الصورة: http://www.alkhaleej.ae/Uploads/zone/204.jpg محمد خليفةآخر ما كان يخطر على بال البشر هو أن يسمعوا بداء جديد يدعى “إنفلونزا الخنازير” فقد ظهر هذا الداء على حين غفلة في المكسيك في النصف الغربي من الكرة الأرضية، لكنه سرعان ما تعولم وأعلنت جميع الدول بما فيها الدول العربية والإسلامية، حالة الاستنفار العام خوفاً من هذا القادم الجديد. لكن ما يدعو إلى التساؤل هو كيف ظهر هذا المرض الخطير وكيف انتشر عبر العالم في سرعة قياسية قتل حتى قُتل وأصيب كما يقال ما يزيد على عشرة آلاف شخص في أماكن متفرقة؟الواقع أن هناك غموضاً كبيراً يكتنف هذا المرض وما سبقه من الأمراض العالمية الأخرى، ومكمن هذا الغموض يتمثل في حجم الدعاية التي رافقت ظهوره. إذ ما كادت المكسيك تعلن عن أول إصابة بهذا المرض حتى سارعت دول أخرى بعيدة إلى الادعاء بوجود إصابات مماثلة على أراضيها كما أن منظمة الصحة العالمية أصدرت بيانات تحذير من خطورة المرض وانشغلت الدول المختلفة بفرض الرقابة الاحترازية على القادمين من دول موبوءة وعلى لحوم الخنازير التي تدخل إليها. وأصبح الشغل الشاغل للعالم هو محاربة هذا الوباء الجديد الغامض، وإذا نحن سلّمنا بوجود الإنفلونزا أو الزكام كمرض يصيب الإنسان والحيوان على حد سواء، فإن المستغرب هو كيفية انتقال المرض من الحيوان إلى الإنسان أو العكس، إذ ثمة حاجز بيولوجي بين الخلقين. فعلى الرغم من التشابه الكبير بينهما، إلا أن التركيب البيولوجي لكل نوع منهما يجعل الأمراض التي تصيبه لا تنتقل إلى النوع الآخر، ومثال على ذلك هو أن مرض جنون البقر لم يؤد إلى إصابة البشر الذين يأكلون لحم الأبقار المصابة بالجنون إذ لم نسمع عن إصابة بشرية بهذا المرض، بل قيل إن وفيات حدثت في بعض دول أوروبا، وقد تكهن العلماء أن سبب هذه الوفيات هو مرض جنون البقر، لكن لو كان هذا المرض هو السبب، فلماذا لم يجنّ هؤلاء البشر؟ ولماذا ماتوا بشكل فجائي؟الواقع أن إذاعة الأخبار حول الأمراض القاتلة في العالم باتت حاجة ضرورية لمختلف الحكومات وخاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه وسائل الإعلام وأصبح الخبر ينتقل في دقيقة واحدة من مشرق الأرض إلى مغربها ومن جنوبها إلى شمالها ذلك أن أية حكومة في أية دولة بحاجة إلى الظهور أمام شعبها وكأنها مهتمة بصحته وبحفظه من الأمراض وفي بقائه حياً يعيش في أمن ودعة، ولهذا فإنها تستثمر دعاية الأمراض في إظهار نفسها كحارس أمين على راحة الشعب.وأيضاً فإن بعض الدول الكبرى تريد من خلال دعاية الأمراض أن تستتر على بعض الحقائق أو صرف الاهتمام عن قضية دولية مهمة. فمثلاً أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان، ظهرت دعاية قوية حول ما يسمى مرض “سارس” وقيل آنذاك إن هذا المرض قاتل وإنه ينتقل من القطط إلى الإنسان ومن الإنسان المصاب إلى الإنسان السليم، وتم دفع العالم أجمع إلى أتون الرعب والخوف حتى لقد أحجم الكثير عن السفر. وبعد انتهاء عملية احتلال أفغانستان توقف الإعلام العالمي عن الحديث عن هذا المرض حتى لم يعد يذكره أحد الآن. وأيضاً ترافقت الحرب على العراق مع مرض إنفلونزا الطيور وتم كذلك دفع العالم إلى الرعب حتى حلت كارثة بمربي وتجار الفراريج والدجاج بسبب الانكفاء العالمي عن شراء هذه اللحوم. وقد انتهى الحديث عن هذه الإنفلونزا، لكن ظهرت إنفلونزا جديدة هي إنفلونزا الخنازير وهذه الأخيرة جاءت مترافقة مع حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية.قطعاً إن العالم سيبقى يعيش في الخوف من هذه الإنفلونزا سنين عديدة إلى أن يتعافى الاقتصاد العالمي وربما بعد ذلك تظهر قضية جديدة ومرض جديد. ولا شك في أن الإنسان العادي أو رجل الشارع هو الذي يتحمل عبء دعايات هذه الأمراض، لأنه واقع تحت رعب مرض ذاهب وآخر قادم، وإذا هو صرف اهتمامه عن تلك الأمراض فإن الحكومات تذكّره بها من خلال تدابيرها الاحترازية التي تبدو في ثوب البراءة ولكنها غير ذلك.وفي النهاية فإن الحقيقة تبقى غائبة، ويبقى الجهل هو سيد الموقف في عصر يوصف بأنه عصر العلم والانفتاح، ليعلم أن بقاء الجنس البشري يوماً بعد يوم شيء من تقدير الله العجيب في الخلق، وتدبيره الدقيق في الكون، فهي حكمة الله الذي خلق كل شيء وحياته وعمله موصولة كلها بأصل هذا الكون وبالناموس الذي يحكمه.