أصلها ثابت - لؤلؤة أوالبقلم: الشيخ يونس البحراني من طبيعة الحركات العاملة من أجل التغيير أن تعصف بها الفتن الدهماء والصعاب الكثيرة، وذلك للصراعات القائمة بين الأطراف المختلفة أو المتناقضة، والحركات الإسلامية لا تشذُّ عن هذا القانون سواء كانت على مستوى عالمي كحركة النبي المصطفى (ص) ونشر دعوته أم على مستوى دولي أو مناطقي كالثورات الإسلامية المنحصرة في بلد معيّن، والأمة الحاملة للواء التغيير تواجهها عوائق في طريقها فقسم يتناقص ويتزايد ويتغير الوهج العاطفي عنده ، وقسم آخر يثبت عنده الوعي ولا تحكمه الظروف، بل هو الحاكم عليها، حينئذ نستطيع انتزاع مفهومين من هذه الأمة هما الوعي والطاقة الحرارية. الوعي هو الفهم الدقيق للمتغيرات والتعامل معها وفق مبادئ ثابتة، أما الطاقة الحرارية فهي انفعال عاطفي يتوهج في النفس ويترك آثارًا وقتية، وقد يتفقان فلا يتميز أحدهما عن الآخر لكنّ الفرق بينهما كبير، فالوعي متأصل ومن شأنه الاستقرار وزيادة التعمق، والطاقة الحرارية سطحية متغيرة ومن شأنها النقص والزيادة.مثال قرآني قال تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العلمين) العنكبوت 10 فهؤلاء يدعون الإيمان ولكن عند الشدائد تنكشف حقيقتهم ويتغير موقفهم ويعتبرون أنّ أذى الناس مصدره عذاب الله، وعند النصر يعدون أنفسهم من الواعين المؤمنين والله يعلم بما في صدورهم، فهذه السطحية مثال واضح للطاقة الحرارية والتهافت في مختلف المواضع. وقال تعالى (الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران 173 وهذا مثال للأمة الواعية التي لا تنفعل بتغير الظروف، بل تزداد تجذرًا وإيمانًا بالهدف، ولذلك هي تتعامل مع مختلف المواقف بمبادئ ثابتة، فحين النصر لا تسيطر عليها النشوة بحيث ينفلت الزمام من يدها وحين الشدة لا تلين وتستكين للأعداء. ومن الفروق المهمة أيضًا بين الأمة الواعية والأمة المكتسبة طاقة حرارية أنّ الأمة المتوهجة حراريًا تهتم كثيرًا للإنجازات والمكاسب وتنتظر بفارغ الصبر نهاية الطريق لتنال جزاء كدّها، أما الأمة الواعية فغايتها رضا الله والعمل في سبيل الله وإرجاع الحق إلى أهله ولذلك لا يهمها وعورة الطريق وطوله ما دامت تؤدي تكليفها، يقول الشهيد الصدر في ذلك: الطريق طويل هذا ليس فيه شك، غير أنه لا يعني بالنسبة للدعاية إلى الله وشرعه شيئًا؛ لأن المسلم لا يستهدف من دعوته مكسبًا ماديًا يواتيه في نهاية الطريق وجائزة عاجلة يكلل بها جهاده في لحظة النصر ليزهد في طريق طويل قد لا يصل إلى آخره ولا يسير فيه إلا خطوات، وإنما الهدف الحقيقي للمسلم من عمله في سبيل الله ثوابه تعالى(ورضوان من الله أكبر) ولا أعرف هدفًا جهاديًا يمكن ضمانه للمجاهدين وتأكيد فوزهم به كهذا الهدف بقطع النظر عن طول الطريق وقصره ومشقته ويسره واجتيازه وعدمه، فليست المسألة من وجهة نظر السماء إلا مسألة طاعة يحسن العبد فيها نيته لربّه فيجازيه على ذلك سواء تمثلت الطاعة في الخطوة الأخيرة من الطريق أو في أي خطوة أخرى من هذا الطريق الطويل الطويل(ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئًا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلًا إلا كتب لهم به عمل صالح إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين).عشرة الفجر وفي هذه الأيام ذكرى عشرة الفجر، رجوع الإمام الخميني(قدس سره)من المنفى وانتصار الثورة الإسلامية بعد ستة عشر عامًا من تجلّي معاني الصبر والتضحية والإخلاص تتكلل الثورة الإسلامية بانتصار ساحق على الشاهنشاهية الفاسدة ومن يدعمها، انتصار أشبه بتحقيق المستحيل من حيث الدعم المستمر لنظام الشاه ووقوف العالم معه ضد الثورة الإسلامية، وهذه الثمرة ظهرت بعد الإيمان بأنّ التكليف الإلهي هو الغاية مهما اختلفت النتائج الظاهرية، هذا كان المعيار عند الإمام الخميني(قدس سره) وهو يقول: لا ينبغي أن نفكر في الهزيمة ولا نشغل بالنا بها بل ينبغي أن نفكر في أداء التكليف... سواء متنا أو غلبنا فقد عملنا بتكليفنا. وهاهي اليوم الثورة الإسلامية بقيادة السيد القائد الخامنئي(دام ظله)تقطع الزمان والمكان مع حفاظها على مبادئها وقيمها وأهدافها ويُشار لها كقوة دولية متقدمة في جميع المجالات.الثورة في عامها الرابع بعد أيام قلائل تكمل ثورتنا المباركة عامها الثالث وتدخل في الرابع، وربما نسمع هنا وهناك تساؤلات يعيش أصحابها طاقة حرارية بامتياز، فيقولوا: ماذا حققنا بعد هذه السنوات؟! كيف تغير واقع بعض الدول العربية وهي في تغير باستمرار ونحن لما نبرح مكاننا؟! هل القوة بيدنا؟! وغيرها من أمثال هذه التساؤلات، وإنْ كان الكلام السابق بمجموعه يشكل أجوبة عليها إلا أنه يمكننا القول اختصارًا: من منطلق الإيمان بالله وسننه الكونية فإنّ التغيير واحد من سننه، وهو الحكيم المدبر شوؤن خلقه وهم لا يعلمون، وهو الذي وعد المؤمنين بالنصر(وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين) الروم47 (وعْد الله لا يخلف الله وعده) الروم6 وفي القرآن معادلات العشرين بالمئتين والمئة بالألف فالموازين المادية لها نسبة لكنّ القوانين الإلهية لها النسبة الساحقة، وفي التاريخ-قديمًا وحديثًا- نماذج كثيرة من الفراعنة الذين أركسهم الله وأذلهم، ولذلك كانت العقيدة الراسخة متراسًا ودرعًا لصاحبها يدخل الهيجاء بقلب مطمئن وثغر باسم لا يعرف الخسارة أبدا فإما النصر وإما الشهادة. نعم اذا كانت التساؤلات من أجل التحقيق في الوقائع والمواقف وتفيد في تلافي الأخطاء السابقة ودراسة المتغيرات والتطوير المستمر فإنّ هذا مطلوب فإنه يأصّل الوعي ويزيد في تعمقه.