لَبَّيْكَ يَا فَقيِهُ؟!.. ليْتَهَا لَمْ تَكُن يَا فَقِيهُ

[محروم.كوم]

لستُ أناقش التحول الذي أعلنه سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (دام عزه) في خطبة الجمعة اليوم 26 صفر 1433هـ عندما قال: “من وجدتموه يعتدي على عِرض فتاة مؤمنة فاسحقوه، نعم اسحقوه..”، كما وأنني لستُ بصدد تحليل التصعيد في خطاب المعارضة السياسية وخصوصًا جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فلهذا مقام قد طرقت بابه أكثر من مرة في مقالات سابقة، أما في هذه السطور فَهَمِّي ليس سياسيًا ولا ثوريًا وإن كان معنيًا على نحو المقدمات لهذا ولذاك.. إنه على جهتين، الأولى: تغليب التبعية على العقلانية، والثانية: سيطرة العقلية التبريرية. ولأبدأ بمقدمة:
دار الحديث كثيرًا حول الخطبة 27 من خطب نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام) والتي يستنهض فيها همم المسلمين للجهاد ورد المعتدي بكلام بليغ قالبه البيان وروحه الحجة، فقال فيما قال:
“أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرِّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمْ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْإِلاَّ ذَلُّوا.
فَتَواكَلْتُمْوَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الأوْطَانُ. وَهـذَا أَخُو غَامِد وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا، وَقُلْبَهَا، وَقَلاَئِدِهَا وَرُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِوَالاِسْتِرْحَامِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَموفورين مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ; فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هـذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً; فَيَا عَجَباً! وَاللهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِن اجْتِمَاعِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَن حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاًيُرْمى يُغَارُ
عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْنَ..”
هذا كلام لا يفهمه غير الفقيه.. إنه كلام جاء لموضوع قد شخصه أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتشخيص اليوم مختلف.. هو كلام يبين خطأ الدعوة لرد المعتدي؛ فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الإمام المعصوم مفترض الطاعة لم يجتمع حوله إلا نفر قليل، وبالتالي فإن الدعوة اليوم إنما هي مخالفة صريحة لما تستبطنه الخطبة..!!
لماذا كان هذا الالتفاف على حديث بَيِّنٍ لا يحتمل قسمة على أكثر من واحد صحيح؟
لأن (القيادة) الدينية والسياسية في البحرين كانت تصرح وتصر على أمر مختلف، وهو السلمية المطلقة، وأعني الإطلاق الحقيقي بالـ (المطلقة)..!! لن نختلف كثيرًا هنا، ولكن على الأخوة الذين لا يملكون الاستعداد للتحرك حتى في مجال المسلمات إلا بإذن القيادة السياسية أن يفصحوا عن أنهم هكذا، وأنهم بشكل صريح يقومون في فكرهم على ثقافة اتباع (الفقيه) في التشخيص الموضوعي كما اتباعهم له في الأحكام، وحينها عليهم ألا يدافعوا عن أي موقف يتخذونه اتباعًا (للقيادة)، لأنه وبكل وضوح لا يمثل رأيهم ولا هو موقفهم الواقعي، ومن العيب أن يدافع أحد وببسالة عن رأي الغير لمجرد أنه يتبعه ويقدس شخصه، أما أن يكون منه هذا وفي أقل من لحظة يغير رأيه تمامًا مرددًا (لبيك يا فقيه) في إعلان عن تبني الرأي الجديد الذي كان يحاربه بالأمس!! أي فكر هذا الذي يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بين لحظة وضحاها؟؟

منذ أن طُرِحَ عنوان (الدفاع المقدس) وأنه دفاع عن العرض والشرف، واستدل عليه بأيات قرآنية وآحاديث عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) ونحن لم نسمع من الأخوة الأكارم في التيار الجماهيري العريض لجميعة الوفاق الوطني الإسلامية واحدًا يهتف بـ (لبيك يا قرآن، أو لبيك يا أمير المؤمنين،..)، هذا وبالرغم من أن الآيات صريحة ونص في ما توجه إليه من أحكام، وكذلك الأحاديث.. أما اليوم وبمجرد أن أعلن سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (دام عزه) بـ “اسحقوه” حتى ماج جامع الإمام الصادق (عليه السلام) في الدراز بشعار (لبيك يا فقيه)!!
فليكن مني الأمر واضحًا..
الالتفاف حول العلماء أمر لا نساوم عليه ولا نناقش أصلًا، وذلك لوفرة الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الخصوص، كما وأن تقدير العمامة وإعطاءها المكانة الخاصة (ابتداءًا) أمر لا يمكن تجاوزه على الإطلاق، فهذه هي ثقافتنا ومبانينا الثابتة بنصوص قرآنية وعتروية واضحة، إلا أن كل هذا لا يعني لا من قريب ولا من بعيد أن يعطل الإنسان عقله ويجمد فكره لصالح ما تقوله العمامة حتى لو كانت لمرجع دين يتفق الثقلان على أعلميته؛ حيث إن اتباع الفقيه والالتفاف حول علماء الدين مقيد بآيات الضرورة الإنسانية للتفكر والتعقل والتدبر الذاتي وليس عن طريق الغير.
عندما قلتُ بأنني بوارد مناقشة شأن سياسي أو ثوري فلأنني أنظر إلى موضوع المقال على أنه حالة ثقافية بامتياز أعلم جيدًا بأنها تنذر بخطر كبير إن لم يتم تداركها بهدوء وبدون أي عصبية أو تعصب فإنها تعيدنا إلى الوراء حتمًا حتى لو نال الشعب مطالبه كاملة ووفقًا لأعلى سقف؛ فالذي أوصلنا لما نحن فيه اليوم من استبداد وانتهاكات امتدت لقرون طويلة هو تراكم مجموعة من الثقافات المغلوطة تارة والفاسدة تارة أخرى.
ومن هنا أفرغ ذمتي بنصيحة صادقة لأبناء جلدتي:
ليس من مذهب وليس من مدرسة فكرية تتسم بأعلى درجات الانفتاح المتعقل كمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فلا تسمحوا لأنفسكم بغير الانفتاح الحر على القرآن الكريم والسيرة المباركة لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) مع الرجوع للعلماء
الأخيار كموجهين ومرشدين جعلهم كذلك القائد المعظم إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، ولا تشكوا قيد أنملة في قدراتكم على القراءة الجيدة والتدبر المتزن، ولا تخافوا من الوقوع في الخطأ أبدًا؛ فالخطأ وإن كان في بعض الأحيان ثقيلًا، إلا أنه مقدمة للصواب.. اخرجوا من إطار الصنمية القاتلة وحلقوا في سماء الفكر الوقاد، وهذا في حقيقته ما يطلبه أكابر علمائنا (رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقين بعينه التي لا تنام).

أكرر: سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (دام عزه) رمز لا نقبل الاقتراب منه بسوء على الإطلاق، وكذلك باقي العلماء الأخيار في البحرين، وهذا موضوع مختلف جدًا عما طرحته في هذه السطور، لذا فإن من يحاول توجيه كلامي على غير وجهه فهو إما مشتبه جدًا، أو أنه من مثيري الفتن.
السيدمحمد علي العلوي
26 صفر 1433هـ
20 يناير 2012م
الربط : http://www.alghadeer-voice.com/alawi/?p=2238 __DEFINE_LIKE_SHARE__