إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية


 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-11-2010, 08:40 AM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,670
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2140

صباح البنزين
كريم رضي
الحضارة ببساطة معادلة تقوم على أطروحتين أساسيتين، تعميم الخدمات الحيوية من جهة، فردانية الشخصية الإنسانية من جهة أخرى. كل نظام اجتماعي سياسي يخل بهذين المبدأين أو أحدهما هو نظام غير حضاري، أو ناقص حضاريا، أو مأزوم حضاريا.
قامت الأنظمة الشمولية التوتاليتارية الماركسية والدينية بتأميم الاثنين معا شخصية الإنسان والخدمات الحيوية. جاءت سلسلة الانهيارات التي تعرضت لها هذه الأنظمة منذ السقوط الأول لها في وارسو والذي للمفارقة تم على يد الطبقة التي طالما ادعت الأنظمة التوتاليتارية أنها تمثلهم ونعني العمال، أو أزمة الأنظمة الإسلامية المعاصرة - إيران نموذجاً - لتثبت أن الناس لن تبيع فردانيتها الإنسانية ولن تقبل تأميم حقها في التفكير والعقيدة والانتماء لمجرد أنك أممت لصالحها الخدمات الحيوية. أنك لا يمكن أن تشتري حقوقهم السياسية والمدنية بحقوقهم الاقتصادية الاجتماعية.

وقامت - وتقوم الآن مجدداً - الأنظمة الرأسمالية المتوحشة بتوفير خصخصة - فردانية الاثنين معا شخصية الإنسان والخدمات الحيوية وجاءت سلسلة الانهيارات المادية والأخلاقية للنظام المتوحش الرأسمالي خاصة في بداياته كرأسمال صناعي ثم في مآلاته الأخيرة كرأسمال مالي لتثبت أن الناس لا تأكل حرية رأي وتعبير ومعتقد وانتماء بل تريد أيضاً حرية الوصول لقرص الرغيف وسرير العلاج وكرسي المدرسة وظل المسكن وأنك لا تشتري حقوقهم الاقتصادية الاجتماعية بحقوقهم السياسية والمدنية.
طبعاً الأسوأ هو أن يجمع نظام بين الأسوأين. خصخصة الخدمات وتأميم الحريات. هذا ما نشهده الآن -على درجات متفاوتة - في مجتمعاتنا الشرقية التي بدأت في الانتقال - بزعمها، كأني أقول (برغمها) - إلى الديمقراطية والحرية بادئة بتحرير الاقتصاد من تدخل دولة الرعاية، ولكن من دون أن يرافق ذلك تحرير الرأي والتعبير والانتماء السياسي والعقائدي من شمولية الدولة والمجتمع والدين فيصبح الفرد بذلك ضحيتين في الوقت نفسه للاستغلال الرأسمالي لحاجاته الأساسية والحرمان من حق الحرية العامة. تصبح الدولة غير ذات رعاية للحاجات الاقتصادية الاجتماعية من جهة وذات رعاية قاهرة للحاجات المعنوية مثل الانتماء والتعبير والتنظيم السياسي والاجتماعي من جهة أخرى. تماما كالأب الذي يمنع المصروف ويحجر على الأولاد.

لكن، ما علاقة هذا كله بالبنزين ورفع أسعار المحروقات؟ كيف يكون سؤال البنزين ليس فقط سؤالاً مشتعلاً على حد تعبير جليل النعيمي - الوقت 4 يناير/ كانون الثاني 2010 - بل أيضاً سؤالاً في صميم الخيار الحضاري الذي نريده؟. كيف تسعى دولة لوقف هدر الموارد في الوقت الذي توكل التصرف في هذه الموارد أكثر فأكثر إلى الأفراد لا إلى الدولة وقطاعها العام؟ بين سبعيينات القرن الماضي حتى اليوم مثلاً انتقلت الدولة بتطرف من توفير مواصلات عامة ووسائل نقل ضخمة تنقل يوميا مئات الناس من وإلى منازلهم وأحيائهم وأشغالهم في نظام نقل فعال مهما قيل عن تدني جودته، إلى نظام فردي أناني يحتقر المواصلات العامة ويقوم على السيارة الخاصة لكل عائلة ثم لكل فرد في العائلة ثم أكثر من سيارة للفرد في كل عائلة مع كل ما يعنيه ذلك من تلويث للبيئة واكتظاظ للشوارع والأحياء وزيادة في حوادث الموت سوقا والتخلي عن كبار السن والنساء والمعوقين والأطفال والأجانب وكل من هو غير قادر على السوق أو على اقتناء سيارة. (يقول الروائي وليد هاشم في ليلة تدشين رواية عن المكفوفين، إن أصعب ما يعانونه فقدان وجود وسيلة نقل). أبعد هذا كله تشكو الدولة من هدر البنزين؟
إذا ما زرت بعض المدن ستجد أهم ما يميزها حضارياً هو شبكة المواصلات السطحية (الباصات والقطارات) أو الأرضية (الميترو) النظيفة والمنظمة ذات المواعيد الدقيقة والتوزيع الرائع الذي يخترق الأحياء والمدن طولا وعرضا لتنقل الوزير والأجير والمرأة والشيخ والطفل والشاب في أقصر وقت وأقل كلفة. قارن ذلك بما يحدث هنا حيث لو قدر لك أن تتأخر على باص الجامعة في الصخير أو تتعطل سيارتك عن الوصول لمكان عملك في المنطقة الدبلوماسية فعليك أن تتصعلك في حال أسوأ من بؤساء فيكتور هيجو حيث لا وسيلة سهلة ومباشرة لهذه الأماكن. إذا ما أردت أن تعرف جحيم المواصلات في هذا البلد فضع نفسك مكان عائلة إنجليزية في العدلية تريد أن تذهب إلى جنة دلمون بوسيلة رخيصة أو مكان عامل باكستاني من دون مواصلات يعمل في إنشاءات محطة الحد وبيته في المخارقة، أو امرأة تسكن في مدينة حمد وتعمل في الحديد والصلب يوصلها زوجها بألف تذمر كل صباح أو أب بحريني لا يدري صباحا بم يبدأ، هل يوصل ابنته المدرسة أم يذهب إلى عمله أم يأخذ زوجته للطبيب أم يترك كل هؤلاء وينام مقهوراً؟ أو أب ينتظر معجزة ليخترق شارع المدارس في مدينة عيسى ويلحق بشغله في مشوار بسيط كان يمكن أن يوفره باص واحد لوزارة التربية أو للنقل العام ماراً بما لا يقل عن عشر مدارس في خط واحد. أبعد هذا كله تدعي الدولة الحرص على مخزون البنزين؟ وهي لا تفعل شيئا لتقنع المواطن أن المواصلات العامة أجدى وصولا وأكثر أمنا وأقل كلفة؟
شجعت الدولة فينا حس امتلاك سيارة حتى أن من لا سيارة له لا قيمة له، وحتى أن مفكرا أو بروفيسورا أو طبيبة أو أديباً أو حجة في الدين لا يساوون في هذا البلد شيئا دون سيارة أو دون رخصة سوق ويتفوق عليهم شخصية من هو أدنى منهم حين يمر بسيارته ليتكرم - إن شاء - بالتقاط أحدهم أو ليهبّ بعربته كالريح ناظرا لهم شزرا فيما ذلك الصعلوك ينتظر باص النقل العام الذي يصل على التساهيل. وشجعت بيئتنا اقتناء السيارة حتى لو أن أحدا رآك تمشي يوما لبادرك بالسؤال عسى ما شر!. أكثر من ذلك حتى الشركات التي دأبت على نقل عامليها في مواصلات مشتركة صارت تحرمهم منها وتجبرهم على استخدام سياراتهم الخاصة. وهكذا فكل سؤال لجشع الاستهلاك يحله مجتمعنا للأسف بالمزيد من الجشع فنحن نزيد من الأسرّة بدلاً من تقليل المرضى، ونزيد من الشوارع بدلا من تقليل استخدام السيارات. ليتهم قبل رفع سعر البنزين جعلوا حداً أقصى لكل فرد من السيارات باسمه أو نقلت وزارة التربية مدرسيها وطلبتها جبريا في حافلات أو أجبرت الشركات على ذلك، لكنهم يفعلون العكس تماما ثم يجعلوننا ندفع ثمن خيار الفردية. هي مسألة حضارة إذاً أولا وأخيرا لا مسألة أسعار.
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML