رغم عدم الإعلان عن موقف رسمي* بحريني* تجاه ما تنقله عدد من دوائر صنع القرار الخليجية والغربية بشأن وجود مبادرة لتسوية الأزمة في* البحرين،* إلا أننا بحاجة لموقف رسمي* واضح وحاسم تجاه هذه المبادرة التي* لا أعتقد أنها ستساهم في* معالجة الأزمة بقدر ما ستساهم في* تأزيمها أكثر وأكثر*. المبادرة المطروحة من إحدى الدول في* منطقة الخليج العربي،* ويجري* تسويقها حالياً* على بعض الجهات في* المنطقة وإجراء مشاورات بشأنها تقوم بالدرجة الأولى على إقصاء مكوّن أساسي* من مكونات المجتمع البحريني* وهم أبناء الطائفة السُنية ومطالبهم سواءً* كانت من تجمع الوحدة الوطنية،* أو حتى التنظيمات السياسية الإسلامية السُنية* (المنبر الإسلامي،* الأصالة*). وثيقة المبادرة السرية* (الضخمة في* حجم تفاصيلها*) تم نشرها من قبل إحدى الشركات المتخصصة في* مجال الاستخبارات والأمن وسنستعرض نقاطها الرئيسة الأربع والتي* تشمل الآتي*: أولاً*: إقناع سمو رئيس مجلس الوزراء بالتنحي* عن منصبه بعد سنة واحدة من إبرام اتفاق مصالحة وطنية بين الحكم والمعارضة الشيعية البحرينية*. ثانياً*: تنازل المعارضة الشيعية عن دعوتها لقيام ملكية دستورية في* البحرين،* على أن تقتصر مطالبها في* الإصلاح وبشكل خاص في* الشأن السياسي* والانتخابات*. ثالثاً*: عقد اجتماع عاجل لدول مجلس التعاون الخليجي* لدعم الحكم في* حالة رفض سمو رئيس الوزراء التنحي* عن منصبه*. رابعاً*: ضرورة وجود اتفاق مسبق مع القيادة السعودية لتنفيذ المبادرة*. هذه المبادرة التي* تم تسريب تفاصيلها نهاية رمضان الماضي،* بحاجة إلى وقفات،* خصوصاً* في* ظل ما* يتردد عن تحفظ جمعية الوفاق التي* تمثل تيار ولاية الفقيه في* البحرين من الناحية الأولية على هذه المبادرة*. بداية فإن المبادرة تقوم على مبدأين؛ الأول أن سمو رئيس الوزراء هو سبب المشكلة في* البحرين*. والمبدأ الثاني* أن المشكلة في* البحرين بين الحكم والمعارضة الشيعية،* وبالطبع* يقصد بها هنا أنصار ولاية الفقيه في* المنامة*. قبل مناقشة المبادرة وتفاصيلها،* فإنه من* غير المقبول تماماً* أن* يتم تشخيص الأزمة البحرينية بهذين المبدأين الذين لا* يتسمان بالواقعية أبداً*. فالأزمة في* البحرين سببها الرئيس مطالبة أنصار ولاية الفقيه بإسقاط النظام،* وإنهاء الحكم الخليفي* الحاكم بتوافق شعب البحرين بمختلف مكوناته منذ مئات السنين،* إضافةً* إلى المطلب الراديكالي* بإقامة حكم شيعي* يرتبط ارتباطاً* سياسياً* ودينياً* بنظام ولاية الفقيه الحاكم في* طهران تحت مسميّات مختلفة* (حكم مدنية،* ملكية دستورية،* جمهورية إسلامية*.. إلخ*). كما إن أحد أسباب الأزمة هو الاعتقاد السائد بأن أطراف المشكلة هو الحكم* (العائلة المالكة*)،* والمعارضة الشيعية باتجاهاتها الراديكالية*. والصحيح أن أطراف المشكلة منذ* 14* فبراير وحتى الآن،* هما الطائفتان السُنية والشيعية،* حيث تنظر الأولى إلى أن الثانية تسعى إلى تهميشها وإقصائها وكأنها مكوّن* غير موجود في* المجتمع البحريني،* وأنها دخيلة عليه رغم كل المعطيات والحقائق التاريخية بوجود التنوع في* المجتمع المحلي* بتركيبته الإثنو* - طائفية المعقدة منذ قرون*. وبالمقابل فإن الطائفة الثانية تنظر إلى الطائفة السُنية بأنها دخيلة ومجنسة،* بل وتصل في* بعض الأطروحات الراديكالية إلى أنهم أشخاص محتلون وينبغي* إعادة فتح البحرين من جديد بشعارات الطرد؛ كما رفع إبان الأزمة بـ* (ارحلوا*). نأتي* إلى النقاط الأربعة الرئيسة التي* تقدمها المبادرة،* فالأولى التي* تتعلق بإقناع سمو رئيس الوزراء بالتنحي* عن منصبه أصبح خياراً* لا* يمكن البت فيه إلا بوسيلتين؛ الأولى أن* يقرر سموه الاستقالة من منصبه،* ولا أعتقد أن ذلك سيكون خياراً* شعبياً* تماماً* بحكم الشعبية الجماهيرية والرمزية الوطنية التي* يمثلها،* فضلاً* عن المكانة التاريخية التي* يمثلها لدى العائلة المالكة،* وحتى دوره التاريخي* في* بناء الدولة البحرينية الحديثة في* حقبة ما بعد الاستعمار*. والوسيلة الثانية وهي* أنه لا* يمكن المساومة على الصلاحيات الدستورية المقررة لجلالة الملك الذي* بيده قرار إعفاء رئيس الوزراء من منصبه كما هو الحال بالنسبة لقرار تعيينه له،* ولا أظن أن* مجرد التفكير في* مثل هذا القرار سيتخذ لتداعياته السياسية تحديداً* في* مثل هذا التوقيت،* سيّما في* ظل المبدأ السائد لدى العائلة المالكة بأن أية مشاكل داخلية* ينبغي* تسويتها في* المنامة وليس خارجها،* وبتوافق مع شعب البحرين كما حدث في* جميع الأزمات التي* مرّت على البلاد تاريخياً*. إضافةً* إلى ذلك فإن مثل هذا القرار الخطير له تداعياته،* إذ كيف سيتم تبرير القرار وتسويقه داخلياً،* وخصوصاً* لدى الطائفة السُنية التي* صار من أولوية مطالباتها عدم المساس بهذا المنصب مادامت الإرادة الملكية متوافقة على تولي* صاحب السمو الملكي* الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في* هذا المنصب بحسب الآليات الدستورية المتوافق عليها*. فيما* يتعلق بالنقطة الثانية وهي* تنازل المعارضة الشيعية عن دعوتها لقيام ملكية دستورية في* البحرين،* بحيث تقتصر مطالباتها على مزيد من الإصلاحات السياسية وتلك المتعلقة بالانتخابات*. فإن معطيات التاريخ والواقع تشير إلى أن المعارضة الشيعية أثبتت عدم رشدها وارتباطها بأجندات خارجية وتحديداً* مع طهران،* وهذه أصبحت حقيقة* غير قابلة للنقاش*. وبالتالي* لا توجد ضمانات* -كما تابعنا منذ بداية الإصلاح في* فبراير* 2001*- بأن هذه المعارضة الراديكالية لن تقوم بتغيير مطالبها من الإصلاح السياسي* إلى إسقاط النظام مرة أخرى*. أما النقطتان الثالثة والرابعة اللتان تتعلقان بعقد اجتماع خليجي* لدعم الحكم في* حالة رفض سمو رئيس الوزراء التنحي* عن منصبه،* وضرورة التنسيق مع القيادة السعودية،* فلا أعتقد أنه سيكون خياراً* خليجياً* نهائياً* لسببين*: السبب الأول*: المكانة التي* يحتلها سمو رئيس الوزراء على مستوى العائلات الخليجية المالكة باعتباره أحد رموزها وأحد عمدائها في* ظل الترابط الأسري* بين العائلات* (على سبيل المثال التداخل في* العوائل المالكة البحرينية والكويتية والسعودية*). وهو ما* يجعل التفريط في* سموه قراراً* أكثر من صعب*. السبب الثاني*: أن عقد اجتماع خليجي* لمناقشة هذه المسألة سيؤدي* إلى فقدان شعب البحرين الثقة والمصداقية في* منظومة مجلس التعاون الخليجي،* وسيؤدي* إلى صراع داخلي* حول مثل هذه المبادرة*. والخيارات هنا ستكون أكثر من خطيرة لأنها مفتوحة على خيارات* غير تقليدية،* خصوصاً* من الطائفة السنية التي* سترفض مجرد مناقشة الموضوع فضلاً* عن ممارسة ضغوط لتنفيذ المبادرة،* وسيتحول صراعها بشكل سريع من مواجهة أنصار ولاية الفقيه إلى مواجهة هذا التيار ومواجهة الدولة البحرينية في* نفس الوقت*. خلاصة القول إن هذه المبادرة تستهدف إثارة صراع طائفي* عنيف داخل النظام السياسي* البحريني* بدلاً* من السعي* نحو معالجة الأوضاع*. كما إن لطهران* يداً* في* تنفيذها وهو أمر* غير مرحب به نهائياً* بعد المواقف العدائية من طهران تجاه المنامة*. في* النهاية فإننا نتطلع لموقف بحريني* واضح وعلني* أكثر حزماً* تجاه أية مبادرات أو وساطات لتمكين تيار ولاية الفقيه داخل النظام السياسي* البحريني،* فالبحرين لا* يمكن تسويق أية مبادرات فيها دون توافق بين مكونات المجتمع كما بدأ المشروع الإصلاحي،* وكما كان في* المعالجة الأخيرة لحوار التوافق الوطني*.
__DEFINE_LIKE_SHARE__