طوق الكرامة.. بدعة؟

[محروم.كوم]

بسم الله الرحمن الرحيم

يعترض البعض على طرح مصطلح "التأصيل" والدعوة له في الجانب السياسي والاجتماعي وغيرهما ظنًا منه بأن (التأصيل) يعني الانغلاق عن الثقافات الأخرى وعدم الاستفادة من التجارب البشرية التي قام بها غير أولياء الله (1)، ليظنَّ -ربما- بأنّ مؤدّى ذلك هو أنّ من يعتقد بـ(التأصيل) يعتقد بأنّ الاستفادة من التجارب البشرية أمرٌ باطلٌ أو مَرجوح أو أنه مِمَّن يعتقدون بأن كل ممارسة إن لم تَرِد في الكتاب وسنة الأطهار (ص) فهي (بدعة)؛ لأنه يحصر مَنبع منهجه في هذين الثقلين!

وبلا شك، مثل هذه الفكرة تكشف عن فهمٍ خاطئٍ للمُصطلح وما يرمي له، فالإسلام لا يرفض الاستفادة من التجارب البشرية المتنوعة مهما كانت عقيدة المجرِّب ودينه شرطَ أن لا يكون في هذه الاستفادة ما يُخالف تعاليم الدين وأحكامه، فلا مانع من الاستفادة من التقدّم في المجالات العلمية المختلفة كالكيمياء -مثلاً- كما لا مانع من الاستفادة من أساليب الاحتجاج السياسي أو ما شابهه كما فعلنا في ثورتنا (ثورة اللؤلؤ) فاستفدنا من تجارب مختلفة في الاحتجاج السلمي، ولا مانع حتى من الابتكار والإبداع في ذلك كما فعلنا فكانت فكرة "طوق الكرامة" مثلاً.


أما ما يعنيه المصطلح تحديدًا، فأستطيع أن أقول أنه "حضور المذهب الإسلامي (2) في الحياة بمختلف مجالاتها وجوانبها ارتكازًا على القرآن وسنة محمدٍ وآل محمد صلوات الله عليهم"، و هذا يعني أن يكون أساس سلوكنا وممارساتنا نابعين من الدين ومحكومين به وبقيَمه وحدوده، فحينما نلجأ للـ(السلمية) كخيارٍ في الاحتجاج -مثلاً- لا نلجأ لها لأن المصلحة السياسية حسب رؤية هذا المُفكِّر أو ذاك الناشط تقضي بها، بل لأن الإسلام أمرنا بها و رغَّبنا فيها و منعنا عن الخروج عنها إلا بحدودٍ حدَّدها، بل و حتى في ممارستها له فيها ضوابط و حدود، و هكذا في المبادئ و القيَم و الممارسات الأخرى.

هذا التأصيل لو حصل بالدرجة اللازمة فسيجعل سلوكنا الثوري -و غيره- أكثر رُشدًا و نُضجًا واتِّزانًا مِمَّا هو عليه الآن، على مبادئنا و نهجنا أكثر ثباتًا، و من نصرنا أكثر قربًا.


-----------------------------------------------------------------
(1) آتي بهذا التعبير قاصدًا الأنبياء والرسل (ع) و أهل البيت (ص) و العلماء طلبًا للاختصار.
(2) كما يُعبِّر الشيخ عيسى قاسم، هنالك فرقٌ "بين علم السياسة والمذهب السّياسي، وكذلك بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي، وعلم الاجتماع والمذهب الاجتماعي. فالعلم الخاصّ مجموعة من القوانين، والروابط العليّة والمعلوليّة الواقعيّة التي تُوصل إلى نتائج معيّنة مما لا ربط له بقيم ولا معاييرَ خُلُقيَّة، ولا كلام للدِّين فيها-هذه الروابط من خلق الله عزّ وجلّ، ولكنّ الدين بما هو دين لا يتحدث عن روابط العليّة بين كذا ذرة من الأكسجين وكذا ذرة من الهيدروجين لإنتاج الماء، لا يتحدث عن ظاهرة التمدد وعلة الحرارة-، أمّا مثل المذهب السياسي فيرتبط بقضية العدل والظلم، وما ينبغي وما لا ينبغي، وما يقرّه الضّمير وما لا يقرّه، وما أَذِن الله به وما لم يأذن، وما يحقّ للفرد والمجتمع وما لا يحقّ، وما يمكن أن يُتصرّف فيه من شأن الغير وما لا يُمكن أن يُتصرف فيه". هذه وصلة الخطبة التي جاء فيها هذا الكلام:
http://albayan.org/modules.php?name=...rticle&sid=690

طبعًا هذا المعنى لا يعني عدم ورود حقائق علمية في القرآن و لا يعني جَهل أهل البيت (ع) بهذه العلوم و مجالاتها مهما تنوّعت، و هذا موضوعٌ آخر بنظري و إن كانت هنالك علاقةٌ هامةٌ بين الأمرَين.

__DEFINE_LIKE_SHARE__