|
إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...
انضم الينا
#1
| ||
| ||
للشيخ حسن موسى الصفار من كتاب : علماء الدين، قراءة في الأدوار والمهام الفصل لخامس : أخلاقيات الاختلاف العلمي إذا كان الاختلاف العلمي في القضايا الدينية أمراً لا يمكن تلافيه، إلا أن التعاطي والتعامل مع هذا الأمر يختلف من حالة إلى أخرى، فقد يكون هذا الاختلاف سبباً لاستثارة الأذهان والعقول، وباعثاً لتنشيط حركة الفكر والاجتهاد، وتوسعه على الناس بتعدد الخيارات والحلول أمامهم في بعض المسائل . وقد يتحول هذا الاختلاف العلمي عن مساره الإيجابي ليصبح عنصراً سلبياً، يغذي حالة التفرقة والنزاع، وأرضية تنمو فيها أشواك العداوة والخصام. فلا بد من وجود ضوابط فكرية، وأخلاقيات سلوكية، تحكم تعاطي العلماء فيما بينهم، وخاصة عند مواقع الاختلاف العلمي. والصفحات التالية استعراض وبحث لما بدا لي أنه من أهم الأخلاقيات والضوابط التي تنظم حالة الاختلاف العلمي. الاعتراف بحق الاختلاف ووجود الرأي الآخر. كيف يتكوّن رأي علمّي في أي قضية شرعية عند أي عالم من العلماء فيفتي به ويعتبره رأياً شرعياً وحكماً دينياً ؟ لا شك أن السبيل الوحيد لذلك هو الاجتهاد وإعمال الفكر والنظر، بالرجوع إلى الكتاب والسنة، وبدراسة واستقراء آراء الأئمة، والعلماء السابقين، فالوحي لم ينزل ولا ينزل على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والاجتهاد باب مشرع، وطريق مفتوح لجميع المؤهلين، فلا يمكن لعالم أن يعتبر نفسه الواحد الوحيد الذي يجوز له الاجتهاد. وحينما يمارس أي عالم مهمة الاجتهاد وفق ضوابطها الشرعية، فسيرى نفسه ملزماً بنتائج اجتهاده، باعتبارها تمثل رأي الشرع والدين في نظره. وهذا ينطبق على غيره أيضاً، فكما جاز له هو الاجتهاد، وصح له الالتزام بنتائجه، فذلك جائز وصحيح في حق غيره أيضاً، فلا يمكن التفكيك ولا الترجيح بلا مرجح بينهما. من هنا اتفقت كلمة العلماء على حجّية رأي المجتهد بالنسبة له. ( إن كلمة الإعلام تكاد تتفق على حجية رأيه، المجتهد، ولزوم العمل به، وعدم جواز رجوعه إلى الغير …إذ المجتهد إذا اعمل ملكته وانتهى إلى رأي، فهو إما عالم بالحكم الواقعي علماً وجدانياً أو علماً تعبدياً – بواسطة جعل الشارع للطريقية أو الحجية – أو يكون عالماً بإحدى الوظيفتين الشرعية أو العقلية…ومع فرض حصول العلم لا يبقى مجال للتصرف الشرعي، فلا يمكن أن يقال للمجتهد العالم بالمسألة : إنك لا يسوغ لك أن تعمل بعلمك، وعليك الرجوع إلى الغير واستشارته فيما تراه حاصلاً لديك من الواقع …أما جواز إفتائه على وفق ما وصل إليه من رأي ، فهو أيضاً لا يقتضي أن يكون موضعاً لإشكال، لما تقدم بيانه من أن من لوازم الحجية العقلية جواز نسبة مؤدى ما قامت عليه إلى مصدرها من شارع أو عقل، وليس المراد من الفتوى إلا الإخبار عما يراه من حكم أو وظيفة )(1). ومع وضوح هذه المعادلة عقلاً، وإقرارها شرعا،ً إلا أن البعض من العلماء يتنكر لها، ويتمرد عليها. فيعطي لنفسه الحق أن يجتهد، وأن يعتبر نتاج اجتهاده رأياً شرعياً، ثم ينكر على الآخرين ممارسة هذا الحق، بدعوى أن ما وصل إليه من رأي هو الحق والصواب، وبالتالي فان الرأي المخالف هو باطل وخطأ. ولكن أصحاب الرأي الآخر لديهم نفس القناعة أيضاً، بأن رأيهم هو الحق والصواب، والرأي المخالف هو باطل وخطأ. ولا مجال هنا إلا بالاعتراف بحق الاختلاف، ووجود الرأي الآخر، والخطأ والصواب احتمالان يردان على كل رأي، وقد يكونان نسبيين في بعض الآراء، والله تعالى هو الأعلم بحقائق الأمور والأحكام، وجميل جداً ما تعارف عليه العلماء من إنهاء فتاواهم بعبارة ( والله اعلم ). ويضرب لنا الإمام علي بن أبي طالب أروع مثل في تعامله مع الرأي الآخر، في المسائل الدينية، فهو مع مقامه العلمي الشامخ، الذي لا يطاوله فيه أحد، ومع مكانته العظيمة التي اختص بها عند الله ورسوله، حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )(2). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ![]() إلا أنه حينما تولى الخلافة لم يمنع الناس من صلاة نافلة رمضان جماعة في المسجد، (صلاة التراويح)، بل سمح لهم بذلك مع أنه لا يرى ذلك من الناحية الشرعية، كما هو رأي أئمة أهل البيت جميعاً. فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال : ( لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام، الكوفة، أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام، بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي، صاحوا : واعمراه، واعمراه، فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له : ما هذا الصوت؟ فقال: يا أمير المؤمنين يصيحون : واعمراه، واعمراه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلوا )(4). في رواية أخرى : ( لما كان أمير المؤمنين،عليه السلام، بالكوفة، أتاه الناس فقالوا له: اجعل لنا إماماً يؤمنا في رمضان ، فقال لهم : لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه، فلما أمسوا جعلوا يقولون : ابكوا رمضان، وارمضاناه، فأتى الحارث بن الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك، قال: فقال عند ذلك : دعوهم وما يريدون ليصّل بهم من شاءوا )(5). وروي أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي رجلاً فقال: ما صنعت – يعني في مسألة كانت معروضة للفصل فيها – فقال الرجل : قضى عليّ وزيد بكذا .. فقال عمر: لو كنت أنا لقضيت بكذا .. فقال الرجل : فما يمنعك والأمر إليك؟ قال : لو كنت أردك إلى كتاب الله، أو إلى سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لفعلت، ولكني أردك إلى رأي، والرأي مشترك )(6). وسئل الشيخ ابن تيمية: عمن ولي أمـراً من أمور المسلمين، ومذهبه لا يجوّز ( شركة الأبدان ) فهل يجوز له منع الناس من العمل بها ؟ فأجاب : ليس له منع الناس من مثل ذلك ، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نص من كتاب ، ولا سنة، ولا إجماع ، ولا ما هو في معنى ذلك .(7) وحق الاختلاف ووجود الرأي الآخر مصان، بغض النظر عن قلة أو كثرة أصحابه واتباعه ، يقول الدكتور القرضاوي: ويقول بعض الاخوة : أن الرأي الذي ينفرد به فقيه أو اثنان خلافاً لجمهور الأمة، يجب أن لا يعتد به ولا يعول عليه. وقال غيرهم : إن ما خالف المذاهب الأربعة التي تلقتها الأمة بالقبول، يجب أن يرفض ولا يقام له اعتبار. والحق أن هذا كله لا يقوم عليه دليل من كتاب أو سنة. فالإجماع الذي هو حجة – على ما قيل فيه – هو اتفاق جميع المجتهدين على حكم شرعي، ولم يقل أحد: انه اتفاق الأكثرية، أو الجمهور، فالأمر ليس أمر تصويت بالعدد. صحيح أن لرأي الجمهور وزناً يجعلنا نمعن النظر فيما خالفه ، ولا نخرج عنه إلا لاعتبارات أقوى منه، ولكنه ليس معصوماً على كل حال. وكم من صحابي انفرد عن سائر الصحابة برأي لم يوافق عليه سائرهم، ولا يضره ذلك . وكم من فقهاء التابعين من كان له رأي خالفه آراء الآخرين، ولم يسقط ذلك قوله، فالمدار على الحجة لا على الكثرة. وكم من الأئمة الأربعة من انفرد عن الثلاثة بآراء وأقوال، مضى عليها اتباع مذهبه مؤيدين ومصححين. ومذهب أحمد بن حنبل وهـو المذهب المشهور باتبـاع الأثـر قـد عرف بـ ( مفرداته ) التي نظمها من نظم ، ألف فيها من ألف، وغدا من المعروف المألوف أن يقرأ الباحث فيه هذه العبارة: (وهذا من مفردات المذهب). والمذاهب الأربعة، على مالها من اعتبار وتقدير لدى جمهور الأمة، ليست حجة في دين الله، إنما الحجة ما تستند إليه من أدلة شرعية ، منقولة أو معقولة . وما يقال عن بعض الآراء : إنها شادة أو مهجورة أو ضعيفة، فهذا لا يؤخذ على إطلاقه وعمومه ، فكم من رأي مهجور اصبح مشهوراً، وكم من قول ضعيف في عصر جاء من قواه ونصره، وكم من قول شاذ في وقت هيأ الله له من عرف به وصححه وأقام عليه الأدلة، حتى غدا هو عمدة الفتوى(8). وجميل جداً ما ينقل عن الإمام الشافعي انه قال : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب )(9). الاطلاع والانفتاح على الرأي الآخر المهمة الأساس والغاية الكبرى لرجل الدين، هي معرفة الحقائق الدينية والأحكام الشرعية، على حقيقتها وواقعها. والآراء العلمية المختلفة في أي مسألة اعتقادية أو فقهية، إنما هي احتمالات وأوجه لتلك المسألة، فقد يكون أحد تلك الآراء مصيباً لها بشكل كامل، أو بشكل نسبي . ومن اجل أن يتأكد العالم من صحة اجتهاده، وصوابّية رأيه، لا بد له من الاطلاع على جميع الاحتمالات والوجوه الواردة في الموضوع. يقول العلامة الشاطبي في كتابه الموافقات: (فعن قتادة: من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه. (وعن هشام بن عبيد الله الرازي: من لم يعرف اختلاف القراءة فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه. ( وعن عطاء: لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالماً باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك ردّ من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه. (وعن مالك: لا تجوز الفتيا إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه)(10) ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل : ( لا ينبغي لأحد أن يفتي إلا أن يعرف أقاويل العلماء في الفتاوي الشرعية، ويعرف مذاهبهم.. ) مثل هذا ما رواه ابن القيم عن رواية ابن حنبل : ( ينبغي لمن أفتى أن يكون عالماً بقول من تقـدم وإلا فلا يفتي )(11). وتبعاً لاهتمام علماء السلف بالاطلاع على مختلف الآراء، ودراستها ومناقشتها، تكوّن علم جديد أطلق عليه ( الفقه المقارن ) أو ( علم الخلاف ) وعرفوه بأنه ( علم يقتدر به على حفظ الأحكام الفرعية المختلف فيها بين الأئمة أو هدمها بتقرير الحجج الشرعية وقوادح الأدلة )(12). وأصبحت لدينا مكتبة علمية، تزخر بالمؤلفات والمصنفات المتخصصة في نقل الآراء المتعددة والمختلفة، في موضوع بعينه أو في جميع أبواب الفقـه ، ككتـاب ( اختلاف الفقهاء الكبير والصغير) لأحمد بن نصر المروزي، وكتاب ( الاختلاف في الفقه ) لأبي يحي زكريا الساجي، وكتاب (اختلاف الفقهاء ) للإمام محمد بن جرير الطبري . وللشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( 385-460هـ ) موسوعة هامة تقع في ثلاثة مجلدات، بعنوان ( كتاب الاختلاف ) طبع أخيراً طبعة جديدة محققة من قبل مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين في قم سنة 1407هـ . كما إن الاطلاع والانفتاح على الرأي الآخر، يتيح للعالم فرصة الدراسة والتقويم لذلك الرأي ولمستند صاحبه وأدلته، فيكون موقفه من الرأي الآخر معتمداً على المعرفة والدراية. وهذا يستدعي أن يكون التعرف على الرأي الآخر من مصادره الصحيحة والأساسية، لا أن يؤخذ من الإشاعات والتقولات غير الموثقة ، أو من الجهات المضادة والمناوئة. فمما يؤسف له اعتماد البعض من العلماء، في تقويمه وانطباعاته عن الآخرين المخالفين له في الرأي والتوجه، على ما يقوله المعادون لهم ، كما هو ملحوظ في الكثير من كتب الجدل المذهبي والنزاع الطائفي. ملحوظة على كتاب: قبل أيام كنت أطالع في الجزء السابع من كتاب ( الفقه الإسلامي وأدلته ) للدكتور وهبة الزحيلي، رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في جامعة دمشق ، حول مسألة فقهية من مسائل كتاب النكاح، الفصل الثالث، المحرمات من النساء أو الانكحة المحرمة ، ولفت نظري عند ذكره لحرمة المرأة الخامسة لمتزوج بأربع سواها قوله: ( لا يجوز للرجل في مذهب أهل السنة أن يتزوج اكثر من أربع زوجات في عصمته في وقت واحد، ولو في عدة مطلقة ) إلى أن يقول : ( وذهب الظاهرية والإمامية إلى انه يجوز للرجل أن يتزوج تسعاً ، آخذاً بظاهر الآية : { مثنى وثلاث ورباع} فالواو للجمع لا للتخيير ، أي يكون المجموع تسعة )(13). وما نسبه الدكتور الزحيلي إلى الشيعة في هذه المسألة، هو نموذج للاعتماد على النقولات والإشاعات، دون الرجوع إلى مصادر الجهة ذاتها. فمصادر الشيعة في التفسير والحديث والفقه، مجمعة على عدم جواز الزواج من اكثر من أربع زوجات بالزواج الدائم في وقت واحد كما هو رأي أهل السنة. فمن اقدم التفاسير الشيعية جاء في ( التبيان في تفسير القرآن ) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي (385-460)، ما يلي: (ومن استدل بهذه الآية مثنى وثلاث ورباع على أن نكاح التسع جائز فقد أخطأ لأن ذلك خلاف الإجماع ... فتقدير الآية {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث)، فثلاث بدل من مثنى، ورباع بدل من ثلاث}(14). وجاء في ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، ما يلي : ( وقوله: ( مثنى وثلاث ورباع ) : معناها اثنتين اثنتين ، وثلاثاً ثلاثا ، وأربعاً أربعا ، فلا يقال إن هذا يؤدي إلى جواز نكاح التسع، فان اثنتين وثلاثة وأربعة تسعة ، لما ذكرناه، فان من قال دخل القوم البلد مثنى ، وثلاث ، ورباع ، لا يقتضي اجتماع الأعداد في الدخول ، ولأن لهذا العدد لفظاً موضوعاً ، وهو تسع ، فالعدول عنه إلى مثنى وثلاث ورباع نوع من العي ، جلّ كلامه عن ذلك وتقدس )(15). والى أواخر التفاسير الشيعية حيث جاء في ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ) للشيخ ناصر مكارم الشيـرازي ما يلي : ( ولا بـد مـن التنـبيه إلى أن ( الواو ) هنا أتت بمعنى ( أو ) فليس معنى هذه الجملة هو انه يجوز لكم أن تتزوجوا باثنتين وثلاث وأربع ليكون المجموع تسع زوجات، لأن المراد لو كان هذا لوجب أن يذكر بصراحة فيقول : وانكحوا تسعاً ، لا أن يذكره بهذه الصورة المتقطعة المبهمة، هذا مضافاً إلى أن حرمة الزواج بأكثر من أربع نسوة من ضروريات الفقه الإسلامي ، وأحكامه القطعية المسلمة )(16). ومصادر الفقه الشيعية أيضاً كلها تنص على ذلك ، فمن أين أتى الدكتور الزحيلي بهذه النسبة للشيعة؟ فهو لم ينسبها إلى مصدر محدد، ولم يقل : إن عالماً معيناً من الإمامية يقول بذلك ، بل نسبها للإمامية بأجمعهم، وأرسل النسبة إرسال المسلمات ، وحينما راجعت كشف المصادر التي اعتمدها للفقه الشيعي والمذكورة في المجلد الأخير ، وجدت أنها أربعة مصادر هي ( الكافي للكليني ) وهو كتاب حديث لا فقه و ( المختصر النافع في فقه الإمامية ) و ( الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ) و ( مفتاح الكرامة) للحسيني العاملي، وبالرجوع إلى هذه المصادر الأربعة تبّين لي عدم وجود ما يدل على تلك النسبة إلى الشيعة فيها. ومرة أخرى أتساءل من أين جاء الدكتور الزحيلي بهذه المسألة، ولا أثر لها في مصادر الشيعة؟ مع انه قد ذكر في تقديم الكتاب حول منهج الكتـاب ما يلـي : ( وهو ليس كتاباً مذهبياً محـدوداً، وإنما هو فقـه مقارن بيـن المذاهب الأربعـة ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ) وبعض المذاهب الأخرى أحياناً، بالاعتماد الدقيق في تحقيق كل مذهب على مؤلفاته الموثوقة لديه، والإحالة على المصادر المعتمدة عند اتباعه ، لان نقل حكم مذهب من كتب المذهب الأخرى لا يخلو من الوقوع في غلط في بيان الرأي الراجح المقرر، وقد عثرت على أمثلة كثيرة من هذا النوع)(17). آمل أن يكون ذلك خطأ غير مكرر في موارد أخرى، وأنه قد حدث عن غفلة، كما ينبغي تصحيحه في الطبعات الجديدة للكتاب إن شاء الله . الحوار مع الطرف الآخر :ٍ للحوار دور كبير في توضيح صورة كل طرف أمام الطرف الآخر، وفي استجلاء حقيقة رأيه، وفهم أدلته ومستنداته ، كما قد يسهم في تجاوز الحساسيات والحواجز النفسية. والمشكلة التي يعاني منها الكثير من علماء الدين، هي تحّول الاختلاف في الرأي بينهم فوراً إلى موقف نفسي وشخصي، يبدأ بإساءة الظن في الطرف الآخر، وان رأيه نابع من الجهل أو المصلحة، وانه يتعمد الخطأ و مخالفة الحق. ثم يرّتب على ذلك موقف المقاطعة له، وهجره باعتباره مبتدعاً منحرفاً . وإني لأتعجب كثيراً من تسرّع بعض العلماء الأجلاّء في اتهام أقرانهم بالبدعة والانحراف، والتحرج عن التعاطي معهم، حتى في حدود المجاملات والعلاقات الإنسانية، لا لشيء إلا لأنهم يختلفون معهم في الرأي. وفي كتاب ( فـرائد الأصول ) للشيـخ مرتضى الأنصـاري والمعـروف بـ ( الرسائل ) وهو من الكتب التي تدرس في الحوزات العلمية الشيعية في مجال علم الأصول، ضمن مناهج السطوح العالية وردت قصة غريبة في هذا السياق، وقفت عندها طويلاً أيام دراستي للكتاب مناقشاً لأستاذي حولها، وكان عالماً جليلا فاضل الخلق، حاول تبريرها لكن دون جدوى. تقول القصة : ( حكى السيد المحدّث الجزائري عمن يثق به: أنه قد زار السيد صاحب المدارك ( السيد محمد بن علي الموسوي العاملي صاحب كتاب مدارك الأحكام)، (946-1009هـ ) المشهد الغروي ( النجف الأشرف في العراق ) فزاره العلماء وزارهم، إلا المولى عبد الله التستري، فقيل للسيد في ذلك، فاعتذر بأنه لا يرى العمل بأخبار الآحاد، فهو مبدع، ونقل في ذلك رواية مضمونها: إن من زار مبدعاً فقد خرب الدين )(18). والشيخ عبد الله التستري مرجع وفقيه بارز في عصره، وهو قد بادر لزيارة السيد محمد صاحب المدارك، لكنه لم يرد عليه الزيارة كما فعل مع العلماء الآخرين الذين زاروه، لأنه يستشكل شرعاً في زيارته ويعتبره مبدعاً لأن رأيه العلمي عدم الاعتماد على الأخبار غير المتواترة والتي يرويها الآحاد!! واعجب من ذلك ما قرأته في حياة الشيخ ملا محمد تقي بن محمد البرغاني القزويني، من كبار علماء قزوين في إيران، وكان عالماً فقيهاً واعظاً عابداً، جاء في ترجمته ( إنه يحضر مجلس وعظه كثير من العلماء والطلاب ويكتبون ما يعظ به، وكان كثير العبادة حتى انه كان يذهب إلى مسجده عند منتصف الليل ويبقى حتى طلوع الفجر الصادق، مشتغلاً بالمناجاة والأدعية والتضرع والأنين والتولول والبكاء والتأوه، ويقرأ المناجاة الخمسة عشر غيباً )(19) وقد استشهد على يد البابية البهائية . هذا العالم كان مختلفاً مع الشيخ أحمد زين الدين الاحسائي، ( 1166-1241هـ ) والذي سافر إلى قزوين فالتف حوله جمع من العلماء، وذاعت شهرته وصيته هناك، وفي العديد من مناطق إيران. يتبع __DEFINE_LIKE_SHARE__ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
![]() | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أخلاقيات الاختلاف العلمي | محروم.كوم | منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية | 0 | 06-17-2012 05:10 AM |
وزارة الثقافة تنظم 16 محاضرة للتدريب على أخلاقيات "السنع" | دلــــــــوعة الامارات | اخبار محلية و عالمية | 3 | 06-05-2011 06:26 PM |
الاختلاف سنة | محروم.كوم | منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية | 0 | 12-30-2009 11:10 PM |
إغلاق 6 عيادات وإيقاف طبيبين لمخالفة أخلاقيات المهنة | أمير الحزن | اخبار محلية و عالمية | 16 | 06-21-2008 09:01 PM |