نهضَ الوطن .. حينما نطقَ الدمُ "المُعجزة"

محروم.كوم · #1 12-31-2011, 04:10 AM

نهضَ الوطن .. حينما نطقَ الدمُ "المُعجزة"

ناصر زين*

نعم، الدم واحد، هو واحد منذ أن خلق الله في الأرض بشراً من طين، وليس لوناً أحمرَ فحسب، لون يصنع معجزات، بل هو معجزة بذاته، دم الكرامة، دم التضحية، دم لم يكن فقيراً أو غنياً أو ايدولوجيا/ صفوياً مجوسياً أو فتنوياً، دم العدالة والإنسانية والحرية، في زمن الطغيان والاستبداد والديكتاتورية، أنه .. دم الشعوب الحرة، إذا نطقَ أخرسَ أفواه وزراء ووجهاء وبرلماني وطبّالي وعلماء وشعراء وإعلاميي ومستشاري ومثقفي الأنظمة والحكومات.

دم محمد البوعزيزي، دم سالى زهران، دم بهية العرادي، أحمد فرحان عبدالرضا بوحميد ... غيرهم ، كله دم ُخطَ على جبين الإنسانية بلون المحبة اللاهبة والحرية الصاخبة، ليبتسم ثغر الكرامة وعزة الأوطان في ربيع عربي واحد انتفض من تحت ركام الخريف البائس، خريف الأنظمة وحكام ورؤساء وأمراء وملوك التسلط والعنجهية والتجهيل.. وأنى لكل جوقة السلطات وطباليها بمختلف رتبهم وتلاوينهم أن ُيوقفوا تدفق صوت الدم حينما ُيدوّي منادياً بالعدالة والكرامة والحرية للناس، كل الناس، والوطن، كل الوطن .. ولا اعتبار للتمذهب عنده.

فحينما انفجر رأس أحمد فرحان (بحرين) من شوق وطني، لم يكن ُمنحنياً لذلةٍ أو عوزٍِ لاستعطاف القلوب المتفحمة لانتشاله من واقع الفقر والبؤس والبيت الخرب/ العزيز الذي يسكنه !!، ليس ذلك فرحاناً فحسب، إنما انفجر ليقول لؤلائك المتفحمين على أبوب القصور من برلماني التخمة والذلة والنفاق والمناصب والجاه، أن الفقر ُيولّدُ العز، وبساطة العيش تبتكر المعجزات، والدم يصنع التاريخ وُيدثّر الأوطان بحُلة النماء والتقدم والرقي، وليس من خلال الزحف على البطون أمام القصور واستجداء الفُتات من الكروش المنتفخة من نهب خيرات البلد، وبما يتفضل به "ولي الأمر" على رعاياه/ شعبه.

انفجر رأسه ليقول للمتسلقين والنفعيين "أن هذا التسابق والنفاق وتقبيل الأنوف لا يصنع معجزات في الوطن، بل يصنع انتكاسات على الوطن، حتى يتمادى المتسلط في فرعنته وسيطرته واستحواذه على ثروات البلد ومقدرات الناس.

وهكذا، عندما تمزق جسد المثقف الوجيه كريم فخراوي تحت سياط الجلادين والصعقات المجنونة، ما كان لغاية تعذيب جسده الطري بنوع من أنواع سادية البشر الذاتية استحضارا للشياطين وعبادتهم، فليس ذلك فخر/أوياً فحسب، بل ليكتب باحمرار ظهره المشتعل بالهراوات البائسة، أن زمن مثقفي السلطة/ التسلط ومفكريها الذين أصبحوا – فيما بعد - مستشاري (ثقافة النظام) قد ولى في خريفٍِ خَرِفٍ، وجاءت ثقافة الربيع العربي المضمخ بأريج التحرر والانعتاق عن الاستبداد الذي كرّسهُ – ولا يزالون – (مفكرو العصر/القصر الحديث) على امتداد سنوات عجاف.

ليعلن (فخراوي النهضة الحديثة) نفسه سيد المثقفين البحرينيين بجسده المبضع من أجل ثقافة الحرية الوطنية، وليصرخ :"تباً لمفكرين ومستشارين لا تنفعهم ثقافتهم لتغيير العقلية الأمنية للحاكم حتى لا ُتهدم الأوطان بمعاولها، وتعسا لثقافة، ومثقفو البلد مقتولون/مسجونون/معذبون/مطاردون/مشردون/مقموعون".

نعم، وهكذا ساجدة، ذات الخمسة أيام من عمرها، بقماطها الأبيض الذي تنفس الغاز الخانق من بنادق متوحشة، فماتت اختناقاً، ليتنفس الوطن، وكان لها غاية وهدف معين أرادته بموتها، بأن تصدر شهادة وفاتها قبل شهادة ميلادها رسمياً. !!

لم تكن ساجدة تحب الموت فحسب، لم تكن تحب الموت كونه موتاً، بل أحبت الموت كونه حياة، حياة للإنسانية الموءٌودة والعدل والحرية والوطن، وربما حياة للضمير، الضمير المتحجّر الذي ربما تستفزه وتحركه ساجدة وهي ساجدة على المغتسل شهيدة، قبل أن تكبُر وتحصل على (شهادتها الابتدائية) من أجل وطنها، ربما ينبض عرق في ؤلائك السياسيين/ المتمصلحين، أو الوجهاء / الطامعين، أو التجار/ الفجار، أو العلماء/ السفهاء، لينطقوا ويقولوا لآلة القمع والموت والسلطة :"توقفي عن قتل الأطفال الرضّع الذين ُيداعبون ثغر الوطن ببسماتهم البريئة ويصنعون مجده وتاريخه" ... ربما.

وكذلك كانت عباءة بهية العرادي، هي أرادتها عباءة تلف الوطن وتحتضنه، كل الوطن، نعم، اخترقت الرصاصة الحمقاء العباءة البهية، لكن هي هي بهية بعباءتها كبهاء شمس وطنها، لم تكن بهية فحسب، بل هي من تنثر البهاء على وجه الوطن من دمها الذي سال من رأسها، لتقول لكل نساء وطنها "أنتنَّ بهجة هذا الوطن وبهائه بإضراركن على نيل كرامتكن المغتصبة في أقبية السجون، أنتنَّ زهرات البنفسج على خاصرة الوطن المطعونة بسكاكين الحقد والتنكيل والفتنة، أنتن فخر هذه الأرض الذي سيكسر أغلال الجنون السلطوي... رغم الألم".

ولتصرخ بهية في وجه مجالس الدجل الأنثوي/ النخبوي القاتم "أن حقوق المرأة في البلد ُسحقتْ تحت زيف الشعارات، وأنوثتها ُاغتصبتْ تحت أيدي السجانين، وكرامتها ُاستبيحتْ أمام شاشات الشامتين .. فهل من مزيد؟!!".

هي هي دماء الشهداء – كل الشهداء – التي سالت في البحرين تلبية لعزة وطنها ، أبدعتْ وابتكرتْ وصنعتْ – ولا زالتْ – تبتكر/ وستبتكر المعجزات التي عجزتْ عنها السنون، وشتتها الجنون، فوحدتْ ما كان مختلفاً في جبهة المطالبين بالحق والعدالة والحرية والديمقراطية، وحطمتْ ترسانة الغرور والعنجهية المغلفة بالديكتاتورية القبلية السمجة للسلطة، ومزقتْ أطواق أحقاد طائفية فتنوية كان ُيراد لها أن تلتف حول رقبة الأرض والإنسان، وكشفت وجوهاً زائفة وأقنعة مطاطة تتسابق لمصالحها مقابل تشويه جمال الوطن وبهائه.

هي هي الدماء التي نفضت غبار السكون عن أيادٍ وطنية كانت تنتظر اللحظة الحاسمة لترتفع بورودها (اللؤلؤية) وتصرخ في رصاصات القمع الجاثمة على صدر هذه الأرض "دعوا وطننا يعيش جميلاً مطمئنا كما نريده، ولا تذبحوا مستقبله بعدما جرحتم ماضيه وحاضره .. ودعوا الدم يكتب تاريخ الوطن الجديد .. بحلة جديدة".

صحافي بحريني*

.....
__DEFINE_LIKE_SHARE__

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
مسرحية "زايد والحلم" وأوبريت "حب الوطن" ضمن الاحتفالات	دلــــــــوعة الامارات	اخبار محلية و عالمية	2	12-11-2010 03:39 PM
قياديون بالوفاق يطالبون "الإعلام" بمحاسبة صحيفة "الوطن"	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	09-29-2010 01:50 AM
فيديو - كرزكان في يوم "أرضها" وصحيفة "الوطن" وما قالته	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	05-20-2010 04:30 PM
فيديو - كرزكان في يوم "أرضها" وصحيفة "الوطن" وما قالته	محروم.كوم	منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية	0	05-20-2010 04:28 PM
": . قمم الألم , واعلاها > حينما تعشق شخص ليس من نصيبك ,. " القدر هو الفاصل " ,,.	qayed	الإستراحه العامة	45	02-15-2009 02:36 AM