إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية


إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-09-2009, 12:50 PM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,613
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2139

*السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد.....**مقدمة:**إخواني :**أعجبني هذا البحث فأردت أن نتشارك الرأي، وأن نرى جميعا روعة إقتصادنا عندما يلتزم بما شرعه الله لنا في الإسلام، لقد لفت إنتباهي كثيرا مفهوم (البركة) و هي الكلمة التي لن نجد لها مرادفا يعبر عنها في لغات أخرى كثيرة لم تتأثر بالإسلام أو لغته العربية حتى أن الغربيين الذين إحتكوا بالمسلمين في الغرب أحيانا يتساءلون عنها ، فالتنمية لها بعد آخر أيضا نابع من الإرتباط بالخالق عز وجل و طاعته ، و بالتالي يبارك الله سبحانه و تعالى ما تم وفقا لشرعه فيما إستخلفنا فيه من مال ...**وقد يكون أحدنا يوما ما دارسا أو باحثا في هذا العلم الذي يمس كافة جوانب الحياة فدعونا نتبادل الرأي و الفائدة، ولنرى كيف أننا عندما نسير كما أراد لنا من خلقنا في كافة معاملاتنا المالية و الإقتصادية، سيكون العائد ليس فقط في الآخرة، ولكن تنمية إقتصادية حقيقية، وليست كفقاعات الإقتصاد التقليدي القائم على الربا ......**المصدر: كتاب "الإسلام والتنمية الاجتماعية"**من المعلوم لدى العلماء والدارسين أنَّ المشكلة الاقتصادية في تاريخ الإنسان منذ أقدم الأزمنة إلى اليوم تشكل جانبًا من أهم جوانب الحياة الاجتماعية، إن لم نَقُلْ أهمَّها وأخطرها في التأثير المباشر على سلوك الإنسان وتصرفاته، ومن هنا فإنَّ الإسلام الحنيف قد وجه نظر الإنسان إلى خطورة هذه المشكلة، ووضع لحلها أسسًا واقعية تشكل الخطوط الرئيسة لنظامه الاقتصادي المتشابك مع أنظمته الأخرى المتكاملة، التي تنظم الحياة الإنسانية تنظيمًا دقيقًا تقوده إلى الأمن والسلام والسعادة، والتي تنطلق من المذهبية الإسلامية في الوجود.**وعلى الرغم من وجود هذا النظام الإسلامي العادل، فإنَّ عراقيل كثيرة في تاريخنا الطويل قد حالت في معظم فتراته - لا سيما بعد سقوط الخلافة الراشدة - دون تحقيق أهدافه ومبادئه على الوجه الصحيح، وكانت النتيجة الحتميَّة عدم بلورة التطبيقات السليمة له، بحيث تؤدي إلى تأصيل جذوره وتثبيت دعائمه لتشكل أطرًا ثابتة وواضحة، يصعب التلاعب بها أو طمس معالمها النظرية والتطبيقية في الصدر الأول، وإنكار أهدافها العادلة التي جاءت بها لبناء الحياة الآمنة، علمًا أن تأثير العدل الإسلامي واضحٌ جدًّا، حتى في عصور الانحراف بحيث لو قيس تاريخنا الاقتصادي بالتواريخ الاقتصادية للأمم الأخرى، كان تاريخنا عادلاً بالنسبة إلى التواريخ الأخرى.**وعلى الرغم من الجهود المخلصة لعدد من المفكرين والفقهاء والاقتصاديين في محاولة تقديم صورة صحيحة لذلك النظام الاقتصادي الإسلامي، إلا أنَّ استمرار ضغط الرواسب النفسية التاريخية، وظهور عقبات فكريَّة جديدة ما زالت تحول دون تقديم أسس واضحة لذلك النظام الدقيق دائمًا، والذي يستطيع المُثقَّف المنصف طالب الحق، من خلال قراءاته أن يضع يده على مواطن الحق والقوة والعدالة فيه، لا سيَّما بعد ظهور أبحاث جامعية متنوعة، تخطط للوصول إلى رسم كليَّات وجزئيات ذلك النظام في إطار علمي منهجي، يستطيع أن يقف على قدميه ويزحزح من أمامه النظريَّات الاقتصادية السائدة المخالفة له، ونحن في بحثنا هذا نحاول أن نقدم مجموعة من الملاحظات المنهجيَّة التي تعترض أحيانًا سبيل الوصول إلى صياغة تفاصيل النظام الاقتصادي الإسلامي صياغة علميَّة شاملة دقيقة.*** الملاحظة الأولى:**هي الاتجاه الذاتي الذي يتمكَّن من الباحث بناء على الاقتناع بفكرة مسبقة، لا يستطيع التحرر منها ومن نتائجها التي تبعد صاحبها عن الحقيقة، فهؤلاءِ الباحثون يأتون على سبيل المثال إلى القرآن الكريم، والسنة النبويَّة الشريفة، فيحاولون أن يبحثوا عن الآيات والأحاديث التي تؤيد وجهة نظرهم، حتى إذا وقعوا عليها فرحوا بما يدل عليه ظاهرها، ومن خلال فورة الحماس للفكرة، وتحت ضغط غريزة حب السيطرة غير المهذبة على الخصم، وإفحام حججه يسارعون في تقرير أفكارهم، مقيمين الحجة عليها من ظواهر تلك النصوص، وينزلونها منزلة المسائل القطعية، في حين لو أنصفوا مع الحق، واتبعوا المنهج العلمي الصحيح، ودققوا في التأويل والاستنباط من النصوص الشرعية، لعلموا أنهم على خطأ جسيم؛ بل هم بعملهم هذا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقررون الأفكار بناء على جانب واحد من فهم النصوص على طريقة المستشرقين، إذ من المسلمات الجوهرية في ضوابط فهم النصوص الشرعية جمعها في موضوع واحد ودراستها لغويًّا وأصوليًّا بدقة، وتقليبها على وجوهها المتنوعة، والنظر في مقاصدها ومآلاتها، ولقد جر هذا المنهج الخاطئ بعض الدراسات الاقتصادية الإسلامية في العصر الحديث إلى متاهات لا حصر لها، وكاد أن يضيع عليها أصالتها وشخصيتها المستقلة.**فكل دارس لنظريَّة اقتصاديَّة حديثة، ومتأثر باتِّجاهاتِها يُحاوِلُ أن يخضع نصوصًا منفردة بمعزل عن أخواتِها من النُّصوص الأُخرى، إلى الوجهة التي يريد أن يتَّجه إليها منطلقًا من مصطلحات غريبة عن الاقتصاد الإسلاميّ غير نابع من طبيعته، فيحدث بذلك التباسًا شديدًا، إذ المصطلحات في هذا العصر قد تحدَّدتْ، ودخلت تحتها أوضاع اقتصادية واجتماعية ونفسية خاصة، لا يمكن أن تفهم إلا من خلالها.*** الملاحظة الثانية:**لا بد أن يكون معلومًا لدى الدارسين أن النظام الاقتصادي الإسلامي هو كباقي أنظمة الشريعة الإسلاميَّة العامَّة، ينطلق من المذهبية الإسلامية في الوجود، وهذه المذهبية - كما ذكرنا أكثر من مرة - تَمتاز بخصائص جوهرية تميزها عن "الإيديولوجيات" المادية المعاصرة، ولذلك فالباحث الاقتصادي الإسلامي ينطلق من أرضية إسلامية واضحة، وفي ضوء أصول وقواعد تشريعية إلهية معصومة، فهو عندما يتخذ مواقفه الاقتصادية وغير الاقتصادية، يتخذها منطلقًا من تلك الأصول والقواعد في إطار المذهبية الإسلامية، فليس له حينئذ أن ينظر إلى "إيديولوجية" اقتصادية معاصرة من خلال نظرة المذهب الآخر، فعلى سبيل المثال يجب أن يحذر الباحث المسلم أن ينظر إلى الرأسماليَّة، وتطوُّرها الحديث من خلال نظرة الماركسيين التقليدية، والعكس صحيح أيضًا، إذ من الخطأ أنْ ننظُرَ إلى الماركسيَّة وتطوُّرها المعاصر من خلال نظرة الرأسماليين التقليدية.**إن اتباع هذه القاعدة المنهجية الإسلامية العادلة سيحول بيننا وبين الوقوع في تلفيقات هشة، لا يربط بينها منطق إسلامي داخلي قويم، وسيؤدي بنا زيادة على ذلك إلى الاختلاف وكثرة التأويلات؛ بينما الانطلاق السديد من المذهبية الإسلامية، سيجعل اتفاقنا ووضوحنا أقرب وأكثر رسوخًا، لا سيما في الأسس والكليات التي لا بد أن تتحكم في الممارسة الاقتصادية اليومية.*** الملاحظة الثالثة:**إنها تكمن في أن بعض الباحثين والفقهاء في العصر الحديث يقفون دائمًا - عندما يقررون أفكارهم - عند عصر معين، أو عصور معينة، أو فقيه معين، أو فقهاء معينين، دون الفهم الواعي لقضية التلازم بين الفقه الإسلامي، والظروف الزمانية والمكانية.**إن النظام الاقتصادي الإسلامي؛ كسائر جوانب الإسلام الأخرى في التشريع نظام عام كامل، كل عصر يستمد منه بقدر ما يسع مستواه العقلي وإدراكه الحضاري، ويستحيل أن تستوعب العقول البشرية الناقصة كمال الإسلام كله في عصر أو عصور، والتغيرات والتطبيقات التي تتصل بطبيعة المرحلة واتجاهها الحضاري، لا يجوز أن تحسب عليه أو تجعل الممثلة الوحيدة لأسسه ومبادئه.**ولا بد أن يتقدم الحديث عن الاقتصاد الإسلامي التحرر من الأطر التاريخية غير الإسلامية في الثقافة والتطبيق اللذين تسللا إلى حضارتنا الإسلامية، بعد الاحتكاك الحضاري الذي حدث بعد عصر الفتوحات الإسلامية.**إن العصر الذي نعيش فيه هو عصر كشف فيه العلم عن كثير من قوانين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وحصلت لدينا معلومات وافرة تتصل بمجموعة من المعارف الدقيقة، فطبيعة الإسلام الحركية المراعية للتطوُّرات الزمانية والمكانية، تدعونا إلى أن ننتهي في الحكم على الأشياء بعصرنا، ولا نقف عند عصور سابقة فحسب؛ بل يجب علينا أن ندرس العصور المتلاحقة وظروفها، ناقدين لها، مستفيدين من الأخطاء التي وقعت فيها، لتوجيه النظام الاقتصادي وجهة سليمة، تنسجم أكثر مع أصول وقواعد النظام الإسلامي العام.**على أن كثيرًا من الباحثين يسبغون على كل ما هو قديم نوعًا من الثبات والقداسة، غافلين عن المنهج العلمي الصحيح في البحث الذي دعانا إليه القرآن الكريم للوصول إلى الحقيقة.**وإحدى خطوات ذلك المنهج الحق هو عدم تقديس القديم لقدمه، قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[1].**ولا بد لفقهائنا ومفكرينا في هذا العصر أن يمتلكوا الجرأة الكافية لتجاوز اجتهادات مرتبطة بزمان يخالف زمانَنا في كثير من جوانبه الحضارية، إذا ثبت لهم أنه من الممكن أن يصلوا إلى تحقيق مصلحة المجتمع خارج تلك الاجتهادات في داخل الأصول والضوابط نفسها التي انطلق منها الفقهاء الأوَّلون، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.**إن الإجماع الأصولي حجِّيَّته معروفة عند الأصوليين، وما عدا ذلك فلا حجة فيه إذا ما وجدناه يقف عقبة أمام تطوُّر مُجتمعنا إلى المجتمع الحضاري القوي المنضبط بضوابط الإسلام وأصوله وقواعده.**من الغريب أن نجد أن الإمام أبا حنيفة النعمان - رضي الله عنه - يقول: إذا أجمعت الصحابة على شيء سلمنا، وإذا أجمع التابعون على شيء زاحمناهم، وأن نقرأ للإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - قوله: الإجماع أن يتبع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهو في التابعين مخيَّر[2]، ثم نرى فقهاء أو كتابًا يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري، ينزلون رأي الفقيه أو المذهب أو مجموعة من العلماء منزلة النص، فلا يتزحزحون عنه بدعوى تقديس القديم وسدِّ باب الاجتهاد، مُخالِفِين بذلك طريقة السلف الصالح في فهم أصول الدين وفروعه، وفي فهم طبيعة التطور الاجتماعي في المجتمع الإنساني.**وقبل أن نختم هذه الملاحظة، لا بد لنا أن نذكر أننا نقرأ بين حين وآخر ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي المنجز، وهذا القول إجمال يحتاج إلى تفصيل، فإن كانوا يقصدون أن الأصول والقواعد العامة منجزة محددة، فهذا صحيح لا يختلف فيه عالمان بأصول الإسلام، أما إذا كان المقصود بأن هذا الاقتصاد ليس كاملاً بأصوله فحسب، بل بجزئياته أو وسائل تحقيقه التفصيلية أو أنه كامل لا مجال للنظر في بعض جوانبه الاجتهادية عبر التاريخ فإنه ليس صحيحًا، لأن كل عصر يستطيع أن يستنبط ويضيف ويحذف تمامًا كالفقه في عمومه، فنحن لا نستطيع أن ندعي بأن الفقه الإسلامي منجز في تفصيلاته وجزئياته المتصلة بتطور الحياة اليومية إلى يوم القيامة، وإلا كان القول بالاجتهاد في الفقه الإسلامي عبثًا.*** الملاحظة الرابعة:**دراسة الظروف الاقتصادية في عصر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأنها طريق صحيح لفهم النصوص المتعلقة بالموضوع وإدراك مقاصدها، وقد كان فقهاؤنا قديمًا يفعلون ذلك، ومن هنا فإنهم كانوا أكثر دقة من كثير من كتابنا المحدثين، وأقرب إلى تفهم روح الشريعة وغاياتها، مثال ذلك ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -**في حديث التسعير الذي رواه أنس - رضي الله عنه - قال: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله لو سعَّرت، فقال: ((إن الله هو القابض الباسط الرزاق المسعِّر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلُبُنِي أحدٌ بِمظلمة ظلمْتُها إيَّاه في دم ولا مال))[3]، فقد درس الظروف الاقتصادية التي كانت سائدة في المدينة، وانتهى إلى أن تحريم التسعير تبعًا لظاهر هذا الحديث ليس صحيحًا، قال: "فإن هذه قضية معينة، وليس لفظًا عامًّا، وليس فيه أنَّ أحدًا امتنع عن بيع يجب عليه، أو عمل يجب عليه، أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل، ومعلوم أنَّ الشيء إذا رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم، والمدينة إنما كان الطعام الذي يباع فيها غالبًا من الجلَب، وقد يباع فيها شيء يزرع، وإنما كان يزرع الشعير، فلم يكن البائعون ولا المشترون ناسًا معينين، ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو ماله؛ ليجبر على عمل أو على بيع؛ بل المسلمون كلهم من جنس واحد، كلهم يجاهدون في سبيل الله، ولم يكن من المسلمين البالغين القادرين على الجهاد إلا من يخرج في الغزو، وكل منهم يغزو بنفسه وماله أو بما يعطاه من الصدقات أو الفيء، أو ما يجهزه به غيره، وكان إكراه البائعين على أن يبيعوا سلعهم بثمن معين إكراهًا بغير حق، وإذا لم يكن يجوز إكراههم على أصل البيع، فإكراههم على تقدير الثمن كذلك لا يجوز"[4].**يقول الأستاذ محمد المبارك: (وتحليل ابن تيمية لوضع المدينة وسوقها في العهد النبوي يدل على بصر وحسن تفهم للعوامل الاقتصادية، فقد فرق بين السوق المغلقة التي تتحد فيها كمية السلع وقد يحصل فيها حينئذ تحكم من البائعين، فيجب التدخل والتسعير، وبين السوق المفتوحة للجلب من الخارج، أو لتنمية المواد في الداخل عن طريق الزرع مثلاً، وهذه هي حال المدينة كما أوضح ابن تيمية فإن أكثر طعامها كما قال: يجلب، لقد تجلى في هذا التحليل حسن تفهم المؤلف للموضوع، واعتباره العوامل والنتائج الاقتصادية وذهابه إلى أهداف النص الشرعي، ومراميه دون الوقوف عند ظاهره)[5].*** الملاحظة الخامسة:**دراسة الاقتصاد الإسلامي في ضوء مقاصد الشريعة، ذلك لأن مجموعة من الرواسب التاريخية والنفسية فرضت على طائفة من الكتاب أن يسلكوا في معالجة المسائل الاقتصادية الإسلامية مسالك بعيدة عن تفهم مقاصد الشريعة، وفهموا نصوصًا واردة في ظاهرها بعيدة عنها، إذ من مقاصد الشريعة كما هو معلوم تحقيق مصالح العباد وترجيع المصلحة العامة على الخاصة، ورفع الضرر، واختيار أهونِ الضررين، وتقديم الحاجات الضرورية، وتكريم الإنسان، ومنع استغلاله بأي شكل من الأشكال، ورفع التعسف عنه في استعمال الحقوق.**وعلى الرَّغم من هذه المقاصد العظيمة التي نتلمَّسُها بصورة قطعية في النصوص الشرعية إلا أننا ما زلنا نرى أن البعض يعيقون تحقيقها بناء على نظرة سطحية إلى نصوص منفردة، بينما نرى أن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام وكبار الفقهاء الأولين قد راعوها حق رعايتها، ووجهوا الحياة على أساسها، ونحن هنا نلجأ إلى ذكر بعض الأمثلة كي نوضح بها كيفية فهم هذه المقاصد الجليلة.**فمن فعله - صلى الله عليه وسلم - لتحقيق مصالح العباد أنه حمى مكانًا اسمه "النقيع" بينه وبين المدينة عشرون فرسخًا، حماه لخيل المسلمين من المهاجرين والأنصار للغزو في سبيل الله؛ أي حماه لمصلحة الجيش قائلاً: ((حمى النقيع نعم مرتع الأفراس، يحمى لهن ويجاهد بهن في سبيل الله))[6].**وجاء الصديق - رضي الله عنه - بعده فحمى الربذة لإبل الصدقة؛ أي الإبل المجموعة من الزكاة، وجاء بعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فحمى مكانًا ثالثًا اسمه (نقيع الخضمات) للخيل والإبل المعدة للجيش[7].**وقد رأى عمر أن يدخل في الحمى فقراء الناس دون أغنيائهم، وكان قد استعمل على الحمى مولى له اسمه (هني) فأوصاه بقوله: (يا هن اضمم جناحك على الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياك ونعم ابن عوف، ونعم ابن عفان، فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع، وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء بأبنائه يصرخ: يا أمير المؤمنين؛ أفتاركهم أنا لا أبا لك!!)[8].**ومن باب مصلحة مجموع الأمة ما فعله عمر - رضي الله عنه - في أرض العراق حيث جعلها خراجية بيد أهلها[9].**وكذلك فعل في أرض الشام واقتنع بالفهم الدقيق للصحابي الجليل معاذ بن جبل حولها عندما قال له: إنك إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرونه، فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة الواحدة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسدًّا، فلا يجدون شيئًا، فانظر أمرًا يسع أولهم وآخرهم[10].**وكان من فقه عمر بناءً على فهمه العميق لنصوص القرآن والسنة عدم الموافقة على تكدس الثروة بيد قليلة.**قال أبو عبيد: أقطع أبو بكر طلحة بن عبيدالله أرضًا، وكتب له بها كتابًا، فأتى طلحة عمر بالكتاب، فقال: اختم شاهدًا على هذا، فلما نظر فيه قال: لا أختم! أهذا كله لك دون الناس! فرجع طلحة مغضبًا إلى أبي بكر فقال: والله ما أدري أنت الخليفة أم عمر- فقال بل عمر؛ ولكنه أبى؛ وهنالك حادثة أخرى شبيهة بهذه، وقعت لعمر مع عيينة بن حصن[11].**وفي أرض الإقطاع سلك عمر المسلك نفسه من الفهم العميق للنصوص، منها ما ورد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث أرضًا فاحتجرها، فلما كانت خلافة عمر - رضي الله عنه - قال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقطعك لتحتجره عن الناس، إنما أقطعك لتعمل فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي.**وفي رواية يحيى بن آدم أن عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله أرضًا فقطعها لك، وأنت لا تطيق ما في يديك، فقال: أجل، فقال عمر: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين، فقال: لا أفعل، هذا شيء أقطعنيه رسول الله، فقال عمر: والله لتفعلن، وأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين[12].**وقد أصبح هذا الاتجاه فيما بعد أمرًا معروفًا بين أهل المذاهب، حتى قال صاحب "المغني": ولا ينبغي أن يقطع الإمام أحدًا من الموات إلا ما يمكنه إحياؤه؛ لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقًا على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة منه[13].**وهذا الاهتمام بِمصلحة المجموع تراه في صور شتى منها ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل بصره يمينًا وشمالاً، فقال رسول الله : ((من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له))، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل[14].**وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبًا تأتي على ثالثة وعندي منه دينار إلا دينارًا أرصده لدين علي))[15].**وأخرج مسلم في صحيحه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ((هم الأخسرون ورب الكعبة))، فقال أبو ذر: من هم يا رسول الله؟ قال: ((هم الأكثرون أموالاً، إلا من قال: هكذا وهكذا.. وهكذا، من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله))[16].**ونقل البلاذري: أنه لما ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أموال بني النضير قال للأنصار: ((إنه ليس لإخوانكم المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمت هذه وأموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة))، فقالوا: بل اقسم هذه فيهم، واقسم لهم من أموالنا ما شئت [17].**ومنها الأدلة القائمة من الكتاب والسنة والمقاصد الشرعية والقواعد الفقهية على منع التعسف في استعمال الحق، وتحديد حرية الأفراد لصالح الجماعة، فالانتفاع بالمباح على سبيل المثال مشروط بعدم الضرر بالمصلحة العامة؛ مثاله : أن كل إنسان يستطيع أن يشق جدولاً من الأنهار التي ليست مملوكة لأحد بشرط عدم الإضرار بالمصلحة العامة، فلو قطع الماء كله ما جاز ذلك، ومما يتصل بهذا الضرب منع تحجر أرض لأخذ معدنها وحطبها وصيدها، أو بركة لأخذ سمكها، معللين بعموم الحاجة إلى المذكورات ونحوها، وكذلك منع إحياء الأرض رعاية للمصلحة العامة، مثاله: بطون الأودية التي هي مكان السيل يمنع إحياؤها في رأي، والذين أجازوها اشترطوا عدم إلحاق الضرر بالمصلحة العامة [18].**ومن صورها منع تنمية الملكية الفردية إذا أضرت بمصلحة الفرد الآخر أو الجماعة، وبناء على هذه القاعدة حرم الإسلام الربا والاحتكار، والغش والغبن، والربح الفاحش.**ومن صورها تشريع نظام الميراث الدقيق؛ كي تتفتت الثروات باستمرار، فيقضي بذلك على أن تكون دولة بين أفراد معينين فقط.**ومن صورها أخذ قدر كاف من ذوي اليسار فوق الزكاة، وذلك إذا خلا بيت المال، وكانت مؤسسات الدولة بحاجة إلى المال لتسيير الأمور الضرورية في المجتمع كنفقات الدفاع، والقضاء على المجاعات، وتوفير المساكن الضرورية للمحتاجين [19].**ومنها عدم كنز الثروة، بل توظيفها لأداء وظيفته الاجتماعية المقررة، لأن ذلك محرم باتفاق الفقهاء[20].**ومنها حق الدولة في انتزاع حق الملكية، إذا كان فيه تحقيق المصلحة العامة، وأقرب مثل على ذلك ما قرره الفقهاء أنه لو ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض مملوكة لشخص تؤخذ أرضه بالقيمة كرهًا، ويوردون في الطريق إذا ضاق واحتاج الناس إلى توسعته ما يفيد ذات الحكم، والأصل في ذلك عمل الصحابة في شراء دور مجاورة للمسجد الحرام وإلحاقها به على كراهة بعض منهم، كما فعل عمر - رضي الله عنه - وبعده عثمان - رضي الله عنه - والأصل في ذلك كله قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار))[21].**ولا يجوز الاعتراض بأن عصمة المال مقررة في الإسلام، لأن هذه العصمة مقررة في مواجهة من يعتدي عليها من اللصوص والمزورين، والغاصبين ونحوهم لا في مواجهة الأمة ومصالحها [22].**والحق أن التدخل في حياة الناس الاقتصادية أمر يقره الإسلام في هذا العصر أكثر من أي عصر مضى، لأن الإنسان قديمًا بإمكاناته المحدودة في المال والآلات والقدرات لم يكن باستطاعته من حيث هو فرد إلا السيطرة على جانب ضئيل جدًّا بالنسبة إلى مجموع ثروة المجتمع.**أما اليوم فإن الإمكانات الهائلة التي أتاحها العلم تتيح أمام الإنسان السيطرة على ثروات هائلة قد تكون جانبًا مهمًّا من مجموع الثروة القومية، والتي تؤدي إلى إلحاق زعزعة كبيرة بالحياة الاقتصادية لمجموع أفراد الأمة، فلا بد أمام هذه الحالة الخطيرة من ضوابط جدية تقطع الطريق أمام هذا النوع من تكدس الثروة، ولنا في قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}[23] دليل واضح على إقرار هذا الفعل.**ثم إن القرآن الكريم قد دلنا بوضوح وقوة إلى قاعدة اجتماعية في غاية الأهمية، يثبتها الاستقراء التاريخي للحياة البشرية، هو أن الغنى سبب عظيم من أسباب الفساد والترف والطغيان والبغي، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[24].**لأنه هو خلقهم، ويعلم سرهم ونجواهم، وخصائص تكوينهم، ولذلك قال عز من قائل في آية أخرى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[25].**فإذا أدركنا هذه الحقيقة الواضحة في القرآن والسنة وقواعد الإسلام المقررة، لما رضينا إلا أن يكون الاقتصاد الإسلامي اقتصادًا موجهًا يحقق العدل الاجتماعي الكامل، ويقضي على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ويذيب الفوارق غير الطبيعية في المجتمع، ويهيئ أمام الأفراد جميعًا الفرص المتكافئة، ويحول دون تكديس الثروات في أيدي قلة قليلة من الناس، ويوجه ثروة الأمة إلى تقوية المجتمع ماديًّا ومعنويًّا بدل صرفها في الترف والسفه، والفساد والاستعلاء في الأرض.**ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة حق رقبة الأرض المنتجة إلى الدولة؛ لتوزعها على الأفراد في حدود اقتصادية معقولة، يستغلون فيها مواهبهم وقدراتهم لزيادة الإنتاج من أجل خير أنفسهم وخير مجتمعهم، وبقيام الدولة الإسلامية لأداء وظائفها الاقتصادية المهمة، منعًا لتكدس الثروات الطائلة وطغيان الغنى، مع إعطاء المجال الكافي للأفراد في حدود مخططة، لتنشيط الحركة الاقتصادية وإنشاء الصناعات والمشروعات الاقتصادية المتنوعة؛ وبالتدخل المباشر في القضاء السريع على الانحرافات الاقتصادية في سلوك الأفراد تبعًا لما جاء به الإسلام، من منعها وضبطها بضوابط دقيقة كأحكام تحريم الربا، والاحتكار، والتسعير، ورفع الغبن، ومحاربة الغش والتدليس والغرر.**إننا يجب أن نقرر هذه الحقائق النابعة من أصول الإسلام؛ لأننا نرى أن كثيرًا من مجتمعات الإسلام مازال يفتك بها وبثروتها الاجتماعية نظام شبه رأسمالي غريب عن تشريعات الإسلام الاقتصادية العادلة التي لا يسعنا إلا أن نسميها تشريعات إسلامية، أو نظامًا اقتصاديًّا إسلاميًّا واضحًا غير مقتبس من الأنظمة الاقتصادية الفردية أو الجماعية الشائعة في العالم اليوم؛ لأننا لا نريد أن تذوب تشريعات الإسلام الاقتصادية في أتون المصطلحات الكثيرة التي لها مدلولاتها الخاصة، وظروف نشأتِها المعروفة، والتي تختلف مع نظرة الإسلام في كثير من الأسس والتفاصيل.**فالنظام الاقتصادي الإسلامي نظام فريد لا مثيل له، لأن أصوله وفروعه تتحرك داخل نظام أعم منه، وهو النظام الإسلامي العام الذي ينظم شؤون الحياة كلها على أسس من الفطرة والواقعية والعبودية الكاملة لرب العالمين.**إن المنهج الذي بينت بعض ملامحه سابقًا هو الذي يحدد انطلاقة النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يمتاز بمرونة كبيرة؛ لأنه يضع قانون الحركة والتغيير موضع الملاحظة الدائمة على أنه سنة كونية حتميَّة.**ويتَّصف كذلك بمرونة فائقة؛ لأنه لا ينسب حركة المجتمع إلى عامل واحد، ولا يضعها في قالب جامد، ولا يردها إلى ما هو مادي، ولا يحصره في المعنويات، بل يضعه في إطار قانون طبيعي ويأخذ بنظر الاعتبار العوامل المادية والمعنوية مجتمعة متفاعلة، وللإنسان المستخلف الدور الأعظم في هذه العملية الكبرى، فوعيه الكامل وحركته الدائمة وحسن تفهمه لمركزه في الوجود، يوجه المجتمع إلى الارتقاء، وعكس ذلك صحيح أيضًا.**ولقد وضع الإسلام من الأصول والقواعد العامة والاقتصادية، ما يكفل تحريك هذا النظام في كل عصر بما يناسب طبيعته ويحقق مصلحته، فإن اقتضى الأمر إظهار الاتجاه الجماعي فيه، في عصر ما للقضاء على جشع الفردية الطاغية، فللدولة الإسلامية أن تفعل ذلك باتخاذ ما ترى مناسبًا من الخطوات، وإن رأت في عصر آخر أن الوقت مناسب لتوسيع دائرة حركة الجهود الفردية أطلق العنان لذلك حسب المصلحة، وفي داخل دائرة المصلحة العامة التي تبقى دائمًا الركيزة الأساس، وبذلك يطلق الإسلام حرية الحركة، ولا يحصر المسلمين عبر العصور في داخل أنظمة جامدة، يزعم أصحابها أنها مفصلة على العصور جميعًا، وأنها قدر الإنسان في كل وقت.**وإذا جئنا إلى استعراض بعض الملامح العامة للاقتصاد الإسلامي، وجدنا أن أول مبدأ من مبادئه إقرار الملكية الفردية؛ باعتبارها غريزة ذاتية تدفع إلى الجد في العمل، والاستثمار والتنافس الطبيعي الذي يزيد من الدخل القومي عن طريق زيادة الإنتاج، ولكنه مع ذلك لم يدع المالكين أحرارًا يتصرفون بملكهم كما يشاؤون وتشاء لهم أهواؤهم، بل يقيد تصرفاتهم بقيود كثيرة في حياتهم وبعد مماتهم، ويحدد الطرق السليمة التي يكسبون منها أموالهم ويستثمرونها ويحظر عليهم ما وراء ذلك من طرق التملك والاستثمار التي تفقد المال وظيفته الاجتماعية، وتحوله إلى سيف مسلط على رقاب الكادحين والمحرومين والمستضعفين[26].**وبجانب الملكية الفردية فقد اعترف الإسلام بالملكية العامة وملكية الدولة، وأعطى الدولة في حالات كثيرة حق التدخل في ملكية الأفراد إذا تحولت إلى أداة استغلال.**أمَّا العمليَّة الإنتاجية فإن الاقتصاد الإسلامي (يربط ربطًا وثيقًا بين أهداف الإنتاج وتنميته، وبين عدالة توزيع الناتج القومي، حيث إن العمليتين تتمان سويًّا ضمن إطار عام من القيم والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية المثلى، يعنونها جميعًا الأخوة الصادقة بين البشر التي تجعلهم لا يهملون محرومًا، أو محتاجًا، أو مقعدًا، أو عاطلاً، أو مريضًا، أو راغبًا في العلم ولا يجده)[27].**والإسلام يلتقي في مبادئه العامة مع مقومات العملية الإنتاجية، سواء ما تعلق منها بالتقنية أو ما اتصل منها بالتنظيم، ذلك أن تقنية الإنتاج تتحدد بالعلم والمعرفة، والإسلام يحض على تحصيل العلم، ويستحث على إدراك المعرفة ومصداق ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}[28].**وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ}[29].**ومن البدهي أنه لا يوجد أي تعارض بين العلم والإسلام؛ بل توافق وتلاحم لما فيه خير البشرية، وينبني على ذلك أن عطاء العلم في ميادين الآلة واكتشافاته في ميادين الكهرباء والذرة تتمشى كلها مع روح الإسلام ونصه.**أما الجانب المذهبي من الإنتاج فقد خصه الإسلام بأدق تنظيم، وهو علائق القوى المنتجة فيما بينها، وعلاقة هذه القوى بأدوات الإنتاج، ويبرز ذلك على وجه الخصوص في موقفه من العمل ورأس المال[30].**أما موقفه من العمل فهو نابع من فكرة الاستخلاف في الأرض، لأنها لن تتحقق إلا بالحركة والتغيير والعمل، ومصداق ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [31]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}[32].**ولذلك فإن الإسلام جعل العمل المعيار الأساس في الحياة، فكل مغنم أو مال لا يكون ناتجًا عن جهد بشري فكري أو عضلي يبذل فهو مرفوض[33]، عدا حالات خاصة كالميراث والهبة ومساعدة غير القادرين على العمل والنفقة وما أشبهها، لأن الإنسان المستخلف يثبت بعمله حقيقة وجوده وإنسانيته، ولذلك فإنه حرم عليه التمتع بثمرات أعمال غيره، لأن ذلك يؤدي إلى الاستغلال وتعطيل الطاقات أو نقص العمل وإلحاق أضرار عظيمة بحركة التقدم الحضاري[34].**إن اهتمام الإسلام بخلق المجتمع العامل ينبع أساسًا من قانون اقتصادي ثابت هو: أن الإنتاج لا يتوقف على الرأسمال الممثل في الملكية الفردية فحسب، بل يتوقف كذلك على العمل الإنساني، ولذلك فإنه يبارك العمل في كل وقت، ولا يجعل العبادات عائقة لطلب العمل، فقد قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}[35].**والعمل في عرف المجتمع الإسلامي يعد حقًّا وواجبًا في آن واحد، فهو حق للفرد قبل المجتمع بتوفيره، وواجب عليه أيضًا قبل المجتمع.**وينبني على ذلك التزام المجتمع بتوفير العمل لكل قادر والتزام كل قادر بتقديم العمل إلى المجتمع، فلا مكان في المجتمع المسلم للعاطل جبرًا واختيارًا، لأن كل طاقة إنسانية فاعلة لا بد أن تسخر لخدمة أغراض الإنتاج والتنمية، وتوفير أسباب الارتقاء بها.**وإذا لم يتكاتَفِ المجتمع كله في توفير العمل هذا، أَثِمَتِ الجماعة كلها ممثَّلة في الدولة، لأنَّها قصرت في توفير الجو الملائم؛ لكي يظهر كل إنسان استعداده وقدراته، فيحقق بذلك الأمانة التي كلف بها من لدن خالقه.**عن أنس بن مالك، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: ((أمَا في بيتك شيء؟)) قال: بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب في من الماء، قال: ((ائتني بهما)) قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: ((من يشتري هذين؟)) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: ((من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا!)) قال رجل: ((أن آخذهم بدرهمين))، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: ((اشتر بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به)) فأتاه به، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده، ثم قال له ((اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا))، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع))[36].**إن نظرة الإسلام التي تعد العمل عبادة دافع قوي يدفع الإنسان إلى الإتقان في عمله والإخلاص فيه، ويعد مقصرًا إذا تقاعس أو لم يؤد واجبه على الوجه المطلوب.**وينتهي هذا الجانب الخطير بالمجتمع إلى زيادة الإنتاج المستمر، طالما أن الدافع إليه ينبع من أعماق النفوس المؤمنة التي تعتقد بأنها بعملها ذلك تتقرب إلى الله وتحصل على محبته، وتبتعد عن عقابه.**وأما ما يتعلق برأس المال، فقد أمر الإسلام بالمحافظة عليه وإنمائه ونهى عن إضاعته وتبذيره، وجعل فيه وفي ثماره حقًّا لأصحاب الحاجة والمصالح العامة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}[37]، وقال: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}[38].**وينبني على ذلك أن الإسلام قد وضع الأسس السلوكية التي يتوقف عليها تكوين رأس المال، فاستوجب الامتناع عن تبذيره بالاستهلاك وضرورة إنمائه بالاستثمار.**إن الاقتصاد الإسلامي ليس اقتصاد ترف، صحيح أن الحاجات الاقتصادية تدور بين الضروريات والحاجيات والتحسينيَّات، إلا أنه ليس كل ضروري يتوسع فيه، ولا كل حاجي يتوسع فيه، ولا كل كمالي يتوسَّع فيه، وبذلك يحافظ النظام الإسلامي على ثروة المجتمع من الضياع؛ أي إن الاقتصاد الإسلامي يفترض أنَّ الإنسان لم يُوجَدْ حتَّى يتمتَّع بالطَّيِّبات، وإنَّما التمتع هو وسيلته لإثبات وجوده وأداء مهمته، وبذلك يمكن أن يوصف الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد قناعة؛ لأنه بالاستخدام الأمثل والمخطط للموارد، يقضي الإسلام على خرافة ندرة المواد، فلا تحدث حينئذ مشكلة اقتصادية حقيقية؛ لأن التصرف السليم بالموارد في إطار الاستهلاك الفطري الحقيقي الذي يهيئ الأخلاق الإيمانية هو الطريق الحقيقي للإنتاج الضروري والاستهلاك الرشيد.**إن التدابير الاقتصادية الإسلامية، لا يمكن أن تكون فعالة في مجتمع موجه توجيهًا ماديًّا في ضوء الحضارة الحاضرة، وفلسفاتها وخططها التنموية التي انبثقت منها، وإنما تؤتي تلك التدابير ثمارها حين يوجه المجتمع توجيهًا أخلاقيًّا إسلاميًّا، ويتعرض أبناؤه إلى تربية إيمانية خالصة في ظل عقيدة التوحيد التي تدعو إلى الخضوع الذاتي إلى أمر الله تعالى، لا إلى الأهواء الجشعة، وتجعل من البشر جميعًا إخوة، عبيدًا لله تعالى، لا عبيدًا بعضهم للبعض الآخر، بحيث يأكل بعضهم بعضا بدافع الغرائز الحيوانية البحتة التي لا تعرف الرحمة، ولا تدرك المعاني الإنسانية الرفيعة والأهداف الحقيقية لوجود الإنسان في هذه الأرض.**إن الفرد المسلم إذا تربى في المجتمع على مزاولة الاقتصاد الحلال لا الاقتصاد الحرام، يزدهر على يديه المجتمع، وتكفي الموارد، لأن الحاجات عندئذ لا تعبر عن ضغط الغرائز الحيوانية، وإنما تظهر منسجمة مع الهدف الحقيقي لوجود الإنسان الخليفة في إطار النظام الإلهي العام في الوجود المتمثل بالإسلام الذي يتفرع منه النظام الاقتصادي الإسلامي المتوازن.**هذه هي بعض الملامح العامة لمذهب الاقتصاد الإسلامي المتميز عن باقي الأنظمة الاقتصادية المعروفة اليوم تمام التميز؛ لا بد أن يؤدي عند تطبيقه إلى طريق ثالث للتنمية في المجتمع الإنساني، طريق ليس آليًّا يبغي الربح وحده أو الكفاية الاقتصادية وحدها، وإنما هو طريق إنتاج أخلاقي إنساني يفي بحاجة الإنسان وضروراته، وشيء من كمالياته.**يقول الاقتصادي الفرنسي: "جاك أوستري":**(إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس مَحصورًا في المذهبين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي،**بل هنالك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الاقتصادي الإسلامي)،**ويقول: (إنَّ هذا المذهب سيسود عالم المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة**)[39**].**Ó **إذا كان هذا رأي عالم غير مسلم، فما هو دور المسلم الذي يعمل في مجال قريب من المال، أو لديه من السلطة أو المال ما يساعد على إعلاء كلمة الله في هذا المجال الخطير، الذي عندما سيطر عليه اليهود تملكوا العالم كما نرى، فليكن كل منا في موقعه ممثلاً وسفيرا لهذا الدين و طالبا للعلم الذي يصقل به عمله و يضبط به حركته وتعاملاته المالية المختلفة، ومن ثم نكون قد خرجنا من هذه الأزمة المالية العالمية بخير كبير و الذي يتمثل في معرفة روعة الإقتصاد الإسلامي و الإتجاه العملي لتأسيس مرحلة ريادة هذه النظرية لعالم المال و الأعمال في العالم، ولكن علينا _أولا معرفته بحق، وبالتالي معرفة كيفية الدعوة إليه_......**المراجع:**[1] الزخرف 21، 22، 23. [2] "إرشاد الفحول" ص 81 - 82، الأولى. [3] رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، انظر "نيل الأوطار" للشوكاني: 5/ 232. [4] "الحسبة في الإسلام" ص 35، نقلاً عن كتاب "التسعير في الإسلام" للبشري الشوربي، ط 1393 هـ. [5] "آراء ابن تيمية في الدولة، ومدى تدخلها في المجال الاقتصادي" ص 141، راجع أيضًا "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم: ص 278، ط 1961. [6] "الأموال" ص 298؛ "اشتراكية الإسلام" للسباعي" ص 160، ط2. [7] "الثروة في الإسلام" للبهي الخولي ص 227، ط2، 1391 هـ. [8] "الأموال" لأبي عبيد: ص 298 هـ. [9] "الخراج" لأبي يوسف: ص 33، ط3، 1382 هـ.[10] "الأموال" لأبي عبيد: ص 59.[11] "الأموال" 276 - 277. [12] "الخراج" ليحيى بن آدم، نقلا عن كتاب "الثروة في ظل الإسلام" : ص 93. [13] انظر: 5/ 528، نقلا عن "الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي": 231. ط1 - 1970م. [14] رواه مسلم في صحيحه 3/ 1354، حديث رقم (1728) باب: استحباب المواساة بفضول المال، وأبو داود في سننه 2/ 305 رقم (1663)، وأحمد في مسنده 3/ 34. [15] رواه مسلم: " مختصر صحيح مسلم" للمنذري، ح 423. [16] "مختصر صحيح مسلم"، ح 506. [17] "فتوح البلدان" 33، 34. [18] "التعسف في استعمال حق الملكية" للدكتور سعيد الزهاوي: ص 310، 313، ط1 ، 1375، راجع كذلك: الشاطبي: "الموافقات" 20 - 350. [19] "الأموال": ص358، و"الاعتصام" للشاطبي: 2/ 104. [20] "الملكية في الإسلام" لعلي الخفيف: 1/44؛ و"التعسف في استعمال حق الملكية" ص 548. [21] "التعسف في استعمال حق الملكية": ص 334. [22] "الثروة في الإسلام" 114. [23] الحشر: 7.[24] الشورى: 28. [25] العلق: 6. [26] محاضرة في "الاقتصاد الإسلامي" للدكتور علي عبدالواحد وافي، في مؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقد في الرياض عام 1496 هـ، راجع كذلك "الملكية في الشريعة الإسلامية" للدكتور عبدالسلام العبادي: 1/133 - 204 و2/ 36، 254، 255. [27] "مدخل إلى الاقتصاد الإسلامي" للدكتور عبدالعزيز فهمي هيكل: ص 85. [28] الزمر: 9. [29] المجادلة: 11. [30] "الاقتصاد الإسلامي" للدكتور إبراهيم دسوقي أباظة؛ و"الاقتصاد الإسلامي" للدكتور إبراهيم الطحاوي: 1/ 85، 194، 198. [31] يونس : 14. [32] الملك: 15. [33] في سبيل إثبات هذه الحقيقة راجع "الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي" لمحسن خليل، فقد جمع طائفة كبيرة من أقوال الفقهاء تدل على ذلك: ص 154 - 234، ط1 - بغداد 1982م. [34] "حركة التغيير الاجتماعي" للمؤلف: ص 88. [35] الجمعة: 10. [36] رواه أبو داود في سننه ج2/ 293 رقم (1641)، والترمذي في الجامع باختصار رقم (1218)، وابن ماجه في التجارات رقم (198)، والنسائي في البيوع فيمن يزيد. [37] الإسراء: 26. [38] الإسراء: 29. [39] "النظام الاقتصادي في الإسلام: مبادئه وأهدافه" لأحمد محمد العسال، وفتحي أحمد عبدالكريم : ص 13 - 14، ط2 - مطبعة الاستقامة الكبرى 1977م*



أكثر...
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجريسي: دعم خادم الحرمين الشريفين لميزانية صندوق التنمية الصناعية يعزز حركة التنمية محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-19-2010 04:30 PM
مغسلة ملابس في دبي ( عرض اسعار للعقود ) محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 03-23-2010 02:50 AM
"مصرف أبوظبي الإسلامي" يعتزم رفع حصته في بنك التنمية المصري.. ويحوز رخصة في العراق محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 02-16-2010 05:20 PM
الآن على المنار: حقوق المعارضة في النظام الإسلامي محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 10-05-2009 06:51 AM
هل النظام الإقتصادي الإسلامي له دور في التنمية ، أم هو فقط أسلوب للعقود و التعاملات محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 06-09-2009 12:50 PM


الساعة الآن 10:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML