الخليج - انتهى أخيراً الاجتماع السنوي لجماعة بيلدربرج، وفي حضور 150 شخصية من أعضاء الجماعة . ولمن لا يعرف نشاطها فيكفي أن نشير إلى أنها بحق مجلس إدارة العالم . إن أجندة جماعة بيلدربرج لعام 2009 قد طفت على السطح، وقبل انعقاد المؤتمر ذاته في الفترة من 14 إلى 17 مايو/ أيار الماضي في فوليا في اليونان . وطبقاً لما ذكره الصحافي دانيل استولين، فإن أحد أهداف الجماعة هو هجاء النُشطاء السياسيين الذين يعترضون على معاهدة لشبونة وذلك بنشر أفكارهم إعلاميا لأحداث تاريخية مؤسفة بهدف أن يركن هؤلاء المعارضون لفكرة دولة اتحادية أوروبية سوبر، التي تسعى جماعة بيلدربرج بدقة متناهية لتحقيقها منذ أول اجتماع لها في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وهو أمر ثابت بوثائق داخلية للجماعة ذاتها وليس من خلال ما يسمى “نظرية المؤامرة” .في ما يتعلق بالشخصيات التي شاركت في الاجتماع الأخير، فمن الصعب معرفتها نظراً للسرية التي تحيط بهذه الجماعة . ولكن كانت أجندة عمل مدير البنك الدولي روبرت زوليك تخبرنا بأنه سيكون، خلال انعقاد المؤتمر، في أثينا . وكانت أجندة وزير الخزانة الأمريكي تيم جيثنر نجدها على غير العادة خالية من أي نشاط يومي 15 و16 مايو الماضي، وهو نفس توقيت المؤتمر . وأجندة مدير البنك الألماني جو أكيرمان تشير إلى أنه سيسافر إلى مكان غير محدد في اوروبا وأن مدير البنك المركزي الأوروبي سيكون مشغولا حتى نهاية الأسبوع، وهي أيضاً تتزامن مع المؤتمر . ويمكن القول إن هذه هي بعض الشخصيات التي ستشارك سراً في الاجتماع السنوي للجماعة . وكان أبرز الحضور العام الماضي هم: وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر ووزير الخزانة الأمريكي تيموثي جيثنر ورئيس البنك الدولي روبرت زوليك، وتمثل الحضور الاعلامي في رئيس تحرير صحيفة الوول ستريت جورنال “بول جيجوت” والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت “جريج موندي” ورئيس مجلس ادارة جوجل “إريك شميدت” .يقوم أعضاء الجماعة باختيار زملائهم الجدد، ويُعقد الاجتماع السنوي عادة في فصل الربيع في أحد القصور أو الفنادق العالمية الذي تحيطه المروج الخضراء أو يتوسط أجمل المواقع الطبيعية، كما تقوم على تأمين الموقع حراسات خاصة من كل الدول التي سيشارك أعضاء منها في اللقاء . وإذا عُقد الاجتماع في أحد الفنادق، فإنه يتم إخلاؤه من النزلاء قبل أسبوع من المؤتمر . كما يتسنى للحضور المجيء بالطائرات الهليوكوبتر السوداء أو سيارات الليموزين الفارهة المصفحة ذات الزجاج الملون وتحمل على الزجاج الأمامي حرف (B) كرمز لكون الضيف عضوا في منظمة بيلدربرج . وبسبب استضافة اليونان للاجتماع السنوي لبيلدربرج، فقد تم الغاء زيارة المغني ميشل دروكر الذي كان ينوي تسجيل أغنيته الجديدة فيها، وتقرر تسجيلها في باريس أوائل الشهر الحالي، وكل ذلك لأسباب أمنية متعلقة ببيلدربرج .وما يبعث على الشك في نشاط الجماعة هو أنه غير مسموح بأي تغطية إعلامية لما تناقشه بيلدربرج خلال اجتماعها السنوي، وأن ما يتناوله الإعلام عن نشاط هذه الجماعة، وكذلك ما تصدره من توصيات لا يتعدي ذلك الذي تسمح به الجماعة نفسها وهو ممثل في مطبوعات صادرة عنها، وعلى الأكثر من ذلك فإنه غير مسموح لأي من الشخصيات المشاركة في الاجتماع بتدوين حتى ولو بعض الملاحظات للتذكرة . على حد قول الصحافي جونسان دوفي في ال BBC عام ،2004 والذي أضاف أن التقارير سرية وأهم الدول ترسل شخصيتين ممثلتين عنها .وكان أهم قرار صدر عن الجماعة في مؤتمرها الأخير لعام 2009 هو ما ذكرته وكالة (مينا) نقلاً عن تقرير أعده الكرملين من أن هناك استراتيجية تُنفذ حالياً لتدمير الدولار . وقد استندت في ذلك إلى مصادر عدة ومنها مقال “سورشال فال” الذي جاء تحت عنوان Bilderberg group orders destruction of Dollars بتاريخ 21 مايو الماضي .وقد أرجع المحللون قرار الجماعة بتدمير الدولار إلى أن الدين الخارجي الأمريكي كان يُقدر، عام ،2007 ب (13) ألف مليار دولار، فضلاً عن أن ديون بعض الدول الأوروبية الأخرى مرتفعة، حيث تحتل بريطانيا المرتبة الثانية بدين خارجي يُقدر ب (10) آلاف مليار دولارثم ألمانيا وفرنسا بدين يُقدر ب (4) آلآف مليار دولار لكل منهما . وهذه الديون آخذة في الارتفاع، فالدين الخارجي الأمريكي لعام 2009 بلغ (17500) مليار دولار، وأنه حتى لو قيمنا ممتلكات واشنطن في الخارج لبيعها وسداد هذا الدين، ستظل واشنطن مدينة ب (4) آلاف مليار دولار . إذن فإن تدمير الدولار يمثل هنا، بالنسبة لأصحاب القرار السياسي والاقتصادي العالمي، نوعا من الحلول السريعة وذلك على حساب شعوب العالم .على الجانب الآخر، هناك كثير من الشكوك تُرجع الأزمة الاقتصادية، في جانب كبير منها، إلى اجتماع بيلدربرج الماضي ،2008 والذي كان يهدف إلى إعادة “نمذجة” العالم: أن تفرض الصفوة السياسية والمالية سيطرتها على ادارة شؤن العالم مع تركيز السلطة، أكثر فأكثر، واستعباد الشعوب ليس فقط في الدول الفقيرة ولكن ايضاً في الدول الغنية الصناعية . فضلاً عن إحلال الفقر بين الطبقة المتوسطة . خلاصة القول، حكم عالمي يستخدم المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتكتلات السياسية الشمولية مثل حلف الناتو والاتحاد الاوروبي، لتحقيق أهداف جماعة صغيرة ممثلة في أعضاء بيلدربرج .إن هذه الأزمة المالية العالمية التي خططت لها بيلدربرج كبدت شعوب العالم خسائر فادحة . حيث قامت جمعيتان تعملان في مجال التعاون الدولي من أجل التنمية وهما (دونكان جرين ) و(أوكسفام) بعمليات حسابية توصلتا من خلالها إلى أن المبلغ المرصود لعملية الإنقاذ الاقتصادي على مستوى العالم، والذي يبلغ (8424) ترليون دولار، تجعل كل رجل وسيدة وطفل على وجه الأرض مديناً بمبلغ (1250) دولارا .ويُشير الصحافي الكندي دانيل استولين الذي نشر كتاباً عن جماعة بيلدربرج عام 2005 وجاء تحت عنوان “Bilderberg Club- The Rulers of the World”، إلى أن جماعة بيلدربرج ستركز هذا العام على الركود العالمي، ولأنه متابع عن قرب لهذه الجماعة فاضاف أنه قبل الاجتماع السنوي من كل عام تقوم الجماعة بتوزيع ملازم (كراسات) مُدونة بها الموضوعات التي يتم تناولها خلال اللقاء . وقد صرح مصدر في الجماعة لإستولين أن بيلدربرج تدرس خيارين في اجتماعها الأخير 2009: إما أن يحدث انهيار أو ركود ممتد، أو منازعات تؤدي إلى ذلك الانهيار، أو تداعيات الفقر . وإما أن يحدث انهيار عنيف وقصير يؤدي بالعالم إلى نظام اقتصادي عالمي دائم وإن قل في مستوى سيادته ونفوذه، إلا أنه سيكون أكثر فاعلية بالنسبة للجماعة .ويمتد نفوذ الجماعة الكوني إلى اختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه، مثل باراك اوباما . فأثناء اجتماعها السنوي لعام 2008 التقى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بالرئيس المنتظر باراك أوباما، وفي لقاء سري تم ترتيبه بين الطرفين بمعرفة الجماعة، لكي يتفقا على ثوابت الحكم ومسؤولية السلطة . لقد راهنت الجماعة على الرئيس الأمريكي الجديد أوباما لما رأته فيه من رغبة في القيام بدور المنقذ من الكوارث التي عصفت بالعالم وكانت أهمها الأزمة الاقتصادية ثم الورطة الأمريكية في العراق وأفغانستان .لقد لعبت الاصول العرقية العديدة التي يحظى بها اوباما دوراً كبيراً في عملية انتخابه كرئيس . وقد تم تسويقه انتخابياً وإعلامياً من هذا المنطلق . وفي مقابلة مع الصحافي جون رونسون، بصحيفة الجارديان، قال لورد دنيس هيلي، والذي كان أحد أعضاء مجلس الوزراء البريطاني وأحد مؤسسي الجماعة التي تم انشاؤها عام 1954 إن “البعض من بين أعضاء جماعة بيلدربرج يعتقد أننا لا نستطيع أن نواصل إلى الأبد صراعنا مع هؤلاء وهؤلاء وأن نقتل الشعوب وأن نجعل الملايين منهم بلا مأوى . ولذلك فكرنا في جماعة واحدة فقط عبر العالم ستكون أفضل الحلول . . . قل أننا نعنى بذلك حكومة عالمية فريدة لا ينقصها الأساس القوى” . لقد أراد هيلي إن يقول إن جماعته هي عولمة الثراء والنفوذ والقرارات .بيلدربرج والوحدة الأوروبيةوما يؤكد صحة مثل هذه القرارت وقدرة الجماعة على تنفيذها هو ما تم اكتشافه أخيراً من وثائق سرية خاصة ببيلدربرج، وترجع إلى عام ،1955 وتوصي بضرورة إنشاء دولة اتحادية أقل ما توصف به أنها دولة سوبر تتمثل في الاتحاد الأوروبي، وستكون شمولية عبر ما تفرضه طبيعتها، وهو الأمر الذي أثبتته الوثائق الداخلية للجماعة ذاتها وليس من خلال ما يُسمى نظرية المؤامرة، وفي الوقت نفسه أكده واقع الاتحاد الأوروبي وعملته الموحدة . وخلال تلك الفترة قامت وسائل الإعلام العالمية بدور الفرقة الموسيقية التي تعزف نوتة وضع ونظم إيقاعها جماعة بيلدربرج .حيث تشير الوثائق إلى اجتماع صفوة العالم منذ أكثر من خمسين عاماً، وبالتحديد في ألمانيا، للتباحث بشأن إنشاء عملة أوروبية موحدة، وحتى قبل أن يُسن بها القانون الممثل في معاهدة ماسترخت الذي صدر عام ،1992 وقام موقع Wikileaks بنشر هذه الوثيقة في 2009 والتي تمت صياغتها أثناء ذات المؤتمر الذي عقد في الفترة من 23 إلى 25 سبتمبر/ أيلول عام 1955 بفندق جراند أوتيل بالمانيا الغربية .كما أشارت ال (BBC) عام 2003 في تحقيق لها، حصلت على معلوماته بعد الاطلاع على وثائق خاصة بالجماعة، إلى أن الاتحاد الاوروبي والعملة الأوروبية الموحدة (يورو) كانت نتاج مفكري بيلدربرج . ليُطل علينا الرئيس الحالي للجماعة وهو إسيان دافينيون الشهر الماضي، مزهواً يقول إن الجماعة التي يرأسها هي التي أمرت بعملة أوروبية موحدة ضمن أجندتها وأرخت، مسبقاً وقبل خمسين عاماً، بالتسعينات موعداً لظهور هذه العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، وبالفعل صدرت العملة الأوروبية الموحدة عام 1992 .إن مجمل ما جاء في وثائق جلسة الجماعة عام 1955 يشير إلى أنه “توجد حاجة مُلحة لضم الشعب الألماني والشعوب الأوروبية الأخرى في سوق أوروبية مشتركة” . وأن الوثائق التي تم نشرها تعطي لمحة عامة عن المشروع الأوروبي “لكي نصل في أسرع وقت ممكن إلى درجة عالية من التكامل، يجب أن نبدأ بسوق أوروبية مشتركة” .وبعد عامين فقط (عام 1957)، بدأت تتجسد أولى خطوات هذا المشروع الأوروبي، والتي تمثلت في الشراكة الاقتصادية الأوروبية (CEE)، حيث أخذت تتوسع تدريجياً عبر عقود متتالية حتى أصبحت سوقاً أوروبية، ثم الخطوة الثالثة، الاتحاد الأوروبي، والذي تم إنشاؤه بالفعل عام 1993 .إن النص الذي خرجت به الجماعة عام 1955 يتحدث باختصار عن أنه “من الأفضل أن نعهد إلى تطوير السوق المشتركة من خلال معاهدة، عن أن نسعى إليها من خلال معاهدة روما التي صدرت في 25 مارس/ آذار 1957 . وقد تم اتباع نفس النهج حتى وصلنا إلى ما يسمى اليوم بمعاهدة لشبونة، التي أعطت جانب كبيراً من السيادة للاتحاد الأوروبي بموافقة رؤساء الدول الأوروبية ورؤساء وزرائها، حيث فضلوا ذلك النهج على خلق دستور استبدادي جديد .وعلى الرغم من ذلك، يشير بعض المتسترين على نشاط الجماعة إلى أن فكرة السوق الأوروبية المشتركة كانت تبدو في الأفق في الخمسينات من القرن الماضي، وأن جماعة بيلدربرج لم تفعل شيئا سوى مناقشة الأفكار السياسية المعاصرة . وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نستطيع أن نقول نفس الشيء عن العملة الأوروبية الموحدة، والتي تم تداولها بدءاً من يناير/ كانون الثاني من عام ،2000 والتي قُننت بمقتضى معاهدة ماسترخت عام 1992 . إن وثائق الجماعة تشير إلى أن أعضاء جماعة بيلدربرج قد سعوا للعمل بها منذ أكثر من خمسين عاماً . كما نصت الوثيقة كذلك على أن “المتحدث الرسمي الأوروبي قد أعرب عن قلقه إزاء الحاجة لعملة أوروبية موحدة، وأشار إلى أن وجهة نظره هذه تقتضي، وبشكل ضروري، إنشاء سلطة سياسية مركزية” .وبالفعل، لم يتم العمل بالعملة الأوروبية الموحدة إلا بعد إنشاء سلطة سياسية مركزية واتحاد أوروبي . كما ركزت الوثيقة كذلك على “ضرورة دمج الشعب الألماني في السوق الأوروبية المشتركة بأسرع وقت ممكن . . . وأن المستقبل في خطر بدون أوروبا الموحدة” . كما أكد مشارك أمريكي “أن المساندة الحماسية التي تبديها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء فكرة التكامل لم تضعف، على الرغم من أنه كان يوجد تردد بالغ هناك في أمريكا بشأن كيفية الإعراب عن هذا الحماس .وحث مشارك أمريكي آخر زملاءه الأوروبيين على ما هو أبعد من ذلك ويتمثل في الوحدة الأوروبية، وعدم التشبث بهذا القدر بالاعتبارات الأيدولوجية، ويجب وقبل كل شيء أن يكونوا واقعيين وأن يعملوا بسرعة” .وعلى الرغم من وفرة الأمثلة التي تستند إلى أدلة لتورط أجندة بيلدربرج في السياسات الحالية والتطور الجيوبولوتيكي على الصعيد العالمي، إلا أن هناك مضللين إعلاميين مازالوا يقدحون كل من يجرؤ على تأكيد وجود مقابلات سرية ل (150) مسؤول ذا حيثية دولية ونافذين لكي يناقشوا ويُحددوا مستقبل كوكب الأرض، ويدعى هؤلاء المضللون أن كل هذه الأقاويل ما هي إلا مهاترات من قبيل ما أسموه (نظرية المؤامرة) .في حين أن (نظرية المؤامرة) المثيرة للضحك، هي تلك التي يدعيها الزائفون ومُسمي الإعلام الذين يوسوسون لنا (كالشياطين) وأن الحدث الذي يكون جديرا إلى هذا الحد بجذب أساطين الحكومات، ورجال الصناعة والبنوك ورجال الأعمال وعالم الفكر وأكبر أساتذة الجامعات في العالم، ليتباحثوا في المشكلات العالمية الأكثر إلحاحا، وفي الوقت نفسه بعيداً عن مختلف وسائل الإعلام، كل هذا لم يدع لهم مجالا للقول إن كل هذا ليس له علاقة بأحداث العالم المستقبلية، ولكن الحقيقة أن كل هذا في حد ذاته يمثل المؤامرة بعينها .
07-01-2009, 10:00 AM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه 
