إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية

         :: برامج الرشاقة السعيدة (آخر رد :دارين الدوسري)       :: متجر بي راقى لبيع اللوحات الجدارية (آخر رد :حسن سليمة)       :: شركة تنظيف مكيفات بالدمام (آخر رد :العنود جابر)       :: شركة تركيب كاميرات مراقبة بينبع (آخر رد :rwnaa_1)       :: المنصات عبر الإنترنت من التقنيات المبتكرة (آخر رد :اسماعيل رضا)       :: برامج الحفظ عبر الإنترنت المرونة (آخر رد :اسماعيل رضا)       :: تطبيق كليك كاش click cash (آخر رد :جاسم الماهر)       :: متجر ساكورا للهدايا: تمتع بتجربة تسوق استثنائية (آخر رد :نادية معلم)       :: التداول والأسهم: دليل شامل لعالم الاستثمار (آخر رد :محمد العوضي)       :: برامج الرشاقة السعيدة (آخر رد :دارين الدوسري)      

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-02-2011, 08:10 PM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,613
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2139

المحاضرات
1
الاستغفار وكبيرة الصد عن سبيل الله
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج : 24 - 25.
كل من يأتي إلى هذه الديار المقدسة يبحث عن تطهير الذنوب، وعن التحول في حياته من حالة إلى حالة أخرى، وبالرغم من أن أكثر من مليونين وربَّما ثلاثة أو أربعة ملايين من البشر يحجون كل عام، إلا أننا لا نجد تحولا أساسيا في حالة المسلمين، بل وحتى في أوضاع الحجاج أنفسهم، فتراهم يحجون كل عام ولكنهم يعودون بعدئذٍ إلى حالتهم القديمة.

فلا ريب أن الحج و شرائعه تعود بالنفع على المسلمين، ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل: هل هذا المقدار من النفع كافٍ؟ أفلا يمكن أن نجعل من الحج وسيلة إلى تحقيق ذاك الهدف الذي بينه وبين الرب سبحانه وتعالى؟.
في بداية الحديث عن الحج عندما يقول سبحانه:{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ}، يعني بذلك أن يعود الحاج طيب القول و السلوك، حميد السلوك و الأفعال والصفات. لماذا لا نستطيع تحقيق هذه الغاية وهي (الإصلاح)؟هل هناك نقص في شريعة الحج؟
بمعنى هل يمكن أن نضيف إلى هذه الشعائر ابتداءً من الإحرام وانتهاءً بالمبيت في منى بنداً آخر؟ نقول: كلا.
فالحج بذاته فيه كل مقومات الإصلاح، حينما يضع الإنسان ثيابه ويتوجه إلى الله بكل وجوده ويلبي للرب، وحينما يقول لبيك اللهم لبيك، يعني إلهي كل ما أردت وتريد مني في المستقبل فأنا حاضر أن أستجيب إليه، طلبت مني أن آتي من شقة بعيدة ومن كل فج عميق، وبكل الصعوبات جئت يا ربَّ، وطلبت مني أن أضع ثيابي فوضعتها.

إذن؛ أسباب الإصلاح كلِّها موجودة في الحج، لكن لماذا لا تؤثر هذه الشعائر في كثير من الناس؟ وهم يستغفرون بعمق وبنية صافية، ولكن لا نراهم ينتفعون بها؟! الجواب على ذلك: إن ثقافتنا نحن بالنسبة إلى الدين ثقافة محدودة، وقد تكون ناقصة، فنحن لم نتعرف على الدين الحق، لذلك فإننا نستغفر من الذنوب، ولكنا نستغفر من الذنوب التي ليست لها أهمية كبيرة، أما الذنوب ذات الأهمية، والتي تسمى في الشريعة المقدسة بالكبائر، فالكثير من الناس لا يعتبرها ذنباً، بل يمارسونها ليل نهار بأعصاب باردة، لذلك يمارس الإنسان نفس تلك الذنوب، بعد أن يرجع ومعه ثقافة أن هذا ليس ذنباً.
إن الإمام الصادق (سلام الله عليه) لمّا وصل إلى المستجار قال أميطوا عني أميطوا عني- يعني ابتعدوا عني-. أنا أريد أن أعترف لله بذنوبي...
الإنسان قد يستغفر الله ولكنه يفعل ما لا يعتبره ذنباً، بل يعتقد بأن ما يفعله ربما شيء حسن، لذا فالاستغفار لا يعني لديه شيء؟.
لنرى هل نحن كمسلمين استغفرنا من الذنب، وهل هو استغفار حقيقي أم هو شكلي؟، ومن المسئول عن هذا الاستغفار الشكلي؟ الإجابة على ذلك هو عدم معرفتنا بالدين، ثم المسئول عن ذلك أيضاً هو عدم وجود من يعرفنا بهذه الحقيقة بالدين، ربنا سبحانه يقول : {الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، إننا عند تدبرنا لهذه الآية، سنتعرف على ما يقوله الله لنا فالرب سبحانه هنا يقول «الَّذِينَ كَفَرُوا»، فما معنى الكفر؟ هناك آيات كثيرة في القرآن حول معنى الكفر، لكن ما يهمنا الآن هو في هذه الآية بالذات، ربنا يقول فيها «الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه»، معناه الصد عن سبيل الله، يعتبر كفرا، كما الصد عن المسجد الحرام كفر .
فمثلاً الحاج يريد أن يقوم بواجبات الحج ولا يُترَك ليقوم بواجباته، فيكون ذلك صد له عن سبيل الله، لكن هل هذا هو المثال الوحيد للصد عن سبيل الله؟ أم أن هناك أمثلة أخرى؟. وهل فهمنا كلمة الصد عن سبيل الله نفهمها بشكل صحيح؟.
نجد الكثير منا يمارس الصد عن سبيل الله، ولكن لا يعتقد بأنها خطيئة؛ لأنه لم يفهمها، كشخص يريد أن يبني مسجداً أو حسينية في مكان فلا يدعوه لبنائها، ولا القانون يدعه أيضا.
وما أكثر من يمارس هذا النوع بأسماء مختلفة، باسم القانون أو النظام، بينما نحن جئنا إلى مكة حتى نجعل القوانين البشرية تحت أرجلنا، فهذا القانون هو بالذات الصد عن سبيل الله؛ ولكن هذا العنوان يكون نوعاً من التبرير.

