لقد خاب ضنك يا نبيل رجب

[محروم.كوم]

لأول مره في حياتي يخيًبني ضني وحدسي الذي طالما تغنيت بهما مع أقراني وأصدقائي وأهل بيتي، لأني كنت أعتقد بأني قارئ جيد لمجريات الأمور والوقائع والأحداث .

منذ صغري كنت أقرأ الأدب البوليسي وقصص الخيال العلمي ضمن هواية القراءة المتعددة في مختلف مشارب الشعر والأدب، وأقرأ الدراما جيداً وأتوقع ما سيحدث من أحداث على الرغم من صعوبة حياكة القصص في بعض الأحيان، كتلك التي يلفها الغموض والأسرار الغامضة والمبهمة، لإتباعي أساليب ما كانت تنتهجه الروائية الإنجليزية (( أجاثا كريستي )) من خلال دقة الملاحظة وسلامة التحليل والفهم العميق للنفس البشرية .

كان حرياً بأجاثا كريستي أن تقدم للبحرين حينما حلت على بلدان المشرق مع زوجها عالم الآثار الشهير (( ماكس مالوان )) التي أمضت معه سنوات في مصر وألفت فيها ما ألفت ومنها رواية (( موت على النيل )) وفي العراق كذاك وألفت فيها ما ألفت ومنها روايتها (( جريمة في العراق )) وفي سوريا وغيرها الكثير من بلدان المشرق، حيث كنت أتمنى أن تكون روايتها (( جزيرة الموت )) عن البحرين للفت انتباه العالم حول ما يعانيه شعبنا من ظلم قطاع الطرق الخليفيين، خصوصاً بعد قدومها للخليج بعد الحرب العالمية الأولى وبداية ثورة 1923م ضد الدواسر المؤتمرين من قبل العتوب الملاعين .

خيبة ضني وحدسي لم يكن لسوء التقدير أو لعفوية التفكير، وإنما لاحتمالية ضروب الجنون التي خالجتني في تلك اللحظات على احتمالية أن يفيق أبناء شعبنا المحتضر الأحياء الأموات من سباتهم العميق الذي سيتغلب على سبات أهل الكهف عما قريب ويتعداه بسنين طوال، وأن تنبعث الحياة في أرواحهم من جديد، وينثروا عن كاهلهم الوهن والعجز والذل والهوان وأن يثوروا ضد النظام الديكتاتوري الفاشستي المتغطرس الساقط من شرعية القوانين الأرضية قبل التشريعات السماوية، حينما قلت للوالدة عصر يوم أمس أن تأخذ احتياطها جيداً وتغلق جميع منافذ البيت بصفة عامة وغرفتها بصفة خاصة وأن تسد جميع الثغرات التي يمكن منها أن تعبر الغازات السامة لها كما هو العادة في كل يوم وليلة حينما يشن المرتزقة بوابل من القنابل الغازية على منازلنا دون أدنى اكتراث لمعايير حقوق الإنسان .

ليلة أمس ركزت عليها بشكل مبالغ فيها، حينما طالبت من الوالدة أخذ كل الاحتياطات اللازمة على غير العادة في مثل تلك المواقف، لأني توقعت زلزالاً سيحدث، حينما قرأت زير الأسد على لسان زوجته المصونة في صفحات موقعها على (( التويتر )) وقلت في نفسي بأن هذا الزئير سيحيي الضمائر ويحرك النفوس شبه الميتة لا محالة، ويبعث فيها الحياة من جديد، ويولع زير هذا الأسد من عرين سجنه الثورة التي كادت أن تخمد بفعل المهرجين والهرطقيين والواهمين والحالمين والمنغمسين في التخيلات والمرئيات والتصورات في أحلام يقظتهم ودغدغة مشاعرهم التي تشبه حس الفراشات الباحثة عن الضوء في بهرجة الأضواء وجحيم النار .

كنت أتصور بأن صرخة النبيل أبا آدم سوف تقض مضاجع المهجنين حينما تتراء لهم صور أطفالنا وهم يعذبون في غياهب السجون الخليفية الظالمة من قبل جلاوزة النظام المجرم، وأن كوابيس صراخ وعذاب هؤلاء الأطفال والشباب الأبرياء التي نقلها لهم نبيل رجب والتي ستكون حجة عليهم يوم القيامة أمام رب العالمين، سوف تطن في آذانهم وستحدث بها وقراً ينسيهم لذة النوم وأحلامه، وأن لا يهنئ لهم بال ولا يغمض لهم جفن، وأن يبقون طوال الليل ساهرين يخططون ما يستطيعون القيام به من أفعال غير الشجب والتنديد، تجنب هؤلاء الصبية والشباب صنوف التعذيب الذي يلاقونه في السجون الخليفية الظالمة، وأنهم سيغيرون من هرموناتهم الجبانة، وسيحثون أنفسهم وأتباعهم ومن سار في فلكهم الهلامي على تغيير ذلك النهج الذي يسيرون عليه منذ عشرات السنين دون أن يسترجعوا به حق مغتصب، هذا النهج الذي لا أساس ملموس له على أرض الواقع، وإنما هي أضغاث أحلام وأوهام وتخيلات وتصورات ومرئيات وهواجس تعشش في عقولهم وقلوبهم وأنفسهم، كما كان الحال مع الفيلسوف الإغريقي أفلاطون وحلمه في نشوء مدينته الفاضلة، حيث تسود المحبة والكرامة والعدالة الاجتماعية وغيرها من المثاليات التي لا تتوثق والواقع الحياتي منذ نشوء البشرية وصراع الحق مع الباطل، والطبيعة التي أصبحت عليها الحياة في مزيجها المكون من الخير والشر .


من يلعب في ساحتنا اليوم في ظل غياب الرموز الوطنية الشريفة في غياهب السجون الخليفية الظالمة، من رجال كبار طاعنين في السن وهم على مشارف لقاء ربهم، ومن شباب أخذهم عنفوانهم للرغبة في العظمة وحب الظهور على حساب المبادئ والقيم الإسلامية التي لبسوا العمامة من أجاها، حيث لم يعد ينفع معهم لا مواقف مفزعة ولا أحداث مروًعة تنال من تغيير نمط نهجهم الكسيح الذي كان ولا يزال لم يسمن ولم يغني من جوع .


للأسف الشديد خاب ضنك يا نبيل رجب فيمن كنت تتأمل منهم الفزعة والنصرة لأطفالنا وشبابنا المنتهكة كرامتهم وإنسانيتهم بصرختك المدًوية، وأن حرقة فؤادك على شبابنا سوف تغير قواعد اللعبة من قبل الواهمين في الإصلاح والسابحين في فلك النظام المجرم ولكن كما قال الشاعر : لقد أسمعت لو ناديت حيا ،،،،،، ولكن لا حياة لمن تنادي .

__DEFINE_LIKE_SHARE__