أيفون: الهاتف الثورة

[محروم.كوم]

منذ ظهور الهواتف المحمولة كما نعرفها، لم تتغير كثيرا طريقة استخدامنا لها. الكثير من خصائص الهاتف كانت معروفة جدا، فطريقة الإتصال هي مثل الهواتف الأرضية، فهناك أزرار على الشاشة نضغط عليها الأرقام و نطلب الشخص الذي نريده. الرسائل النصية كانت إمتدادا لأفكار حملها الجهاز الرنان (البيجر)، أما حفظ الأرقام و المعلومات فهي أشياء عرفناها من المنظمات الشخصية قبل ذلك. من ضمن النقلات الكبيرة الأولى للهواتف المحمولة كانت تقنية (البلوتوث) و تشغيل الوسائط و التصوير في نهاية التسعينات. لكن الثورة الكبرى في صناعة الهواتف أتت مع إطلاق الأيفون، عندما غيرت أبل الطريقة التي نستخدم فيها الهواتف الى الأبد.

نظرة تاريخية و بداية الأيفون
البعض يعتقد أن iPhone كان أول محاولة من أبل في عالم الهواتف المحمولة، لكن ذلك ليس صحيحا بالكامل. أبل بدأت العمل على هاتف خاص بها منذ العام 2004، حيث تم تكوين فريق من 1000 موظف للعمل على مشروع في غاية السرية تحت الإسم المستعار “Project Purple”. في البداية أبل قدمت هاتفا بالتعاون مع شركة موتورولا و كان هاتف Motorola ROKR E1، و يعتبر هو أول هاتف يقدم خدمة أيتونز ضمن محتوياته، لكنه فشل تجاريا مما أبعد أبل عن هذا التوجه. أبل كانت تعمل على الأيفون بتعاون سري مع شركة AT&T و التي كانت تعرف حينها باسم Cingular Wireless. الإتفاق كان ينص على حصول أبل على نسبة من رسوم الإشتراك في شبكة الإتصال، مقابل حصول AT&T على حقوق حصرية لبيع الهاتف لمدة 4 سنوات. المشروع بدأ بتكلفة قدرها $150 مليونا و يمتد لمدة 30 شهرا. شركة Cingular رأت أن تعطي أبل الثقة بتطوير الهاتف داخليا بالكامل بدلا من التعاون مع شركات هواتف خارجية.

هاتف موترولا ROKR بالتعاون مع أبل هو أول هاتف يقدم أيتونز ضمن نظامه

تم كشف الأيفون الأول الذي نعرفه جيدا في 9 يناير 2007 عن طريق ستيف جوبز، الذي كان على المنصة في مؤتمر أبل ضمن معرض Macworld 2007 في سان فرانسيسكو. الإصدار الأولي للجهاز كان في أمريكا فقط، حيث اصطفت أعداد كبيرة أمام المتاجر للحصول عليه و قد حظي بتغطية إعلامية ضخمة حينها. الهاتف صدر في أمريكا في يونيو 2007، ثم صدر في بريطانيا و فرنسا و ألمانيا 5 شهور لاحقا، و أخيرا في ايرلندا و النمسا في 2008. الجهازين التاليين و هما iPhone 3G و iPhone 3GS حصلا على إصدارات رسمية عالمية في عدد أكبر من الدول، و منها الإصدارات الرسمية في الدول العربية أيضا.

تغطية إعلامية ضخمة و طوابير طويلة في استقبال أول هاتف من أبل على الإطلاق في 2007

أبل بدأت ثورة جديدة في عالم الهواتف، و أصبح التركيز الآن على الهواتف الذكية القوية القادرة على تقديم وظائف متقدمة. هاتف الأيفون الأصلي استطاع تحقيق مبيعات وصلت الى 6.1 مليون وحدة مع أول 15 شهرا من إصداره. مع نهاية سنة 2010 المالية كانت أبل قد باعت ما يقارب 73.5 مليون هاتف أيفون عالميا. من ناحية النسبة أبل لم تكن تملك الا 4% من السوق، لكن على الورق فإن الشركة تجذب ما يقارب 50% من دخل سوق الهواتف العالمي، و ذلك بسبب سعر الأيفون المرتفع كونه هاتف متقدم و ليس اقتصادي مثل بقية هواتف الشركات المنافسة. أبل لاحقا أطاحت بالكثير من العمالقة في سوق الهواتف، و منها شركة RIM أو كما تعرف ببلاكبيري الآن، و التي فقدت مبيعاتها و شعبيتها العالية في أمريكا مع الوقت. عالميا أبل استطاعت في 2011 الإطاحة بالعملاق نوكيا و ذلك في حجم الدخل السنوي من مبيعات الهواتف المحمولة. الأيفون أكمل مشواره ليصبح من القادة العالميين في سوق الهواتف و منافس دائم على المراكز الأولى، رغم التحديات الكبيرة التي ظهرت لاحقا من نظام أندرويد و أجهزة جالكسي من سامسونج.

عند تطوير الأيفون أخذ بعين الإعتبار تقديم شيء مختلف، شيء أفضل من كل ما هو موجود في السوق الآن. أبل جمعت الكثير من الخصائص و المميزات في قالب واحد، و من خلال السطور التالية سنلقى نظرة على أهم هذه العناصر و كيفية توظيفها.
شاشة اللمس و التخلي عن القلم
لطالما عرفت شاشات اللمس قبل الأيفون بأنها تستخدم بشكل رئيسي عن طريق القلم، و أنها غالبا دقيقة جدا و كثيرة التفاصيل. و ربما توفر القلم كثيرا على أجهزة التنظيم الشخصي PDA رغم أن هذا النوع من الأجهزة لم يحقق نجاحا تجاريا كبيرا. على صعيد الهواتف كانت هناك محاولات أيضا لتضمين القلم و شاشات اللمس كعنصر أساسي في تصميم الهاتف. سوني اريكسون كان لديها محاولات بسيطة، و ربما HTC كانت لها محاولات أكبر في دمج الـPDA مع الهاتف في جهاز موحد، و هي من المحاولات الأولى لتقديم هاتف صغير يحاكي وظائف الكمبيوتر المكتبي و المحمول الكبيرة. لكن ربما التوجه الذي كان يسود هذه الأجهزة هو من حملها بعيدا عن تحقيق أهدافها التجارية. أجهزة اللمس القديمة كانت تحاول إضافة الكثير من الخصائص و التفاصيل، بعيدا عن معرفة احتياجات مستخدميها الفعلية، مما أدى الى تقديم منتجات ذات تجربة مستخدم معقدة و سيئة. و لا ننسى أن الكثير من الأجهزة رغم تقديم اللمس لم يتخلى عن لوحة التحكم التقليدية، فكانت الكثير من الأجهزة عبارة عن نصف شاشة لمس و نصف لوحة تحكم.

التحكم في أيفون يعتمد بشكل رئيسي على اللمس بالأصابع

عندما قامت أبل بتطوير الأيفون وضعت في مقدمة أولوياتها ما اعتادت على تقديمه و هو تجربة المستخدم. لذلك قامت الشركة بإعادة تصميم و تعريف شاشة اللمس بالكامل، و أول خطوة كانت التخلص من القلم كونه أداة إضافية غير ضرورية. القلم لم يكن الأداة الإضافية الغير ضرورية الوحيدة، بل هنالك لوحة التحكم أيضا، و بنزعها حصلنا على هاتف عبارة عن شاشة كاملة تغطيه من أوله الى آخره. لكن هذا ليس حقا ما يجعل الأيفون مميزا، لكن كيفية استخدام اصبع يد واحدة للتحكم بكامل هاتفك، إنه سحر التجربة الفريدة التي قدمها الأيفون، و التي جعلت كل من يلمسه يقع في حبه مباشرة. لا أحد كان يتوقع هاتف يحمل زر واحد فقط على واجهته، و لكن أبل استطاعت اثبات ذلك. زر Home تقريبا يقوم بوظيفة واضحة، إنه يعيدك الى البداية، ليتيح لك الإنتقال الى مكان جديد تماما و الإنطلاق من نقطة الصفر. أما باقي عناصر التحكم فكلها ستكون عن طريق اللمس، فقط اضغط باصبعك بكل خفة على الأوامر التي يقدمها لك كل تطبيق على الشاشة. لا ننسى أيضا خصائص التحكم باستخدام اللمس المتعدد مثل تقريب و تبعيد الصور باستخدام اصبعين، تلك كانت بأعين الكثيرين نقلة نوعية بحد ذاتها.
متجر التطبيقات و جيل جديد من أنظمة التشغيل
عندما تم تقديم الأيفون، كان متجر التطبيقات من العناصر الرئيسية في تكوين الجهاز و نظام تشغيله. ما يجعل الأيفون مميزا عن الهواتف الكثيرة الأخرى في السوق هو كمية التطبيقات المتوفرة و التي تستمر في التزايد مع الوقت، مما يجعلك لا تمل سريعا من هاتفك. كل تطبيق يعتبر مثل البرنامج على الكمبيوتر، و يتيح لك تنفيذ مهام و وظائف معينة منها المهني و منها المسلي. لقد أصبح متجر التطبيقات منذ الأيفون عنصرا رئيسيا في أي هاتف يصدر في الأسواق هذه الأيام. أبل أيضا فتحت مجالا جديدا في السوق، الكثير من الشركات الحديثة انشأت فقط لتكون مطورة لتطبيقات الهواتف المحمولة. و أسبقية أبل الى هذه الفكرة ساعدتها في أن تكون الى يومنا هذا صاحبة أفضل متجر للتطبيقات من ناحية التنوع و الجودة.

الكثير من التطبيقات تواجدت على الهاتف منذ الإصدار و بدأت بالتزايد

أن تكون هاتف و أن تكون أيبود
ما قلناه سابقا رائع، و سيقنع أي شخص بهاتف أبل الجديد و ما يحمله معه. لكن أبل أرادت أن تقدم عبر الهاتف قيمة كبيرة لكل مستخدميه، و ماذا أفضل من جهاز أيبود الخاص بها. في ذلك الوقت كان الأيبود عبارة عن مشغل MP3 المفضل حول العالم و الأكثر شهرة و مبيعا. أبل قامت بجعل هاتفها الجديد في نفس الوقت جهاز أيبود متكامل، ربما ليس بنفس السعة، لكن من سيعترض؟ متجر الأيتونز أصبح الآن على هاتفك، و يمكن الإتصال بالإنترنت و شراء ما تريد من الأغاني و الأفلام، و أيضا ربطها بحسابك على أجهزة الحاسوب أيضا. الأيتونز تحول أيضا الى أداة الربط الرئيسية بين الهاتف و الكمبيوتر، و هو أيضا أصبح نقطة انتقاد رئيسية لاحقا في حياة الهاتف بسبب القيود التي يفرضها على مستخدميه مقارنة بالأجهزة المنافسة.

محاكاة الحاسوب الحقيقية
الى يومنا هذا يحاول مصنعوا الهواتف محاكاة تجربة الحواسيب المكتبية و المحمولة على الهواتف الذكية الصغيرة، و مع التقدم التقني في صناعة المكونات فإن ذلك يصبح أقرب و أقرب كل يوم، حتى اصبحنا نرى الأجهزة المتحولة و الإندماج بين الهواتف و اللوحيات و الحواسيب. أبل عن طريق الأيفون قدمت المحاولة الأكثر تكاملا في تقديم جهاز عملي محمول يحاكي الكثير من وظائف الحواسيب و أكثر ربما. نحن نتحدث عن أمور مثل التصفح الكامل للإنترنت، البريد الإلكتروني، تشغيل الوسائط بمختلف أنواعها، متجر التطبيقات و البرامج، متجر الأفلام و الأغاني، و أكثر من ذلك مثل الخرائط و نظام الملاحة. لكن الأكثر تميزا هو القابلية للتجدد و التطور، فتحديثات النظام تضيف الكثير من المزايا الجديدة للهاتف من وقت لآخر، و متجر التطبيقات المتحدث يجعل المستخدم راضيا بتواجد خيارات إضافية بشكل يومي في حياته.

أبل قدمت الأيفون كالجهاز الرقمي المثالي الذي يمكن أن تحمله في جيبك

الفوز بتجربة المستخدم
قد يكون الأيفون الأول حينها شيئا غير مسبوقا في الكثير مما يقدمه، لكن التفوق الحقيقي للجهاز و الذي صنع منه ثورة في عالم الهواتف، هو تجربة المستخدم. لم يتعود أحد سابقا على هاتف يعمل بشكل كامل عن طريق اللمس، عند بداية صدور الجهاز كنا نريه لبعض أصحابنا و أقربانا، و كان الأمر بالنسبة لهم غريبا، “كيف يمكنني أن أتحكم بهذا الهاتف، أنا آسف لكني متعود على نوكيا فقط”. إنها جملة سمعتها كثيرا، لكن يمكنك أن تيقن فعلا أن أبل قد انتصرت في الوهلة التي ترى فيها شخصا جديدا يستخدم الجهاز لأول مرة. الطريقة التي صممت فيها الواجهة و نظام التشغيل تضع في عين اعتبارها البديهة و منطق الإنسان. أي شخص جديد يمكنه مسك الأيفون و التعرف على طريقة استخدامه في وقت قصير جدا، ليس ذلك فقط بل إنه سيحبها و لن يرغب في العودة للطرق التقليدية غالبا.

سرعة التعلم و سهولة الإستخدام و بساطة التقديم مجموعة من العناصر التي جعلت الأيفون التجربة الأفضل عند وصوله

الأيفون استمر في الصدور لسنوات طويلة لاحقا، و رأينا منه إصدارات مختلفة حصلت على ترقيات متعددة. ربما بعضها لم يكن أفضل هاتف من ناحية العتاد التقني، و ربما لم يتفوق في كل عنصر من العناصر التي يقدمها أمام المنافسين. لكن هناك أمر لا شك فيه، و هو أن البنية التحتية للأيفون، نظام تشغيله و متجر التطبيقات، و لا ننسى تجربة المستخدم الممتازة ضمنت للجهاز أن يبقى لسنوات طويلة الجهاز المفضل لدى الكثير من المستخدمين. أيضا الأيفون أثبت أنه هاتف ثوري بكل المقاييس، و ذلك بالطريقة التي استطاع أن يلهم بها الكثير من مصنعي الهواتف الأخرى، و كيف أنه غير الصناعة و المباديء التي قامت عليها منذ صدوره في 2007.


http://www.electrony.net/118162/أيفون-الهاتف-الثورة/ __DEFINE_LIKE_SHARE__