حول جدل المطلب (1)

[محروم.كوم]

بسم الله الرحمن الرحيم

كثيرًا ما تمَّت إثارة الجدل و النقاش انتصارًا لمطلب إسقاط النظام في محاولةٍ للقول بأن الدماء المبذولة كافية لرفع السقف من مطلب إصلاح النظام إلى السقف الأعلى منه (إسقاط النظام) أو أن تجربة الميثاق و فشلها تُبرِّر الكفر بأيِّ تسويةٍ مشابهة، فأيُّ تسويةٍ أو وثيقةٍ أو عهدٍ قابلٌ للنَّكث و الالتفاف، فهل هذا صحيح؟

شخصيًا، لا أرى داعيًا لكل هذا، ولا أرى أنَّ ثمن دماء الشهداء و التضحيات هو الجمهورية الديمقراطية و محاسبة المتسببين بما فيهم حمد و من وراءه و تطبيق القصاص العادل و العقوبة المُفترضة، بل أرى أن كوني بحريني أصيل جَذرُه في هذه الأرض كما النخل، و ربما يصُحُّ أن أقول "و كمعاميريٍ خصوصًا" يكفيني إلى الإيمان بإسقاط النظام مجرَّد استمرار تسمية ذاك الجامع بـ"جامع أحمد الفاتح"، فلفظة "الفاتح" تعود بنا إلى تلك الحقبة الزمنية المظلمة لاقتحام آل خليفة للبحرين، تلك الفترة التي شنَّ آل خليفة و أعوانهم حربهم على أهلنا، تلك الفترة التي هُجِّر فيها أهل قريتي (المعامير) من منطقتي "عسكر" و "الفارسية" ليسكنوا بعدها "المعامير" و "النويدرات"، تلك الفترة التي أتألّم كلما تذكرت قتل رجال أهل قريتي وانتهاك أعراض نسائها فيها، عوضًا عن التنكيل و التشريد و استهداف العلماء و غير ذلك!!

و ما استمرار هذه التسمية و بقاؤها إلا استمرارٌ للإيمان بأن تلك الانتهاكات و ذاك الظلم و البطش لم يكونوا سوى "فتح" قاده "أحمد الفاتح"(1)، عدم البراءة من هذا المعنى و استمرار نعت اقتحام أرضنا و قتلنا و تشريدنا و انتهاك أعراضنا بـ"الفتح" و نعت من قاد ذاك العمل بـ"الفاتح" كافٍ لاستيجاب ما يستوجبه، فكيف إن تأكّد لنا أن استمرار التسمية فيه استمرارٌ للإيمان بذاك المضمون لا عدم البراءة منه فحسب؟

و بالرغم من ذلك خرجنا لأكثر من مرة و في أكثر من فترة مطالبين بإصلاحات جزئية في النظام و في فترات أخرى مطالبين بإصلاحٍ كامل في النظام و بالرغم من القمع و البطش المتكرِّر في كلِّ فترةٍ من تلك الفترات أجمعنا كلُّنا في 14 فبراير 2011م على الخروج و الاحتشاد في دوار اللؤلؤة للمطالبة بإصلاح النظام عبر تحقيق "الملكية الدستورية"، فهل كنا خونةً لدماء الشهداء و تضحياتنا في كل السنين الماضية حينما رفعنا شعار "إصلاح النظام" في ذاك اليوم؟؟

برغم كفري بإمكان إصلاح النظام إلا أنني أعتقد أن الاختلاف في تشخيص هذا الشأن عمومًا أو اختيار الوقت المناسب للمطالبة بـ"إسقاط النظام" ليس داعيًا لاتهام أيّ مؤمن كان بـ"الخيانة" أو "بيع دماء الشهداء" أو ما شاكل ذلك، ينبغي احترام حقوق المؤمنين و أخوّتهم، فلا يُبرِّر الاختلاف في هذه المساحة تسقيط مؤمنٍ أو الهجوم عليه أو انتهاك أيّ حقٍ من حقوقه. و لو جاز ذلك لجاز بحق حركة أحرار البحرين في فترةٍ و لم يجُز بعدها، لجاز في حقّ الأستاذ المشيمع قبل 14 فبراير و لم يجز بعد سقوط الشهيد الأول، لجاز في حق قوى 14 فبراير الشبابية منذ تشكيلها و لم يجز بعد إعلانها رفع سقف المطلب، لجاز في حق تيار الوفاء و كل أعضاء حركة حق قبل إعلان التحالف الثلاثي من أجل الجمهورية، لجاز في حق أمل قبل أن تنفكَّ عن مطلب الجمعيات و ترفع سقفها و لم تكن حركتهم في الثمانينات و غيرها شافعةً لهم، فكل هذا النهج الخليفي ليس وليد الـ14 من فبراير الماضي و لا مستجدًا حدث في هذه الثورة.

لذلك و غيره، رسالتي بكل وضوح: اختلف إن ارتأيت في خيارك المختلف الصواب، عبِّر عن وجهة نظرك، عبِّر عن خيارك، لكن دون أن تمسَّ أخاك، دون أن تُسقِّطَه، دون أن تجرح أخوَّتكَ الإيمانية معه، و هذه الرسالة ليست لمن يطالب بإسقاط النظام فحسب، بل حتى لمن يطالب بإصلاحه.


------------------------------------------------------------------

(1) قد يقول قائل أن مجرّد استمرار التسمية غير كاف للاعتقاد بأن السلطة لا زالت تؤمن بذلك، فأقول ما رأيكم بالمناهج الدراسية؟ و ما رأيكم بروايتها للتاريخ التي تؤكدها في وسائل إعلامها؟ و إن كان بعض ذاك بشكلٍ مُبطَّن غير صريح!

__DEFINE_LIKE_SHARE__