في ليلة من ليالي دوار الؤلؤة – ميدان الشهداء – الجميلة والتي لا يمكن أن تنسى لأنها ستبقى محفورة في أعماق الذاكرة الجمعية ، دار نقاش حاد بين أصدقائي الجالسين في منتصف الليل على ضوء القمر ، ومن بينهم أحد القادة الكبار في إحدى الجمعيات اليسارية ، وكان محور النقاش هل الجمعيات السياسية المعارضة والتي إلتحقت بثورة 14 فبراير جادة فعلا في تحقيق الملكية الدستورية ؟ كانت إجابة هذا القيادي المحنك نعم ، وهل عندكم شك في ذلك ؟ فأجاب زملائي نعم شكوكنا كبيرة أنكم لن تلتزموا بما تطرحونه من شعارات اليوم في المستقبل القريب ، هكذا علمنا عملكم السياسي على مدى العشر سنوات الماضية ! فما كان من هذا القيادي إلا وأن صرخ في وجوهنا أنكم متعصبون ومتشددون في طرحكم وخبرتكم السياسية محدودة جدا .
من يتابع سير تطور الأحداث لثورة 14 فبراير ويدقق النظر في موقف الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق ، خصوصا في خطابها مع السلطة حول مسألة الحوار ، سيجد أن هناك تراجعا كبيرا في لغة خطابها ومستوى تحركها السياسي . فأين ذهب مثلا شرط إستقالة الحكومة؟ وتشكيل حكومة إنقاذ وطني؟ والإفراج عن جميع المعتقلين وعلى رأسهم الرموز؟ ومحاسبة القتلة والمعذبين؟ ... قبل الدخول في عملية الحوار مع السلطة .
سيقول أحدهم ووثيقة المنامة ألا تملئ عينيك ؟ من وجهة نظري المتواضعة ، وربما يتفق معي الكثيرين أن وثيقة المنامة التي طرحتها الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق لها هدفان أساسيان ، الأول ضمان إمتصاص غضب الجماهير نتيجة الأعمال الوحشية التي إرتكبتها السلطة في حق أغلبية شعب البحرين ، في مقابل ضعف العمل السياسي للجمعيات السياسية المعارضة . والثاني تقليل الفارق في سقف المطالب بين شعار إسقاط النظام الذي وضعته المعارضة الثورية بقيادة حركة 14 فبراير ، وبين شعار الملكية الدستورية الذي رفعته الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق ، ولكي يكون عملهم السياسي مقبولا شعبيا ولو على مضض ومن غير إقتناع تام .
وهنا لابد من طرح مجموعة من الأسئلة لنتأكد من مصداقية وجدية الجمعيات في الإلتزام بوثيقة المنامة . هل الجمعيات المعارضة مستعدة أن تصطدم مع السلطة وأن تضحي وتلتزم بالعناوين الرئيسية في وثيقة المنامة إلى آخر مراحل الصراع مع الحكم الخليفي؟ هل فعلا هذه الجمعيات تتحرك اليوم في عملها السياسي من أجل الوصول إلى حكومة منتخبة يقودها رئيس وزراء منتخب شعبيا؟ هل فعلا تتحرك من أجل تشكيل مجلس تأسيسي ينتج دستورا تعاقديا بين الحاكم والشعب؟ هل فعلا جادة في حل مشكلة التجنيس السياسي؟ هل جادة فعلا ليس في إزالة رئيس الوزراء فحسب ، بل وفي إقالة وزير الدفاع ووزير الداخلية؟ ... .أم أنها تسعى وتعمل من أجل التمهيد للنموذج الكويتي وتطبيقه في البحرين وفرضه على أغلبية جماهير المعارضة تحت مسميات مختلفة ، وبمساعدة الغطاء الشرعي الذي توفره المرجعية الدينية إذا إستعصت الأمور .
كل المؤشرات واضحة أن الجمعيات السياسية بقيادة الوفاق من خلال عملهم السياسي الضعيف لا يسعون عمليا من أجل تحقيق الملكية الدستورية ، بل إلى إصلاحات سياسية لن تذهب إلى أبعد من النموذج الكويتي المتخلف . غير أنهم اليوم بين نارين ، نار السلطة التي لا زالت هادئة معهم! وبين نار الجماهير التي لن ترحمهم لأي تسوية سياسية ضعيفة . لذلك الجمعيات السياسية تلعب على العامل الزمني لعل وعسى يحدث تغير إقليمي كبير يصب في خدمة القضية البحرينية ، أو أن يتغير الموقف الامريكي لصالح المعارضة ، أو أن يستمروا في عملهم السياسي الضعيف في مقابل الاعتماد على جهود وتضحيات المعارضة الثورية ورموزها المغيبة في السجون الخليفية ، إلى أن تحين الظروف المناسبة لتمرير التسوية السياسية المحدودة على جماهير المعارضة ، ويتم فرض واقع سياسي جديد .
__DEFINE_LIKE_SHARE__