كلهم خانوك يا مصر...







هؤلاء الذين أصابوا شعبك بحالة انعدام اتزان فيما يخص وطنيتهم، فلم يرفعوا علمك سوى في مباراة كرة القدم، بينما يتقاتلون على رغيف خبز .. أو اسطوانة غاز ..



وهؤلاء الذين لم يحركوا ساكنا ضد أزمات أبنائك في الخارج، حتى غدا المصري وكأنه بلا كبير أو معين أو حامي، لكنهم ـ وبكل جسارة ـ تحركوا الآن، والسبب لأن أبنائهم كانوا وسط أبنائك ..



وأيضا هؤلاء الذين أدركوا في لحظة أن ظهورهم على الشاشات متوقف على وجود حدث رياضي كبير تكون مصر طرفا فيه، كي تأتي الإعلانات، ويُنصب السيرك، وتبدأ الاستوديوهات التحليلية، ويكون سعر الساعة بالدولار، فتشنجوا، وكذبوا، ونافقوا .

خانك الجميع أيتها العجوز الصابرة ..

ولا زلتِ رغم كل آلامك تنتظري أن ينتبهوا إلى أنهم ولدوا من رحم شريف ..

ولم يرضعوا سوى لبن الكرامة والإباء ..

لا زلت تتطلعين إلى أن يكونوا كما كُتب لهم رجال من صُلب رجال ..

لا زالت تنتظرين رؤيتهم في ميادين العلم والفن والأدب والعمل والكفاح ..

لا زلت تنتظرين أهدافهم التي تفوق مجرد هز الشباك..

أراك حزينة وهم يرددون ..

حلم 80 مليون مصري .. ضاع يا بلادي ..

لكنني أتساءل .. ولتسمحي لي أيتها البلد العجوز ..

هل منهم ذلك الأب الذي رأيته قبل يومين يحدث نفسه في الشارع بعدما يأس من توفير حاجيات المدرسة لأبنائه ..؟

هل منهم أهل الدويقة، وأطفال الشوارع ..؟

هل منهم مرضى الفشل الكلوي والكبد الوبائي والسرطان، الذين يعانون من ماء الشرب الملوث، والطعام المسرطن، والهواء الفاسد ..؟

هل منهم من لا يجد في جيبه ثمن كيلو اللحمة فلم يُذقها لأبنائه منذ خمسة أشهر، حيث وصل سعر الكيلو إلى 50 جنية ..؟

هل منهم ذلك الشاب الذي صار في العقد الثالث ولا زال لا يجد ما يكفيه أعباء الزواج ؟.




إن لهؤلاء أحلام أخرى، أبسط وأيسر وأهم وأولى من مباراة كرة قدم ..

هؤلاء البسطاء يا مصر الذين لم يخونوكِ، ولا أظنهم سيفعلونها ..

هؤلاء يا حبيبتي كانوا ينتظرون ثمن الرحلات، والمعسكرات، والمكافآت، كي تنقذ وجع الأبناء، وتكسوا أجسادهم، وتمدهم بالدواء والمطعم والملبس ..

فإلى الله ـ لا سواه ـ الجئي بشكواك يا أمي ..

بقعة ضوء ..




ـ بينما الجميع مشغول بمباراة كرة القدم، حصل الأستاذ محمد فريد عبد الخالق على درجة الدكتوراه بتقدير امتياز، عن رسالته "الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان"،

على أن تطبع على نفقة جامعة القاهرة وتتبادل مع الجامعات الأخرى، وبذلك يكون قد ضرب الرقم القياسي كأكبر طالب يحصل على الدكتوراه في العالم عن عمر 94 عاما !.

أعيد مرة أخرى لأؤكد أن ليس هناك خطأ كتابي ( عن 94 عام)

ما يقارب القرن وطلبه للعلم والمعرفة لم يهدأ أو يستكين ..

هذا هو الفوز الحقيقي الذي يحق لنا أن نفخر ونسعد به ..

وبهؤلاء المخلصين الصابرين العاملين فقط تعلوا الأمم وتنهض ..
بهم .. وفقط ..

منقول
موقع كريم الشاذلى