا من مضامين الرسالة.
· عنونة كل تحليل لخطوة من الخطوات تركيزا للنظر والتفكر فيها من أجل بناء التبلورات الاساسية لوحدة التصور بين أبناء البحرين الشرفاء سنة وشيعة.



المقدمة:
لا شك أن موقعية العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي – حفظه الله - العلمية والاجتماعية ونضاليته الوطنية في البحرين منذ نعومة أظفاره (1976) ثم مواقفه المبدئية المستميتة، تعكس أهمية خطاباته ودعواته ورؤاه حول آفاق خروج البحرين (الوطن) من الأزمة السياسية العويصة التي يتخبط فيها أهلها ونظامها منذ عقود والتي انتهت قبل سنتين إلى الاحتقان الشديد بين المعارضة والسلطة ،حيث لجأت السلطة لاستخدام القوة رغم سلمية المظاهرات الجماهيرية، ولعل هذه الأزمة ازدادت تعقيدا لما أريد لها أن تنحو منحا طائفيا، بغية الالتفاف على المطالب المشروعة للشعب البحريني بكل طوائفه ومكوناته السياسية والحقوقية الناشطة من أجل الصالح العام للإنسان البحريني، ثم انحدرت الحالة الأزماتية السياسية في البحرين إلى نفق مظلم، عندما تم التعامل مع المعارضة بقوة الحديد والاعتقال وما هنالك من أساليب تناقضت مع دستور البلاد، حالت دون انفراج الأزمة وفعالية الحوار وشفافيته وصدقيته...
إن تاريخ المناضل البحريني الحر والعلامة الصامد بالحق والصدق سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي – حفظه الله – وزهده في دنيا الحكوميين وهي قد فتحت له أحضانها بعد وصوله الى وطنه في سنة (2001) لهو خير دليل على إنسانيته الاسلامية العالية ومبدئيته المنفتحة على الحق والعدل والمحبة والسلام والعزة والكرامة والحوار والتعارف والتعايش مع الآخر من جهة، ونبذ الفئوية والطائفية ودرء الفتن ومواجهة العصبيات الجاهلية والتخلف الاجتماعي والاستبداد السياسي والتسقيط المقيت على أساس الاختلافات المذهبية والعرقية والإنتماءات السياسية الهادفة لتدمير البيت الوطني والأمة الاسلامية من جهة أخرى...
ولعل أقرب فكرة تدلنا على شخصية العلامة المهتدي – حفظه الله - تتمثل في الثقافة التي حمل لواءها منذ أكثر من ثلاثين سنة، حيث حرّر العشرات من الكتب والمقالات والدراسات وألقى المئات من المحاضرات والخطب التي يرى فيها أن ثقافة اللاعنف هي صمام الأمان لمسيرة الإصلاح والتجديد والتنمية في الوطن من لدن السلطة والمعارضة على حد سواء، ومنذ ثمانينات القرن الماضي مع انطلاقته النضالية الأولى وإلى اليوم وقف العلامة الشيخ المهتدي البحراني مع الحق والعدل والسلام ونهج اللاعنف في فكره وحركته ودعوته للتغيير الاسلامي الشامل...
ومن خلال الكلمة والموقف وتحليلاته المعمقة وتشخيصاته الدقيقة للأحداث والتطورات وشجاعته في الطرح واستقلاليته، دون أن ننسى الروحية الاسلامية المشعة والمنفتحة على الله والانسان والمجتمع والحياة كلها.. من هذا كله وأيضا من معالم منهجه الحركي والسياسي "الأخلاقي" الرصين.. قد أخذنا على عاتقنا تسليط الضوء على مضامين رسالته الاستراتيجية والتاريخية الأخيرة التي وجهها الى اخوانه من أهل السنة في الوطن الواحد البحرين الحبيب وهو من داخل السجن الذي قضى فيه عشرين شهرا مع وجبات التعذيب النفسي والجسدي، ثم أفرجت عنه السلطات البحرينية بحكم البراءة من كل التهم التي ألصقتها به دون دليل.

في رحاب التحية والسلام:
( بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين إنه خير ناصر ومعين، والصلاة والسلام على حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا سيدنا محمد وآله الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين والتابعين لهم إلى قيام يوم الدين واللعنة على أعدائهم أجمعين.
( وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا)
استهل العلامة المهتدي – حفظه الله - رسالته بديباجة مفعمة بالروح الاسلامية الأصيلة المستمدة من رحاب القرآن الكريم وباعثة لآفاق اللقاء والاجتماع على الصدق والابتهال الى الله نعم المولى ونعم النصير.
مدخل يبعث الطمأنينة ويزين النية ويخلصها لله تبارك وتعالى، ليوحي للقارئ أن نداءه هذا الصداح من عمق الرسالة جاء من وحي الدعاء لله سبحانه وتعالى وهو القائل في محكم تنزيله: {وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
[2].
ويحيي في النفس المؤمنة النباهة للمصير والتوكل على الله في شق طريقها في الحياة على أساس الصدق في كل أبعادها، حتى يبقى عنوان النفس المؤمنة هو الصدق حتى وهي خارجة من ظروف ساد فيها الكذب والبهتان والظلم والظلام، فتنال وسام الطمأنينة بنور الصدق والحق وتسمع نداء ربّها : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ* ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً *فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي* وَٱدْخُلِي جَنَّتِي}[3].
وأما بعد:
فإن الله تعالى قال ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).إلى إخوتي في الاسلام والوطن من أهل السنة في البحرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سلام الإسلام والسلم والأمان.. سلام الأخوة والإيمان.. سلام التسليم لبصائر القرآن.
أسلّم عليكم من وراء قضبان السجن بجسم قد أنهكه التعذيب، ولكنه محمول بروح تحلّق في سماء الدعاء لكم بالخير والعافية. أسلّم عليكم من داخل الحبس بشموخ الصامدين ونفس مطمئنة تأبى ذل الخانعين..
وأحيي أصحاب النفوس الطيبة بتحية المتطلّعين الى الخير كله من أجل البحرين الغالية كلها،
ثم عرج سماحته – دام عزه - لينطلق من خلال الأدب القرآني الهادي للنفس المسلمة حتى ترقى في مراتب القرب من الله والتوجه نحو بلوغ منتهى رضاه، ويذكر كل قارئ لرسالته بأن منهجه في الحركة والدعوة إلى الله، هو منهج القرآن الكريم والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)...
ليحيي إخوته من أهل السنة في البحرين بتحية الاسلام المحملة بعناوين السلام والرحمة والبركات، مؤسسا التحية على التآخي الاسلامي الموحد والوطن الجامع ، باعثا سلاما إسلاميا لا تشوبه شائبة، يشيد السلم والأمان لكل أهل البحرين، يجدد الإخاء والأخوة ويركز شجرة الإيمان.. سلاما تصقله في نفوس المؤمنين سنة وشيعة في وطن البحرين بصائر القرآن المنيرة لدروب الصلاح والإصلاح والعدل والأمن والسلام...
سلاما ملؤه الحب والعشق والشوق لتلك الصورة المجيدة لبحرين التعايش والتعارف والتآلف .. سلاما أرسل من قبل سماحة العلامة المهتدي – دامت بركاته - و هو في غياهب سجن (جو المركزي) وآثر إلا أن يبعثه بعدما عاد لوطنه وأهله وأحبائه، إنه سلام الحقيقة والحق المرفوعة رايته بشموخ في سماء الدعاء لعباد الله المؤمنين الصالحين، سلاما منبعثا من نفس مطمئنة ناطقة على الدوام بشعار العزة والكرامة لكل المسلمين " هيهات من ذلة" ...
سلاما إلى النفوس الأبية النقية الطيبة المؤمنة بالحق والحقيقة والخير كله الذي يعم أبناء البحرين كلهم، ممن أعطوا أجمل صورة للوحدة والتعاون والألفة طيلة قرون مضت، فكان الإسلام هو البيت والمذاهب هي الغرف وبهوها الجامع هو الوطن ، يتكاتف الإخوة في الإسلام من أجل الوطن ويتآلفوا في المشترك ويتحاوروا فيما اختلفوا وأخلاق القرآن تركّز فيهم ثوابت السلام وقيمه، راسخة في النفوس المسلمة كلها ، طاردة للغلو والتكفير والتهميش من مواقع الاجتماع كلها .. لأن البحرين سرّها أن تاريخها الاسلامي كله يرفض الفتنة وهي بحر واحد امتزج فيه بحر التعايش وبحر التعاون من أجل عمارة أرض الله ، البحرين....

التحية صنوان المحبة
أحييكم يا أهل السنة برسالتي هذه اليكم منطلقاً من آيات الذكر الحكيم كتاب الله الجامع بيننا حيث ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
سائلاً أن يعطينا الله تعالى جميعاً من الإيمان ما يرفع به مقامنا إليه، ومن العلم ما يؤتينا به الحكم (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ).

فلسفة التحية في الاسلام هي السلم العام، منبعث من الرفق بالآخر وإحترامه هو إحترام للذات، ومن التحية تنبعث الحياة ، حيث تؤكد للآخر أنك تهدف للحياة معه وتدعوه للقاء من أجل الحياة الكريمة الجامعة، بعيدا عن الشر وسوء الظن، إنها تحية تختزن الرحمة وترنو للتعارف والصدق من أجل الوحدة...
بمثل هذه الروح التي أعلنها العلامة المهتدي – حفظه الله – في شعاراته الثلاث المعروفة (المحبة والعدالة والعقلنة) يخاطب أهله من طائفة السنة في البحرين، روح تبعث أملا باللقاء والتفاهم.. روح تطهّر النفوس من أدران الشك والشر وتطرد وساوس الشيطان وتكسر أغلال الحقد والكبر...إنها روح ترسل نسائم الحب الإسلامي النقي الزلال.. لأنها روح تؤمن بأن إسلامها يعني الحب الهادف للدعوة والهداية والوحدة والمجسّد في الكلم الطيب والصبر الجميل والعمل الصالح والخلق الرفيع...
هكذا وعبر هذه الروحية الاسلامية ذات المقام العالي عند الله، يحلّق العلامة المهتدي – دام عزه - بالأرواح في آفاق بصائر الذكر الحكيم، منبّها الجميع إلى سبل السلام مبتهلا لله تبارك وتعالى أن يوفق الكل إلى بلوغ المقام العظيم عنده ويؤتيهم الحكمة ليعم الخير ربوع البحرين، ببركة سعي أولوا الألباب للخير والتذكر بأن الله خبير بما يعملون...

رسالة من أجل مستقبل حضاري
أحبتي يا كرام السنة يا أبناء الإسلام في البحرين شرقها وغربها وشمالها وجنوبها..
هذه رسالتي أكتبها إليكم وإلى الأجيال التي سوف تأتي من بعدكم ونحن أرواح في البرزخ وأبدان تحت التراب.

بعبقات الحب الإسلامي العظيم، يرسم العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي – حفظه الله - خريطة الإصلاح وبصفاء المؤمن يدعو أهل الجود والكرم ممن يفهمون الإسلام كسنة للرحمة والحكمة و كأخلاق فاضلة لا تعطلها خبائث الإعلام وجرائم السياسة وأوساخ الدنيا، أخلاق تجعل التوغل في الاسلام برفق حتى لا تمرق النفس من الدين كما يمرق السهم من الرمية، أخلاق تجدّد فقه الدين لينشر النور في العالمين ...
رسالة أرادها العلامة – دامت بركاته - للراهن والمستقبل، لأنه ركب مفرداتها وضبط نسقها ووجّه سياقها في معمل الاسلام المحمدي الأصيل، فلا يمكنه أن يخصها بظرف وإلا كانت مثخنة بأوزار الذات النفسية والجهوية والظرفية !! أراد لهذه الحروف والكلمات والنداءات والخطوات اللاحقة أن تزيّن البحرين الوطن اليوم وغدا، لا أن تفتن البحرين، لأن ثقافة القرآن العظيم تنبّهنا عبر أسئلة صناعة الوعي الإسلامي الحضاري :{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ* تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}[4] .

بين الحقيقة والتقوى:
أكتبها ليقرأها كل باحث عن الحقيقة التي يثيب الله عليها ويعاقب تاركها، تلك الحقيقة التي سوف يستوقفنا الله غداً للسؤال عنها في نداء لا مساومة عليه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ).
فما هي تلك الحقيقة التي سوف نُسأل عنها ( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )
هل هي ما يدافع عنه كل واحد منا اليوم حسب ميوله القومية أو العنصرية أو تعصباته المذهبية أو العائلية أو مصالحه المالية والسياسية؟
أم هي التي ما نتبصّر بها عبر منظار التقوى في الإلتزام الفكري والفعلي بكل ما أوجبه الله علينا؟
إن قرآن الله يعلنها لنا بكل وضوح قائلاً: ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).
إذن.. الحقيقة هي التقوى التي تمنع المسلم من التعالي على غيره ونشر الفساد في الأرض، تمنعه من الظلم والقتل والكذب والسرقة والبطش والحقد والعصبية العمياء.

يبعث العلامة المهتدي – حفظه الله - بثلاث أسئلة جوهرية ورئيسية في تحديد الاتجاه وصياغة المنهج في التعامل مع الانتقالات والتحولات واكتشاف محاولات غسل أدمغة المؤمنين للانحراف بهم عن الحقائق...
فالحقيقة كغاية استراتيجية في بناء الوعي والنباهة لدى المؤمنين، وفق القرآن هي قائمة من الاستفسارات حول مشوارنا في الحياة بكل تفاصيل الكلمات والمواقف والأعمال، وكأن بالعلامة – حفظه الله- في ترتيبه للأسئلة يريد أن يوصل نظرية علوية قيّمة مفادها: "ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة"، والمعرفة العقلية تتطلب المعرفة القلبية بل هما صنوان في منهاج الرؤية الاسلامية، لأن الواحد منا قد يعرف أمورا بعقله لكنه يتجاهلها بقلبه، فغاية ما هنالك أن المعرفة العقلية الواقعية هي تلك المعرفة التي تثمر معرفة قلبية سليمة، فترتقي بشخصية المؤمن إلى مستوى من السلام النفسي والهدوء الشعوري والانفتاح الروحي على الوجود كله من خلال استيعابه لفلسفة الحياة في حقيقة الاسلام الأصيل كما تجلّت معالمها وخطوطها العريضة في آيات الذكر الحكيم، فيتعامل مع الطوارئ وفق بصيرة التقوى ليكتشف كل تلك الخصوصيات و الأهداف والمصالح عبر مصفاة الحق في الاسلام، ذلك الحق الذي يمثل المصلحة العليا في الدنيا والآخرة، فيصبح وجوده كله منفتحا على الله عبر أصالة الحقيقة في إلتزام التقوى والانتماء للمتقين، كما أشار الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ}[5]. كما لا ننسى تلك البشرى الإلهية المتمثلة في الأجر العظيم، مما يجعل التقوى أساسا مركزيا في تنمية حقيقة الإسلام والإيمان على طول خط الحياة والعمل، مما ينعكس في سلوكيات المؤمنين وعلاقاتهم وتطلعاتهم وتدافعهم، بحيث لا يخرج ذلك كله عن غاية الفوز العظيم يوم القيامة عبر تلافي الاستغراق في فقاعات النفس وهشاشات الواقع المحرّكة للأحقاد والاستكبار والظلم والقتل والبهتان وكل عناوين الجاهلية الأولى، فالتقوى هي حصانة المؤمن في رحلته بالحياة ومعامل الخير بالنسبة للمؤمنين لتجاوز أقراح الحياة الدنيا ونيل الأجر العظيم ، كما في قوله تبارك وتعالى :{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }[6].

بين فوضى الواقع واكتشاف حقيقة التقوى:
والآن فلنبحث عن حقيقة التقوى في واقعنا وعلى مختلف المستويات العائلية والاجتماعية والسياسية والتجارية والدينية وغيرها، ولنفحص في داخلنا - ونحن بعين الله العالم بما في صدورنا- كم نحن مع هذه الحقيقة في إسقاطاتها العملية..
كم نحن متواضعون لها تواضعاً يحبه الله فينا..
كم نحن بعيدون عن الفساد والعناد حتى أصبحنا على شفا حفرة من النار..
كم نحن نتقي الله في حقوق الناس ولا نسطو عليهم باسم القانون والدين..
وكم نكابر وكم نتكبر.. كم وكم...؟
إن الإجابة الصادقة مع النفس على هذه الأسئلة لا شك في أنها تساعدنا على النهوض لتغيير ما بأنفسنا إنتقالاً الى تغيير الواقع من حولنا بما يرضي الله وينفع دنيانا وآخرتنا.
فهل نستعد الآن للإجابة عليها إجابة موضوعية حيادية تفتح علينا أبواب الحل الحقيقي الذي ننقذ به البحرين وأهلها قبل المزيد من الانغماس في وحل الظلم وتعميق أدوات الخنق والدمار؟

بأسلوب الداعية الملتزم بالنهل من بصائر القرآن العظيم، يَعْبُر العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي – دام عزه - من مستوى التنظير إلى تقرير واقع التقوى في حياتنا، مُفَعِّلاً لأبعاد الشفافية والصدق والمصارحة كأساس لصلاح أمرنا، حيث يوجّه أسئلة مركزية كاشفة عن حقيقة التقوى في حياتنا اليومية بكل أبعادها وتفاصيلها، والجميل في هذه الأسئلة أنها شاملة لكل البحرينيين وخاصة بالمؤمنين الذين آثروا الحياد والتفرج، لم يطرحها العلامة لإحراج أحد ولكن صدقا وعدلا براءة لذمته أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا أحزاب ولا طوائف ولا مصالح الفانية كلها، إلا من أتى الله بقلب سليم، فسلامة القلب تبرز في تجليات التقوى في حياة المؤمنين، لأن الحياد حالة ظرفية قصيرة لما تقع الفتنة، ويستدعي الحياد المؤقت البحث والتنقيب عن حقيقة ما يجري، لاتخاذ الموقف الرشيد الذي يثير دفائن الوعي والانتباه لدى جموع المؤمنين، لأن قضية الشرف الاسلامي تعني أن تتحرى عن الحق فتعرفه لتقيّم به مواقفك وحركتك وعلاقاتك، والحق لا يتوقف عند حدث أو شخص أو حزب أو مصلحة ولكنه هو: { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً}[7].
ويمضي بأسلوب المصلح المحب لوطنه بكل تنوعاته، وبلغة ملؤها الخوف والقلق على مصير المؤمنين في هذا الوطن، من خلال تأكيد إصلاح الأنفس على ضوء مصاديق التقوى والوصول بسرعة إلى كسر الجمود وأغلال الظلم السياسي ومظاهر التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ليبعث في النفوس الخاملة والعقول الجامدة خريطة طريق للخروج من النفق المظلم الذي طال بقاء أهل البحرين في غياباته الموحشة والمدمرة لحاضر ومستقبل هذا الوطن الغالي...

على خطى إصلاح ذات البين:
أيها القراء الأعزاء: إنني بهذه الكلمات أريد الدعوة إلى الحقيقة بتجرّد هادف، وأقصد بها نفسي أولاً والآخرين جميعاً. وحتى يتحرك فينا دافع البحث عن الحقيقة.

على ضوء ما سبق، يعبّر العلامة الشيخ المهتدي – حفظه الله - عن الهدف الأكبر لرسالته، ملتزما أسلوبه الدعوي الحضاري، حيث الدقة في التعبير والرفق في النصح والجدارة في التوجيه، عبر استمرار لغة المحبة الأخوية والتواضع الشخصي وفق منطق (لا تخرج نفسك من حد التقصير). والتأكيد على أن المدخل للحل والإصلاح وتجاوز الأزمة هو البحث عن الحقيقة بتجرد، لأن البقاء في مربع الحيادية السلبية والتعصب للحقيقة التي يحملها كل واحد على أساس تصورات وسبقيات معينة، قد لا يكون قد فكّر في تمريرها تحت أشعة التقوى والعدل والحكمة القرآنية وفق نظرية :{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[8]، وهذا يعني الاستقالة من المسؤولية الشرعية أمام الله فيما حدث ولازال مستمرا من أحداث وانتهاكات للحقوق كلها وتعطيلا لمسيرة شعب برمّته، للالتحاق بمصاف الأمم وفق ثقافته الاسلامية الحضارية. وحسب تصور العلامة المهتدي – دام عزه - لخريطة طريق وعي الحقيقة في البحرين، هناك بعدان:
أولاً: عن الوعي الذاتي
أتصور أن الخطوات التالية تكون لها الأهمية القصوى على مستوى النضج الشخصي:
1- أن يعرف كل فرد منا قيمته في الحياة والغاية التي خلقه الله من أجلها..
فاعلم أنك إنسان وأن الله كرّمك وفضّلك على أكثر مخلوقاته، فلا تقبل لنفسك العبودية لشهواتك ولا تكن من العبيد الذين يتخلّون عن كرامتهم الإنسانية لأجل أيام تنهيها الحوادث والكوارث التي لا تستأذنك حين المباغتة.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).
وقال عز وجل: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ).
2- تذكّر دائماً أنك مطلوب للتقدم في الحياة فكرياً وإقتصادياً وأخلاقياً واجتماعياً وسياسياً وعائلياً، وأنك لم تعدم مقوّمات الوعي لأدوات هذا التقدم من القراءة والتفكر والسعي باتجاه الأفضل.
فأنت تستطيع أن تفهم قول الله تعالى هذا وتعمل به: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ).
وبذلك حاول - يا أخي المسلم السني - أن تنفتح على مختلف الآراء حتى على آراء مخالفيك إما للمقارنة مع ما لديك من قناعات وأفكار وإما لإتمام الحجة على نفسك وعليهم، وإما لدمج المعلومات وتلقيحها للخروج منها إلى الأحسن والأكمل في الأداء والعمل.
3- إعلم أن مَثل الدنيا كمثل السوق حيث يدخل فيه الناس من باب ويخرجون من باب وهم بين خاسر ورابح.. فانظر من أي الحزبين تكون إذ لا ثالث هناك. مع فارق هو أن سوق التجارة في الدنيا قد يستعيد الخاسر فيه قواه المالية فيعيد الكرّة رابحاً، ولكن سوق التجارة الأخروية لا كرّة فيها إلى الحياة لمن خسرها في الباطل والذنوب والظلم والظلمات، وقد حكى القرآن حال هذا النوع من الخسارة أن الخاسر عند ساعة موته يستغيث ملتمساً: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ).
فحياتك هنا - في الدنيا - رأس مالك وهي بيدك لمرّة واحدة فقط، لذا يتطلب منك الأمر أن تركّز كيلا تخسرها في صفقة مع الشيطان، تذكّر أن سعادتك الأبدية تستحق منك الكثير من الإهتمام والصدق والإخلاص، والكثير من التجرّد والحيادية والانصاف والنزوح إلى الله بدل الجنوح الى الهوى...
4- جميل منك أن تجلس مع نفسك في خلوة الليل والناس نيام، فتنظر إلى نجوم السماء وتفكر كيف تجعل من وجودك نجماً للهداية.. فكّر من أين جئت وفي أين أنت الآن وإلى أين ينتهي وجودك.
وفي هذا التأمل الذاتي استعن بتلاوتك التدبّرية في القرآن الكريم ولا تقفل قلبك عن ضوء الحقيقة، فقد قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
5- كن شجاعاً عند اكتشافك للحق والحقيقة، إنطلق لمعانقة الحق لتعانقك الحقيقة قبل أن يفتح الشيطان على عقلك سبيلاً تنتكس به إلى الباطل. ولكي تكون بمستوى هذا الإقدام إستحضر في ذهنك أن لا أحد ينام معك في قبرك إلا عملك، فإن كان صالحاً أسرّك وإن كان طالحاً تبدّل الى حيّات وعقارب وسياط من نار وعذاب متصل بعذاب الآخرة حيث الإنتقال إلى جهنم بعد الحشر يوم القيامة وبئس المصير.
إن إيمانك بهذه النهاية من شأنه أن يبعث في داخلك الشجاعة كي تقرّر قبل الموت الذي لن يستأذن عليك في سلب روحك، ولن ينفعك حين إقباله لا حاكم ولا حكومة ولا منصب ولا مال ولا عشيرة.
وعند اتخاذ قرارك الشجاع لا تفكر الا فيما دعاك الله اليه والرسول كما جاء في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ).

هذا البعد للعرفان التربوي يراه العلامة المهتدي، ذا أهمية جوهرية في دعوته التاريخية الى مراجعة الأفعال والأقوال، لأنه يهدف من خلالها تفعيل المسؤولية الشرعية الفردية في الحياة لدى قارئ رسالته وقرائها على الامتداد الآتي.
وبخطابه الدعوي المباشر للفرد المؤمن، يبدأ نصيحته التذكيرية وفق النظرية القرآنية الخالدة: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ}[9].
1/ التشخيص:
الخطوة الأولى استخدم العلامة المهتدي أسلوب التذكير بالمصير والماضي والحاضر، وهذا ما يمكننا عنونته بخطوة التشخيص للذات المؤمنة في الواقع البحريني عامة سنة وشيعة.
2/ التوجيه:
ثم انتقل إلى خطوة التوجيه، لكنه خص الخطاب بالمؤمن السني، مما يدعونا للتساؤل هل التشخيص شامل لعامة المؤمنين سنة وشيعة كما تصورنا ، أم أنه للسنة دون الشيعة حسب خطوة التوجيه التي كانت صريحة، ولعل النزول من التعميم إلى التخصيص في الخطوة الثانية، جاء ضمن النسق العام للرسالة وذلك وارد في أسلوب الخطابة العربية وبخاصة القرآنية، وهنا تتجلى ميزة الاستلهام القرآني لدى العلامة المهتدي – حفظه الله -.
3/ التوعية:
بعد ذلك جاءت خطوة التوعية عبر المثال الحي وزلزلة المنظومة الثقافية المعطلة للحرية الفكرية والضاغطة على الهمة القلبية في اكتشاف الواقع بعيدا عن التقليد والالتقاط.
4/ التزكية:
هذه الخطوة تهدف للتزكية الذاتية، عبر مراجعة دقيقة وتجديد للبرمجة الثقافية لدى المؤمن عبر التأمل والمقاربة والمساءلة والتنقيب، منبّها برؤية المصلح العارف إلى ضرورة قيام الفرد نحو التدبر القرآني عبر الانفتاح الفكري على آفاق الآيات القرآنية لتسطع شمس البصائر على القلب فتملؤه بنور الحقيقة الساطع...
5/ إمتلاك الشجاعة:
وخاتمة الخطوات الاصلاحية للذات المؤمنة في مشوار البحث عن الحقيقة، هي إمتلاك الشجاعة، هنا انطلق العلامة بوعي اسلامي مرتكز على معالم قرآنية بليغة المعنى والمبنى في تجلياتها الحياتية، لقد توسع في بناء النهضة الرسالية - وهنا مصداقها الشجاعة- عبر تركيز حقيقة المسؤولية الإيمانية لدى كل المسلمين تتحدّد في الآية الكريمة: { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً}[10]. وهل تأتي القرارات البنّاءة في حياة الانسان والشعوب الا بالشجاعة المؤطرة بالأطر الشرعية والموجّهة بنور التقوى.




ثانيا: عن الوعي الجمعي
أيها السنة الأعزاء في البحرين، مضافًا لهذه الخطوات الخمس الموقظة لضمير الفرد فإننا جميعًا مدعوّون بها إلى تفعيل الضمير الجمعي، لأننا بالتعاون على البر والتقوى نؤسس إلى حياة طيبة ينعم فيها أهل البحرين بخيرها ويتنفسّون في أجوائها الصعداء معنى السعادة في الدارين.
أولاً: ما أروعنا - كمسلمين - عندما نبني بإسلامنا العظيم صرح المجد الإنساني الرفيع، وذلك حينما نعود إلى قرآن محمد وسنة محمد وأخلاق محمد وسيرة محمد ونبل محمد ووصية محمد وأوصياء محمد وعترته التي سارت على نهجه بلا إعوجاج ولا تجاوزات، كيف وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا وجعلهم أئمة يهدون بأمره لما صبروا على كافة ألوان الأذى.
فالطريق واضح لمن يرى، وخارطته متوهّجة لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد.. إنه طريق محمد وآل محمد وهو الأصل، وكل مفردة تلتقي مع هذا الأصل فهي منه والتي تخالفه لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتخذها أصلاً من دين الحق وقد قال ربنا عزوجل: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
بهذا المحور من الثوابت القرآنية سنهتدي دائماً إلى رضى الله الذي فيه خير العباد وأمن البلاد، وعلى العكس منه عندما ينحرف عنه الإنسان والمجتمع فإن الأمور تؤول إلى جرائم سياسية وحروب دموية وكوارث مذهبية وأحقاد إجتماعية يتألم منها المذنب والبريء ويندى لها الجبين، وفي التاريخ كل الشواهد لإثبات خطورة الإنحراف عن ثوابت محمد وآل محمد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).
أقول وقد نختلف (نحن شيعة أهل البيت) مع غيرنا حينما نصرّ على التمسّك بهذه العقيدة ونرفض سواها ونحن على بصيرة من أمرنا قرآنياً وعتروياً، إلا أننا لن نسمح لأنفسنا إستعداء من يخالفنا فيها حيث أمرنا الله سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ).
ومثل هذا الموقف نرجوه في إخواننا السنة، لاسيما والقرآن الجامع بيننا يدعونا الى أروع وسيلة إنسانية وحضارية في إدارة الخلاف والاختلاف عندما قال: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ).وهاتان الآيتان المباركتان بينما تدعونا الأولى إلى العدل مع الآخرين تطبيقاً للتقوى فإن الثانية تؤكد على أصل السلمية في مواجهة العداوات لغاية قلبها الى صداقات حميمة، وهذا قمّة الفكر المناقبي في ديننا الاسلامي الراقي والذي زُوِيَ عن سلوك غالبية المسلمين لما استبدله بعضهم بضجيج الصراعات التكفيرية وغوغائية التفجيرات الدموية وضياع بوصلة العقل الإنساني والأخلاق القرآنية.
ثانياً: إننا أيها المسلمون السنة في البحرين نمرّ اليوم بأحداث كانت مكتوبة على الجبين وهي من المقدّرات الإلهية في سنن التدافع بين الإرادات البشرية من أناس ملتزمين بالحق وأناس متورطين في وحل الباطل وفي كلا الطرفين مستويات، ذلك إمتحان فريد من نوعه لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا الوطن العزيز وانما ينال الفوز فيه كل من يكون أكثر حباً لله وإنشداداً للحقيقة وتواضعاً بلا عصبية. وبالتالي فإن التقدير الالهي لنا فيه الأثر بأفعالنا الحرّة وإرادتنا الذاتية (فلا جبرٌ ولا تفويض بل أمرٌ بين الأمرين) وإلى هذا الفعل الاختياري للخير أدعو البحرينيين (سنة وشيعة) للخروج من الأزمة عبر صناعة جيل مؤمن بقيم الحق، مسالم في الموقف من الرأي الآخر، يتسامى على لغة التخوين وبث الأحقاد الجاهلية واعتماد المعلومات الكيدية والأخبار الكاذبة وما تبثه وسائل الاعلام الآحادية المصدر.
فليس ما تقوله الجهة الواحدة هو الصواب، بل الصواب أن تفتحوا أسماعكم على كل الجهات المعنية وتتعقلوا الأخبار والمعلومات عقل دراية لا عقل رواية، وخاصة اذا كانت المصادر ممن قال عنها ربنا عزوجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).
ثالثاً: نعتقد أن الأحداث التي آلمت المعارضين للحكومة والموالين لها والمتفرجين بين الطرفين على السواء كان يمكن تفاديها لو كانت الإصلاحات حقيقية وكانت العدالة شمولية وكانت الشراكة السياسية ذات مصداقية، أو كانت هناك أذن صاغية في قيادة البلاد تسمع كلمة الناصحين بروح الجدّ وإرادة التغيير من غير لف ودوران وتجاهل.
فلنرجع الى قراءة متدرّجة لتطوّر الأحداث، فما اعترفت به الحكومة على نفسها في تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية لتسع سنوات متوالية ومن دون محاسبة المفسدين الرسميين يكفي لانتفاضة الشعب الغيور في وجه السرّاق المتفارخين جيلا بعد جيل. وهذا مثال واحد وقس عليه المئات بل الآلاف!!
فالانتفاضة بدأت سلمية إصلاحية شعبية بمعنى الكلمة وبشهادات دولية ومنها شهادة بسيوني في تقريره الذي أدان استخدام السلطة للقوة المفرطة ضد المحتجين السلميين وهم مئات الآلاف وليسوا من فئة خاصة، ثم واصلت السلطة قمعها الدموي واعتقالاتها العشوائية وتلفيق التهم واختلاق روايات طائفية والحطّ من كرامة المحتجين ولاسيما أنواع التعذيب التي رأيت بعضها شخصياً بما لم أكن أتوقّعه في بلد رفعت قيادته شعار الاصلاحات وتبيّن زيفها الأكيد، وهكذا أدخلت هذه السلطة البلاد والعباد في نفق مظلم ومعقد ومرعب وكئيب لا يعلم عواقبه السيئة إلا الله.
إن هذا الواقع الذي لا زالت السلطة منغمسة فيه يجب أن يدرسه إخوتنا السنة كمدخل لوعي الحلول التي تضمن عدم العودة الى أمثاله كما هو الصورة المعروفة عن تاريخ البحرين. فلنذعن لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ).
إن من هوان الدنيا عليّ في السجن أن أصرف يومياً نصف ساعة من وقتي في قراءة الصحف الرسمية لأستغرب من فضاعة التناقضات في الصفحة الواحدة وأحياناً للكاتب الواحد بين عدد وآخر وللمسؤول والمسؤول الآخر كذلك، وأقول لنفسي أين سيصرف هؤلاء وجوههم غداً حينما تنجلي الغبرة وتتجلّى الحقيقة وهذه الصحف تتأرشف وعدسة التأريخ تسجّل والأجيال الآتية سوف تقرأ..
أما يستحي القوم من أنفسهم.. من ضميرهم.. من الله العالم بالخفايا.. ومن الذين يعرفون ما وراء الكواليس؟!
ما هذا المستوى الهابط للمنطق الصادر باسم السنة والسنة الحقيقيون برآء منه وممن دفعوا مسارات الاحداث في النفق الطائفي البغيض لينجوا أنفسهم في خلط الأوراق.
فهناك سنة واعون لهذه اللعبة الطائفية ضد إخوانهم الشيعة هروباً من تطبيق هذه الآية الكريمة: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
رابعاً: رغم كل الآلام يجب أن نرتقي إلى مستوى الفريضة الإسلامية والغيرة الوطنية بالإيجابية البناءة وذلك من أجل وطن خالٍ من أسباب أدت إلى هذه الأحداث، فلابد من المكاشفة حول الأسباب الواقعية للأزمة على مستوى النقد المباشر لأعلى رجال السلطة وبلا ذرّة مجاملة، لأنهم المسؤولون عن الأسباب وعن العلاج معاً إذا صدقوا مع هذا الشعب قضاياه المصيرية، وهذا الأمر يحتاج الى تخلّص الأطراف كلها من كافة الأمراض النفسية والفكرية والبدنية والسياسية والقومية والحزبية واللونية والاجتماعية والإدارية والمذهبية التي أزّمتْ القضية منذ ما قبل اندلاعها، وذلك ما لن يتحقق إلا بالاستجابة الحقيقية لنداء القرآن ونصائح النبي وآله والصالحين من صحبه ودعوة العقل وصوت الضمير والانسانية...
ذلك قول ربنا تبارك شأنه: ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ).
خامساً: كل ما سبق ذكره قد يمر عليه البعض بدافع العصبية والخلفية الحائلة بينه وبين أن يبصر الحقيقة، ولكن للمرّة الأخيرة أكرّر الدعوة لنفسي ولكل من يطلب الخير لهذا الوطن والهناء للمواطنين أن يتجرّد قليلاً فيتصوّر ساعة الموت وآلامه والقبر ووحشته والدفن وظلمته، ويتصوّر يوم الحشر والحساب والعقاب والعذاب، فلعل هذا يكون الضمان التنفيذي لاتخاذه أحسن الخطوات في الوصول الى الجنة والنجاة من نار قال عنها الله جلّتْ قدرته: ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) كما وقال سبحانه عن أهلها: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ . إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).

في هذا البعد اتجه العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي- دام عزه - وهو الخبير بالحوار الاسلامي- الاسلامي، مباشرة نحو الوقوف على الاشكاليات والملابسات التي قد تثار في الواقع وقد حاول البعض اللعب من خلالها للتشكيك في أي استقرار اجتماعي بين السنة والشيعة في البحرين.
من منطلق الشعور بالمسؤولية الشرعية وكذا الخطر الطائفي العظيم الذي يهدّد ليس البحرين فقط وإنما مستقبل المجال العربي والاسلامي وأجياله القادمة ككل، عمد العلامة المهتدي إلى انتهاج اسلوب التصدي للتحديات الطائفية بحزم وثقة وعدم السماح لأي محاولة من المحاولات الفتنوية الهادفة لزعزعة وتدمير الرابطة الأخوية الأزلية بين المسلمين (سنة وشيعة)، وعلى ذات المنوال في بحثه لخطوات بناء الوعي الذاتي، استكمل رؤيته الاصلاحية والمنهجية الخلاقة لوعي حقيقي للحاصل في البحرين، اضافة للاتجاه نحو التعاون من أجل الخروج بالأمة البحرينية من نفق الضمور السياسي والتخلف الاجتماعي والتراجع الاقتصادي، بسبب ثلة أرادت تعطيل اعتبارات الأخوة والمواطنة ومقتضيات الوفاق الوطني والحريات العامة والعدالة الاجتماعية من أجل الاستئثار بثروات الشعب البحريني والجشع بخيرات الوطن وحرمان المواطن البحريني الأصيل منها، حتى بلغ الأمر إلى التجنيس لجنسيات غريبة عن التركيبة العربية والاسلامية للمسلمين في البحرين، لا لشيء سوى لتمرير مشروعهم الاستدماري للأمة البحرينية (سنة وشيعة) وتصوير المعارضة البحرينية أنها طائفية وأن التركيبة البشرية متوازنة وفي حالة الاستفتاء فلا يمكن للشيعة في البحرين فرض أي تغيير على المستوى السياسي، بينما في الحقيقة إن كل تلك المحاولات لخلق توازن طائفي باءت بالفشل، لأن من تمّ تجنسيهم لا يمثلون السنة بل بعضهم لا ينتمون لدين سماوي، رغم كل ذلك حاول أعداء الحرية والتعايش والتنمية في البحرين، ضخ الوعي الجمعي للإخوة أهل السنة بافتراءات خطيرة ومقيتة عبر الخطابات التعبوية التكفيرية من فوق المنابر الدينية والاعلامية مستخدمين عبارات وألفاظ منافية للآداب والقيم الاسلامية الفاضلة، بل أقل ما توصف به أنها مهاترات طائفية لا تمثل السنة الشرفاء ولا تخدش الأخوة الاسلامية الخالصة لدى شيعة البحرين. والتأمل العميق في النقاط التي طرحها العلامة المهتدي – حفظه الله - يردنا إلى مجموعة من المعاملات التاريخية النفسية والاجتماعية الموضوعية المهمة، والإلمام بها سيعين القارئ الكريم في استيعاب ما يحاك في الواقع البحريني:
1/ المحور الأول، انطلق العلامة المهتدي من خصوصيته المذهبية ليبادر للتعريف بهذه الخصوصية، مؤصلا للوعي لدى من يلتقون معه، ثم عرج على خصوصية الآخر ودعوته للكلمة السواء إسلاميا، ملمّحا بخطابه الرفيع إلى أن التنوّع المذهبي في البحرين هو في الأصل وسيلة من وسائل التعارف كغاية إنسانية تغني التجربة الاسلامية الحية لبلوغ مرتبة رفيعة من مراتب التكامل الانساني على ضوء الشريعة الاسلامية السمحة، هذا من جهة.
من جهة أخرى إستطاع العلامة المهتدي أن يوضح ببلاغة دقيقة تستوحي نسقها من القرآن الكريم ، أن إلغاء الخصوصيات ليس منهجا واقعيا في التعاطي مع أصالة الواقع التاريخي للأمة البحرينية ثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا، حيث تبني الإلغاء من أي طرف في المعادلة البحرينية ليس فقط على مستوى الطوائف وحتى الأحزاب والجمعيات وماهنالك من تنوع، هذا كله لا يغير شيئا من المسألة في بعدها الذاتي أو آثارها الموضوعية، لأن الذات البحرينية عبر التاريخ استمدت جذورها من الإنسانية الاسلامية فاحتضنت السني والشيعي، فكانت الوطنية مزيجا منهما خلقت توازنات راقية على مستوى الحالات النفسية والعملية في الاجتماع البحريني العام عبر التاريخ الاسلامي كله.
هذا الطرح الحضاري الكبير الذي رسم معالمه العلامة المهتدي عبر الاستشهاد بآيات قرآنية جامعة مانعة مغنية للنباهة الأخلاقية لدى الذات والمجتمع في المعادلة الاسلامية البحرينية، ضرب في الصميم التيار التعصبي التكفيري المعقّد ذا البعد العدواني الاجرامي تجاه الشيعة بإسم السنة وهي براء منه، ووجه رسالته ببساطة لإخوانه من أهل السنة أن هؤلاء الذين يكفّرون ويقتلون ويتفانون في الاجرام السياسي والحربي والطائفي لا يمثلونكم، وإذا كان بعض من يتبنون هذا التيار قريبين منكم نسبيا وسياسيا وتاريخيا، فالعصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن أن يعين قومه على الظلم...
2/ هنا دعوة فريدة وحضارية لأبعد الحدود، لأن من سمات المصلح الحقيقي أن يكون عارفا بزمانه، مدركا لمسؤوليته، منفتحا على ربه وآياته، ومتأملا من موقعه في معادلة الحياة والرسالة، لقد جسد في هذا المحور الاستاذ العلامة المهتدي ثقافة عالية بفلسفة الوحدة في الاسلام، فاستهل بحماية المنجز الوطني البحريني عبر التعاون لصناعة جيل حي ومتمدن بالقيم والمبادئ الاسلامية السمحة، و عَقَبَ أن ذلك لا يتسنى إلا من خلال جهد جهيد للخروج من الأزمة، عبر الانفتاح بين العقلاء والحكماء من السنة والشيعة في مختلف المستويات، وإزالة الحواجز والمطبات التكفيرية والسباب والطائفية الاعلامية كلها التي تحول دون التواصل والتعارف والتعاون... وأكد على الاحترام المتبادل والعميق دون التفكير في إمكانية تطابق وجهات النظر في كل شيء، الاحترام الذي يسع كل المقدسات والرموز لدى الآخر، تأسيسا لسلم اجتماعي مستدام وتنمية سياسية خلاقة للمواطنة الحقيقية.
3/ في هذا المحور قام العلامة المهتدي بإجراء قراءة مقتضبة وعميقة لما جرى بالبحرين، وأكد أن ما يجري في الواقع من كآبة وظلم وإجرام واستبداد تتحمل مسؤوليته الحكومة ، فالنظرة الشاملة والمتابعة التاريخية للأحداث والدراسة المستفيضة للحيثيات والنتائج والتقارير الدولية وآخرها تقرير بسيوني (الرسمي) أوضحت أن الانتفاضة البحرينية كانت سلمية ولابد من مباشرة الاصلاحات وملاحقة من تسبّبوا في ترويع البحرينيين وقمعهم وسجنهم وتعذيبهم والشباب في مقتبل العمر ممن قتلوا ظلما وعدوانا والكوادر التي لا تزال رهن الاعتقال والتعذيب، وحديث العلامة المهتدي – حفظه الله - حديث بحريني قاسى وأهله ويلات الأحداث من اعتقال وتعذيب وانتهاك لحرمة بيته وأفراد عائلته، وهذه ليست المرة الأولى وهو من عانى محنة النفي واسقاط جنسيته قبل ثلاث عقود، لكنه لا يزال صابرا محتسبا يدعو بني وطنه إلى الوحدة وتحرير الواقع من النزعة الطائفية والظلم والاستبداد واحتكار مقدرات الدولة للمصالح الخاصة، ولعل خير توضيح لدعوته هذه حديث مروي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله وسلم): السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم...
قلنا يا رسول الله و من هم ؟
قال: الذين يقبلون الحق إذا سمعوه، و يبذلونه إذا سئلوه، ويحكمون للناس كحكمهم لأنفسهم هم السابقون إلى ظل العرش...
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الرفق رأس الحكمة، اللهم من ولي شيئا من أمور أمتي فرفق بهم فأرفق به، ومن شفق عليهم فأشفق عليه).
4/ هذا المحور هو بمثابة الحوصلة والبرنامج الواجب الانطلاق فيه، فالعلامة المهتدي دعا جميع الشرفاء في هذا الوطن للعمل من أجل الاصلاح الحقيقي ، حيث المخاطر والتحديات لا يمكن مواجهتها وتجاوزها إلا بمصالحة حقيقية تبدأ بتطهير الأنفس من القذارات والحزازات والأحقاد حتى تعم النظافة كل المستويات ويتحقق الاستقرار السياسي العميق على أساس انسجام في الخيارات السياسية والثقافية بين السلطة والمجتمع لبناء دولة القانون والعدالة والتنمية الشاملة.
5/ في محاور بعث الوعي الجمعي، نرى استماتة العلامة المهتدي – حفظه الله - في ملاحقة الزيف والظلم والتخلف والكذب والتضليل، بروح المؤمن المصلح والداعية الرؤوف بالآخر والناظر بعين الأخ الخائف على مصير أخيه، مناديا كل أولئك المضلّلين إعلاميا وثقافيا وسياسيا ومذهبيا { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }[11]. ليس غريبا من سيرته كلها الجد والاجتهاد والعفة والسداد في الطريق إلى الله والتأسي بالنبي وآله عليهم الصلاة والسلام، وكما تقول الحكمة: "ما صدر من القلب استقبله القلب" ، هذه الروحية الاسلامية العالية المتوجهة لله تبارك وتعالى بالابتهال وللإخوة بالدعوة إلى الوحدة والتعاون والتآلف والتسامح والتعايش لتنهض أمة البحرين وترتقي في مضمار الحكم الرشيد والعدالة و لتنمية في مختلف المستويات.


من أجل بحرين المستقبل:
وفي الختام:
أيها الإخوة، أيتها الأخوات،
إنطلاقاً من الآية الكريمة: (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) لي اليكم كلمة أخيرة، إعلموا أن الأحداث التي عصفت بالبلاد العربية لم تختلف عما عصف بالبحرين، وذلك لاشتراكها في الأسباب التي لم تكن مذهبية حتماً ولا هي أجندة خارجية، بالله عليكم لو لم يكن فساد إداري في جسم النظام ولم تكن سرقات من المال العام وكانت سواحل البحرين الجميلة ولو نصفها مشاعة لكل المواطنين لا كما هي في قبضة المتنفذين، ولو لم تبذر ميزانية الدولة في الفسق والفجور والمشاريع الوهمية ثم يتسكع الانسان البحريني هنا وهناك بحثاً عن لقمة عيش وسكن يجمع بينه وبين عائلته وراتب يكفيه وفرص دراسية متكافئة غير خاضعة للواسطات المذهبية، ولو كانت شراكة سياسية بالتنافس الشريف وليست بالولاءات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولو كانت حياة المواطنين خالية من ضغوط نفسية وإزدحامات في المراكز الصحية، ولو كانت شؤون البلاد تدار بحكومة عادلة لا حكومة فوق المساءلة.
هل كانت احتجاجات تتبعها أحداث؟!
فالإشكال واضح إذن، والخلل هو ما اضطرّت الصحافة الرسمية أن تعترف به على خجل واستحياء ثم صرّحت به بشيء من الأرقام حول ضعف البنية التحتية للاقتصاد وحجم التجاوزات وأزمة السكن وملفات حقوق الإنسان، والغريب أن الحكومة المتورطة في هذه المشاكل المعيشية إستوردت كمّاً هائلاً من المجنّسين ليثقلوا كاهل هذا الشعب بالمزيد من الإختناقات، في الوقت الذي كانت الحكمة تقتضي إعطاء الأولوية للمواطنين ثم وعلى قدر الإمكانات تقوم بجلب الكفاءات وتجنيسهم وفق العدالة القانونية والأهداف التنموية البعيدة المدى.
ولقد قدّمتُ مثل هذه الملاحظات والنصائح خلال ثمانية أعوام من اللقاءات المتكرّرة بكبار المسؤولين في النظام، ولكن دون اهتمام منهم، فما كان مني سوى الابتعاد عنهم في عام (2009) رغم الإغراءات المادية. وجاء دوري في (فبراير / 2011) حيث خرجت مئات الآلاف من المحتجين على تلك الأوضاع السيئة الضاغطة بإرسالي ما يقارب (40) رسالة نصية داعياً الى الاحتفاظ بالسلمية في المطالبات المشروعة، وهذا نوع من حرية التعبير عن الرأي الذي كفله لي الدستور والميثاق والقانون مسبوقاً بحكم الشريعة الاسلامية، ولكن كان عقابي على هذا كله السجن والضرب والسبّ والتعذيب وسوء التغذية وسوء المعاملة والحرمان العائلي وسرقة كل شيء ثمين من بيتي حين المداهمة الارهابية لاعتقالي، وبعد كل ذلك والمتاعب الصحية التي أعاني منها الآن بشدة حكمتْ عليّ المحكمة بالبراءة!!
هل هذا مما يقرّه الدين والقانون والأخلاق والقيم الوطنية؟!
ومثلي حالة سجناء الرأي السياسيين في هذه الأحداث، فهم بين مَن نصحوا ولم تُسمَع نصيحتهم، أو انتقدوا ولم تُقرَأ انتقاداتهم بعين الإنصاف، أو احتجوا فاعتُقلوا وعُذّبوا وحُكم عليهم بقانون وضعه الذين يريدون حماية أنفسهم ومصالحهم التي هي الأساس في المناقشة السياسية، ثم ويستمر الظلم ليطال أهالي المعتقلين عقاباً على مطالبتهم بالإفراج عن أفلاذ أكبادهم، بل واعتقال الحقوقيين المدافعين عنهم، ويعاضد هذا الظلم ظلم الماكنة الإعلامية التي تُقاد بيد الذين تجب محاكمتهم على جريمة قلب الصورة حتى أصبح البعض بسببهم يرى صورة المظلوم في الظالم وصورة الظالم في المظلوم، وهناك الكثير من إخواننا أهل السنة يعرفون الحقيقة ويخافون مصير المعتقلين، فسكتوا اتقاء البلاء الصعب!!
وهكذا فإن القضية ليست سنة ضد شيعة ولا العكس، بل هي مناقشة سياسية حقوقية بين معسكر حكومي فيه من السنة والشيعة كما يوجد في معسكر المعارضة شيعة وسنة، أما النسبة بين الأكثر والأقل فلواقع التركيبة الشعبية ومساحة الحرمان والتمييز التي فرضتها السلطة بروح طائفية استهدفت سحق الطائفة الأخرى، وما الفصل والمفصولين وما التعيينات للموالين وترقياتهم السريعة الا مظهر من هذه الطائفية الرسمية وسياسة التجويع والتشفي البعيدة كل البعد عن مبادئ الاسلام في الرحمة والانسانية، وهذا ما يجده المواطن المنصف واضحاً سواء كان سنياً أو شيعياً أو حتى مقيماً أجنبياً حيث يكفيه التصفح في وجوه المسئولين الحكوميين عبر الصحافة الرسمية والتلفزيون والإذاعة أو يطرق أبواب الوزارات والدوائر الحكومية؟!
إنني هنا لست في وارد هذا البحث وإنما للإشارة إلى الحقيقة اليتيمة في صراع ليس هو سني ولا هو شيعي بل صراع بين المنهوبين من حقوقهم الوطنية والناهبين للحقوق حيث يعملون للإفلات من العقاب القانوني.
فهذا أنا (الشيخ عبدالعظيم المهتدي – العضو المستقيل من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والحائز على الوسام الوطني للكفاءة من الدرجة الأولى بيد عاهل البلاد، وصاحب المؤلفات التي تربو على المائة ومئات المقالات والخطابات الوحدوية والأخلاقية والإصلاحية المعروفة) لم يرحموني في اعتقالي وضربي وتعذيبي وشتمي وتهديدي في عرضي وشرفي، وأنا في السجن طالت المضايقات الى زوجتي وأطفالي حتى اضطروا للخروج من محافظة المحرق بعد تشرّد عاشوه من سكن إلى سكن، بل وحتى المؤسسة الملكية لكفالة الأيتام قطعت (150) ديناراً شهرياً على ثلاثة أيتام من زوجتي الثانية، مضافاً للمضايقات الأخرى!!
بينكم وبين الله هل هذا هو من دين الإسلام وسنة الرسول والقيم الوطنية والشيم العربية والمشروع الاصلاحي؟!
لم أذكر هذه المعاناة الشخصية في بعضها الا لتعلموا كم قاسينا والى متى، وكانت بدايتها في سنة (1980) حيث اعتقلتُ وعُذّبتُ وأسقطتْ جنسيتي ثم نفتني السلطة حتى عدت بعد (21) سنة ومثله فعلوا بشقيقتي وأسرتها وأشقائي وأسرتهم وأبناء شقيقاتي وأمثالي بالآلاف كانوا في الثمانينات والتسعينات مبعدين عن الوطن وأهاليهم؟!
فيا أبناء السنة اتقوا الله فينا ولا تتأثروا بما تشيعه ضدنا أبواق الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم..
ها أنا ألفت إنتباهكم الى قول ربنا عزوجل: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). فلا تتفرّجوا على معاناتنا، فنحن إخوة والتعايش بيننا قدر وضرورة.
وهنا أستغفر الله لي ولكم مبتهلاً إليه سبحانه أن يوفقنا جميعاً لمراجعة الذات واتخاذ قرار الهداية والتغيير الجذري ما يجعلنا للأجيال القادمة على أرض البحرين العزيزة قدوةً للحق وأسوةً لطلاب الحقائق، تعلونا جميعاً حقيقة واحدة هي كلمة (التوحيد) التي قال عنها نبي الرحمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم): " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".
وبهذه الكلمة المباركة (قولاً وفعلاً) تجتمع أمة الحبيب أبي القاسم المصطفى محمد (ص) على الخير والسعادة، وبها يكون فلاحنا وفلاح أبنائنا، وعندها ستلهج الألسنة بما وصف الله عزوجل أصحابها: ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ).
لكم مني يا أهل السنة في البحرين خالص الحب، حفظكم الله إخوةً لنا في الدين والوطن، لنا ولكم حرمة الدم والعرض والمال رغم كل النقاشات.. فلنرتقي في إدارة خلافاتنا التراكمية بالتحليق في فضاء قيمنا الاسلامية التي تجسّدت بكاملها في نبيّنا الأمين (ص) تطبيقاً لقول ربّنا جلّ جلاله: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ).
هذا ما أردناه في التذكير والدعوة الى العمل بكتاب ربنا تعالى حيث قال: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ).
اللهم اشهد أني قد بلّغت..
مع تحيات: عبدالعظيم المهتدي البحراني
مملكة البحرين
( سجن جو المركزي )1/ محرم/1434

هكذا تنتهي رسالة المثقف المجاهد والفقيه الحركي المسالم العلامة المهتدي – دام عزه - إلى محصلة عَزْمٍ قادرة على خلق تصور أكثر تواضعا عن الثقافة فوق المذهبية في نقد الواقع وتصور الخلاص من الأزمة في البحرين، وبجدارة ثقافية إسلامية منفتحة على الإنسان محدّدا لخطوات جريئة تجاوز التفرقة بين الذات الفاعلة والآخر في مجتمع متعدد الرؤى، حيث يمكّن للإنسان المسلم البحريني (السني والشيعي الأصيلين) جنبا إلى جنب، أن يصبح شخصية إجتماعية بالكامل، يحتفظ كل منهما اختياره الحر ويمارسها خصوصيته التي اقتنع بها عبر أدلة القيم العقلية والشرعية.
بناءا على ما سبق وأكثر شفافية ووضوح وصراحة وانفتاح على الآخر من إخوانه أهل السنة، استعرض العلامة الشيخ عبدالعظيم المهتدي سلسلة الأحداث والأسباب والمفارقات والاستغراق الطائفي المنتشر عبر وسائل الإعلام المأجورة والفساد المستشري في مؤسسات الدولة والتي تقع تحت سلطة من تطالهم المناقشة السياسية والمحاكمة القانونية حول الأزمة وما قبلها من تهميش وظلم وسرقة للمال العام، وعلى هذا الأساس يبدو من المتعذّر فهم حقيقة الأحداث الجارية في البحرين، فضلا عن معرفة مآلاتها المحتملة، من دون العمل على بلورة تصور موضوعي حول عدة مسائل نذكر منها الآتي:
1/ حقيقة المناقشة السياسية أنها بين قوى ظالمة ومستبدة وأخرى ترنو لأنوار الحرية والعدالة والمساواة.
2/ هوية قوى المعارضة السياسية ليست كما يحاول البعض صبغها بالدهان الطائفي واللعب على الوتر المذهبي وإدراج البعد الخارجي في الصراع السياسي البحت، الهوية هي بحرينية تحتضن من السنة والشيعة الشرفاء ممن يطمحون من أجل الصالح العام للإنسان البحريني، ولتغيير الأوضاع المزرية والانسداد التنموي.
3/ بين كل المآلات المحتملة، ليس هناك سوى الجد والاجتهاد بالعفة الإسلامية والتي من مصاديقها التقوى والسداد الإلهي عبر تدبر المسؤولية الشرعية من خلال تأمل آيات النداء الإلهي للذين آمنوا في رحاب القرآن الكريم، ثم الانفتاح على حقيقة البحرين الوطن والشجاعة في تفعيل الحق والعدل في الواقع البحريني من لدن كل الشرائح المخلصة لبحرين المستقبل عبر التوسع في فهم مسائل الواقع الرئيسية: شكل الدولة، حاكمية القانون على الجميع، هوية المواطنة في البحرين، محاسبة المتورطين في العنف ضد المحتجين سلميا كما أكد ذلك تقرير بسيوني.

استخلاص:
من البديهي القول بأن الخطاب الإصلاحي، يستقطب مصلحين ذوي ثقافة إصلاحية حقيقية شاملة للذات والجماعة الفاعلة، ويتطلب الإصلاح إحداث بعض الترميمات، لتجديد بناء ذلك المجال المعني بالإصلاح، وبما أن الإصلاح في رسالة العلامة المهتدي استهدف الذات والجماعة كمجال متعدد الأبعاد وواسع الآفاق، حيث الترميم سيطال كل الأسس في هذا الواقع البحريني.
أول ملاحظة يمكننا أن نطرحها بخصوص هذه الرسالة، أنها شكّلت معاينة دقيقة وعميقة للواقع البحريني العام، لكنها بقيت موضوعية شمولية وبحاجة لفتح كل تلك المطارحات والرؤى والآفاق على فضاء التحليل والنقد والمقاربات الاستراتيجية في المناقشة السياسية.
ثمة ملاحظة نقدية تسجّل نفسها على سياق الخصوصية الخطابية والنسق الأدبي في مقاربة الرؤى، وحتى حول غياب مفهوم المواطنة في مقاربات الرسالة، وتقضي هذه الملاحظة في جانب مفهوم المواطنة بوجود خلل معرفي إجتماعي وتناقض مستخفي يحمله هذا المفهوم، عندما يراد استدعاؤه في الإطار الجدلي السياسي، حيث حضور هذا المفهوم في مثل هذا الخطاب أو التواصل بين التنوعات المذهبية في الوطن، يدفع أكثر نحو وعي حقيقة الواقع القائمة.
أيضا هناك حاجة ملحّة لتجاوز النمطية في أنساق الخطاب التكاملي بين أطراف المعادلة الإصلاحية في البحرين، ففي سياق الحديث عن الأولويات نلاحظ محاولات متكررة للعلامة المهتدي للخروج من مأزق إقحام القضية المذهبية في المناقشات السياسية العامة، حيث لمح في الكثير من نداءاته بعنوان "الأعزاء وأحبابي وأحمل لكم كل الحب" إلى ضرورة تجاوز تلك العقد النفسانية المسيطرة على تصوراتنا لبعضنا البعض، لكن رغم ذلك نستشف أن خطاب العلامة المهتدي ككل المصلحين والوحدويين يعاني من فقر واقع في التعارف بين طوائف المسلمين، مما يصور أمثال هذا الخطاب الوحدوي الرصين على أنه خطاب مرحلي يناله اليتم أو الخمول، رغم اعتقادنا في الحالة البحرينية بأن إمكانية تغيّر الأحوال أمرٌ وارد نتيجة تقلّبات عالم السياسة، والأخذ بمثل هذه المفاهيم الواردة في قلم العلامة المهتدي يقرّب البحرينيين الى حل مشرّف بإذن الله عزوجل.
فالمؤكد أن وحدة الخطاب في الرسالة، بالاضافة الى الشفافية في عرض الحقائق أمام الآخر دون تردّد، هما عاملان قوة في هذه الرسالة المشبّعة بالآيات القرآنية التي لا يجد أمامها المسلم نفسه إلا مستسلما لإشراقاتها، ولذا فالعلامة المهتدي برسالته هذه يستحق التبجيل السنّي قبل الشيعي، ذلك بالنظر للمستويين المعرفي والأخلاقي في وضع حل عميق لجذور المشكلة المذهبية ورسم خارطة طريق شاملة للتعامل مع الإختلاف، بل إنه بخطابه وهو داخل السجن الذي ذاق فيه آلاما نفسية وجسدية شتى قد ساهم بجدّ في خلق آفاق إستراتيجية للحل البحريني القادم، أهمها تفكيك ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي حبّا في وطن بلا نفاق عرفته البحرين علّة العلل لمشكلاتها.
وبكلمة واحدة: لقد عكس فضيلة العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي - حفظه الله ورعاه - عبر نداءاته المتكررة في خطاب الرسالة لإخوته في الاسلام والوطن من أهل السنة، صورة مشرقة من الوطنية والتطلّع لمواطنة بحرينية راقية تنمّ عن تمدّن إسلامي عميق وتحضّر سياسي حركي خلاّق للتنمية الاجتماعية الهدّامة سلميا لكل تلك الجدر الطائفية والاستبدادية في حركة الزمن البحريني القادم...
هذه هي الحقيقة الأصيلة التي اجتهد العلامة المهتدي – دام عزه - في تبيان مصاديقها وركائزها ومعالمها، طامحا إلى إحداث تأثيرات عميقة جدا قادرة على بعث وعي بضرورة تجديد الروابط الاجتماعية والمشاعر والعوائد والأخلاق التي تصدّعت في الأحداث الأخيرة للبحرين، وسماحته متابع متمكن لها لامتلاكه الخلفية التاريخية منذ (1976) كما في سيرته الذاتية المضيئة بالمحطات الصعبة من أجل تشييد دولة الإنسان المكرّم على أرض البحرين وفق ما حثت عليها الشريعة الاسلامية السمحاء ...
و الله من وراء القصد...


[1] سنن الترمذي

[2] (سورة غافر، الآية 60)

[3] ( سورة الفجر، الآيات:27-30)

[4] ( سورة إبراهيم، الآيات: 24-26)

[5] (سورة البقرة: الآية 194)

[6] (سورة آل عمران، الآية: 172)

[7] سورة النساء، الآية: 87.


[8] سورة المائدة، الآية: 8.

[9] سورة الذاريات، الآية: 55.

[10] سورة مريم، الآية: 95.

[11] سورة آل عمران، الآية: 64.
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رسالة العلامة المهتدي لاهل السنة في البحرين محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 01-25-2013 01:40 AM
رسالة العلامة المهتدي الى أهل السنة (من سجن جو) محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 01-24-2013 09:50 PM
رسالة العلامة المهتدي الى الوفد الاوروبي محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 12-24-2012 04:00 PM
رسالة العلامة المهتدي إلى إبنه محمد جواد .. محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 11-04-2012 07:40 PM
مكتب العلامة المهتدي : رسالة يبعثها الشيخ المهتدي للجنة العائدين (مهم جداً) محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-17-2009 09:50 AM


الساعة الآن 08:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML