إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية

         :: الخوف من رؤية قطة سوداء في المنام (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم الثوب الاحمر (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير أحلام المنازل القديمة القذرة (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم السلام على الأقارب (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم لبس خاتمين للعزباء (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم القط للمتزوجه (آخر رد :نوران نور)       :: رؤية الفراش في المنام (آخر رد :نوران نور)       :: الضيوف في المنام للعزباء (آخر رد :نوران نور)       :: رؤية شخص مصاب بالمس في المنام (آخر رد :نوران نور)       :: تفسير حلم نية السفر للعزباء (آخر رد :نوران نور)      

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-11-2012, 06:30 PM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,613
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2139

بسم الله الرحمن الرحيم

الأسس الإسلامية للدستور الإسلامي

عرض وبيان لما وضعه الشهيد الصدر من أصول للدستور الإسلامي
الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي

الموضوع:

يقتصر موضوعنا هذا على عرض وبيان للأسس الاسلامية التي وضعها الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر (قدس‏ اللّه نفسه الزكية) اصولا للدستور الاسلامي الذي كان ينوي وضعه، عند حلول وقته. وهذه الاسس هي باكورة أعماله ‏الفكرية الاسلامية.

نقاط الموضوع :
وقبل البدء بالبيان نعرض متون الأسس ونصوصها، وذلك ليتسنى للقارئ الكريم الاطلاع عليها ومشاركة كاتب المقال ‏في ما يدور حولها من بيان او تعليق. وبعد ذلك يأتي دور بيان النقاط الاتية:
تعريف الأسس. بيان أهميتها. تحديد هدفها. توضيح ظروف وضعها. ذكر عددها. استعراض محتوياتها. تحديد مركزها القانوني. تحديد موقعها التاريخي. سريتها. منظومتها القانونية. شهرة الصدر العلمية.

النصوص: نقلت هذه النصوص عن كتابين هما:
الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر: دراسة في سيرته ومنهجه، تأليف محمد الحسيني، مصورة عن الطبعة الاولى‏1989م 1410هـ، بيروت: دار الفرات، ص 336 359.
تجديد الفقه الاسلامي: محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم، تأليف شبلي الملاط، ترجمة غسان غصن، بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة الاولى في شباط 1998م، ص 33 48.
وهي:

الأساس رقم (1) : الإسلام:
الاسلام، في اللغة، هو الاستسلام والانصياع، وبهذا المعنى كان صفة للدين الالهي بشكل عام في قوله تعالى: {إن الدين‏ عند اللّه الاسلام} وآيات أخرى.
أما المعنى الاصطلاحي للإسلام فهو "العقيدة والشريعة‏" اللتان جاء بهما من عند اللّه تعالى الرسول الاعظم محمد بن ‏عبد اللّه (ص)، وهذا المعنى هو المقصود من الاسلام في قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ‏ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
ونقصد بالعقيدة "مجموعة المفاهيم‏" التي جاء بها الرسول (ص)، والتي تعرفنا بخالق العالم وخلقه وماضي الحياة ‏ومستقبلها ودور الانسان فيها ومسؤوليته أمام اللّه، وقد سميت هذه المفاهيم عقيدة، لأنها معلومات جازمة يعقد عليها القلب. ونقصد بالشريعة "مجموعة القوانين والانظمة" التي جاء بها الرسول (ص)، والتي تعالج شؤون الحياة البشرية كافة، الفكرية منها والروحية والاجتماعية بمختلف ألوانها من اقتصادية وسياسية وغيرها.
فالإسلام إذاً مبدأ كامل؛ لأنه يتكون من عقيدة كاملة في الكون ينبثق عنها نظام اجتماعي شامل لأوجه الحياة، ويفي‏ بأمسّ وأهمّ حاجتين للبشرية، وهما: القاعدة الفكرية والنظام الاجتماعي.

الأساس رقم(2): المسلم:
المسلم على قسمين: مسلم واقعي: وهو من استسلم عن إيمان ويقين باللّه واليوم الآخر ورسالة النبي (ص) ويعبر عنه في القرآن الكريم ‏كثيراً بالمؤمن وعن مقابله بالكافر. ومسلم ظاهري: وهو كل من شهد الشهادتين، ولم يظهر منه إنكار لضروري من ضروريات الدين.
ويعد كل من أعلن ‏الشهادتين في عرف الدولة مسلما مساويا في الحقوق والواجبات لسائر المسلمين.

والدليل الشرعي على ذلك:
أولا: سيرة النبي (ص) والمسلمين مع من كان يسلم تحت ضغط التهديد بالقتل، فانه كان يقبل اسلامه بمجرد إعلانه ‏الشهادتين.
ثانيا: سيرة النبي (ص) مع أشخاص علم نفاقهم بشهادة القرآن الكريم.
ثالثا: نصوص السنة المصرحة بأن أحكام الإسلام تدور مدار إعلان الشهادتين. وعلى ذلك، فالدولة الإسلامية تساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المشتركين في إعلان الشهادتين، في أحكام ‏الاسلام العامة: الطهارة، جواز التزويج، دخول المساجد، ونحو ذلك.
وإن كان لا يجوز لها أن تسند الى مَن تخشى نفاقه ‏ورياءه شيئاً من الوظائف والمهام التي يشكِّل إسنادها خطراً على الإسلام، كما يجوز لها أن تضعه في رقابة وتحدد تصرفاته طبقا لمقتضيات المصلحة الاسلامية العليا. كما ينبغي أن يعلم أن المرتد عن الإسلام، سواء كان مِليّاً ام فطرياً، إذا تاب وأناب، فان الدولة تقبل إسلامه واقعاً وظاهراً، وتعامله كبقية المسلمين، وذلك استناداً إلى رأي فقهي تتبناه الدعوة.

الأساس رقم (3): الوطن الاسلامي:
الوطن الإسلامي هو "ما يسكنه المسلمون من أقطار العالم‏".

يجب أن نميّز بين استحقاق الدولة الاسلامية للأرض وبين صفة الوطن الإسلامي التي يصح أن نصف بها الأرض. إن استحقاق الدولة الاسلامية للأراضي نوعان:
النوع الأول: الاستحقاق السياسي، وهو ما تستحقه الدولة الاسلامية من الارض باعتبارها الادارة السياسية العليا للإسلام، أي باعتبارها المسؤولة عن الكيان السياسي للمبدأ الاسلامي والموظفة الشرعية على تطبيقه ونشره وحمايته. ودائرة هذا الاستحقاق ليست محدودة بحدود؛ لأن الكيان السياسي للدولة الاسلامية قائم على مبدأ فكري عام لا تختلف في حسابه الأراضي والبلاد. ولذلك كان الاسلام المتمثل في الدولة الإسلامية صاحب الحق الشرعي في‏ الأرض كلها { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون}، فيحق للدولة الاسلامية إخضاع‏ جميع أراضي العالم لها سياسيا.
غير أن طريقة استعمال هذا الحق وشكل تنفيذه يختلف باختلاف طبيعة الأشخاص‏ المستوطنين للأرض من حيث كونهم مسلمين أو ذميين او كفاراً غير ذميين الخ.. وتشرح ذلك الأحكام الشرعية المتعلقة ‏بسياسة الدولة الخارجية.

النوع الثاني:
استحقاق مالكي، وهو ما تستحقه الحكومة الاسلامية من الارض باعتبارها الممثل الاعلى للأمة الإسلامية‏ والوكيل الشرعي عنها في حقوقها واملاكها. ودائرة هذا الاستحقاق هي الأرض الخراجية فإنها أملاك عامة للأمة‏ المسلمة وتقوم بولايتها أو وكالتها عنها بتولي شؤونها طبقا لمصالح الامة.
وتشرح ذلك الاحكام الشرعية المتعلقة ‏بأملاك الامة العامة.
ومن الواضح أن صفة الوطن الاسلامي تختلف في طبيعتها عن صفة الاستحقاق السياسي والمالكي، فان استحقاق ‏الدولة السياسي للأرض هو بسبب تحمل الحكومة حماية المبدأ، مما جعل لها الحق في تنفيذ إرادة الاسلام في الأرض‏ طبقا لتشريعاته.
والاستحقاق المالكي سببه املاك الامة مما جعل لها الحق في تنفيذ إرادة الامة طبقا لمصالحها، وهذا الاستحقاق بنوعيه حكم شرعي لا بد في استنباطه وتحديد دائرته من الأدلة الشرعية.
اما تحديد الارض التي يصح وصفها بالوطن الاسلامي فهو ليس حكما شرعيا، فيكون المرجع فيه العرف السليم الذي ‏يقضي في تعريف الوطن الاسلامي بأنه " كل ما يسكنه المسلمون من أقطار الارض‏".

الأساس رقم (4): الدولة الاسلامية:
الدولة ككل على ثلاثة أنواع:

النوع الأول:
الدولة القائمة على قاعدة فكرية مضادة للإسلام كالدولة الشيوعية والدولة الديمقراطية الرأسمالية، فإن‏ القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الشيوعية تناقض الإسلام تماما، وكذلك القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الديمقراطية ‏الرأسمالية، فإنها وان لم تمس الحياة والكون بصورة محددة الا أنها تناقض نظرة الاسلام الى المجتمع وتنظيم الحياة، فهي أيضا قائمة على قاعدة فكرية مضادة للإسلام. وهذه الدولة دولة كافرة لأنها لا تقوم على القاعدة الفكرية للإسلام، وهي بسبب تبنيها لقاعدة فكرية مناقضة للإسلام تعد كل امكاناتها للتبشير بتلك القاعدة ومحاربة كل ما يناقضها، بما في ‏ذلك الاسلام بعقيدته وافكاره وتشريعه.

وحكم الإسلام في حق هذه الدولة أنه يجب على المسلمين ان يقضوا عليها وأن ينقذوا الاسلام من خطرها اذا تمكنوا من ذلك بمختلف الطرق والاساليب التبشيرية والجهادية، لان الاسلام في ‏هذه الدولة حتى بصفته عقيدة موضع للهجوم وموضع للخطر، فتكون الحالة معها حالة جهاد لحماية بيضة الاسلام، غير أن وجوب جهاد هذا العدو لا يعني بطبيعة الحال القيام بأعمال تعرض العاملين للخطر دون نتيجة ايجابية.


النوع الثاني:

الدولة التي لا تملك لنفسها قاعدة فكرية معينة كما هو شأن الحكومات القائمة على أساس إرادة حاكم‏ وهواه، أو المسخرة لإرادة أمة أخرى ومصالحها.
وهذه الدولة دولة كافرة وليست دولة إسلامية وإن كان الحاكم فيها والمحكومون مسلمين جميعاً؛ لأن الصفة الإسلامية للدولة لا تنبع من اعتناق الاشخاص الحاكمين للإسلام وانما تنشأ من اعتناق نفس الدولة كجهاز حكم الاسلام، ومعنى اعتناق الدولة للإسلام ارتكازها على القاعدة الاسلامية ‏واستمدادها من الاسلام تشريعاتها ونظريتها للحياة والمجتمع، فكل دولة لا تكون كذلك فهي ليست اسلامية، ولما كان ‏الكفر هو النقيض الوحيد للإسلام صح أن نعتبر كل دولة غير إسلامية دولة كافرة وكل حكم غير إسلامي حكما كافراً، لأن ‏الحكم حكمان:
حكم الاسلام، وحكم الكفر والجاهلية، فما لم يكن الحكم اسلامياً مرتكزا على القاعدة الاسلامية فهو حكم الكفر والجاهلية وإن كان الحاكم مسلما متعبدا بعبادات الاسلام، ففي الحديث الشريف: " إن الحكم حكمان: حكم ‏اللّه عز وجل وحكم الجاهلية، فمن أخطأ حكم اللّه فقد حكم بحكم الجاهلية".
والاسلام، في هذه الدولة، وإن كان لا يجابه منها حرباً مركزة على عقيدته وأفكاره إلا أنه حيث اُقصي عن قاعدته ‏الرئيسية أصبح يفقد ضمان الدولة بكل وجه من الوجوه، وأصبح وجوده في خطر.
والحكم الشرعي، في حق هذه الدولة، أنها ليست دولة شرعية ويجب على المسلمين هدمها وإبدالها بدولة إسلامية، وكذلك فإن وجوب إبدالها لا يعني القيام بأعمال تعرض العاملين للخطر دون احتمال نتيجة ايجابية، كما أن الطرق التي ‏تستعمل في سبيل هدمها وإبدالها تقدر من حيث درجة العنف والقوة، طبقا لمدى الخطر الذي يتهدد الاسلام منها، وطبقاً لإمكانات العاملين واحتمال عود جهادهم بنتيجة على الاسلام.

النوع الثالث: الدولة الاسلامية:
وهي الدولة التي تقوم على أساس الإسلام وتستمد منه تشريعاتها، بمعنى أنها تعتمد الإسلام مصدرها التشريعي وتعتمد المفاهيم الاسلامية منظارها الذي تنظر به الى الكون والحياة والمجتمع.

والدولة الاسلامية هذه على ثلاثة أنحاء:

النحو الأول:
أن تكون جميع التشريعات التي تقوم بها الدولة مستمدة من القاعدة الفكرية، بحيث أن سير الدولة ‏التشريعي والتنفيذي يكون منسجما ومتفقا مع متطلبات الاسلام وأحكامه وبصورة مضمونة دون أي قصور أو تقصير. وهذا إنما يتأتى فيما إذا كانت السلطة الحاكمة معصومة من الخطأ والهوى كالسلطة الحاكمة أيام النبي (ص) وأمير المؤمنين(ع). وحكم الاسلام بحق الدولة من هذا النوع انه يجب اطاعتها، ولا يجوز التخلف عن أوامرها وقراراتها التي تصدرها بصفتها سلطة حاكمة بحال من الاحوال.

النحو الثاني:
أن تكون بعض التشريعات والتنفيذات متعارضة مع الإسلام تعارضاً ناشئا عن عدم اطلاع السلطة الحاكمة ‏على حقيقة الحكم الشرعي أو طبيعة الموقف. وحكم الاسلام بحق الدولة من هذا النوع:
1- أنه يجب على العارف من المسلمين ان يشرح للدولة ما تجهله من أحكام الاسلام أداء لوجوب تعليم احكام الإسلام ‏لمن يجهلها خاصة السلطة الحاكمة.
2- كما يجب على المسلمين اطاعة هذه السلطة في كل الحقوق والمجالات التي تشملها صلاحياتها الشرعية.
3- واذا أصرت السلطة الحاكمة على وجهة نظرها الخاطئة عن حسن نية، ولم يمكن لمن يختلف معها في وجهة نظرها أن يثبت لها رأيه، فإن كانت القضية من القضايا التي يجب فيها توحيد الرأي كالجهاد والضرائب وأمثالها وجب على ‏المخالف إطاعة أمر الدولة وإن كان معتقداً خطاها. وإن لم تكن القضية مما يجب فيه توحيد الرأي كان للمخالف أن ‏يطبق في مجاله الخاص اجتهاده المخالف لاجتهاد الدولة.

النحو الثالث:
أن تشذ الحكومة، في تصرفاتها التشريعية أو التنفيذية، فتخالف القاعدة الاسلامية الأساسية عن عمد، مستندة في ذلك الى هوى خاص أو رأي مرتجل، وحكم الإسلام في هذه الدولة:
1- انه يجب على المسلمين عزل السلطة الحاكمة واستبدالها بغيرها، لأن العدالة من شروط الحكم في الاسلام، وهي‏ تزول بانحراف الحاكم المقصود عن الإسلام فتصبح سلطته غير شرعية، ويشترط في ذلك أن يتوصل المسلمون إلى ‏عزل السلطة الحاكمة بغير الحرب الداخلية.
2- واذا لم يتمكن المسلمون من عزل الجهاز الحاكم وجب عليهم ردعه عن المعصية، طبقا لأحكام الامر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر في الشريعة المقدسة.
3- واذا استمرت السلطة المنحرفة في الحكم فان سلطتها تكون غير شرعية ولا يجب على المسلمين اطاعة أوامرها وقراراتها، في ما يجب فيه إطاعة ولي الامر إلا في الحدود التي تتوقف عليها مصلحة الاسلام العليا، كما إذا داهم الدولة ‏خطر مهدد وغزو كافر فيجب في هذه الحالة ان يقف المسلمون إلى صفها بالرغم من انحرافها وتنفيذ أوامرها المتعلقة ‏بتخليص الاسلام والأمة من الغزو والخطر.
والدولة، في كل هذه الانحاء الثلاثة، هي دولة اسلامية لقيامها فكريا على أساس الإسلام وارتكاز كيانها على القاعدة‏ الإسلامية، ومجرد حدوث تناقض بين القاعدة التي تقوم عليها وبعض معالم الحكم ومظاهره لا يخرجها عن كونها دولة‏ إسلامية، كما هو الشأن في كل دولة تقوم على قاعدة فكرية، فإنها تحمل صفة تلك القاعدة وإن حصلت بعض‏ التناقضات في جهاز الحكم.

ويترتب على الدولة الاسلامية، في كل هذه الحالات، بعض الأحكام الفقهية كسقوط الزكاة عن ذمة من تجب عليهم إذا أخذته الدولة منهم، كما نصت على ذلك احكام الشريعة المقدسة.

الأساس رقم (5):
الدولة الاسلامية دولة فكرية:
لما كانت الدولة هي المظهر الأعلى للوحدة السياسية التي توجد بين جماعة من الناس، فلا بد من أن تكون وحدتها انعكاساً لوحدة عامة قائمة بين الجماعة. وهذه الوحدة العامة بين الناس التي تنعكس في الوحدة السياسية تارة تكون وحدة عاطفية وأخرى وحدة ‏فكرية. فالوحدة العاطفية هي العاطفة الواحدة التي يحسها ويشترك فيها جماعة من الناس بسبب من الاسباب، كاشتراكهم في إقليم متميز بحدوده الجغرافية، او اشتراكهم في قومية متميزة بلغة أو دم أو تاريخ معين.
وأما الوحدة الفكرية فهي عبارة عن إيمان جماعة من الناس بفكرة واحدة تجاه الحياة يقيمون على أساسها وحدتهم ‏السياسية، وهذه الوحدة هي الوحدة الطبيعية والجديرة بأن ينشا على أساسها كيان سياسي موحد متمثل في دولة ‏بعكس الوحدة العاطفية، لأن العاطفة لما كانت لا تعني بطبيعتها الموقف السياسي للامة ولا نظرتها العملية نحو الحياة؛ فبالتالي لا يمكن أن توجد للأمة حكما ونظاما، لأن الحكم والنظام إنما يوجده الفكر، ولذا كان الفكر هو القاعدة الطبيعية ‏للحكم، وكانت الوحدة الفكرية هي الوحدة الصالحة لتعليل الوحدة السياسية المتمثلة في الدولة تعليلا علمياً.
على ضوء ذلك نستطيع ان نقسم الدولة، ولو بصورة غالبة، الى ثلاثة أقسام:
1- الدولة الإقليمية: وهي التي تعكس في وحدتها السياسية الوحدة الإقليمية.
2- الدولة القومية: وهي التي تستمد وحدتها السياسية من القومية الموحدة.
3- الدولة الفكرية: وهي التي ترتكز في وحدتها السياسية على وحدة فكرية معينة. والدولة الإسلامية من القسم الثالث، ومن طبيعة الدولة الفكرية أنها تحمل رسالة فكرية ولا تعترف لنفسها بحدود إلا حدود ذلك الفكر، وبذلك تصبح قابلة لتحقيق رسالتها في أوسع مدى إنساني ممكن.
وكذلك الدولة الاسلامية فإنها دولة ذات رسالة فكرية التي هي الاسلام. والاسلام دعوة انسانية عامة بعث بها النبي محمد (ص) الى الانسانية كافة في‏ مختلف العصور والبقاع، بقطع النظر عن الخصائص القومية والاقليمية وغيرها كما يدل على ذلك قوله تعالى: {وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون} وقوله تعالى: { قل أي شيء أكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، مع آيات ونصوص أخرى
كثيرة لا تدع مجالا للشك بأن‏ الإسلام رسالة عالمية لا إقليمية ولا قومية.

الأساس رقم (6): شكل الحكم في الاسلام :
تعريف الحكم في الاسلام: الحكم في الدولة الاسلامية هو "رعاية شؤون الأمة طبقاً للشريعة الإسلامية‏"، ولذلك يطلق على الحاكم كثيرا اسم الراعي ‏وعلى المحكومين اسم الرعية، كما في الحديث الشريف: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، ولا بد لكي تكتسب‏ الرعاية صفة الشرعية من أن يتوفر فيها أمران:
الأول: تنفيذ رعاية شؤون الامة بالفعل وتطبيق أحكام الرعاية في الاسلام عليها.
الثاني: ان تكون الرعاية نفسها متفقة مع نظام الحكم وشكل الرعاية في الاسلام، فلا يكفي لان تكتسب الرعاية الصفة ‏الشرعية أن تقوم فعلا بتطبيق الدستور والقوانين الاسلامية في إدارة شؤون الامة، من جهاد واقتصاد وعلاقات سياسية، بل لا بد من ان يراعى تطبيق الدستور والقوانين الاسلامية في الرعاية نفسها، لان رعاية شؤون الامة من شؤون الأمة أيضا، فيجب ان تكون بالشكل الذي حدده لها الاسلام.

المهام التي تتطلبها الدولة الاسلامية:

تتطلب الدولة الاسلامية عدة مهام هي:
أولا: بيان الاحكام: وهي القوانين التي جاءت بها الشريعة الاسلامية المقدسة بصيغها المحددة الثابتة.
ثانيا: وضع التعاليم:
وهي التفصيلات القانونية التي تطبق فيها احكام الشريعة على ضوء الظروف، ويتكون من مجموع‏ هذه التعاليم النظام السائد لفترة معينة تطول وتقصر تبعا للظروف والملابسات.
ثالثا: تطبيق أحكام الشريعة الدستور والتعاليم المستنبطة منها القوانين على الأمة.
رابعا: القضاء في الخصومات الواقعة بين افراد الرعية او بين الراعي والرعية على ضوء الاحكام والتعاليم.

شكل الحكم الاسلامي:

للحكم في الاسلام شكلان:
الأول: الشكل الإلهي: وهو يعني حكم الفرد المعصوم الذي يستمد صلاحياته من اللّه مباشرة، ويمارس الحكم بتعيين ‏إلهي خاص من دون دخل لاختيار الناس وآرائهم. وهذا الشكل من الحكم ثابت في الاسلام من دون شك وبإجماع ‏المسلمين، فمن المتفق عليه لدى المسلمين كافة أن حاكمية رسول اللّه (ص) كانت من هذا الشكل، كما يدل عليه قوله ‏تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} وقوله تعالى: { وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} وقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ‏ضلالا مبيناً} وغير ذلك من النصوص، ولم تكن البيعة التي يأخذها الرسول (ص) من المسلمين تعني أن الرسول ‏يستمد صلاحياته للحكم منها، ولا المشورة المأمور بها في قوله تعالى: { وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على اللّه} تعني أن حاكميته مقيدة برأي الأمة ومستمدة منها، لأن اللّه تعالى لم يوجب عليه الأخذ بما يشار عليه وإنما علّق الأمر على عزمه خاصة. وعلى هذا فوجود الشكل الالهي للحكم في الاسلام لا شك فيه ولا نزاع بين المسلمين، وإنما النزاع في تحديد الاشخاص الذين ثبت لهم الحق في ممارسة الحكم بهذا الشكل، وهل ثبت بعده (ص) لأحد أم لا، فيذهب السنة الى ‏انحصار هذا الشكل من الحكم برسول اللّه (ص) ويذهب الشيعة إلى أن هذا الشكل من الحكم ثبت بعد الرسول (ص) للأئمة الاثني عشر المنصوص عليهم بصورة خاصة.
والضمان الأساسي في الشكل الإلهي من الحكم هو العصمة من الهوى والخطأ التي تشكل الضمان الحتمي لاستقامة‏ الحكم ونزاهته.
وبملاحظة المهام الأربع التي يتطلبها الحكم في الاسلام، يتضح أن صلاحيات الحاكم المعصوم تشمل المهمة الأولى، بوصفه مبلغا للشريعة الى الامة، كما تشمل المهمة الثانية والثالثة بوصفه حاكما، كما تشمل المهمة الرابعة للقضاء بوصفه قاضياً أعلى، فهو يمارس صلاحيات القيام بالمهام الأربع، بوصفه مبلغا وحاكما ورئيساً أعلى للقضاء، بينما يختلف الأمر في الحاكم غير المعصوم كما سنرى.

الثاني: الحكم الشوري أو حكم الامة: والمصدر التشريعي لهذا الشكل من الحكم قوله تعالى: { وأمرهم شورى بينهم}، فإن هذه الآية الكريمة الواردة في سياق‏ صفات المؤمنين التي تستحق المدح والثناء تدل على ارتضاء طريقة الشورى وكونها طريقة صحيحة حينما لا يوجد نص من قبل اللّه ورسوله، وأما حيث يوجد النص فلا مجال لاعتبار الأمر شورى، لأنه سبحانه يقول: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم}، فالأمر إنما يجوز ان يكون شورى بينهم فيما اذا لم يقض ‏النص الشرعي بقضاء معين، ومن الواضح أن مسألة شكل الحكم في الوقت الحاضر لم تعالج في نص خاص على‏ مذهبي الشيعة والسنة معا.
وبكلمة أخرى، إن الشورى في عصر الغيبة شكل جائز من الحكم فيصح للأمة إقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الاحكام الشرعية ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدة منها. وتختار لتلك الحكومة الشكل والحدود التي تكون أكثر اتفاقا مع مصلحة الاسلام ومصلحة الامة. وعلى هذا الأساس فان أي شكل شوري من الحكم يعتبر شكلا صحيحا مادام ضمن الحدود الشرعية، وانما قيدنا الكيفية التي تمارس بها الامة حق الحكم بأن تكون ضمن الحدود الشرعية، لأنها لا يجوز لها أن تختار الكيفية التي تتعارض مع شيء من الاحكام الشرعية، كأن تسلم زمام الامر الى فاسق أو فُسّاق، لأن الإسلام نهى عن الركون الى فاسق بالأخذ بقوله في مجال الشهادة فضلا عن مجال الحكم ورعاية شؤون الامة.
فلا بد للامة، حين تختار كيفية الحكم والجهاز الذي يباشر الحكم، من ان تراعي الحدود الشرعية.

الأساس رقم (7): تطبيق الشكل الشوري للحكم في ظروف الامة الحاضرة:

عرفنا ان الشكل الشوري للحكم شكل صحيح في أساسه، في ظرف عدم وجود الشكل الإلهي المتقدم وعدم وجود النص الشرعي على كيفية معينة لممارسة الحكم.
ولا بد من ان نعرف الشروط لممارسة الامة اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم، وهي الشروط الثلاثة التالية:
1- أن يكون اختيار شكل الحكم واختيار الجهاز الحاكم ضمن الحدود الشرعية الاسلامية وغير متعارض مع شيء من‏ أحكام الإسلام الثابتة.
2- أن يكون اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم أكثر اتفاقا مع مصلحة الاسلام التي تعني الوضع الافضل للإسلام ‏باعتباره دعوة عالمية وقاعدة للدولة.
3- أن يكون اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم اكثر اتفاقا مع مصلحة المسلمين بوصفهم امة لها جانبها الرسالي ‏والمادي. ومن الواضح ان ممارسة اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم بهذه الشروط تتوقف على وعي الامة للإسلام من جهة‏ ووعيها للظروف الحياتية والدولية من جهة اخرى، فاذا تم للامة بشكل عام مثل هذا الوعي فان باستطاعتها ان تختار شكل الحكم وان تنتخب الجهاز الكفء لرعاية شؤونها، ويتساوى حينئذ في ممارسة هذا الحق كل المكلفين بأحكام‏ الاسلام من الامة من بلغ السن الشرعية من المسلمين والمسلمات.
أما إذا لم تكن هذه الشروط متوفرة في الأمة لعدم وجود الوعي العام للإسلام، وبالتالي عدم معرفة الحدود الشرعية التي ‏يجب ان تراعى في اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم، بما يتفق مع مصلحة الاسلام والأمة، فانه لا بد للدعوة بوصفها طليعة الامة الواعية لحدود الاسلام ومصلحته والواعية لظروف الأمة ومصالحها، من أن تقيم في الأمة شكلاً للحكم الاسلامي وتختار جهازاً حاكماً، حتى يجيء الظرف المناسب لاستفتاء الأمة لاختيار شكل الحكم.

الأساس رقم (8) : الفرق بين أحكام الشريعة والتعاليم:

أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة هي الأحكام الثابتة التي بينت في الشريعة بدليل من الأدلة الاربعة: الكتاب والسنة ‏والاجماع والعقل. فلا يجوز في هذه الأحكام أي تبديل أو تغيير، لأنها ذات صيغة محددة وشاملة لجميع الظروف ‏والأحوال، فلا بد من تطبيقها من دون تصرف.
ولنضرب لذلك مثلا بإلزام الأمة الإسلامية بإعداد ما تستطيع من القوة في مواجهة أعداء الاسلام، فهو حكم شرعي ‏نصت عليه الشريعة في بعض أدلتها كما في قوله تعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، ولذلك فهو حكم ثابت‏ شامل لجميع الظروف والأحوال.

أما التعاليم أو القوانين فهي أنظمة الدولة التفصيلية والتي تقتضيها طبيعة الأحكام الشرعية الدستورية لظرف من ‏الظروف، ولذا فهي قوانين متطورة تختلف باختلاف ظروف الدولة. ومنشأ التطور فيها أنها لم ترد في الشريعة مباشرة‏ وبنصوص محددة، وانما تستنبط من أحكام الشريعة
على ضوء الظروف والأحوال التي هي عرضة للتغيير والتبدل.
ويدخل في الأحكام الشرعية كل حكم دل عليه الدليل الشرعي بصفته المعينة، كحكم وجوب الصلاة والزكاة والخمس ‏والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكافة التفاصيل المحددة التي جاءت بها الشريعة المقدسة.
ومثال التعليم إلزام المسلمين القادرين بالتدريب على القتال، فإن هذا الحكم ليس حكما شرعياً ثابتا في كل الاحوال‏ ولم يدل عليه من الأدلة الأربعة بهذه الصفة المعينة، ولذا لم يوجد إلزام بالتدريب أيام الرسول (ص) إلا قليلا حيث ‏كانت وسائل الحرب بسيطة ومتداولة والحاجة إليها والتدرب عليها يكاد يكون عاما، وأما في الظروف الحاضرة فقد أصبح التدريب من أسباب القوى التي يجب رصدها وإعدادها، فهو لذلك تعليم تقتضيه طبيعة الحكم الدستوري الذي ‏هو وجوب إعداد القوة القتالية. وهكذا يدخل في التعاليم كل أحكام القوانين التي تقتضيها طبيعة الاحكام الشرعية، كقانون الشرطة وقانون الإستيراد والتصدير وقوانين التعليم والتخصص وقانون العمل وأمثالها، مما تقضي به طبيعة الأحكام الشرعية في ظرف من‏ الظروف.
وعلى ضوء ما سبق، نعرف أن اصطلاح "الدستور الإسلامي" حينما يطلق على الشريعة المقدسة هو أوسع من المصطلح ‏المتعارف للدستور، لأنه يشمل كافة أحكام الشريعة الخالدة، حيث تعتبر بمجموعها أحكاما دستورية، كما أن وصف‏ التعاليم والقوانين بالأحكام الشرعية هو وصف صحيح وإن كانت أحكاما ظرفية لأنها تكتسب الصفة الشرعية ووجوب ‏التنفيذ شرعا من الاحكام الشرعية التي اقتضتها، ولأن الجهاز الحاكم العادل قد تبناها من أجل رعاية شؤون الامة ‏والحفاظ على مصلحتها ومصلحة الاسلام العليا.
كما نعرف أن المرونة التشريعية التي تجعل أحكام الاسلام صالحة لجميع الازمان ليس معناها أن الاسلام قد سكت عن ‏الجوانب المتطورة من حياة الانسان وفسح المجال للتطور أن يشرع لها من عنده، وإنما معناها أن الاسلام أعطى في تلك‏ الجوانب الخطوط العريضة الثابتة، بحيث أن التطورات المدنية للإنسان لا توجب تغير هذه الخطوط وتبدلها، وانما تؤثر في القوانين والتعاليم التي تباشر تنظيم الحياة في ظروف تقصر أو تطول.

الأساس رقم (9): مهمتا بيان أحكام الشريعة وتعيين القضاة ليستا من مهام الحكم:
عرفنا أن قيام الدولة الاسلامية يتطلب مهام أربع، وهي:
1- بيان احكام الشريعة " الدستور".
2- وضع التعاليم " القوانين التي تقتضيها طبيعة أحكام الشريعة في ضوء الظروف الراهنة‏".
3- تنفيذ احكام الشريعة والقوانين.
4- القضاء في الخصومات. وهذه المهام، وإن كانت لازمة للدولة، غير أنها ليست جميعاً من شؤون رعاية الأمة حتى تدخل في صلاحيات الحكومة ‏بوصفها حكومة.
فقد عرفنا أن بيان المعصوم (ع) لأحكام الشريعة لم يكن منه بوصفه حاكما، بل بوصفه مبلغا مأموراً بالتبليغ وكذلك‏ قضاؤه بين الناس وتنظيمه لجهاز القضاء وعزل مَن لا يرى صلاحيته من القضاة كان بوصفه قاضيا أعلى.
وفي الشكل ‏الشوري للحكم، الشكل الذي تقيمه الأمة في غياب المعصوم (ع) لا تملك الحكومة الحق في حصر ممارسة بيان‏ أحكام الشريعة وتبليغها، كما لا تملك الحق في حصر ممارسة القضاء في الخصومات، كما لا يملك أحد من الحكومة أو غيرها حق القاضي الأعلى الذي يستطيع عزل القضاة وتعيينهم.
والشكل الذي تؤدى به هاتان المهمتان كما يلي:
1- مهمة بيان الاحكام الشرعية هي من حق وواجب كل من يتوفر، من الناحية العلمية، على درجة الاجتهاد، ومن ناحية ‏السلوك والصفات على درجة العدالة. فالمجتهد العادل فقط من حقه أن يبين الاحكام الشرعية في ضوء الأدلة الأربعة، ويسمى بيانه للحكم الشرعي على هذا الأساس "إفتاء".
فان كان لا يوجد في الأمة إلا مجتهد عادل واحد، وكان هو الذي ‏وقع عليه اختيار الأمة واسندت إليه مهمة الحكم، فقد اجتمعت عليه مهمة الحكم ومهمة الإفتاء معا، وإن تعدد المجتهدون العدول، فان لم يختلفوا في نتائج استنباطهم فلا مشكلة، وإن كان بينهم اختلاف في بيان الأحكام الشرعية ‏وجب أن ينظر إلى طبيعة الحكم المختلف فيه، فإن كان حكما يلزم على الدولة أن تتبنى فيه اجتهادا معيناً وتجعله‏ الإجتهاد السائد في المجتمع الاسلامي كالأحكام التي تتصل بمجالات السياسة والاقتصاد والجهاد؛ فإن على الحاكم إما أن يكون مجتهداً أو يختار اجتهاداً من تلك الاجتهادات ويتبناه؛ لأن هذا الانتخاب والتبني لاجتهاد معين داخل في‏ رعاية شؤون الأمة ومن الواجبات الشرعية على الحاكم، غير أن تبني الدولة لاجتهاد معين لا يعني منع المجتهدين‏ المخالفين لذلك الاجتهاد من استنباطهم أو إبداء آرائهم، وإنما يعني اختصاص ذلك الاجتهاد المختار بالعمل ‏والتنفيذ.

أما إذا كان الحكم الذي اختلفت فيه وجهات نظر المجتهدين من الأحكام التي لا يجب على الدولة توحيد الاجتهاد فيها عملياً، ولا يضر بكيان الأمة والمجتمع اختلاف الافراد في سلوكهم طبقا لاختلاف المجتهدين في آرائهم، فلا يجوز للدولة والحالة هذه أن تتبنى اجتهادا معيناً، بل توكل كل
مسلم الى رأي مقلده الخاص أو رأيه إن كان مجتهدا.

2- القضاء وتعيين القضاة: القضاء في نظر الإسلام لون خاص من الحكم، لأنه رعاية لشؤون الأمة لدى وقوع المخاصمة، ولكن السائد في لسان الشريعة هو التعبير عنه بالقضاء وعمن يباشره بالقاضي لا بالحكم والحاكم.
غير أن حق القضاء لا يثبت للحاكم بمجرد كونه حاكما، بل يثبت لمن نصت عليه الشريعة نصا خاصا كالقضاة الذين كان ‏يعينهم المعصوم (ع) في زمانه، أو نصا عاما كما هو الحال في المجتهد العادل بصورة عامة، فكل مجتهد عادل يتمتع ‏بحق ممارسة القضاء. ويستمد القاضي في المجتمع الإسلامي هذا الحق من نصوص الشريعة التي دلت على جعل هذا الحق لكل مجتهد عادل وليس من جهاز الحكم.
ومما يتصل بذلك:
أ ـ لا يجوز للدولة أن تمنح حق القضاء لغير المجتهد العادل الذي ثبت له هذا الحق في الاسلام، كما لا يجوز لها أن تمنع‏ مجتهدا من ممارسة هذا الحق، بل يجب عليها إمضاء قضائه وتنفيذه.
ب ـ يجب على الدولة توفير المجتهدين العدول لممارسة القضاء بالدرجة التي تسد احتياج الامة في قضاياها وخصوماتها، لأن ذلك يندرج ضمن الرعاية الواجبة لشؤون الامة.
ج ـ إذا تعدد المجتهدون العدول وقع الاختلاف في أقضيتهم، فلذلك صورتان:
إحداهما: أن يكون مرد الاختلاف بينهم‏ الى الاختلاف في استنباط الاحكام الشرعية.
والصورة الثانية:
أن يكون الاختلاف بسبب التطبيق، فان كان اختلاف‏ الأقضية بسبب اختلاف الاجتهاد وكانت مصلحة الأمة تتطلب إقامة القضاء على حكم شرعي معين كان على الحاكم أن ‏يتبنى اجتهادا معيناً ويفرض على جميع المجتهدين العدول أن يقضوا على أساس ذلك الاجتهاد، فمن كان منهم‏ مصوبا لذلك الاجتهاد قضى طبقا لرأيه ومن كان منهم مخالفا قضى بالوكالة عن المجتهد الذي يرتئي نفس الاجتهاد المتبنى للدولة، وهذا التبني يكون واجباً على الحاكم لأنه من شؤون الرعاية الواجبة للأمة، أما إذا كان اختلاف الأقضية لا يضر بنظام المجتمع واستقراره فيجب أن يعطى لكل مجتهد حرية القضاء طبقا لاجتهاده.
وان كان اختلاف الاقضية بسبب اختلاف المجتهدين في تطبيق الحكم الشرعي مع وحدة الرأي فيه أساساً، كما إذا كان‏ هذا القاضي يرى شهادة زيد وعمرو بينة شرعية ولا يراها القاضي الآخر بينة لاعتقاده بفسقهما، فإن هذا الاختلاف لا يولد مشكلة تستوجب تدخل الحكومة فيجب أن يسمح لكل منهما بممارسة حقه في القضاء وان يباشر القضاء حسب ‏رأيه، واذا قضيا في مسألة واحدة بقضاءين تنفذ الحكومة القضاء الاسبق زمانا منهما وتفصيل الكلام في بحوث القضاء في الفقه‏".

تعريفها:
الأسس الاسلامية كما قراناها في اعلاه هي مجموعة من القواعد والمفاهيم الاسلامية المقننة والموثقة. واعني بـ"المقننة" أنها كتبت بلغة هي الى لغة القانون أقرب، وبأسلوب تعبيري هو بالأسلوب القانوني العلمي ألصق. واقصد بـ"الموثقة" أنها قرنت بما يثبت شرعيتها من أدلة فقهية تفصيلية مشروعة، صراحة أو إشارة.

أهميتها:
تأتي أهمية هذه الأسس من ناحية فقهية، وكذلك من ناحية قانونية، من أنها أول مجموعة أصول للدستور الاسلامي، إذ لم يعهد قبلها أن وُضعت أصول للدستور الاسلامي، ذلك أن الدول الاسلامية المتعاقبة طوال التاريخ الاسلامي لم ‏يدوّن فيها دستور إسلامي، فضلا عن وضع أسس له وتدوينها، فلم نعثر في الوثائق السياسية التي وصلت إلينا منذ عهد دولة الخلفاء الراشدين في المدينة المنورة حتى نهاية الخلافة العثمانية باستانبول على أعمال فكرية متكاملة تمثل ‏الوصول للدستور الاسلامي.
فقد كان الحكام، خلال هذه المدة الممتدة من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري، يعتمدون في ‏تشريعاتهم الفقهية السياسية التي ترتبط بالحكم الاسلامي وشؤونه على فتاوى الفقهاء واجتهادات الحكام او اجتهادات ‏مستشاريهم. فلم تكن هناك مواد فقهية سياسية مقننة منبثقة عن أصول مدونة، أو على الأقل متوارثة شفهيا.
وقد ذكرتُ في بحث لي سابق عن "الاجتهاد الشرعي" أن المؤلفات الفقهية المبكرة، أمثال:
المجموع الفقهي المروي عن الشهيد زيد بن علي (ت 122ه).
الموطأ، للإمام مالك بن انس (ت 179ه).
دعائم الاسلام، للقاضي النعمان المغربي (ت 363ه).
من لا يحضره الفقيه، للصدوق (ت 381ه).
المقنعة، للمفيد (ت 413ه).
التي كانت الأساس في تفصيلات المواد الفقهية وتبويباتها لم تتناول المواد الفقهية السياسية، التي لو كانت لربما كانت ‏العامل في التفكير بوضع الاسس العامة لها. وقد كانت هذه المؤلفات المبكرة الانموذج المحتذى لما جاء بعدها من مؤلفات فقهية. وعللت ذلك بموقف السلطات الحاكمة التي حالت دون هذا.
وقد كان هذا سببا في انزواء الفقه الاسلامي عن الحياة الاجتماعية، وبخاصة السياسية منها، الامر الذي أعطى المجال ‏للدكتاتورية أن تسود طابع الحكم الاسلامي منذ عهد بني أمية.
ويكفينا للتدليل على هذا حكم الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز الذي عد استثناء من طبيعة الحكم الاموي، ولهذا لقب بالخليفة العادل، هذا اللقب الذي يشير وبوضوح الى جور الآخرين وظلمهم.


هدفها:
والهدف من وضع هذه الأسس يرتبط بواقع الظرف الذي وضعت فيه والذي سأشير اليه في ما يليه، وملخصه: أن حركة‏ الدعوة الاسلامية (حزب الدعوة الاسلامية) التي اختارت الشهيد الصدر المفكر المرجع لها تعتمد آراءه الفقهية‏ وتسترشد بأفكاره التوجيهية، كان أهم هدف لها آنذاك هو إقامة الحكم الاسلامي في العراق، والحكم لا بد له من ‏دستور، وأنظمة تنبثق عن الدستور. ومن الطبيعي أن الدستور الاسلامي يتطلب وضع أصول له تعتمد في وضعه، ويستند إليها المقننون له حال وضعه، فكان لا بد من البدء بها اولا، ثم يأتي دور وضع الدستور. والخلاصة: ان الهدف من وضع هذه الاسس هو لتكون الاصول التي ينبثق عنها الدستور ويقوم بناؤه عليها.

ظروف وضعها: في أوائل القرن العشرين الميلادي، حيث انفتح علينا الغرب بحضارته الحديثة، ورأينا فيها الدراسات عن الحكم‏ وطبيعته وأنواعه، وراينا فيه العمل المتواصل لاستعمار البلاد الاسلامية وإخضاع المسلمين لحضارته، بغية الاستئثار بخيرات بلدانهم كالثروات المعدنية وخلافها، واستغلال اسواقهم لترويج منتوجاته وتسويقها، ذهبنا نبحث من ناحية ‏نظرية عن الحكم الاسلامي في ما لدينا من تراث فكري، ونسعى من ناحية عملية الى اخراج المستعمرين من بلاد المسلمين، ورأينا في حينه أن من أقوى العوامل لإخراج المستعمرين من بلادنا هو أن نتوسل بالوسائل الحديثة‏ المشروعة التي تساعد على ذلك، وكان من أبرزها وأقواها تأثيراً آنذاك هو العمل السياسي الحركي. وحيث أصبحت بلاد المسلمين، في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، هدفا لأطماع النظامين العالميين: الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشرقي، كان لا بد للجماعات الحزبية الاسلامية، او قل الحركات الاسلامية التي تريد أن‏ تدخل معترك الصراع الفكري مع هذين النظامين، من أن تنطلق من المنطلقات الاتية:
1- فهم الاسلام بوصفه مبدا (عقيدة وتشريع).
2- فهم النظم الاجتماعية الاخرى أمثال: الرأسمالية والاشتراكية.
3- المقارنة والموازنة بين الاسلام بوصفه مبدا (عقيدة ونظام) والنظم الاجتماعية الاخرى، وسائر الفلسفات‏ السائدة. وللسبب المذكور في أعلاه انبثق حزب الدعوة الاسلامية في أواخر الخمسينات من هذا القرن الميلادي (القرن ‏العشرين)، وكان لا بد له من منظر من الفقهاء المجتهدين المنفتحين على الحياة فهما وعلى كيفية التفاعل معها من حيث‏ التعامل، فكان ان وقع الاختيار على الشهيد الصدر لما يمتلك من مؤهلات وراثية، لأنه نتاج الأسرتين العلميتين آل‏ الصدر الاعمام وآل ياسين الاخوال، الاسرتين اللتين جمع علماؤهما ومثقفوهما بين الثقافتين الجامعية والجوامعية، ولما يمتلك أيضا من مؤهلات بيئية لأنه ابن الحوزة العلمية في النجف بما تضم من ثقافات علمية وادبية، قديمة‏ وحديثة.

وفوق هذين العاملين كانت لديه الموهبة الفكرية التي تضعه في مصاف أولئكم النوادر من المفكرين الذين يمرون في‏ هذه الحياة على فترات متباعدة، ويتركون بصماتهم الفكرية واضحة وخالدة، أمثال: افلاطون وأرسطو وابن سينا والفارابي وديكارت وانشتاين وسواهم. فمثل هؤلاء اناس ملهمون أعني أنهم الى جانب عمقهم في التفكير تمر بهم لحظات ولمحات إلهام تخصب الفكر منهم بالجديد المفيد.
فالدعوة في ضوء ما اشرت اليه كانت بحاجة الى الدستور، وكان هذا يقتضي ان يسبق بوضع الاسس له. من هذا المنطلق جاءت هذه الأسس. ومجيئها يعد الخطوة الأولى في التسلسل الفكري لتنظيم الحياة الاسلامية للمسلمين من أروع ما يكشف لنا عن عبقرية‏ الشهيد الصدر، ذلك أن التسلسل الطبيعي يقتضي الخطوات الاتية:
أولا: وضع أصول الدستور الاسلامي.
وثانيا: وضع الدستور الاسلامي مبنيا على تلك الاصول.

وثالثا: وضع القوانين والانظمة الاسلامية وفق مبادى الدستور وقواعده.

على أن يسبق كل واحد من تلك القوانين والانظمة بدراسة عن المذهب الاقتصادي الاسلامي واخرى عن هيكلة ‏المجتمع الاسلامي، وسيأتي هذا.

عددها: عدد المنشور من الأسس الاسلامية تسعة، كما في الكتابين المذكورين في أعلاه:
الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، محمد الحسيني.
تجديد الفقه الاسلامي، شبلي الملاط.
ومتى أضيف إليها المخطوط من الأسس يرتفع العدد إلى أكثر من ثلاثين، فإني أتذكر أننا درسنا لديه أكثر من هذه‏ التسعة.
كما أتذكر أنه (قده) قام بشرحها وحاضر فينا بأوائل شروحها.
ولا أعلم مصير هذا المخطوط بعد أن أفرغت الامبريالية العالمية جام حقدها على النجف والشيعة ومرجعهما القائد السيد الصدر.

محتوياتها:
يحتوي الأساس الأول: تعريفا لمفهوم الاسلام في المعجم اللغوي العربي. تعريفاً لمفهوم الاسلام في الاصطلاح الشرعي. تعريفا للعقيدة الاسلامية وللتشريع الاسلامي، والربط بينهما، حيث يرتكز التشريع على العقيدة وينبثق عنها. الاصطلاح على الاسلام باسم (المبدأ)، وتعريف المبدأ بأنه عقيدة كاملة عن الكون والحياة والمجتمع والانسان، ينبثق ‏عنها نظام اجتماعي شامل لجميع اوجه الحياة، ويفي بأمس حاجتين للبشرية واهمهما، وهما: القاعدة الفكرية، والنظام ‏الاجتماعي.
ويضم الأساس الثاني: تقسيم المسلم على أساس من مدى التزامه بالإسلام الى قسمين: واقعي وظاهري، وتعريف كل ‏واحد من هذين القسمين.
كما يبين من هو المسلم في رأي الدستور الاسلامي، والدليل الشرعي على ذلك من سيرة النبي (ص) وسيرة المسلمين، ومن النصوص الشرعية.
كذلك يبين كيفية تعامل الدولة الاسلامية مع كل واحد من هذين القسمين، حيث تساوي في الحقوق والواجبات بين ‏جميع المشتركين في اعلان الشهادتين في احكام الاسلام العامة، ولكن لا يجوز لها ان تسند الى مَن تخشى نفاقه ورياءه ‏شيئا من الوظائف والمهام التي يشكل اسنادها خطرا على الاسلام، كما يجوز لها ان تضعه تحت الرقابة وتحد من ‏تصرفاته طبقا لمقتضيات المصلحة الاسلامية العليا.
وأخيراً: ينص هذا الأساس على أن المرتد عن الاسلام، سواء كان مليا أم فطريا، إذا تاب، تقبل الدولة توبته، وتعامله‏ كبقية المسلمين.
وينطوي الأساس الثالث على: بيان الوطن الاسلامي وتعريفه.
وبيان الفرق بين استحقاق الدولة للأرض، وبين صفة الوطن الاسلامي التي يصح أن نصف بها الارض، وذلك من خلال ‏تنويع استحقاق الدولة الاسلامية إلى نوعين: الاستحقاق السياسي، والاستحقاق المالكي. وتعريف كل نوع وبيان الدليل الدال عليه.
وفي الأساس الرابع تحدد نوعية الدولة الاسلامية من خلال النظرة الى الأساس الذي تقوم عليه في سن انظمتها واصدار قراراتها وكيفية تعاملها مع المواطنين وسواهم. وهي على هذا قد تكون ذات قاعدة فكرية، وقد تكون غير ذات قاعدة. والدولة ذات القاعدة الفكرية قد تكون قاعدتها الاسلام، وقد تكون قاعدتها غير الاسلام.
وفي ضوئه: تعرف الدولة الاسلامية بأنها الدولة التي تقوم على أساس الاسلام وتستمد منه تشريعاتها.
ويتناول الأساس الخامس بيان الوحدة السياسية التي تقوم عليها الدولة الاسلامية، وهي الوحدة الفكرية التي تعني ايمان ‏المسلمين بفكرة واحدة تجاه الحياة، يقيمون على اساسها وحدتهم.
ويقابل الوحدة الفكرية الوحدة العاطفية.
ويستعرض الأساس السادس شكل الحكم الاسلامي.. فيعرفه بـ" رعاية شؤون الامة طبقا للشريعة الاسلامية‏"، ثم يوضح‏ المهام التي تتطلبها الدولة الاسلامية.
وبعده يعرض شكلين للحكم الاسلامي: الشكل الالهي، وهو يعني حكم الفرد المعصوم، والشكل الشوري، وهو حكم‏ الأمة.
وفي الأساس السابع: يبين كيفية تطبيق الشكل الشوري في ظروف الأمة المعاصرة.

ويتطرق الأساس الثامن لتبيان الفرق بين الاحكام والتعاليم في الشريعة الاسلامية، فينص على أن الاحكام هي تلك‏ التشريعات الثابتة التي بنيت في الشريعة بدليل من الأدلة الأربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع، والعقل.
ولا يجوز في هذه الاحكام أي تبديل أو تغيير، لأنها ذات صيغة محددة وشاملة لجميع الظروف والاحوال.
أما التعاليم، فهي قوانين الدولة التفصيلية وانظمتها التي تقتضيها الدستورية لظرف من الظروف، ولذا فهي قوانين متطورة ‏تختلف باختلاف ظروف الدولة.
وأخيراً، في الأساس التاسع ينص على استثناء مهمة بيان أحكام الشريعة وتعيين القضاة من مهام الحكم التي يتطلبها قيام الدولة الاسلامية. هذه هي خلاصة، أو قل، فهرست لمحتويات الأسس الاسلامية التسعة التي تسنى للباحثين الوقوف عليها، ومن ثم ‏نشرها.

مركزها القانوني: قلت في ما سبق‏: لم توضع أصول للدستور الاسلامي قبل هذه الأسس كي يسير المقننون له على هديها وفي ضوء نتائجها.
ذلك أن جل الدول قديما لم تعتمد الدستور المكتوب، وإنما كانت تأخذ بما يعرف بالدستور العرفي غير المكتوب، " ويعتبر الدستور الأمريكي (عام 1787) أول الدساتير العصرية المكتوبة‏".

وقد سبقت مرحلة تدوينه دراسات لأسس القانون واصوله، تلك الدراسات التي اتخذت بعد ذلك طابع العلم الذي ‏اصطلح عليه بـ"علم أصول القانون"، وعرف حديثا بأنه "العلم الذي يتخذ من القانون الوضعي موضوعا له، فيبحث في ‏ما يحكمه من أصول كلية ونظريات مشتركة بين القوانين الوضعية المختلفة‏".
وهو " من ابتكار العصر الحديث بعد أن مرَّ بمرحلتين اجتازهما في تطوره: المرحلة الأولى بدأت في منتصف القرن السادس عشر.
وقد انحصرت خلالها مباحث هذا العلم في نطاق مصادر القانون وفكرة العدل الطبيعي التي تمتد جذورها الى الفكر الإغريقي. وأما الثانية فقد افتتحها الفيلسوف الالماني كانت (1724 1804م) الذي وضع أسس الفلسفة الوضعية ونهج بها نهجاً عقليا نفذ من خلاله الى البحث في القانون وأصوله.
وقد تتابعت بعد ذلك الدراسات في اصول القانون على يد العلماء الانكليز والالمان الذين كانوا السباقين في تطويره‏".
ولم يكن لدى المسلمين التفكير في تدوين دستور إسلامي للدولة الاسلامية القائمة، خلال المدة الممتدة من القرن ‏الأول الاسلامي حتى عصرنا هذا، للأسباب التي أشرت اليها، ولم يكن لدينا ما يماثل أصول القانون.
أما الآن، وقد وضع غير دستور إسلامي لغير دولة إسلامية هي: الجمهورية الاسلامية في ايران، والمملكة العربية ‏السعودية، والجمهورية السودانية، أصبحت الحاجة ماسة لوضع علم لأصول الدستور الاسلامي تكون هذه الأسس‏ الإسلامية مركزه ومحوره الذي تدور حوله وتنطلق منه، ليأخذ هذا العلم مكانه ومكانته في مجالات الدراسات القانونية ‏وحقولها. من هذا نتبين أيضا مدى أهمية هذه الأسس وتاريخ ريادة الشهيد الصدر لهذا العلم، حيث يعد (قدس سره) الرائد الأول ‏له.

موقعها التاريخي: وهذه الأسس كما رأينا في اعلاه تعد الاولى في مجال وضع علم أصول الدستور الاسلامي او قل " علم أصول القانون ‏الشرعي‏". وبتعبير مختصر: هي أول أصول مدونة للدستور الاسلامي.

سريتها: وقد يقال: إذا كانت هذه الأسس بهذا المستوى من الأهمية لماذا لم تأخذ شهرتها في الوسط القانوني على‏ الأقل؟! وإجابة نقول: إن هذه الأسس كما ذكرت في سبب وضعها كتبت لتكون أصولا للدستور الاسلامي الذي كان ‏يزمع ‏وضعه عندما تقوم الدولة الاسلامية في العراق، ولان حركة الدعوة الاسلامية التي كانت تتبنى هذه الاسس هي في‏ مرحلتها السرية كان كل ما يمت اليها بصلة سريا، ومنها هذه الاسس.
وبعد استشهاد السيد الصدر وانتقاله الى الرفيق الاعلى، وقيام بعضهم بالكتابة عنه والتأليف في سيرته، خرجت هذه‏ الأسس من سريتها ونشرت مع بعض النتاج العلمي لسيدنا الصدر (قدس سره).

وحيث لم تعد هذه الأسس الآن سراً، كان لا بد من تعريفها وإعطاء صورة مصغرة وواضحة عنها، لتكون‏ تمهيداً لدراسات أعمق وأشمل تنتهي في خاتمة المطاف الى وضع علم كامل لأصول القانون الشرعي.

منظومتها القانونية: أعني بالمنظومة القانونية التي تعد الأسس الإسلامية واحدة منها: مجموعة المعارف والتشريعات الاسلامية التي توضع‏ وتشرع بغية تنظيم الحياة الاسلامية بمختلف أنماطها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهي تترتب، من حيث التسلسل التدرجي، وفق الجدول الهرمي التالي: العقيدة الاسلامية أصول الدستور الاسلامي(الأسس الإسلامية) الدستور الإسلامي ‏المذاهب الإسلامية ‏للنظم ‏السياسي ‏الاقتصادي الاجتماعي ‏القوانين والأنظمة‏ يقوم هذا الجدول الهرمي على اساس من أن الإسلام مبدأ(عقيدة وشريعة). وأن العقيدة هي نظرة فلسفية عن الكون والحياة والمجتمع والانسان.
وهي - أعني العقيدة - القاعدة التي يقوم عليها وتنبثق عنها كل المعارف والتشريعات الاسلامية. فمنها في البدء تنبثق اصول الدستور الاسلامي التي ينبثق عنها ويقوم عليها الدستور الاسلامي.
وقد غطى السيد الصدر الفكر العقيدي بكتابه "فلسفتنا".
وفي "الأسس الاسلامية" وضع الأصول للدستور الاسلامي. وحيث لم يأت الظرف الذي يفرض وضع الدستور توجه الى دراسة ما يعرب عن المذهب الاقتصادي الاسلامي، فصدر عنه كتاب "اقتصادنا" الذي غطى به هذا الجانب، وكان في صدد الكشف عن المذهب الاجتماعي الاسلامي في ما كان‏ ينويه من تأليف كتاب بعنوان "مجتمعنا"، ومن بعد ذلك يؤلف في المذهب السياسي الاسلامي.
وذلك كله لكي تكون هذه الكتب الاطار او القاعدة التي تقوم عليها وتتحرك داخل محيطها القوانين ‏والأنظمة.
فالمنظومة إذاً تضم:
1- العقيدة، وقد أعد لها كتاب "فلسفتنا".
2- أصول الدستور، وتمثلت في "الأسس الإسلامية" التي هي موضوع حديثنا هذا.
3- الدستور، ولم يقدر له أن يوضع، لأنه لم يأتِ الظرف الذي يفرض وضعه. ولكن والحمد للّه لدينا الآن دستور الجمهورية الاسلامية في إيران الذي وضع وفق فقه أهل البيت(ع).
وهو تجسيد حي للدستور الاسلامي الذي كان الشهيد الصدر يهدف الى وضعه، بل لقد رسم خطوطه العريضة والتفصيلية في ما كتبه ‏تحت عنوان: " لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الاسلامية في ايران‏"، فهذا الكراس يعد النواة ‏الأساسية لمشروع الدستور الايراني الذي وضع في ما بعد، لأنه عرض فيه وجهة نظره في نظام الحكم الاسلامي بنوع‏ من التفصيل جاء
ليتمم ما عرضه في الأسس الاسلامية.
لقد انتهى السيد الصدر من كتابة هذه اللمحة في 4 شباط‏1979م، اي قبيل الانتصار الأخير للثورة الاسلامية، وبالتالي فقد هيّأ للثورة مقترحات وصيغ قانونية ودستورية مكتوبة، لمفهوم الدولة الاسلامية، لذلك فقد عُدّت اللمحة إحدى المخططات الأولى لدستور الجمهورية الاسلامية، ولأهميتها فقد ترجمت الى الفارسية مباشرة بعد كتابتها. وعند المقارنة بين ما جاء فيها وبين بنود الدستور الايراني في صيغته النهائية، نجد هذا الدستور قد اقتبس الكثير من‏ هذه اللمحة الفقهية التي كشفت عن الصورة الكاملة للدولة الاسلامية في الفقه الاسلامي، والتي تقوم على مبادئ أساسية أهمها، كما جاء في اللمحة:
1- لا ولاية بالأصل الا للّه تعالى.
2- النيابة العامة للمجتهد المطلق، العادل الكفؤ عن الامام وفقا لقول امام العصر(عج): " وان الحوادث الواقعة..".
3- فكرة اهل الحل والعقد التي طبقت في الحياة الاسلامية، والتي بتطويرها على النحو الذي ينسجم مع قاعدة ‏الشورى، وقاعدة الإشراف الدستوري من نائب الامام، الى افتراض مجلس يمثل الامة وينبثق منها بالانتخاب.. ومن الامثلة على اقتباس الدستور الايراني من لمحة السيد الصدر، كذلك، نجد مثلاً أن البند الأول من المادة الثانية في ‏الدستور يؤكد: "ان الجمهورية الاسلامية نظام مبني على الايمان بولاية اللّه..". وفي المادة (56) نجد ان " السيادة المطلقة ‏على العالم وعلى الانسان هي للّه، فهو يمنح الانسان حق السيادة على قدره الاجتماعي..".

وهذه المبادئ أشارت إليها اللمحة بوضوح كما ذكرنا.
كذلك هناك التأكيد على دور الفقيه المفسر والوصي على الشريعة، فقد جاء في المادة ‏الخامسة من الدستور: " في زمن غيبة الامام المهدي تكون ولاية الامر إمامة الامة بيد الفقيه العادل..". وأكد السيد الشهيد على قانونية الحكومة وتقيدها بالقانون، وخضوع الحاكم والمحكوم للشريعة والقانون، وهذا ما اشارت اليه المادة(112) من الدستور عندما نصت على أن: " يتساوى القائد وسائر أعضاء مجلس القيادة امام القانون، شأنهم شأن أي‏ مواطن آخر في البلد..".
كذلك نجد أوجه أخرى للتشابه في مجال الفصل بين السلطات ومقترحات السيد الصدر حول‏ إنشاء مجلس شورى،
واجراء الانتخابات التي سيختار فيها الشعب مباشرة نوابا للمجلس ورئيسا للجمهورية، يقول ‏السيد الصدر: " السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد اسندت ممارستهما الى الامة، فالأمة هي صاحبة الحق في‏ ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور..".
وهناك أمثلة اخرى كثيرة تظهر التوافق بين ما كتبه الشهيد الصدر في اللمحة الفقهية وبين ما جاء في بنود الدستور الايراني، لذلك لا بد من الرجوع لدراسة اصول الدستور الإيراني ‏الى ما جاء في هذه اللمحة التي جاءت جوابا كتبه الشهيد الصدر لبعض علماء لبنان الذين كانوا يرغبون في معرفة المزيد عن طبيعة نظام الحكم الاسلامي، والدولة الاسلامية التي بدا الامام روح اللّه الموسوي الخميني ينادي
بقيامها في إيران ‏آنذاك. وما يتفرع عن هذا الدستور الاسلامي الايراني من قوانين وأنظمة ولوائح تمثل الحلقة الأخيرة من هذه المنظومة. ويبقى منها كما هو واضح من الجدول المذكور ما يوضح المذهب السياسي الاسلامي والمذهب الاجتماعي ‏الاسلامي اللذين يمكن استخلاصهما من الفكر الاسلامي السياسي والفكر الاسلامي الاجتماعي. وأرجو أن يوفق لذلك من هو أهل لذلك.

وأخيراً:
إن هذه المنظومة، بما صدر منها عن قلم أستاذنا العظيم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (طيب اللّه ثراه)، تعد الإضافة الاهم للفكر الاسلامي بعامة وفقه اهل البيت بخاصة.
وبها يرتفع السيد الصدر الى مصاف العباقرة الذين تركوا بصماتهم واضحة خالدة في مجال الفكر الفقهي ‏والقانوني.

شهرته العالمية:
وبما صدر من هذه المنظومة جاءته شهرته العالمية التي تعدت نطاق الحوزة العلمية في النجف الاشرف وربوع العالم ‏الشيعي والعالم الاسلامي غير الشيعي، لان يعد وبحق من المفكرين العالميين.

المصدر: مجلة المنهاج، العدد السابع.
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفقه السياسي والدستوري لدى الشهيد الصدر(رض) ـ السيد محمد طاهر الحسيني محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-10-2012 08:40 PM
الكلمات القصار للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-07-2012 07:10 PM
شذرات من حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر في ذكرى استشهاده محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 04-09-2012 03:40 PM
شذرات من حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر في ذكرى استشهاده محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 04-09-2012 03:20 PM
التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة ـ الشهيد العظيم محمد باقر الصدر محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 12-06-2011 03:41 AM


الساعة الآن 04:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML