سـيمفونية الحياة 2\10

[محروم.كوم]

الجزء الثاني 2\10

ســيمفونية الحياة

أن غرابة هذه الأغنية وشاعريتها ، تكمن أساسآ في لا معناها ، في برائتها وعفويتها وغريزيتها . فالوليد الذي كان قبل ثواني فقط هو ليس أكثر من مضغة في جنة الصمت ، عقلآ في كمونة البكر لم يتشكل بعد ،

وصحيح إننا تغذينا من أحشاء أمهاتنا لمدة كافية أو ناقصة ،

إلا إنــنا كنا نتغذى من أحشاء شخص لا نعرف عنه أي شيىء مطلقآ . لأننا ببساطة نمثل حينذاك الصفاء المطلق .

نمثل النواة وليس الشجرة . ولأننا أيضآ جئنا إلى هذا العالم ونحن في غياب تام عن أي معرفة تذكـر .

فحين وصلنا إلى هنا ، لم تكن لدينا سوابق ، عادات ، وأوامر،أحداث ، وذاكرة تلاحقنا . لم تكن لدينا عائلة ،

ولا أصدقاء ولا حبيبة ولا وطن ولا إسم

ولا أخطاء ولا ثيــاب، عرايا حيث كنا وعرايا حيث وصلنا .

وهكذا وبعرينا ذاته . جئنا بلا لغة أو ذاكرة أو كلام مسبق .

لأننا في الأصــل كائنات ما قبل اللغة وما قبل النص ،

وما قبل الكتابة وما قبل التفكير وما قبل الشر وما قبل الخير وما قبل الشكل والموضوع أيضآ .

إنه مظهرنا الطفولي والوجودي الأكثر شفافية وحلمية وشاعرية والذي يتساوق بمعناه الفلسفي مع جوهر الموسيقى التي تكشف لنا عالمية ما قبل وليس ما بعد وتمنحنا ما هو سابق على كل شكل ، إن الطفولة بهذا المعنى هي رمز الجديد ورمز ما لم يولد بعد ، ولعله ولهذا السبب بالذات سيظل وجه المولود حديثآ يدهشنا حتى حافة الدمع .
ويشكل لنا معجزة الخالق الحقيقية لأن هذا الوجه الغارق في براءته ورقته . الآســر كقمـر من القرنفل هو في المطلق وجه ملاك قادم من العدم الرباني توآ تمامآ
مثل نغم كوكبي لم يسمع به بشر من قبل .
إن زمن إيقاعنا المشيمي هو زمن شعرية خارج الزمن .
إنه زمن بلا زمن وهو زمن كل الأزمنة .
أنه زمن لحظاتنا الهاربة ، وهو بداية حياة ، وبداية عمر ، وبداية مصير .أنه الزمن المغلف بالنقاء والرهافة واللاشعور الداخلي .
زمن ســائب هو زمن مولدنا وطفولتنا ،
لقد عبرنا كالملاحين بين ضفتي الأبد والأزل ، من دون أن نعرف السباحة أو الإبحار . إننا قادمون بجرسنا الذهبي وبنشيد صلصالنا حيث نتأهب كالجدول الرقراق لدخول هذا العالم .
إننا أبناء الهبة العظمي من مولدنا بلهبة في الحنجرة وبنغمة بالقلب ، موسيقانا وعالمنا الوحيد . قبل دراما وصولنا .
هي دقات قلب امهاتنا المتعدد النغمات .
وهذه النغمات الصادرة عن الفؤاد مباشرة كانت تـدوزنـنـا ونحن في بطنها .
تدوزن خلايانا وأحاسيسنا وإيقاع تنفسنا وتجعلنا بالتالي نصرخ طالبين العودة إليها . أعيدوني أعيدوني ...
هذا ما كنا نحاول قوله بصعوبة ولكن للأســف لا أحد يعود إلى بطن أمه أبدآ
فلقد إنتهى كل شيىء وكان الذي كان .

فمن جاء لهذه الحياة لا يعود من حيث أتى ،
بل يرحل إلى مواجهة مصيره وحتفه المحتوم في نهاية المطـاف .
مع خالص تحياتي لكم جميعآ
نجيب ايوب

__DEFINE_LIKE_SHARE__