السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

((قصه تراثيه..وحش يخطف أجمل البنات))


في أحد البلدان كانت تعيش أسرة كبيرة تضم إلى جانب الأب والأم سبع بنات وولداً واحداً، وكانوا يعيشون في ترابط أسري جميل و سعادة غامرة، ولم يكن هناك ما يعكر صفوهم.
وبينما كانت الأم في أحد الأيام تمشط شعر بناتها، إذ بعابر سبيل يطرق الباب طالبا صدقة، فنادت الأم على إحدى بناتها وأمرتها بأن تعطي السائل شيئاً من التمر.
قالت الأم: يا حصّه سيري أعطي عابر السبيل.
فقال عابر السبيل: ما أبغي حصّة بتحصصني. (1)
الأم: حمدة سيري أعطي عابر السبيل.
عابر السبيل: ما أبغي حمدة بتحمدني. (2)
الأم: علياء سيري أعطي عابر السبيل.
عابر السبيل: ما أبغي علياء بتعليني.(3)
الأم:موزة سيري اعطي عابر السبيل.
عابر السبيل: ما أبغي موزة بتموزني. (4)
الأم: شيخة سيري أعطي عابر السبيل.
عابر السبيل: ما أبغي شيخة بتشيخني. (5)
الأم: ناعمة سيري أعطي عابر السبيل.
عابر السبيل: ما أبغي ناعمة بتنعمني.(6)
الأم: ميرة (7) سيري أعطي عابر السبيل، وقد كانت ميرة هي الابنة الصغرى والأخيرة وكانت هي أجملهن وأذكاهن جميعا.
هنا سكت عابر السبيل ولم يعترض على أن تعطيه “ميرة” صدقة من التمر، وكأنه كان ينتظر أن تلفظ الأم باسمها حتى يسكت ويقبل.
لكن “ميرة” بعد أن ذهبت لإيصال الصدقة إلى عابر السبيل لم تعد ولم يسمع لها أي صوت، هب الجميع لرؤيتها، فلم يجدوا لها أي أثر، فالطارق لم يكن عابر سبيل بل كان “الهام” ذلك الوحش الشيطاني المعروف، وقد جاء لخطف ميرة متعمدا وبعد أن ظفر بها هرب.
لف الحزن أهل البيت كما أن الخوف كاد يخنقهم، فهم قلقون على ميرة وعلى حياتها ومصيرها مع هذا الوحش الجبار، هنا عاد الأب والأخ من خارج البيت فأخبروهما بما حدث وكانت صدمتهما قوية ولم يعرفوا كيف يكون التصرف حيال هذه المصيبة، لكن الأخ قرر الخروج للبحث عن أخته في البراري والقفار مهما كلف الأمر، ووبخ أمه وأخواته كثيرا وعنفهم لأنهم أخطأوا بتركم “ميرة” تخرج لوحدها دون أن يتحققوا من هوية الطارق، ودون أن ينتبهوا لإصراره على رفضهن جميعا وقبوله ب “ميرة” لتجلب له صدقة التمر، أي انه كان قاصدا “ميرة” بذاتها.
البحث: قرر الأخ الخروج للبحث عن أخته “ميرة” وانقاذها من يد “الهام” ومضى في طريق طويل يسأل كل من يصادفه هنا وهناك سعيا للحصول على أية معلومة قد تفيده في العثور على أخته والظفر ب “الهام”، وظل على هذه الحال لأيام وشهور طويلة دون أن يجد بصيصا من أمل يرشده إلى معرفة طريق أخته والهام.
وبعد عناء كبير عثر على رجل “عجوز” يسكن في كوخ على مقربة من احدى القرى التي مر بها، وكانت للعجوز معرفة بالهام وسلوكه ومناطقه، وأمده بمعلومات كانت غاية في الأهمية.
قال له العجوز: يجب أن تسلك الطريق باتجاه الجنوب إلى أن تصل إلى وادي سحيق فيه أشجار كثيرة، لكنك يجب أن تبحث عن شجرة ضخمة غريبة بها لمعان غريب، ابق محدقا في تلك الشجرة بعض الوقت وستجد بأنها تحولت إلى شجرة من اللؤلؤ والمرجان، فإن كانت هي فستكون شجرة “الهام” المفضلة التي يأتي إليها كل ظهيرة ليستريح في ظلها ويتناول طعامه في ظلها. اصعد فوق تلك الشجرة واختبئ بين أغصانها وترصد للهام وترقب وصوله، وحذار أن تتحرك أو تسقط شيئاً من ثمار الشجرة حتى لا يستيقظ، واكمن له حتى ينام، ولنومه وضعية خاصة فعندما تكون احدى عينيه مغمضة والأخرى مفتوحة ويكون نصف جسده في الظل والنصف الآخر في الشمس يكون نائما. وبالفعل جاء “الهام” وهو يجر خلفه خلقاً كثيراً من النساء والرجال والحيوانات، أتى بهم إلى شجرة اللؤلؤ والمرجان وشرع في شيهم بالنيران والتهامهم، فقد كانوا طعام غدائه في ذلك اليوم، فقد اعتاد “الهام” أن يتناول طعام غدائه خارج البيت بطريقته الوحشية المخيفة، أما عشاؤه فإنه يتناوله في البيت بشكل مختلف.
بعد أن فرغ “الهام” من طعامه استلقى على الأرض مسترخيا، هنا كمن له أخو الفتاة حتى رآه قد أغمض احدى عينيه ووضع نصف جسده في الشمس والجزء الآخر في الظل، هنا تأكد بأنه قد استغرق في النوم فنزل من على الشجرة وتبع الطريق الذي أتى منه الهام حتى وصل إلى جبل كبير فيه مغارة عظيمة فعرف بأنه مكان إقامته فتوجه إلى الداخل بحثا عن أخته حتى وجدها هناك، عانقها وقبلها فرحا، وتحادثا مليا فأخبرته بأن الهام قد اختطفها ليس ليؤذيها ولكن ليتزوج بها لأنه كان معجبا بها وكان يرقبها منذ زمن، وبالفعل هو تزوجها وأنجب منها ولداً قبيحاً يشبه الهام تماما، لكنه أقل منه شراسة لكن ربما لأنه مازال صغيرا وقد يتحول مثل أبيه عندما يكبر.
ما هي الا لحظات حتى دخل ابن الهام ورأى الشاب فزعق قائلا من هذا يا أماه، فقالت له الأم هذا خالك، لكن لا تخبر أباك بأنك رأيته، بل اكتم الخبر لأن أباك لا يحب رؤيته، فقال لها حاضر وأمرك مطاع.
خطة: اتفقت الفتاة مع أخيها على خطة لقتل الهام، وقالت له ان أهم شيء في عملية قتله أن يضربه ضربة واحدة قوية دون أن يثنيها مرة ثانية، لأنه في الثانية تعود الحياة في الهام، لكنها عادت وقالت له بأنها تخشى أن يفشي ابنها بسره، لذا يجب أن تهيىء له مكاناً أميناً كي يختبئ فيه ويكمن للهام ويباغته بضربته، فأخذت أخاها إلى المطبخ وخبأته تحت المنخل (8) الكبير هناك.
ما أن حل الظلام حتى جاء الهام إلى مغارته، وما أن دخل حتى حرك أنفه محاولا الشم بتمييز فقد شم رائحة غريبة.
قال الهام: أشم رائحة انس.
ردت الفتاة: لو كان عندنا انس كنا أكلناه من أمس.
هنا شرع الصبي الصغير ابن الهام بالغناء:
“خالي خلخل (9) تحت المنخل
خالي خلخل تحت المنخل
خالي خلخل تحت المنخل
خالي خلخل تحت المنخل”
لكن الصبي كان بعيدا بعض الشيء فلم يسمعه الهام، لذا عاد وكرر على الفتاة استنكاره للرائحة الغريبة التي يشمها وهي أشبه برائحة الأنس.
فقال الهام: أشم رائحة انس.
ردت الفتاة: لو كان عندنا انس كنا أكلناه من أمس.
هنا ظهر الأخ من مكمنه ووثب على الهام وطعنه في ظهره، فقال له الهام “زيد” (10) أي زد ضربة أخرى، فقال له الأخ “ما أزيد” (11)، وظل الهام يردد “زيد.. زيد.. زيد.. زيد” والأخ يعيد ما أزيد ثم قال الأخ: “ما أزيد ما علموني أهلي على أكل العصيد (12).. علموني على ضرب الحديد”.


مات الهام بعد أن تلقى ضربة قاضية قوية من أخو الفتاة التي اختطفها وسقط مضرجا بدمائه السوداء.
هنا قالت الفتاة لأخيها بأنه يتوجب عليه الآن قتل ابن الهام فهو مثل أبيه، وحذرته بأن لا يخطئ في ضربته، فالحق به واضربه من الخلف ضربة واحدة مثل أبيه ولا تثن.
وبالفعل وثب الأخ على ابن الهام وطعنه طعنة قوية في ظهره وأرداه قتيلا، وكانت هذه نهاية الهام وابنه الذي أنجبه ليكمل مسيرته في ترويع الناس ونهبهم وقتلهم.
بعد أن تمكن الأخ وأخته من القضاء على الهام وابنه بالمكر والقوة، عادت إليهما الطمأنينة والراحة التي فقداها من سنوات، وجمعا ما يمكن جمعه من الخيول والجمال التي كانت بحوزة الهام، وتوجها إلى شجرة اللؤلؤ والمرجان، وأخذا يجمعان منها ما يمكن حمله من اللؤلؤ والمرجان والجواهر المختلفة التي كانت تنبتها تلك الشجرة السحرية، وما إن اكتملت حمولة الابل والخيول حتى توجها إلى قريتهما، وهناك في القرية كان الجميع في استقبالهما وفرحوا بهما فرحا شديدا، وأقاموا لهما احتفالا كبيرا دقت فيه الطبول وأنشدت الأناشيد ونظمت القصائد الجميلة، فكان احتفالا رائعا.
خلال الاحتفال اتفق الشاب وأخته “ميرة” وذووهما على أن يوزعوا جزءا من الثروة التي جاءوا بها من الشجرة المسحورة على الناس في القرية حتى يسعدوا وينسوا الرعب الذي عاشوا فيه طوال فترة غياب “ميرة” وانشغالهم بأمر اختفائها وخوفهم من أن يقوم الهام بعملية اختطاف أخرى لفتاة أخرى وتتكرر المأساة.
وهكذا انتهت حكاية “ميرة والهام” نهاية سعيدة.
هوامش:
(،1 ،2 ،3 ،4 7،6،5) هذه الأسماء جميعها من الأسماء النسائية الشائعة في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربية، وتحويراتها هي من صيغ الدعابة والدلال في الإمارات.
(8) منخل: غربال.
(9) خلخل: تخلل، دخل بين أشياء خبأته.
(10) زيد: أي زد.
(11) ما أزيد: لن أزد.
(12) العصيد: من الحلويات المشهورة في شبه الجزيرة العربية