ترى ما الذي حدث وتذكّر الشيخ عيسى قاسم فجأة أن ثمة شعباً وثمة مطالب وثمة إمكانية لتحشيد مسيرة جماهيرية تؤكد هذه المطالب وترفض تعنت النظام وإجرامه، وتُظهر له بوضوح أن ثمة شعباً حاشداً له قيادة مستعدة لتقدم صفوفه في المطالبة بحقه؟
من جهة، هناك حملة إعلامية علمائية/دينية علمانية بدأت مؤخراً لدعم طرح الوفاق ومشروعها الإصلاحي. ومن المؤكد أن الشيخ عيسى قاسم سيمارس دوره التدجيني المعتاد إذا حان موعد الحوار والحل السياسي فعلاً. غير أن الظاهر هو أن النظام يماطل الوفاق في الحوار وشروطه بذريعة أنها لم تعد أصلاً تمسك الشارع ولم يعد الشارع منقاداً لها، ولماذا نعطيكم الثقة ونتنازل لكم وأنتم لم تعودوا حتى أغلبية.. وما إلى ذلك من ذرائع وحجج لخفض سقف المطالب وإظهار الحوار وكأنه منة من النظام على طلاب الحوار.. من جهة أخرى، فقد حان موعد الفورمولا التي هي بالنسبة لسلمان بحر حلم طفولة وقد يُصاب بحالة اكتئاب شديد إذا أُلغي هذا العام أيضاً ويعتبره إهانة شخصية له، فهو أيضاً تذكر فجأة أن ثمة قتلى وأموات في بلدنا، فذهب إلى مأتم الزهرات الست من جهته، وقام صديقه الشيخ علي سلمان بواجب الضيافة والإشادة من جهته.
وبين كفتي الميزان تتخذ مسيرة 9 مارس شكل مسعى تصعيدي/تدجيني فيه رسالتان الأولى للحكومة أن الشارع منقاد لنا وإن أردنا تسيير مسيرة من مئات الألوف كما فعلنا في السابق فسنستطيع وعندما يجد الجد فسنستطيع أيضاً إسكات هذا الشارع ووقف حراكه، كما نستطيع تصعيد حراكه وتثويره - فأعطوا الحوار عن يد وأنتم صاغرون!! فهو دفعة لدعم الحوار على الطريقة الوفاقية.
والرسالة الثانية للشارع، للمعارضة الواسعة المطالبة بإسقاط النظام، رداً على أن الحوار ليس مطلب الشارع ولا رغبته، فهو سيُتخذ بمثابة استفتاء شعبي على نفاذ كلمة الشيخ، فإذا اجتمع له العدد والنفير قيل بعد ذلك عندما يبصم على الحوار ويعتبر، كسابقه السيد الغريفي، أن الوفاق مكفية وموفية ولا داعي لأن يسعى غيرها في السياسة، إن الشعب قد استفتي فعلاً وأقرّ بكل ما يأمر به ويوجه له الشيخ، ومنه الحوار والحل السياسي.
أما أفضل ما يفعله المطالبون بإسقاط النظام في نظري هو إيصال رسالة معاكسة في الاتجاه للطرفين: المشاركة بكل ثقلهم وقوتهم في المسيرة على أن تُرفع بأعلى الأصوات مطالب الشعب، سواء بالهتافات أو الشعارات أو اللافتات، ليطغى صوتهم على إيقاع مايسترو المسيرة المنطلق من السماعات بشكل واضح وكبير.. فهذه المرة ليست الوفاق هي منظمة "الحفلة" كي تضع شروطها، وإنما كما زُعم هي مسيرة شعبية للشعب كله يقول فيها لا تنازل ولا تراجع عن مطلبه، فليصدح بمطلبه بأعلى صوته: الشعب يريد إسقاط النظام، يسقط حمد، يسقط سلمان، لا للحوار.. وما شاء، أفليست المسيرة لإيصال صوته..فليوصل الشعب صوته كذلك للوفاق وللحكومة وللعالم برمته.
أما أفضل ما يفعله الثوار فهو إعداد العدة جيداً لما ستفرزه هذه المسيرة، فإن كان الحل السياسي والحوار مرفوض حقيقةً فلا بد أن يكون ثمة شيء آخر مقبول، فما هو؟ إسقاط النظام؟ فهو يتطلب انتقالاً إلى مرحلة متقدمة من الحراك الثوري المقاوم والاستعداد للتقدم فيه على أعلى المستويات – وهناك بكل تأكيد من هو مستعد لدعم الثوار بشكل مباشر من حيث القدرة على الاستمرار وتحقيق معادلة مختلفة تشعل البلد فعلاً وتحرقها تحت أقدام النظام والقوى المتحالفة معه، فهي الطريقة الوحيدة لإيصال صوته وإرادته عندما تشتد خطوب الفتن وتُمرر الحلول الصفيقة من تحت طاولات التجهيل أو التدجين.
ويظل هناك أمل وحيد هو أن لا يتلقط النظام الرسالة، أو يلتقطها معكوسة كعادته، فتتحول المسيرة إلى تصعيد حقيقي ويتحقق أمل توحد الشعب المظلوم تحت الشعار الوحيد الصالح لقضيته وهو إسقاط الجمل بما حمل، كائناً كان الثمن.
__DEFINE_LIKE_SHARE__
 | 
03-04-2012, 03:30 AM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
