في رده على مقال احدى الشخصيات العلمائية .. نادر المتروك : الفتنة بأثرٍ

[محروم.كوم]

الفتنة بأثرٍ.. شرعي

ليس على الإسلاميّين على طول الكلام هنا أعني بهم في الحالات العامة، وليس مطلقاً - أن ينزعجوا كثيراً عندما يجدون أنفسَهم مُلامين من الآخرين، وربّما مِن قِبَل مَنْ يشتركون معهم في الخطوط العريضة والاعتقاد الدّيني. إسلاميّو البحرين، بالمناسبة، ليسوا خارج هذه العبارة! تركَ هؤلاء وظائفهم الحقيقيّة في بناء الإنسان والأوطان، وفي إتمام القيم المعاصرة المتوافقة مع الدّين، وانشغلوا بأمورٍ كثيرة لا أدري عنها شخصيّاً، ولكن بالتأكيد ليس لها من أثرٍ صالح، ولا خير نافع. النفيّ هنا لم يأتِ بناء على تتبّع دقيق، وشامل، لكلّ حركات إسلاميينا وسكناتهم، ولكنه مبنيّ على أساس: ‘’لا أجدُ النتيجة المرجوّة، إذن لا أسباب مبذولة’’، وهو مقتضى السّنن الكونيّة في تاريخ الإنسان. المؤسفُ، بعد ذلك، أنّ النتائجَ محبَطة، وتجعل البعضَ يتذكّر، بغير مودّة، مقولة أحد ‘’المزعجين’’ حينما قال: ‘’إصلاحُ الإسلاميين مقدّمة لإصلاح الإسلام’’، ومزعجاً آخر ما فتئ يُردّدُ، بابتذالٍ ممل، كلماتٍ عن الكنس، والبلديّة، وتنظيف العقول. والحالُ، أنّ تطرّفاً مثل هذا ينبغي أن يكون متوقعاً، فدارُنا تعمّها الفوضى، وفي كلّ الجهات ثمّة فتنة بالانتظار. لماذا يحدث ذلك؟ خطباؤنا كُثر، وبرامجُ التحريض الرّوحي ميزة صحوتنا التّسعينيّة ولازالت، ولا تنقصُنا المساجد والمآتم، بل زاد عليها.. مراكزُ تعليميّة وهيئات دينيّة وجمعيّات ‘’رسميّة’’ وغير رسميّة، وبعضها لا وجود له إلا على الورق. إذن ما المشكلة؟ أين العلّة؟ قبل التجادل في هذا السؤال، لنملأ السّطور ببضع أسئلةٍ أخرى، ونمرّ على بعض العجائب، ففي خفاياها الأجوبة لمن أدقّ العقلَ وأرهف البصيرة.
خطيبُ جمعةٍ يُحذّر خطيبَ جمعة آخر من إثارة الفتنة و’’النّفخ في الكِير’’. الخطيبُ الأوّل هو نفسُه صاحب الخطبة التي ‘’نظّر’’ فيها تنظيراً لا سابق له حينما رمى التّصهْين في وجه شريحةٍ كبيرة من النّاس. هو نفسه أيضاً منْ صلّوا خلفه بنيّة ‘’الوحدة الإسلاميّة’’، ولكنه رفض الصّلاة خلف قائدهم، بنيّة ‘’الحرمة الشّرعيّة’’. وحدة مخلوطة بالتكتيك، وحرمة متستّرة بالمبادئ. نصدّقُ منْ؟ أولئك المصّلون أنفسهم، هم أنفسهم، الذين صمتوا والصّمتُ تقريرٌ شرعي حينما بدا أنّ الصّلوات في المساجد باتت برسم الانتماء الحزبي، وأنّ الخطابة فيها مقصورةٌ على التّمجيد وإعلان الولاءات، أمّا إبداء النّقد والاختلاف ‘’الشّرعي’’ فممنوعٌ ممنوع. العجيبُ أنّ هذه السّياسة ‘’الشّرعيّة’’ لم تُحرّك علناً ضد ‘’أفندي’’ خرجَ على ‘’الطّوق’’، ويؤم ويخطب منذ زمن في مسجدٍ شهير، ولكنها تحرّكت في وجه مشايخ دين فضلاء. ومتى؟ في شهر الفضيلة والتّقوى، ونحن على أعتابِ شهر الرّحمة والغفران! لماذا يحدث ذلك في هذا الوقت؟ ربّما حفاظاً على تلك العادة غير الحميدة: كلّما ارتفعَ خطابُ ‘’الإيمان’’، وكلّما اجتهد الأتباعُ في إظهار ‘’الولاء’’.. كلّما وجدنا الأقدامَ تهرولُ إلى الوراء. لا رجب، ولا شعبان هيّآ قلوبَ ‘’النخبة’’ وعقولها لاحتضان ‘’زملاء المهنة’’، فكيف سيكون الحال في شهر الله الآتي بعد أيّام؟! وإذ أعجبُ، فأعجب من أولئك الذين ينفعلون حينما يُقال لهم: الإسلاميّون مخطئون، وأنّهم حين يعترفون بالخطأ وهو أمرٌ نادرُ الوقوع، ويتمّ خفوتاً وبلهجةٍ مُدوّرة فإنّ ذلك مقدّمة لارتكابهم أخطاء أخرى. الإسلاميّون في البحرين لا يُقدّمون تجربة إسلاميّة تبعث على الفخر والاعتزاز. الإسلاميّون، سنة وشيعة، أرجعوا الحركة الإسلاميّة في البحرين إلى الوراء، إلى الوراء كثيراً، عندما دخلوا السّياسة من بوّابتها العليا، بعدّةٍ قاصرةٍ وبهمّةٍ دُنيا. أجيالُ ‘’الصّحوة’’ اليوم حيرى. ضُربَ المشروع الإيماني في الصّميم. أصنامُ السّياسة والحزب والشّخص تسيطرُ على روابط العقيدة والدّين والوطن. أخوة الإيمان أصبحوا ‘’رعايا’’ درجة ثانية، ملاحقين بالعار وفتاوى الحصار، لأنّهم أرادوا أن يكونوا مختلفين ‘’قليلاً’’. ماذا سيحلّ عليهم لو اختلفوا ‘’كثيراً’’؟!
سطرٌ أخير؛ إذا استمرّ الإسلاميّون في بلادنا على هذا الوضع، فعليهم أن يتقبّلوا بكثيرٍ من الانزعاج أيضاً اليومَ الذي يتقدّم فيه العلمانيّون وهم يؤدّون ‘’فريضة’’ الإصلاح الدّيني لتغيير واقع الإسلاميين وتحسين ظروف تديّنهم في هذا الزّمن المر! أشاطرُهم وقتها الانزعاجَ. __DEFINE_LIKE_SHARE__