وهناك من يريد أن يبني مسجدا ثم يأتي عالم دين يقول له لم لا تجعلنا ننفق هذا المال على المحتاجين من المصلين ، فيمنعه عن بناء هذا المسجد، فهذا أيضا صد عن سبيل الله، ثم يبرر فعله بـ: إني لم أغل يده عن فعل الخير، وهذا أيضاً يعتبر ثقافة تبريرية، لذا نجد كثيراً من الناس لا يعملون أعمال الخير بسبب هذه الثقافة الخاطئة.

وهناك من يصد عن عمران البلاد، فالله يريد للناس أن يسّخروا ما في الأرض لمنفعتهم، لنرى هذه الأيام بعد سقوط الطاغية أن كربلاء زادت مساحتها ضعف ونصف، لأن الناس تجاوزوا ما يسمي بالقوانين، لأن القوانين السابقة كانت كلها صد عن سبيل الله ؛ فـ {الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.
والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال: (الأرض لله ولمن عمرها)، هذا حديث متفق عليه بين المسلمين كلهم، ومؤيد من قبل الآيات القرآنية.

كما أن السواحل في أحد البلدان مملوكة ملكاً شخصياً، لا يستطع الناس أن يتنفسوا من خلالها أوأن يصلوا للبحر، بينما الشرع يرى بطن الوديان لا يملك، رؤوس الجبال لا تملك ، ولذا نجد كل الفقهاء يقولون هذا في تفسير آية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ، قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ }.
إذن؛ أستطيع أن أقول أن 75 % من القوانين الموجودة في بلادنا تدخل تحت إطار الصد عن سبيل الله، فالبعض يريد التجارة أو الزراعة أو الاستثمار أو غيرها فلا يُترَك، وهذا كله صد عن سبيل الله.
كثيراً ما نجد اختلافات بين المسلمين، وكثيرا ما تكون نوع من وساوس الشيطان، نمت فينا وتكدست، ولذا لابد لنا أن نستغفرالله مما عملناه في الصد عن سبيل الله سابقا وفي المستقبل، فأي عمل خير لابد أن نشجعه، فكلمة«لا» يجب ألا يقولها الإنسان في أي عمل للخير.
إن مجتمعنا مليء بهذه الثقافة السلبية مليء بكلمة لا في عمل الخير، وهذا صد عن سبيل الله فعلينا أن نستغفر الله ، وينبغي أن يحاسب المرء نفسه: لماذا قلت نعم ولماذا قلت لا، وأضرب مثلا على ذلك رواية عن النبي (ص) من جاء يوم القيامه وقد أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله).
فعلينا أن نفهم الدين ونفهم ما هو الذنب ونستغفر الله منه، خصوصا كبائر الذنوب، والصد عن سبيل الله كبيرة من الكبائر، والقرآن أصر على بيان ذلك في بداية آيات الحج في سورة الحج: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

2
الحج فرصة التغيير
وتحقيق الطموحات الكبرى
بسماللهالرحمنالرحيم
والصلاةوالسلامعلىأشرفالأنبياءوسيدالمرسلينسيدناوحبيبناأبيالقاسممحمدوعلىأهلبيتهالطيبينالطاهرين.

إنربناسبحانهوتعالىجعلالكعبة}مَثَابَةًلِلنَّاسِوَأَمْنًا{، مثابة يعني أنه كلَّما أنه جاء الإنسان للكعبة أشتاق أن يزورها مرة أخرى، وهو بمعنى الثواب، والثواب يعني الرجوع، كما جعل الكعبة أمنا، ومعنى الأمن أن المكان آمن هنا في مكة المكرمة، فلا يجوز للإنسان حتى ولو لم يكن محرماً أن يأخذ من حشيش الأرض، فلا يجوز له أن ينفّر طائراً كـالحمامة أوحيوانا كالهرة واقفة بالشارع، لا يجوز للإنسان هنا في مكة أن يؤذيه بأي أذية صغيرة أو كبيرة، وهذا هو معنى الأمن، فالإنسان آمن، والحيوان آمن، والنباتات أيضا آمنة، هذا الأمن في الدنيا، وأما الأمن في الآخرة هو أن من يأتي إلى مكة المكرمة ويطوف حول هذا البيت فإنه يأمن من عذاب الله يوم القيامة .
(عن أبي عبدا لله (عليه السلام)، قال: سأله رجل في المسجد الحرام من أعظم وزراً؟ فقال(عليه السلام): من وقف بهذين الموقفين، عرفة والمزدلفة، وسعي بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، وصلّي خلف مقام إبراهيم( عليه السلام )، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ الله لم يغفر له، فهو من أعظم وزر) »وسائل الشيعة 11: 96، ح14333
ولذا على الإنسان أن يعتقد 100 % بأن الله قد غفر له، وهو قد جاء يطوف حول البيت، ويقف في موقفي عرفات والمزدلفة.

والحقيقة أن الحاج لو عرف قدر نفسه لما ضيع ساعة من ساعات مكة، لأن شآبيب الرحمة تتنزل في الكعبة ثم تنتشر إلى الأرض لتشملها الرحمة، لذلك النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: إن الصلاة في مسجدي عن عشرة آلآف ركعة ، وفي المسجد الحرام كل ركعة مئة ألف ركعة)، سواء في الصلاة الواجبة أو المستحبة.
الذي يقرأ القرآن ويختمه في مكة، فأنه لا يموت إلا ويرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشره بالجنَّة ؛ لأن القرآن هنا نزل، وكذلك وجبرائيل هنا نزل.

لكني أقول لكم بصراحة أن الشيطان موجود هنا في مكة، فإبليس - يلعنه الله- يدس جنوده الأقوى إليك، فعندما يأتي الزائر والحاج يحاول الشيطان أن يحرفه عن الطريق الصحيح، وأن يجعله يفكر في أمور الدنيا لا أمور الآخرة؛ فإن إبليس يعلم أن الإنسان إذا توجه إلى الله واعتصم بحبل الله فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه الثواب العظيم.

والآن سأقول لكم أنتم قد حبيتم بنعمتين، نعمة وجودكم في الكعبة، ونعمة وجودكم في كربلاء.
كنت قبل سنتين في ليلة الثالث من شعبان، وهي ليلة مولد الإمام الحسين سلام الله عليه، ألقيت محاضرة على عدد غفير من الإيرانيين، قلت لهم إني لا أعلم، أأحكي لكم عن الكعبة أم أحكي عن كربلاء والإمام الحسين سلام الله عليه . هذه نعمة منَّ الله بها عليكم، أنكم تكونون في مكة، وقلوبكم مع الإمام الحسين سلام الله عليه .

أنا أوصيكم أخواتي بعدم تضييع أي لحظة من لحظاتكم في مكة، فقد حججت حجة قبل خمسين سنة أوتسع وأربعين سنه تقريبا مع المرحوم آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري، وقد آلت إليه المرجعية بعد السيد الخوئي رحمة الله عليه، وقد تعجبت أن السيد لا يضيع لحظة من لحظات عمره سواء في المدينة أو في مكة، فقلت له سيدنا أرح بدنك، فرد علي بقوله: أنا أتيت هنا من أجل الثواب، فلا تضيعوا أموركم .

أما الوصية الثانية: يجب علينا أن نعمل على إعادة صياغة أنفسنا وأرواحنا مغتنمين وجودنا في هذه البقعة المقدسة.

فلماذا لا نستفيد من هذه الأيام وهذا المكان، دعونا ندخل في ماء الرحمة الإلهية، ابتداءً من الطواف حول الكعبة المشرفة وحتى الوقوف بعرفات والمبيت بمنى لكي نطهّر أنفسنا، ولكن كيف؟.

أولا: إزالة الحسد، فهو الذي جعل إبليس لا يسجد لآدم سلام الله عليه.
ثانيا: ترك الأنانية، فعلى الإنسان أن يؤمن بالله ويلتزم بأوامره، فالإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يصف الإنسان بقوله ( مسكين ابن آدم، مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمهالبقة، تقتله الشرقة)..(ما لابن آدم والفخر! أوله نطفة، وآخره جيفة،لا يرزقنفسه، ولا يدفع حتفه).
ثالثا: إظهارا المحبة للناس، إذ كيف نبغض بعضنا بعضا؟! ولماذا العصبيات والعداوات فيما بيننا؟!، نحن هنا جئنا حتى نربي أنفسنا لنصبح مثل الملائكة، بل أفضل.
فعليكم أخواتي اللائي ترجعنَّ منكنَّ إلى البلد، لابد أن ترجعن بنفحات من رائحة مكة وعطر بيت الله الحرام، ونرى أخلاقاً فاضلة، ونفوسا قد تخلصت من الدنس والذنوب، ونربي أنفسنا من جديد على إيمان صحيح، ففي يوم عرفة عندما تغرب الشمس، ينادي الملك ويقول لكل حاج عن الله سبحانه وتعالى: عبدي استأنف العمل، فقد غفرت لك ذنوبك.

وهناك مسألة مهمة إخواني أخواتي وهي ألا تنسينَّ المؤمنين والمؤمنات من الدعاء، وخاصة الماضين الذين لم يستطيعوا أن يأتوا للحج، وسجّلوا أسمائهم، وخصوصا أقاربكم.

أنقل لكم قصة حصلت لي مع امرأة مسنة عندما كنت أطوف في الكعبة يوم الثاني عشر من رجب المصادف لليلة ميلاد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، حينما قالت: إن زوجي لم يحج فادع له عند ربه حتى يوفقه الله، فقلت لها: الله يوفقه، قالت لي: أريد أن يكون أولادي من أصحاب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه، قلت: الله يرزقهم. قالت: أريد أن تكون ذريتي إلى يوم القيامة من ولاة أمير المؤمنين سلام الله عليه. قلت: الله يرزقكم ويرزقهم الولاية إن شاء الله. قالت: سيدنا أنا أريد أن أرى نور القرآن في قلبي. قلت: الله يرزقك إن شاء الله ويرزقني إياه حتى نقرأ القرآن ونرى نوره في قلوبنا، قالت: سيدنا عندي أيضا، قلت لها: تفضلي، قالت: سيدنا أنا أريد أن أرى وجه إمامي في هذه العمرة. وكنا قد وصلنا إلى الحجر الأسود، فجلست، قالت لي: دعاءٌ أخير، قلت تفضلي، قالت: ادعِ الله سبحانه وتعالى أن يرزقني طي الأرض مثلما الأنبياء كانوا يطوون الأرض من مكان إلى مكان، وبعدها انفصلنا عند الحجر.

انظرنَّ أيتها الأخوات إلى هذه العجوز، كم عندها من بصيرة في الدين؟! فعجيب كيف هذه المرأة لم تقل لي عندي وجع في الظهر أو وجع في الركبة أوعند فلان مرض، فقد ابتعدت في طلبها عن أمور الدنيا كليا لتطلب أمورا عظيمة، فترونها تطلب من الله أن يرزقها حتى طي الأرض.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل حجنا حجا مبرورا إن شاء الله تعالى، وأن يتم الحج في يسر وعافية، ونسأله أن يرفع البلاء عن جميع المسلمين المبتلين، وأن يوحد صفوفنا، و يقرب بين قلوبنا.
3
الحــــج مدرســة الهــدايــة
والتحول الحقيقي
بسم الله الرحمن الرحيم


}وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ، وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا{ . -النساء : 64 - 69-
لقد خلق الله الخليقة بأحسن تقويم، وخلق العالم المحيط خلقاً دقيقاً، ووفر فيه كل الحاجات، فهذا الجبل الذي تراه من بعيد وتتصور أنه وجود خافتٌ، هو بحاجة إلى رزق الله؛ لأنه حينما يمنعه الله رزقه في يوم القيامة يصبح }كَثِيبًا مَهِيلًا{، يصبح } كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ{.
الله جعل الرزق للجبل هذه الجاذبية التي تعطيه الثقل} وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً{، وهي تسير سير الجبال، وتجري لها رزقها، والسماء لها رزقها، والشمس التي تراها، هي تغطي كل المنظومة التي حولها بالدفء عن طريق الحرارة، إذ أنها مرزوقة من قبل الله سبحانه وتعالى: }وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {.
لقد قدر الله أقوات السموات والأرض، وأقوات كل إنسان مقدر لها، وكل دآبة على الله رزقها }وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا{، ابتداءً من الخلية الصغيرة، ومن الذرة المتواضعة إلى أكبر مجرة، وأن الله ممسكها، ولو رفع الله يده عنها لتلاشت وانتهت، فلا أحد من البشر أو غير البشر يستطيع أن يمسك السموات والأرض أن تزولا.
إذن؛ كل شيء يحيط بنا أو نحيط به، الله قدَّر له رزقه ومستقره ومستودعه، بدايته ونهايته، ولكن الإنسان وكل مخلوق بحاجة إلى شيء يكمل نعم الله.
ولكن ما هو ذلك الشيء المكمل لنعم الله ؟ نقول: إنها الهـــدايـــة }قَدَّرَ فَهَدَى{، لماذا ؟؛ لأن كل ما يحتاجه الإنسان موجود فيها.
إن التقرير الدولي للأمم المتحدة يقول بأن عدد سكان الأرض سبع مليارات من بشر، وفيها من الطعام ومن الإمكانات مايكفي أهلها، ولكن سوء التوزيع وسوء التقسيم وعدم وجود معرفة بالإمكانات جعل أهل الارض يعانون الفقر.
فالمشكلة هي هداية الإنسان، لذلك نحن أهم شيء نطلبه من الله أن يهدينا، لماذا ؟؛ لأنه من دون الهداية لا نستفيد مما حولنا من نعم الله، فأنت عندما تذهب في مزرعة فيها مختلف أنواع الفواكهة ولكن فيها ظلام لاترى الفواكهة أين هي، وكيف تستفيد منها، ولذا نحتاج إلى نور حتى يكشف لك أين هذه الفواكه.
أن المسلم كل يوم يقول عشر مرات } اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {، يصلي ويقرأ سورة الحمد، وأساس سورة الحمد ومحورها هي قوله }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين {، حيث إن فلسفة الكثير من الأحكام الشرعية هي الهداية، وإنها نتيجة لكثير من الواجبات الشرعية ومنها الحج، فنحن أتينا والملايين إلى الحج كل عام من أجل الهداية، فيتفتح العقل، وتبصر العين، ويفقه القلب.
وأهم شيء نفهمه هو كيف نستطيع أن نعرف }الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{، وماهو؟ وأين }الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{؟، وهل يكفي أن نرددها فقط؟.
في سورة النساء ربنا يفصل لنا في الآيات التي تلوناها حيث يقول:}وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ {، أي أن فلسفة وحكمة وجود الرسل محكومة بالطاعة لهم، وإلا فما هي فائدة الرسول الذي لا يطاع }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ{، إذ يعتبرالرسول وسيلة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، وحتى الذنب الذي نرتكبه ربما لا يغفره الله إلا بشفاعة النبي: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ{، وسواءٌ كان النبي حيا بين ظهرانينا أو عند ربه لافرق في ذلك، فيجب طاعته والتشفع به، كما جاء في معنى الزيارة أني أشهد أن مقامك ميتاً كما مقامك حياً.
وفي سورة المنافقون يبيّن الله لنا صفات المنافقين الأساسية بأنهم أناس لا يطلبون الاستغفار من الرسول، مدَّعين بأن ذنوبهم إنما هي بينهم وبين الله تعالى: }وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا{.
مع أن الرسول صلى الله عليه وآله باب الله الذي يؤتى، فهل يستطيع إنسان أن يدخل بيتا أو مدينة من غير بابها،}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.
إذن؛ أولا: طاعة الرسول، وأما ثانيا: فهو أن نجعل الرسول وسيلتنا إلى الله تعالى بالاستغفار والدعاء عنده، فهو النافذة لقبول الدعاء وطلب الحاجات من الله، (إن الدعاء محجوب حتى يصلي أحدكم عليِّ وعلى أهل بيتي).
أما الثالث: هو التحاكم إلى الرسول، فالآية الكريمة تقول: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ{ أي أنهم يدّعون الأيمان فقط، "حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ" ، ويقصد بشجر أي الاختلاف في شيء يحتاج للتّحكيم والتسليم من قبل الرسول الأكرم (ص)، }ُثمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{.
ُينقل أن أحد أصحاب الإمام الصادق (سلام الله عليه) جاء إليه، فقال له الإمام :كيف تسليمك لنا أهل البيت؟ قال له يا ابن رسول الله وكان جالس جنب شجرة تفاح - لو من هذه الشجرة أنت تقطف تفاحة وتقسمها قسمين تقول هذا حرام وهذا حلال، أسلِّم). }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {.
أمَّا الشرط الرابع: الطاعة في الأمور الصعبة، ليس فقط أن الرسول يقول لنا صلوا نصلي، حجوا نحج، وفي القتال أوالهجرة في سبيل الله نقول لا، مبررين ذلك بانشغالاتنا وأهلنا أو اليوم حر وغدا برد.
نحن في هذه الدنيا أتينا حتى نطيع رب العالمين، وليس الجبت والطاغوت، أوذاك الجبارأوالظالم، فإذا لم نستطع أن نقاومهم ، علينا أن نذهب إلى بلد آخر نستطيع أن نعبد الله فيها بأمان، ولعل أغلب الأنبياء قد هاجروا من بلد إلى بلد: }وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا{، بمعنى ثبات الإنسان على الطاعة في الموقع الصعب كالقتال والهجرة.
}وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا{، هذا أجر عظيم عند الله؛ لأنه أطاع الرسول في الأمور الصعبة - أي أنه خالف هواه -
}لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا{، وهذا هو محور الحديث في الآيات بين الطاعة وبين التوسل إلى الله بالرسول، والاستغفارعند الرسول، وبين طاعة الرسول في الاختلافات فيما شجر بينهم ، وبين قصة القتال.
وأخير يختم سبحانه وتعالى بقوله: }وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا{، ولكن أين الصراط المستقيم؟ نذهب إلى سورة الحمد ونقرأ فيها: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ~ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ{، فمن هم الذين أنعم الله عليهم؟، الإجابة في هذه الآية حيث يقول الله تعالى: }وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا{، فمن يطع الرسول يكون مع النبيين والصديقيين والشهداء، وهم الرفقاء إلى الجنة .
فالهدف الأساسي في هذه الدنيا هو أن نكون من رفقاء هؤلاء
} فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ{ باعتبارهم الصراط المستقيم وإلا سار الإنسان إلى طريقاً آخر خاطيء.
والحج يعتبر مدرسة الهداية ومركز الإنسانية، ولذا فإن من يريد أن يصل للتحول الحقيقي والهداية لله؛ لابد أن يتخلص من الشيطان وجنوده ووساوسه.
كما على الحاج أن يستودع ودائعه عند ربه وخاصة عند الصفا كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وآله في الإطالة على الصفا فيستودع دينه وإيمانه وأعماله الصالحة وأهله وعياله وأمواله، مخاطبا ربَّه بأنه لا يستطيع أن يحفظها، فاحفظها لي يارب،يامن لاتضيع عندك الودائع احفظها لي في مقابل الشيطان وهوى النفس
هذه بصيرتنا في الحج وهي الوصول للهداية عبر هذه البرامج ابتداءً من طاعة الله إلى التحاكم إلى الله وإلى الرسول في الاختلافات، إلى جعل الرسول وسيلة إلى الله ، وأن أطيعه في الامور السهلة والصعبة .
ونسأل الله أن يجعلنا من الحجاج الحقيقيين، ويغفر لنا ذنوبنا، ويكفر عنَّا سيائتنا، ويجعلنا مع الأبرار، دائما هذا دعاؤك بأن تكون مع الأبرار والأولياء بحق محمد وأهل بيته الطاهرين الطيبين.
4
الحـــج
تجسيد لقيم الأنبياء والرسل
بسم الله الرحمن الرحيم
} وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ{ .
التوحيد كلمتان نفي وإثبات، نقول: أولاً: (لا إله)، ثم نقول: (إلا الله)، ولذا لابد على الإنسان أن يكفر بالطاغوت لكي يؤمن بالله. ربنا سبحانه وتعالى يقول:}فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى{، فالطاغوت كل قوة بشرية أو حجرية تُفرض على الإنسان من دون الله سبحانه وتعالى، ولكن حينما نتجنب الأصنام و الطاغوت، ونكفر بالجبت، تبقى هناك منطقة فراغ.
ففي هذه الآيات من سورة إبراهيم سلام الله عليه يبين ربنا سبحانه وتعالى قصة ذلك العبد الصالح المؤمن والنبي المرسل، والذي كان أمة في رجل، ألا وهو النبي إبراهيم سلام الله عليه، فحينما نأتي إلى الحج ونطوف حول البيت إنما نطوف حول البيت الذي بناه النبي إبراهيم سلام الله عليه، ونسعى بين جبلين (الصفا والمروة) الذين قد سعت بينهما زوجته هاجر.
إن كثيراً من الأحكام التي نجدها في الحج هي من تراث النبي إبراهيم(ع)، كالهدي الذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى: }وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{، وكرمي الجمرات؛ وذلك عندما تَمَثّل الشيطان للنبي إبراهيم الخليل ثلاث مرات وهو قد أخذ بتلابيب ابنه إسماعيل للمذبح، وفي كل مرة يقول: يا إبراهيم هذه رؤية غير صادقة تريد أن تقتل ابنك، فيأخذ النبي إبراهيم سلام الله عليه حفنة من الجمار( الحصيات الصغيرة) ويرميها على وجهه فيغيب، ويتكررذلك المشهد ثلاث مرات إلى أن غاب }وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا{ .
فقصة إبراهيم الخليل تمثل قصة التوحيد الخالص، فهو لم يكسر الأصنام في بابل فقط، وإنما بنى بيت التوحيد في هذه الأرض المقدسة، وجاء بولده وزوجته هاجر إلى بلد التوحيد والحج الأكبر والذي بحاجة إلى الأمن } وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا { وقد استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء إبراهيم، وما من إنسان في التاريخ يريد شراً بالبيت الحرام إلا ودمره الله سبحانه وتعالى شر تدمير، ولك في قصة أبرهة الحبشي وحادثة الفيل عبرة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى }أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ{.
والأمن قد يكون أمناً ظاهرياً كالأمن من شر الأعداء والأخطار والمرض وماشابه، وهناك نوع آخر من الأمن وهو أمن القلب من شرك الشيطان والطاغوت }وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ{؛ وذلك لأن الأصنام أضلت كثيرا من الناس لعباداتهم لغير لله }رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ{، ولذا فإنه علينا أن نطّهر أنفسنا ومجتمعنا من الأصنام حتى نعبد الله وحده، ومادام الشيطان موجود، فإنَّه سوف يسبب لنا المزيد من الضلالة، }رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي{.
إن النبي إبراهيم سلام الله عليه لم يقل هنا أولادي أو ذريتي مني، بل كل من يمشي على خطاي هو منَّي، لذلك ليس كل ذرية إبراهيم منه، فهو قد تبرأ من أولئك الذين لم يتبعوه من سلالته، }وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{.
وقد كان إبراهيم أوابا رحيم القلب، وما قصة إبراهيم مع الملائكة إلا دليلا على ذلك، عندما قدم إليه الملائكة فأسرع إلى إكرامهم، فذبح لهم عجلاً وشواه ثم قدَّمه إليهم، وقد كانت التقاليد في ذلك الزمان أن الضيوف إذا امتنعوا عن تناول الطعام يعني أنهم يرفضون ضيافته ويضمرون له شراً، أما إذا أكلوا من الطعام فإن رابطة صداقةٍ ستنشأ بين الضيوف والمضيف، غير أن الضيوف أمتنعوا عن تناول الطعام، فشعر إبراهيم بالخوف من هؤلاء الضيوف، ولكن سرعان ما كشفوا عن هويتهم بإنهم ملائكة الله سبحانه وتعالى، وإنهم مرسلون إلى قرى سدوم- وهي مجموعة من القرى على شاطئ البحر الميت في الأردن- للانتقام من أهلها، فقال لهم: إن فيها لوطاً، فماذا سيكون مصيره؟! قالوا له: نحن أعلم بمن فيها.
لقد حاول سيدنا إبراهيم أن يجادلهم في قوم لوط، ولكن الملائكة قالوا له: يا إبراهيم أعرض عن هذا فقد جاء أمر ربك، فقال إبراهيم: }وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{.

بعد ذلك يقول ربنا على لسان إبراهيم }رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ{؛ أي في منطقة لا زرع فيها ولا حيوانات وبمعنى آخر ليس فيها مياه؛ والهدف من إقامتهم في هذا الوادي هو"ليُقِيمُوا الصَّلَاةَ "بعيداً عن الدنيا وما فيها ليخلصوا العبادة لله تعالى.
}رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ{، والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، ومعنى تهوي أي تحب، فكيف القلب يهوي؟! أي ترف بحب آل بيت إبراهيم سلام الله عليه، كما ترف الآن بحب آل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
}فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {، حيث القلوب تهوي إلى هذه الأرض المباركة، وترفرف النفوس في سمائها، والناس كل سنة ينفقون المليارات من أجل الوصول إليها.
إذن؛ عرفنا أن التوحيد كلمتان في كلمة واحدة "لا إله إلا الله"، نفي الجبت والطاغوت و الأصنام و الشرك، وهذا جزء، }فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ{، فالحج الحقيقي هو أن يطهِّر الحاج قلبه من حب الدنيا والشهوات والأصنام ومن كل شيء يعبد من دون الله سبحانه وتعالى أولا، ثم الارتباط بولي الله ثانيا، فلا يكفي الشرط الأول إلا مع الولاية الحقة.
فهاجر المرأَة المصرية والتي أصبحت زوجة إبراهيم سلام الله عليه التي سعت وهرولت بين الجبلين، لابد علينا أن نتبع ذلك ونقوم به كما سعت هاجر وهرولت، }فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ{.
ففي الحديث الشريف: إن أحب بقاع الأرض إلى الله سبحانه وتعالى بين الصفا والمروة، لماذا؟ الحديث يقول: لأنه يذل فيها كل جبار عنيد، والكل هنا بمختلف الأشكال والمراتب يهرول امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، ولكي يكرم تلك المرأة المؤمنة الصالحة التي جاءت إلى هذه الأرض وأقامت الصلاة.
فحب الله مرتبط بحبك للرسول صلى الله عليه وآله، وحب الرسول مرتبط بحبك لأهل بيته؛ لأن الرسول هو من أمرنا بحب أهل بيته، ومن يحب أهل البيت عليهم السلام لابد أن يحب محبيهم ويعادي أعدائهم، كما في زيارة عاشوراء (إني ولي لمن والاكم، وعدو لمن عاداكم).
ومن تمام حج المسلم أن يتعرف على ولي أمره الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، وهنا في مكة لابد ألا نغفل ولو للحظة واحدة عن سيدنا ومولانا الإمام الحجة(عج)، فنحن نستنير بنوره وننتفع بولايته ولطفه ورأفته- وإن كنَّا لا نراه- كانتفاعنا بالشمس وإن غيّبها السحاب.
وهناك بعض الناس يعتقدون أنهم يحبون الإمام، ولكن لا يبحثون عمن ينوب عن الإمام، وهوالعالم الفقيه الذي يستمد من ذات الإمام، وهي مشكلتنا الآن نحن المسلمين والموالين، بل إن البعض لا يقلد مرجعا من المراجع الكرام فكيف يحج وكيف يرتبط بالإمام.
العلماء هم أبواب للوصول للإمام الحجة (عج)، كالكعبة المشرفة واحدة ولكن أبواب المسجد خمس وتسعون بابا، كل باب تدخل منه يوصلك إلى نفس الكعبة، فانتخب الباب الذي تدخل منه إلى الإمام من خلال معايير دينية يوصلك ويقربك من الإمام الحجة (عج)على أساس إيمانه، وأن يكون الاختيار بنية خالصة لله، وبإيمان صادق، حتى يرضى الإمام عنا، فأعمالنا كل يوم تعرض على الإمام، فإذا لم يوقع عليها الإمام فلن يصعد العمل للسماء، }وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ{.
فهذا الرمز والسر الذي جعل الموالين لأهل البيت يحافظون على دينهم الفترة الطويلة وعلى مدى أربعة عشر قرنا من الزمن، مع كل الصعوبات التي واجهتهم كان باتباعهم وتمحورهم حول علماء أهل البيت الذين قاموا بدورعظيم في بلادهم، وأخلصوا العمل لله تعالى.
لكنَّا قد نسمع بعض الأحيان شبهات وَسَاوس شيطانية بحق العلماء الربانيين، فلابد أن نطهر نفوسنا ومجتمعنا منها، نحن إذا أستطعنا أن نخلص لله سبحانه وتعالى باختيارنا العلماء الأقرب إلى الإمام عجل الله تعالى فرجه، ثم نتبعهم، وهنا نكون قد حققنا مطلب الولاية.
ونحن عندما ننتهي من الحج نذهب إلى زيارة الرسول والأئمة سلام الله عليه من أجل أن نزداد تواصلاً معهم، وبالنتيجة تواصلاً مع نوابهم وهم العلماء الأمناء على حلاله وحرامه، فهم بركة في بلادنا، فإذا مات عالم من العلماء ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء.
إذن؛ التوحيد نفي وإثبات، وتجنب الأصنام ونفي الآلهة من دون الله سبحانه وتعالى، والتمسك بالذين أمر الله سبحانه وتعالى بالتمسك بهم وهم الأنبياء والأئمة والعلماء؛ الذي يوصلنا إلى الطريق السليم، }رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ {.


5
الحـــج
إعادة صياغة الذات والأفكار


بسم الله الرحمن الرحيم
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ{
ليس من الصدفة أن يكون بداية سورة الحج بالحديث عن الزلزال العظيم الذي تتعرض له السموات والأرض وتشفق منه، }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{، لماذا ؟الجواب: لأن الحج بدوره زلزال يتعرض له الإنسان وهزة عنيفة جدية في حياة الإنسان، فأي إنسان يدخل في هذا التيار الجارف المتدفق مع الزمن خلال موسم الحج، ابتداءً من الميقات وانتهاء بالمبيت، فلابد وأن يتعرض لزلزلة وهزة داخلية عنيفة، وهذا هو المقصود من الحج، حيث يتراكم البشر في منطقة واحدة.
وقد جعل الرسول الأعظم ( صل الله عليه و آله وسلم )، لكل قوم ميقاتاً، فقال: من هنا أحرموا، لا يجوز أن تحرموا من قبلُ ولا من بعدُ، فوقت لأهل المدينة المنورة ومن جاء على طريقها ميقات ذي الحليفة وتسمي أبيارعلي، ووقت لأهل العراق العقيق، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن المنازل، وهذه المواقيت تحيط بمنطقة الحجاز من كل موقع، لماذا؟ الجواب: حتى لا يحرم كل واحد من أي منطقة شاء، فيكون التحرك واحد والشعار واحد، وهو(لبيك اللهم لبيك).
ثم يأتي الطواف وحركته بعكس حركة الساعة وعكس حركة الأشياء في هذه المنطقة بالذات، شمال خط الاستواء، لماذا؟، لأن الحركة المغناطيسية باتجاه، وحركة الإنسان باتجاه آخر، والطاقة لا تخترق الأرض، ولذا فلابد للطاقة أن تصعد إلى السماوات، فكأن الإنسان يتحرك مقابل حركة الأشياء فيصبح هناك نوع من التوقف، فالطاقة تصعد والدعاء يصعد من حيث تتنزل الرحمة في هذا المكان، لترى الناس جميعا يدخلون في هذا التيار.
ثم يأمرنا ربنا بأن نسعى مجتمعين في هذه المنطقة الصغيرة المحددة، كما يأمرنا بأن نقف جميعا في عرفات الحج و في وقت معين، فيقول ربنا سبحانه وتعالى }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ{، فيوم عرفة يوم معلوم.
وكذلك الإفاضة أيضاً، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاض النَّاسُ"، تعتبر من الحركة الجمعية من عرفات إلى مزدلفة، إلى منى، إلى النفر، إلى مكة المكرمة، فكلها لها هدف كبير وعظيم، والهدف هو أن يذوب الإنسان في الجموع، فتذوب تلك القوميات، والبشر يتحول إلى حالة الصفر الأولية؛ ليعيد بناء نفسه من جديد، لذلك يخاطب الله سبحانه وتعالى كلَّ من يقف في عرفات- كما جاء عن الإمام الصادق(سلام الله عليه)-، (عبدي استأنف العمل)أي قد بدأت أيها العبد حياة جديدة.
فالإنسان مع الزمن تتراكم في عقله أفكار، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى كم هي صحيحة وكم هي باطلة؟! وكل واحد منا يدعي بأن طريقه هو الصحيح:}كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{.
إلا أن القرآن يؤكد في هذه القضية أن الإنسان يستطيع أن يميز بين الفكر والعادات والاتجاهات التي يحملها إن كانت خاطئة أوصحيحة }بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{ لكن الإنسان بغروره يكابر ويخادع ذاته، }وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ{، }يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ{. ومن جهة أخرى تراه يجادل}وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا{.
"إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ"، إذ لابد أن نتعرض لهذا الزلزال حتى نعيد حسابتنا ونبني أنفسنا بناء جديداً في حياتنا، كما أشار الحديث الشريف سابقا لذلك " عبدي استأنف العمل".
بعد ذلك الزلزال العظيم ربنا سبحانه وتعالى يحدثنا في سورة الحج، فيقول:}وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ{، فأولاً: يحكي أن سبحانه عن الزلزال، وثانياً: يتكلم عن الجدل، فعلى الإنسان أن يتجاوز هذا الجدال في الحج، وخاصة عندما يختلي بنفسه ليتعرف على بعض أخطائه وليس كلها، وأفضل مكان لتجاوز الجدال يكون في الحج؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل لنا الحج حتى نتفرغ لهذه العملية، نتفرغ لإعادة النظر وإعادة حسابتنا، وهي من أهم الأمور في حياة الإنسان من أجل إعادة بناء الفكر.
ديكارد الفيلسوف الغربي بدأ الشك المنهجي المعروف، إلى أن عاد بحياته إلى الصفر، ثم بدأ يبنيها من جديد، ولذلك المنطق الذي أسسه في كتابه( المقولات الثلاث) انقذ أوروبا من خرافاتهم، ولذا علينا أن نشك كثيراً في أفكارنا ومسبقاتنا الذهنية، ومن ثم نعيد بنائها من جديد؛ لأن قلب الإنسان وعاء، وهذا الوعاء في كثير من الأحيان بابه مفتوح.
الآن من كثرة المعلومات والأفكار المتلاحقة، تجدها تتراكم في عقل الإنسان إلا أنه لا وقت لدينا لنقومها بالصواب أو الخطأ، ولا نبذل المزيد من الجهد الفكري حتى نكتشف الحقيقة.
ونصيحتي هنا أن يختلي الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، ويفتح قلبه عليه، ونترك كل الحواجز التي تصرفنا عن الوصول إلى تطهير نفوسنا، كما صنع الإمام الصادق(سلام الله عليه) عندما وصل إلى الركن اليماني قال لأصحابه: أميطوا عني أميطوا عني أريد أن أعترف لربي بذنوبي.
في ذات يوم رآني إحدى الشخصيات المهمة عند الجمرات وقال أأنت فلان، قلت له: أخي أنا هنا قطرة في هذا البحر، وحبة في صحراء، وهذه الإمتيازات اتركها إذا رجعنا إلى بلادنا، أما هنا فلابد أن نذوب في هذا التيار العظيم حتى يرجع الإنسان إلى حقيقته، فإذا تعرف الإنسان على حقيقته توصل إلى عمق العبودية الحقة، فيرتاح حين يحس بها، ويتلذذ ببرد المناجاة مع الرب، فيحصل على شيء لا تحصل عليه الملوك ولا أصحاب الثروات.
وقبل أربعين سنة كنت مرشدا للحج، وكان معنا حاج من الكويت وكان من صفاته أنه شخص معاند، فمن أول مسيرنا بدأ بإثارة المشاكل، وفي ليلة الثاني عشر وهي ليلة ثاني مبيت في منى، خرج من منى و أنا معه نطوف طواف الزيارة والسعى وطواف النساء، وكان مثل الصخر- قاسي- وفي طواف النساء وحين شارفنا على الانتهاء بدأ يبكي بصوت عالي، حتى اجتمعوا الناس حوله وأخذ يؤنب نفسه إلى أن انهار، فانظرإلى هذا التحول.
إذن؛ أهم ما نقوم به في الحج هو أن نعيد حسابتنا قبل هذا الزلزال العظيم }إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{، ليحدث زلزالا في أنفسنا، ونفتح قلوبنا من جديد ونرى أين الخطأ والصواب وأين الخلل في حياتنا وارتباطتنا، وإن شاء الله سبحانه وتعالى يأخذ بأيدينا، فإنه يقول: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{ فيهدينا إلى الطريق القويم، ويعطينا قوة إرادة حتى نواجه التحديات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الحجاج الحقيقيين، و أن يعيننا على أنفسنا ويبصرنا بعيوب أنفسنا، ويمنُّ علينا العود سالمين إلى سالمين، سالمين دنيوياً و سالمين آخروياً بحق محمد وآل محمد.
وَصَلِّ اللَّهِ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الطيبين الطّاهِرينَ
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
غيّر مفهومك لشعيرة الحج مع المرجع المدرسي فإن أساس الحج الحركة محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 11-02-2011 08:10 PM
وصول السيد سجاد المدرسي نجل المرجع المدرسي للمشاركة في مؤتمر القرآن محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-19-2010 04:10 PM
فعاليات بعثة المرجع المدرسي في الحج 1430 هـ محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 11-22-2009 04:11 AM
عاجل : وظائف الحج الموسمية لموسم العمرة بوزارة الحج www.hrhajj.net محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 06-14-2009 04:10 PM
ايهما أفضل بالتسبيح اليد اليمنى أم اليد اليسرى؟ داعمة دورية الإسلام والشريعة 14 07-14-2008 12:42 AM


الساعة الآن 08:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML