|
إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...
انضم الينا
#1
| ||
| ||
من أسرارِ الصّلاة لم أر في كلام العلماء أفضـل من تلخيص الإمـام ابن القيم رحمه الله لسرّ أسرار الصلاة إذ قال: ( للعبد بين يدي الله موقفان ، موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه ، فمن قام بحق الموقف الأول ، هـُوِّن عليه الموقف الآخر ، ومن استهان بهذا الموقف ، ولم يوفـّه حقه ، شُّـدّد عليـه ذلك الموقــف ، قال تعالـى : ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ، إنَّ هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا وقال في كتابه العظيم أسرار الصلاة : ( فاعلم أنَّه لا ريب أنَّ الصلاة قـرّة عُيون المحبّين ، و لذّة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذّة نفوس الخاشعين ، و محكّ أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكيـن ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين ) وقال أيضا : ( ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة ، و أشباهها من داخل فيه ، و خارج عنه ، اقتضت تمام رحمته به ، و إحسانه إليه ، أن هيّـأ له مأدبة ، قد جمعت من جميع الألوان ، و التحف ، و الخلع ، و العطايا ، و دعاه إليها كل يوم خمس مرَّات ، و جعل في كلّ لون من ألوان تلك المأدبة ، لذّة ، و منفعة ، و مصلحة ، ووقار لهذا العبد الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ، ليست في اللون الآخر ، لتكمل لذّة عبده في كلّ من ألوان العبودية ، و يُكرمه بكلِّ صنفٍ من أصناف الكرامة ، و يكون كلّ فعل من أفعال تلك العبودية ، مُكفّرا لمذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نوراً خاصا ، فإنَّ الصلاة نورٌ ، و قوّة في قلبه ، و جوارحه ، و سعة في رزقه ، و محبة في العباد له .. فيصدر المدعو من هذه المأدبة ، و قد أشبعه ، و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه ، و ذلك أنَّ قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة ، قد ناله من الجوع ، و القحط و الجذب ، و الظمأ ، و العري ، والسقم ما ناله ، فصدر من عنده ، و قد أغناه ، و أعطاه من الطعام ، و الشراب ، و اللباس ، و التحف ما يغنيه ) وقال رحمه الله : ( و كان سرُّ الصلاة و لُبـُّها إقبال القلب فيها على الله ، و حضوره بكلِّيته بين يديه ، فإذا لم يقبل عليه ، و اشتغل بغيره ، و لهى بحديث نفسه ، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرا من خطاياه ، وزللـه ، مستمطراً سحائب جوده ، و كرمه ، ورحمته ، مستطعما له ما يُقيت قلبه ، ليقوى به على القيام في خدمته ، فلمَّا وصل إلى باب الملك ، و لم يبق إلاّ مناجته له ، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينا ، وشمالاً ، أو ولاّه ظهره ، و اشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك ، و أقلّه عنده قدراً عليه ، فآثره عليه ، و صيَّره قلبة قلبه ، و محلَّ توجهه ، و موضع سرِّه) أ.هـ. والصلاة هي زكاة الوقت ، فكما أنَّ للمال زكاة ، فللعمـر زكاة ، ولهذا كانـت الصلاة هي سـرُّ بركة العمر ، وكلَّما كان العبد معظِّمـا لها ، كانت بركة عمـره أعظـم من غيـره ، وعمله فيه كذلك . ولهذا لاينظر الله تعالى إلى أي عمل من العبد يوم القيامة قبل نظره إلى الصلاة ، فإن صلحت صلح عمله ، وإن فسدت فسد عملُه ، كما لايقبل الصدقة ممن منع الزكاة . ولهذا كانت هـي قرُّة عين النبـيِّ صلـى الله عليه وآلـه وسلـم ، وكان يقــول لبلال ( أ رحنا بها يا بلال ) . هذا .. ومن تأمـَّل في أسرار هذه العبادة العظيمة ، التي هي أعظم العبادات بعد الشهادتين ، وهي ركن الإسلام الأعظم ، لأنهّـا اجتمعت فيها كلُّ معاني العبودية ، من تأمـّل في أسرارها ، واستحضرها أثناء أداء الصلاة ، صارت قـرّة عينه ، وراحـة نفسه ، وغاية أماني روحه. وسرُّ أسرارها أنها لقاء العبـد بربِّه ، وإتصاله بخالقه ، ولهذا ورد في الحديث أنَّ المصلي يناجي ربه ، وورد أن ( الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة مالم يلتفت ) وأنه سبحانه يجيب المصلـّي في قراءة الفاتحة كما سيأتي. وأوّل أسرارها ، أنَّ الإستعداد لها بالتطهّر من الذنوب بالوضوء فالشهادتين بعده ، لتفتح للعبد أبواب الجنة الثمانية ، فيستقبل هذا الإكرام الإلهي العظيم ، بأعظم عبادة وهي الصلاة. ثم يكبـِّر معلنـاً خلع كلِّ ما سوى الله تعالى ، وإلقاءه وراءه ظهره ، إذ لايستحق أي شيءٍ حتـّى أن يخطر على باله ، وهو يقف هذا المقام العظيم بين يدي ملك الملوك . ثم لايبدأ بشيء وهو يقف بين يديْ سيّده ، قبل البراءة من ذنوبه ، وطلب المغفرة من ربّه ، إذ كانت الذنوب هي الحائل بين العبد ، وبين كـلّ خيرٍ ، كما في حديث الإستفتاح ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ..الحديث ) . أو يسبّح الله ، وينزّهه ، ويحمدُه ، ويُثني عليه بأفضل الثناء في الإستفتـاح الآخــَـر ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمـك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ). ثم لمـَّا كان الشيطان أحرص ما يكون على أن يحـول بين العبد ، وبين الإنتفاع من هذا الموقف الجليل الذي هو غذاء الروح ، ودواؤُها ، ورواء النفس ، وشفاؤُها ، أُمـر المصلّي أن يستعيذ في هذا المقام العظيم بالله من الشيطان الرجيـم ، من نفخه ، ونفثه ، ونزغه . ثم أوّل شيءٍ يبدأ بـه بعد البسملة ، أن يقول : الحمد لله رب العالمين ، فيحمد الله تعالى الذي أذن له أن يقف بين يديه ، وهداه إلى هذا الحال ، ورفعه إلى هذا المآل ، فكم من شقيِّ قـد حُرم من هذا الدخول ، وأُبعـد عن هذا الوصول. فإذا قالها : أجابه ربُّه : حمدنـي عبـدي ، ثم إذا قال : الرحمن الرحيم ، أجابه ربُّه : أثنـي عليّ عبدي ، ثم إذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : مجّدني ، فإذا قال : إياك نعبد ، وإياك نستعين ، قال الله تعالى: هذه بيني ، وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذه لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، وأما بقيّة هذه السورة الجليلة ، فهو وصف لصراط الهدى ، ولأهله . ولاريب أنَّ هذا الدعاء : إهدنا الصراط المستقيم ، هو أنفع دعاء مختصر يدعو به العبد مطلقا ، ذلك أنَّه يجمع له الخير كلَّه ، ويصرف عنه الشرَّ كلّه . ثم بعدما يقرأ ما تيسـَّر من القرآن ، قانتـاً لله تعالى ، واقفاً بين يدي ربّه موقف العبد الذليل ، يتلو كلام الله ، ويملأ قلبه من هذا الينبوع الإلهـي ، فيطهّر روحه به ، ويخرج منه وساوس الشيطان ، ورجس الذنوب ، يفعل ذلك ليتهيأ بعده ، لينال أعظم شرف يناله مخلوق في الوجـود . وهو أن يُشِّرفـه الله بالإذن له بالركوع بين يدي ملك الملوك ، فيركع معظّماً لسيده ، ويسبّحه تسبيحا مقرونا بتعظيمه . ثم يرتفع حامداً ربه على أن فضّله بهذه النعمة العظيمة ، وشرّفـه بهذه المنـّة الجليلة ، ويقول : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ، ملء السموات ،وملء الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيءٍ بعـد . ثم بعدما شرفه الله بالركوع ، فحمد الله تعالى عليه ، استحـقّ بالشكر المزيد ، فحينئذٍ يأذن الله تعالى له بالسجـود ، وهو أعظم تقريب للعبد من الله تعالى ، كما في الحديث ( أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد ) ، وهو أجل مقامات العبودية ، ولهذا لما طلب ذلك الصحابيّ من النبيّ أن يرافقه في الجنة ، قال له : أعنّي على نفسك بكثرة السجود ، وفي الحديث : لايسجد العبد لربه سجدة إلاّ رفعه الله بها درجة ، وحطّ عنه بها خطيئة . فيسجد لربّه مسبّحا له في عُلاه ، ولمـَّا كان الساجد في غاية العبودية ، والذلّ ، ناسب أن يسبَّح الله بإسمه الأعلى ، وليتوسَّل بهذا الإسم ليرفعه الله تعالى ، ويُعلي قدره. والسجود هو معراج الرفعة عند الله تعالى ، ولهذا ورد في الحديث ( شرف المؤمن قيام الليل ) ، وإنما يرفع الله تعالى محمداً على الأوّلين ، والآخرين ، في القيامة ، إثـر سجوده تحت العرش ، فيعلّمه الله محامد ، لم يفتح الله بها على أحدٍ سواه ، فيُعطى بذلك المقام المحمود ، الذي يشرفه به على الخلق أجمعين ، وهم جميعا عليه شاهدين ، وقـد نال هذا الشرف العظيم أيضا بسجوده في ليالي الدنيا ، كما قال تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وقال تعالى ( وتقلّبك في الساجـدين ) . ولما كان هذه النعمة الجليلة ، والمنّـة العظيمة ، أعني أن يأذن الله تعالى لعبده الذي هو لاشيء أصلا ، أن يبلغ هذا المبلغ العظيم ، ويصل إلى هذه الحضرة الإلهية الشريفة العليّة ، لما كانت هذه النعمـة لايطيق العبد شكرها ، ناسب أن يستغفر الله تعالى بعدها فيقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي . أي ربّ اغفر لي تقصيري ، وكيف لي أن أكون بهذا القرب منك ومعي ذنوبي ، وإنـّي مهما فعلت ، فلن أطيق شكر هذا التقريب إليك ، وإذنك لي أن أسجـد بين يديك ، مع كثرة خطاياي ، وعظيم ذنوبي ، وتقصيري . ولما كان هذا الموطن من الصلاة ، أعني الجلوس بين السجدتين ، قد إستمد جلالته من وقوعه بين أعظم عبوديتين ، أعني السجدتين ، ناسب أيضا أن يدعو بخير الدنيا والآخرة ، ولهذا علم النبي أحد الصحابة أن يقول في هـذا الموضع : ( رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، واجبرني ، وعافني ، وارزقني ) وقال له : إنّ هذه تجمع لك دنياك ، وآخرتك . وأما تكبيرات الإنتقال ، فسرُّها أنّ حـقّ العبد أن لايتحرّك منه ساكـنٌ ، ولا تطرف له عينٌ ، وهو واقف بين يدي ملك المـلوك ، سيد الأكوان ، ولهذا إذا تحرك من قيامه ليركع ، ناسب أن يجـلّ ربه أن يتحرَّك أيّ حركة بين يديه ، إلاّ بالتعظيم ، والتبجيل ، ولاتكون هذه الحركة إلاّ من القيام الذي هو عبوديـّة القنـوت ، إلى مقام عبودية أجـلّ منه ، وهو الركوع ، ثم إلى السجود أجلّ مقامات العبودية ، أو العودة إلى تكرار هذا الترتـيب . وبهذه الأفعـال تكون الصلاة قد اكتملت ، ولم يبق إلاّ تكرار هذه العبوديات ، وذلك أنَّ الصلاة مثل المائدة التي تحتوي على غذاء القلب ، وشفاء الروح ، فلا بد من أخذهما شيئـاً بعـد شيء ، وتكرارهما ، حتى يعظم انتفاع الروح بهما . يتبــــــــع </B> __DEFINE_LIKE_SHARE__ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |