|
إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...
انضم الينا
#1
| ||
| ||
أوان الوقت لسـتُ غنمـة..! باسمة القصاب ![]() «الشاذ عن الجماعة للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب». المقولة يستدل بها أحد شيوخ الدين ضمن درس الأخلاق في إحدى الحوزات الدينية البحرينية. تأتي الدروس في أقراص مدمجة ضمن منهج حوزوي متكامل للراغبين في الدراسة منزلياً. الاستدلال يبدأ من «شيطنة» الشاذ عن صلاة الجماعة، لينسحب تلقائياً إلى «شيطنة» الشاذ عن الجماعة نفسها بما هي تكوين مجتمعي ديني في هذه الحالة. أثار هذا الاستخدام جدلاً بيني وبعض الصديقات اللاتي أتسع معهن في الاختلاف «تواظب إحداهن على تلقي هذه الدروس». يرين أن الجماعة التي تشكّلن في نظام عُرفها وتقليدها، هي قالب وجودهن الدنيوي وحصن أمانهن الأخروي، وأن الشذوذ محفوف بمخاطر الأهواء. يرجعن إلى المنطق الشعبي السائد «قلدها عالِم واطلع سالم». يرين أنه يعصمك من الوقوع في أحابيل الشيطان والنفس والهوى وينجيك من المحاسبة. فأنت تقلِّد العالِم رقبتك في الدنيا، ليفديك برقبته في الآخرة. قالت إحداهن: ولماذا أشذّ عن جماعتي وأوجع رأسي وعقلي وأرهق فكري وأفلسف الأمور وأعقّدها «تقصدني أنا»، مادام هناك من هو أعرف وأعلم مني، ومن سيحمل الوزر عني يوم القيامة في حال أخطأه الاجتهاد؟ قلت في نبرة استفزازية متعمّدة: «الشيطان الذي سيقبلني ذاتاً مُفكِّرة، خيرٌ عندي من الجماعة التي لن تقبلني إلا غنمة». **** منطق الجماعات يقوم على تحويلك «غنمة». لماذا غنمة بالذات؟ لأن «الحيوانات الأخرى تستطيع أن تمضي وحدها لتجد مرعاها، أما الغنم فلها صفة معروفة وهي السير خلف الراعي. فإذا أراد الانتقال بقطيعه من مكان لآخر، نادى بصوته المعروف فيتهيّأ القطيع كله ويتّجه نحوه، فيسير الراعي والخراف تتبعه كيفما اتّجه. ومن الصعب جداً أن يستطيع أحد صدّ الأغنام عن السير خلف راعيها».[1] الغنمة في خوف الذئب ما بقيت أبداً. قيل «إذا أردت أن تسيطر على أحد فأوهمه أنه خائف». ولأن الغنمة تحيا في ظل خوفها، لذلك هي لا تغادر ظل راعيها ولا تجيد السير إلا خلفه وعلى نهج خطه. فخارج هذا الخط ثمة ذئب متربص ينتظر لحمها. الأغنام غير قادرة على اختيار المرعى المناسب لها، هكذا روّضتها الطبيعة. لهذا فهي في اتباعها المطلق والمطيع والمسلّم للراعي، هو من يرعاها ويعتني بها ويقودها إلى المراعي الخضر وجداول المياه العذبة، وهو من يريحها من الحرّ في مكان ظليل، ويحميها من الذئب المتربص. ضعف بنية جسد الغنمة وخوفها الأبدي، يفقدانها جرأة القرار، جرأة أن تشذ أو تختلف أو ترى ما يخالف رؤية الراعي. وحده منطق الغنم يحيل كل شيء إلى الراعي الذي بيده أمرها، بدءاً من طريق سيرها إلى اختيار مرعاها إلى نوع طعامها إلى حمايتها إلى تربيتها وحتى ذبحها وسلخها وقت الحاجة. **** الجماعات لن تقبل لك/ منك أن تكون «إبلاً» مثلاً، ذلك أن الإبل هي من تقود راعيها، تسير أمامه لا خلفه كما هو حال الغنم، والراعي هو من يتبعها. لهذا يشعر راعي الإبل أنه أكثر خصوصية من غيره من الرعاة، فمن يرعى الإبل لا يعود يرغب في رعي البقر أو الأغنام. يؤمن الراعي بقدرة الإبل على اختيار مرعاها الأفضل والأروح. تسير الإبل بوقارِ ما أودعها الراعي من ثقة؛ ممشوقة متزنة متأنية، رافعة رأسها للأعلى، فكأنها تسير بوحي الحب لا بمنطق الخوف، وفي أمان الثقة لا في قلق الشذوذ. تنزع الإبل بنفسها تطلب مرعاها، النزع في مصطلح الرعاة هو الموسم الذي تقرر فيه الإبل مغادرة مكانها بحثاً عن مرعى آخر، فيتبعها الراعي. وحين «تبرك» في مكان ما، يعرف الراعي أنها وجدت فيه ما يستحق البقاء، ستبقى الإبل ترعى فيه لشهور قبل أن تقرر الانتقال إلى مكان آخر. أينما حطّت الناقة يحطّ راعيها مسكنه، فهو في ثقتها. لهذا بنى الرسول مسجده الأول «قِباء» في المكان الذي بركت فيه ناقته بعد دخولها المدينة المنورة، فجعل من مبركها مكان صلة بين السماء والأرض، جعله مكاناً مباركاً. لكن ليس الأمر نفسه مع الغنمة، وليس مع راعيها، فليس ينتظرها إلا الذئب إن نزعت، أو طلبت بنفسها مرعاها، هكذا يقول منطق الغنمة، وهكذا يقول لك منطق الجماعات. **** الجماعات تحتفي بك بقدر ما تكون غنمة، وتنزعج منك بقدر ما تكون إبلاً. لا تريد منك الجماعات أن تسير في ثقة وعيك، بل تريدك مرهوناً بوعيها، أن تتمثّل وعي راعيها. الجماعة تتّهم وعيك حين ينزع باتجاه ما يراه عقلك وحاستك وفهمك ورؤيتك، وتمجِّد وعيك حين تكون غنمة منصاعة فقط. في الجماعة الوعي رديف الامتثال، ونقص الوعي رديف النزوع. وحين تنزع فإنك تصير شاذاً ينتظرك الشيطان كما الغنمة الشاذة مصيرها بطن الذئب. تفاخر الجماعات بامتلاكها عدداً أكبر من الأغنام المنصاعين، تعتقد أن الانسجام في داخلها يتحقق بحُسن انصياع أغنامها، وأن سر قوتها تكمن في امتلاكها لقاعدة أكبر من الأغنام المنصاعة. أن تعد الجماعة لأعدائها ما استطاعت من قوة، يعني أن تتكاثر بأغنامها ما استطاعت، حتى ترهب باقي الجماعات المختلفة عنها ومعها. **** في منطق الجماعات كما في الخطابات الدينية، يكثر الحديث عن منطق الغنمة والراعي. تسمع وتقرأ عبارات مثل: كبش الفداء، الخروف الضال، حظيرة الإسلام، الراعي الصالح، خراف المسيح. يحكم هذا المنطق الأفراد داخل هذه الجماعات وداخل التكوينات الدينية. ستكون استعارة الغنمة حقيقتهم التي يفهمون من خلالها ذواتهم. وبهذه الذات سينكرون عليك أن تشذّ عن أن تكون غنمة. سينكرون على ذاتك أن تكون «عاقلة، مفكرة، ناضجة، مدبّرة، مميِزة، مدركة، واعية» بما يكفي لأن تختار وتقرر بنفسها. سيكون «الشاذ عن الجماعة للشيطان، والشاذ من الغنم للذئب» ميزان المفاضلة والتحذير والتخويف. فأنت إما أن تكون غنمة فتأمن، أو يتخطفك الشيطان. هكذا تعمل هذه الخطابات على ترويض نزوعك وتحجيم اختلافك وتسميم بئر وعيك وعقلك وفكرك الخاص، فتجعل من كل اختلاف شذوذ، وكل نزوع نحو وعي آخر شذوذ، وكل فهم جديد أو رؤية جديدة شذوذ، وكل فكر يأتي من الخارج شذوذ، وكل نقد أو كشف لمأزق هذه الخطابات شذوذ، وكل شذوذ هلاك. لست مع شذوذ متصارع متنابذ مع الجماعة، ولا متعالٍ أجوف، ولا لاهث وراء مصلحة شخصية أو منصب، ولا باحث عن شهرة، ولا ناسب إلى نفسه فضلاً أو تمييزاً أو تفوقاً. بل مع شذوذ ناضج يملك فهمه الخاص ورؤيته الخاصة وقراءته ومنطقه الخاص. شذوذ باحث، ربما يشبه نزع الإبل وهي تسير بتأنٍّ ووقار وبتحسس عميق للمكان، وهي حين تفعل ذلك فإنها ترى في المراعي كلها مساحات الله، وحين تبرك عند مرعى بعينه لفترة من الزمن، فإنها لا تلغي المراعي الأخرى ولا تسلبها حقها في أن تكون مكاناً آمناً للآخرين، فالأرض كلّها مرعى. __DEFINE_LIKE_SHARE__ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |