الوَسم بالتطرف

[محروم.كوم]

بسم الله الرحمن الرحيم

حول الاختلاف في ثورة اللؤلؤ (2-3)
الوَسم بالتطرف

خرجت قبل فترة و لمرتين تصريحات لإحدى الشخصيات المعارضة و قبله كذا بيانٌ لجمعيةٍ أخرى يتحالف معها الفصيل الذي تنتمي له هذه الشخصية، و يوصَف في التصريحَين و البيان أطرافٌ أو شخصياتٌ من المعارضة السياسية في البحرين بـ"التطرف"، بيان تلك الجمعية قامت هي نفسُها بنشره و كان صريحًا و واضحًا، أما تصريحا تلك الشخصية فبرغم سعيي للتأكد من ورودهما على لسان تلك الشخصية حرفيًا إلا أنني لم أتمكّن من ذلك حتى الآن.

و السؤال هنا هو: ما الداعي لنَعت أطرافٍ أو أشخاصٍ في المعارضة بـ"التطرُّف"؟ هل الداعي لذلك ارتفاع سقف المطلب؟ أوليس ارتفاع السقف له مُبرِّرٌ واقعي و هو مسئولية حمد بن عيسى عن الانتهاكات و هذا ما نُقِرُّه أجمعين، و لذا قال أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان في برنامج حديث المنامة: "و الاستجابة ليست استجابة زين العابدين، قبل ليلة، اليوم عرفت، اليوم فهمت، و أنا عبّرت: أرجو -وقلتها بصريح العبارة- أرجو أن يفهم جلالة الملك مبكرًا، أرجو أن تفهم السلطة عندنا حاجات الناس مبكرًا"(1) و كرَّر سماحته هذا المعنى لأكثر من مرة قبل الثورة و أثناءها، و في ذات الاتجاه كان كلام أمين عام وعد الأستاذ إبراهيم شريف في الاتصال الذي أجرته معه قناة العالم بعد الهجوم على الدوار(2) فبعد أن أكَّد صمود الشعب و ثباته أكّد أن الحكم ليس دائمًا لـ"آل خليفة" و أنه سينتهي في يومٍ من الأيام، و في ذا وضوحٌ في تحميل "النظام الخليفي" مسئولية ما حدث، و لا يبدو ذلك أجنبيًا على حديث الجمعيات الموجه للنظام الذي تضمنه بيانها الذي أصدرته في اعتصامها المتضامن مع الثورة المصرية قبل ثورة اللؤلؤ بأيام معدودة، و الحال نفسه مع تأكيد آية الله الشيخ عيسى قاسم (دام ظله) مرارًا على أن تضحيات الشعوب ترفع من سقف مطالبها و "أنّ ما يُمتنع عن إعطائه للشعوب اليوم لا ترتضيه غداً على مضاعفته"(3)، و لا تغيب عن الأذهان إشارة سلمان للانتقال إلى ما أسماها "الطريقة الفرنسية" عند تعذَّر التغيير بـ"الطريقة البريطانية"(4).

أم أنَّ الداعي هو تصعيد التكتيك السياسي؟ أوليست تعديات السلطة دائمةً بل يومية!! فهل يُمنَع علينا السير إلا في وتيرةٍ واحدة؟ في حين لا يملُّ النظام من انتهاكاته و محاولات الالتفاف و الغدر بهذا الشعب و صمِّ الآذان عنه؟ هل يُمنع بعضنا من تكتيكات بعضها تأتي لاستمرار الحكومة و بطشها و بعضها الآخر مبنيٌ بشكلٍ خاص على سقف مطلبٍ هي تتبناه؟(5) هل الاختلاف في تشخيص ردة الفعل المناسبة ممنوع؟ أم أن البديهي إتاحته في الحدود التي يُتيحها الدين و العقل؟(6)


أم أن الأمر كامنٌ في التصعيد الميداني المُتَّبع؟ و كل الشعب و رموزه و فصائله القيادية المناهضة للسلطة متفقةٌ عمومًا على الحق في التظاهر السلمي و عدم جواز تعدّي السلطة وقمعها لهذا التظاهر، و الكل متفقون على سلمية الحركة، و لم يخرج أحدٌ عن إطار السلمية هذه إلا في بعض ما كان لردع المعتدي على المقدسات و الحرمات -هذا إن اعتبرنا ما كان خروجًا عن النهج السلمي-، و رغم ذلك كانت الأدوات المستخدمة غايةً في البساطة!!(7)

شخصيًا، لا أجِد مُبرِّرًا واقعيًا لهذا النعت! نعم من الممكن أن أتفهَّم وَسم بعضنا بـ"الشدة"، و قد نبتعد عن "اللين" و نتجه لـ"الشدة" في التعامل مع النِد، بل قد تكون "الشدة" هي الغالبة على سلوكنا مع النِد أو الخصم، أما "التطرف" و هو التعبير الذي يأتي في قِبال "الاعتدال" أو "الوسطية" فلم أجِد حتى الآن ما يُبرِّر استخدامه! و في الوقت الذي أقف فيه معترضًا على تخوين المؤمنين(8) و الكلام عنهم بما لا يليق، فإنني كذلك أعترض على نعت مؤمنين آخرين بما لا يصُح و لا يليق.


----------------------------------------------------------
(1) برنامج جمع الشيخ علي سلمان كممثلٍ للمعارضة و الدكتور صلاح علي كممثل لـ"الموالاة" أو كما يُحب كممثل لـ"المُكوِّن الآخر"، بثّته قناة الجزيرة مباشر في مساء 10 من مارس الماضي تقريبًا، و المقطع الذي أعنيه موجودٌ في هذه الوصلة:


(2) أظنُّه كان بعد الهجوم الأول أي في يوم الخميس الدامي الموافق 17 فبراير 2011م.
(3) كرّر سماحة الشيخ هذا المضمون مرارًا، و الكلمات أعلاه مقتبسة نصًا من خطبة الجمعة في 11 فبراير 2011م، أي قبل الثورة بـ3 أيام، و هنا نص الخطبة و صوتها كاملَين:
http://albayan.org/modules.php?name=...rticle&sid=698
(4) يقصد سماحة الشيخ بـ"الطريقة البريطانية": التغيير بالوصول للحرية دون إسقاط النظام الحاكم فتكون النتيجة -مثلاً- مملكة دستورية كما في المملكة المتحدة بريطانيا. و يعني بـ"الطريقة الفرنسية": التغيير مع إسقاط النظام الحاكم كما حدث في الثورة الفرنسية. و كلامه هذا كان في حديث الجمعة بتاريخ 15 أبريل 2011م، هنا نص الحديث كاملاً:
http://www.fajrbh.com/bh/index.php?s...article&id=144
(5) كاقتراحَي سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله) بحكومة الظل و التحالف من أجل التغيير.
(6) طبعًا حدود العقل هي من ضمن الآليات المحددة لحدود الدين و موقفه عمومًا، و هذا التعبير أستخدمه هنا تجاوزًا.
(7) لستُ أُشير بكلامي إلى الدعوات التي لا تُرى بالعين المُجرَّدة، و التي إن لُحِظَت فأظنُّ تميُّزها في شذوذها هو السبب.
(8) من الجميل هنا تأمُّل أن "الخيانة" تأتي في قِبال "الأمانة"، و هل يسهُل اتهام المؤمن بخيانة الأمانة عند اختلاف التشخيص في قضيةٍ ما أم لا، أم أن الأمر بحاجةٍ لتروّيٍ و تفهُّمٍ و انفتاح قبل أي حكمٍ من هذا القبيل. __DEFINE_LIKE_SHARE__