إنضمامك إلي منتديات استراحات زايد يحقق لك معرفة كل ماهو جديد في عالم الانترنت ...

انضم الينا
استراحات زايد الصفحة الرئيسية


 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-18-2009, 02:10 AM
عضو ماسي
بيانات محروم.كوم
 رقم العضوية : 503
 تاريخ التسجيل : Dec 2007
الجنس : female
علم الدوله :
 المشاركات : 2,100,670
عدد الـنقاط :3341
 تقييم المستوى : 2140

(40) سؤالاً يجيب عليه العلاّمة المهتدي في حوار شامل:


أجراه عبر النت: الكاتب الجزائري المهندس غريبي مراد – بتاريخ (16/5/2009)


تقرأ في هذا الحوار عن تقييم العلامة المهتدي للحركة الاسلامية في البحرين، دخوله وخروجه من المجلس الأعلى، آراؤه في التغيير اللاعنفي، نقده للسلطة والمعارضة موقفه من العلماء ومن جماعته الشيرازية، ورأيه الشخصي في المشروع الإصلاحي للملك، التمدّد الايراني وسياسات التخنيق على الشيعة في العالم العربي، وعن الإسلام والغرب ومستقبل الحالة الإسلامية في ظلّ التكفيريين وصمت الحكومات خاصة بعد تصريحات إمام الحرم المكّي ودعوته إلى قتل علماء الشيعة، وعن الصراع الاسلامي العربي الصهيوني، وعن شورى الفقهاء المراجع ومسألة الوحدة وقضايا فكرية وثقافية عديدة و...

في البدء:
من يكون عالم الدين البحراني سماحة الشيخ عبدالعظيم المهتدي ؟ تقدّمت بالسؤال من سماحته ليعرّفنا بسيرته الذاتية.. فاكتفى قائلاً:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين إنه خير ناصر ومعين. وبعد: فأنا عبدالعظيم، وكفاني تعريفاً أن أكون ساعياً في ترجمة إسمي على واقعي ولله الحمد.
فطلبتُ منه المزيد من التوضيح فقال:
رزقني الله الحياة وأنا في أسرة متدينة وموالية لأهل البيت (ع) ومن الناحية المادية أقل من المتوسطة، ومنذ صباي كنت أرغب في الدراسة الدينية فسمح لي والدي بالسفر إلى حوزة النجف الأشرف في العراق وأنا لم أبلغ سنّ البلوغ. دخلت الحياة السياسية وعمري في السابع عشر وتفاعلت كثيراً مع الثورة الاسلامية في ايران وعمري ثمانية عشر وحرقتُ لها شبابي وحرقني المتاجرون بها من جيل الدخلاء. وخلال ثلاثين عاماً خضت العمل الثقافي والسياسي والتبليغ في دول أوروبية وإفريقية مختلفة. رجعت إلى وطني بعد نفي قسري دام (21) عاماً. إهتمامي الأكبر بالتأليف في مجالات فكرية متنوعة وقضايا إجتماعية وأكتب حول الشئون السياسية للأمة ومجتمعنا البحريني حلولاً في النهج الوسطي.

سألته عن أهمّ مبتنياته الفكرية، فقال العلامة المهتدي:

أرى الوحدة مع إخواننا السنة المعتدلين ضرورة إسلامية ولكنها لا تحتاج إلى المساومة على الولاء لأهل البيت والتنازل عن الشعائر الحسينية، لأن المعتدلين يحترمون غيرهم، وأما الذين يكفّروننا فلا يريدوننا في الوجود، فالحديث عن الوحدة معهم حديث لغو، ولكننا بالبرهان والأخلاق نهزمهم بإذن الله. أؤمن بأنّ الحرية قيمة مشاعة للجميع لا يحق لأحد أن يصادرها من غيره أو يسيء إليه من غير مبرّر مشروع دينياً. وأرى القيادة الفردية أساس فشل الأمة سواءً كانت دينية أو سياسية وسواءاً كانت في موقع معارضة أو سدّة حكم، والبديل الأفضل هو تفعيل آيتي الشورى والتعاون. وقد عانيت الكثير في سبيل قناعاتي ولكنّي واثق بالله على كلّ حال حيث جعل العاقبة للمتقين.

وهنا بدأت في الحوار مع سماحته بطرح الأسئلة التالية:

س 1/ شكراً سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي حفظك الله ورعاك، بداية كيف كانت عودتكم إلى وطنكم البحرين ودخولكم في التعامل مع السلطة بشكل مباشر وأنتم من رموز المعارضة ؟


المهتدي: مطالبات الإصلاح السياسي في البحرين تعود إلى منتصف القرن الماضي ولكنها لم تتمخض عن نتيجة مطلوبة، وكان أهمها ما بدأ في مطلع الثمانينات مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران وما ترتب على مساندة الدول الخليجية لحرب صدام ضدها، ولما انتهت الحرب بعد ثمانية أعوام وهبّت رياح الديمقراطية على المنطقة دخلت الحركة الاسلامية في المعادلة الجديدة، وعلى صعيد البحرين حيث كانت من أسخن دول المنطقة فترة الثمانينات وجاءت إنتفاضة التسعينيات لترهق النظام وتنهك الناس وقادة المعارضة أيضاً اضطر الطرفان إلى تقديم مجموعة تنازلات لتحقيق المصالحة، ورغم أن قادة المعارضة لم يعتمدونا كجزء منهم بسبب التعدّد المرجعي الذي تعيشه البحرين والساحات الشيعية الأخرى إلا أننا دخلنا في هذه المرحلة على خط المصالحة عبر كتابة صيغة توفيقية بطلب من المرحوم العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقد اعتمدها في حواره مع أمير البحرين في سنة (1996م) وعمل بعض رموز المعارضة على تحجيم هذا الدور وتغييبه عند الحديث عن الحركة السياسية المعاصرة في بلدنا، كما حاولوا فيما بعد قرصنة جهودنا في عودة المبعدين بتأسيسنا لجنة متابعة شئون المبعدين البحرينين في المنفى والتي من خلالها دخلنا في مفاوضات مع السلطة حتى سمحت السلطة بعودة مجموعة، وبعد الرجوع صارت متابعتنا لعودة المجموعة الأخرى بوّابة إلى دخولنا في جسم النظام الرسمي حينما تطلّب الأمر أن نتواصل مع الملك لصالح الذين كانت الحكومة تحاول التجاهل في رجوعهم إلى البحرين. وفي الأثناء اطلعنا على ملف البدون وهم المواطنين الذين مضت عليهم قرابة ستين عاماً ولم تعر لهم السلطة بالاً ولم تحرّك لهم جفناً لتجنيسهم. هذه الأرضية مضافاً إلى رغبتي في إلزام النظام بما ألزم نفسه من وعود إصلاحية جعلتني أدخل في الأروقة الرسمية، وذلك بعد تشاور مستفيض مع المرجعيات الدينية والأصدقاء العاملين في الساحة السياسية بحرينياً وخليجياً. ولله الحمد منذ اقتربت للنظام لغرض خدمة المحرومين سلكت مسلكاً يستند إلى وظيفتي الشرعية وأنا على طول الخط بيّنتُ للجمهور أدلّتي لكل موقف حتى لا أكون ممن يخفي شيئاً ويظهر آخر.

س 2/ لقد تقلّدتم - سماحة الشيخ - العضوية في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين بتعيين من قبل الملك، فما هو دور هذا المجلس في الخريطة السياسية للمملكة؟ ولماذا قدّمتم استقالتكم مؤخراً (والتي لم يتقبّلها الملك)؟

المهتدي: بعد تغيير اللائحة الداخلية لهذا المجلس فقد دخلتْ فلسفته الوجودية في سياق الإصلاحات التي طرحها ملك البحرين، وبناءً على مبدئنا في التعاطي مع الدولة ما بعد الإصلاحات وحسب المبررات التي ذكرتها آنفاً وجدت هذا المجلس أقرب إلى رؤيتي ومواقفي من مجمل التطورات. يعتبر هذا المجلس أعلى مرجعية اسلامية رسمية للترشيد العام وهو الجهة التي تستشيرها المؤسسات الحكومية متى ما أرادت اتخاذ قرار يتصل بالقضايا الاسلامية داخلياً وخارجياً، فحتى مجلس الوزراء والمجلس النيابي وغيرهما يرجعان إلى هذا المجلس لتحديد الموقف من أيّة قضية إسلامية. إلا أن هذا الدور ليس فيه إلزام بمقدار ما يعتمد للترشيد والتوجيه وإعطاء المشورة حتى لملك البحرين إذا ما طلب منه.

وأما عن استقالتي فالأسباب عديدة وكان من أهمها ما ذكرته في رسالتي إلى الملك، وهي تدهور الوضع السياسي حيث التعامل مع المعارضة بالأساليب القديمة من قمع واعتقال وحالات تعذيب تنفيها الداخلية ويؤكدها المعذّبون أنفسهم وبعضهم أعرف صدقهم شخصياً. والسبب الآخر تجنيس واستجلاب مئات الآلاف من الخارج على حساب الشعب الذي يعاني البطالة وأزمة سكن وضعف الخدمات الصحية والبلدية وغيرها في الوقت الذي قدّمتُ شخصياً منذ خمس سنوات قائمة بأسماء المواطنين البدون الذين يعيش بعضهم بلا جنسية ستين عاماً وبعضهم أربعين عاماً فلم أجد سوى اللّف والدّوران من مسئول إلى مسئول حتى بات عذر بعضهم مما يضحك الثكلى. والسبب الثالث هو إطلاق عنان التكفيريين ليقولوا بما يشاؤون في تكفيرنا والتحريض علينا كأتباع مذهب أهل البيت (ع) وهم مدعومون من جهات حكومية. والسبب الأهم أنني لم أقترب من جسم النظام وأدخل في المجلس الأعلى لكي أكون جزءاً من الاصطفاف بين السلطة والشعب (الشيعة خاصة) بناءاً على منطق (إما معي أو ضدّي)، وهو ما يأباه ديني وقيمي ومنهجي الإصلاحي، أنا لا تهندسني التصنيفات الجاهلية ولا الولاءات المزيّفة لأكون على شحناتها مع أحد وضدّ أحد، هدفي الإصلاح ما استطعت بلا منزلقات دنيوية ولا مساومات على ثوابتنا الدينية. ولا أتصوّر بقي أحد في بلادنا لا يعرفني بهذا المبدأ الذي عاهدتُ ربّي أن لا أموت دونه.

س 3/ قد يقرأ البعض في تنقّلك من موقف متشدّد ضدّ النظام خلال (25) عاماً إلى موقفٍ عكسي، ثم رجوعك إلى التشدّد الأول وأنت أطلقتَ الكثير من النقد تجاه المعارضة والعلماء أنك إنسان مذبذب لا يمكن إعتماده لأي مشروع سياسي.. ماذا تجيب؟

المهتدي: سؤالك هذا دقيق وهامّ، إبتداءاً ينبغي لك بعد استيعابك للجواب السابق أن تعرف السيكولوجية البحرينية الخاصة وإن كانت حالة عامّة في المجتمعات الأخرى، إنها سيكولوجية التقلّب وفق المناخ السياسي، وهي حالة موجودة لدى الحكومة ولدى الناس ولدى العلماء ورجال المعارضة أيضاً. وهي حالة عند البعض تتبع الأمزجة والمصلحة، وتتبع عند بعض آخر الحكمة ودراسة المحيط والأولويات وتقديم الأهم على المهم. وهذا ما أسميتُه في بعض محاضراتي بـ (لغة المرحلة)، وهو منطق شائع في كل العالم عند السياسيين بل حتى في التاريخ الاسلامي ولدى النبي الأكرم (ص) وأئمتنا الأطهار (ع). فإنّ الظروف المحيطة برجال الإصلاح تؤثر في تغيير لغة الخطاب وصياغة الموقف، كما نجد في صلح الحديبية مثلاً، وفي مماشاة الإمام علي (ع) للخلفاء الثلاثة من قبله، وفيما سمّي بصلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، وكذلك لو تقرأوا التاريخ ترون حتى لغة الإمام الحسين (ع) قبل نهضته وبعدها كانت لغة مرحلتين، وفي زماننا كم ينتقل رجال كبار من موقف إلى موقف، ففي البحرين أيام أزمة التسعينات كان بعض رجال السلطة يهدّد بحرق منطقة (سترة) الشيعية المنتفضة وتسويتها مع التراب بينما أصبح الرجل نفسه بعد فترة يدخلها بالورود والأهالي يهلهلون ويهتفون له بالحياة، ولدينا بعض رجال المعارضة، كانوا بالأمس في لندن ضدّ النظام واليوم يستميتون في الدفاع عنها إذ ومن علماء المعارضة كنتُ برفقتهم في بعض لقاءاتنا مع الملك والمسئولين في السنوات الأولى من الإصلاحات، فكانت لغتهم لغة هادئة، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولا ننسى مثلاً المرحوم العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري، لغته قبل الانتفاضة بسنوات طويلة في أيام القضاء الجعفري الرسمي تختلف عن لغته في أيام الانتفاضة وعن لغته حين إطلاق سراحه حيث خرج على شاشة التلفاز وأعلن تراجعه الكبير الذي أدّى إلى إحباط الكثير من رجال المعارضة الذين راح بعضهم يحفر العميق بحثاً فيما يبرّر ذلك الموقف. ولا زال رجال في المعارضة المتشدّدة لا مانع لديهم من تغيير اللغة والخطاب والموقف إذا ما رأوا من النظام تغييراً، فالتغيير هنا ليس إلا من أجل أن يقرّبنا خطوة إلى هدف الإصلاح العام، لأن العقلاء ليسوا هواة معارضة بما هي معارضة، بل هواة إصلاح بما للإصلاح من آفاق واسعة، وبحسبها وشروط الحال يكون التصعيد والتنزيل متصلاً بحبل الورع وعروة الدين وجذر القيم، وهذا أمر يدخل في الحكمة ولا يُفسّره بالتذبذب والتقلّب إلا من لا يتورّع في حقوق الآخرين، وهم قد نسوا الحديث القائل (كما تُدين تُدان) فكم من هؤلاء يمارسون التقلّب الحقيقي والميكيافيلية الوصولية وينسبونها لمن يمارس الحكمة المزيجة بالورع والتقوى في حين قد أثبتها صاحبها بمواقفه الواضحة ولكن المتصيّدين إنْ هم إلا كالذباب يبحثون عن كلمة تحتمل وجهيْن ليختاروا الوجه الذي يلتقي مع نفوسهم المريضة وينسون سنّة الله في الحياة إذ سرعان ما يجيء الحق فيزهق الباطل. والغريب أنّ أكثر المتصيّدين علينا هم من المتطرّفين في تأييد الجمهورية الاسلامية الايرانية وإيران نفسها منذ تأسيس دولتها من عصر الإمام الخميني إلى يومنا قد تقلّبتْ في مختلف سياساتها الداخلية والخارجية وحتى رجالها تقلّبوا في لغاتهم الثورية والسياسية بل والعقائدية، ولا زال الخطاب الايراني متذبذب في الموقف من أمريكا وأوروبا والدول الأخرى، والموقف الوحيد الذي لم يتغير عندهم هو ما يتعلق بالكيان الصهيوني، فالمسألة على الصعيد البحريني إذن ما هي إلا هرطقات فئوية لتسقيط مَن لا يخضع لفئويتهم، ولو كنت خاضعاً لبرّروا لي كما برّروا لموقف المرحوم الشيخ الجمري وبرّروا لصلاة أحد الرموز خلف السعيدي السلفي التكفيري الهجين. نحن كالمجتمعات الأخرى لا نخلو من أشخاص تقودهم أمراضهم الفكرية والنفسية لإطلاق السهام في وجه مَن لا يمشي حسب أجندتهم، المشكلة تكمن في ثقافة الأنا وتسقيط الغير وليست في حرّية الرأي والاجتهاد في المواقف واختيار لغة المرحلة. ولا تختص الحالة كما ذكرتُ لكم بالناس والشباب الثوري وإنما تراها في الوسط العلمائي وفي الوسط الرسمي وكذلك بين الجماعة الواحدة، فما من أحد يختلف رأيه فيناقش الرأي السليط إلا وعليه أن يستعدّ لسيل التهم. ذلك يكون حينما ينسى الإنسان ربّه وقبره وآخرته، فيتعصّب لدنياه ونفسه وحزبه ومن بيده لقمة عيشه. والحمدلله الذي أغناني بحلاله عن حرامه وبفضله عمّن سواه فلن أبالي بشيء ما دمتُ مقتنعاً بأني في رضى الله أسير ولم أغلق سمعي عن نصيحة المبغضين فضلاً عن عتاب المحبّين، وهذه الأخلاقية يعرفني بها الخصوم ربما قبل الأصدقاء ولكنهم يتكابرون مع الأسف حتى بقدر قراءة ما أنشره لإتمام الحجّة عليهم كيلا يأتوا القيامة بأوزار. وإذا كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه هكذا وليس كما يفسّره الآخرون فليكن صابراً حتى مطلع الفجر، فإنه كذلك كان الناجحون بالمفهوم الإسلامي الأصيل وكفى.

س 4/ ألم تحاول اللقاء بشخص الملك وإبلاغه المشاكل قبل أن تستقيل؟

المهتدي: خلال ثلاث سنوات وأنا أطلب لقاءاً خاصاً مع الملك لتوضيح مجريات البلد وبيان مقترحات علاجية لأوضاع لا تبشّر بالخير فلم أحصل عليه، واللقاء بغيره لا يفي بالغرض. وهذا أمر أتعبني ولا يليق بمثلي أن ألتقي وأقول وأنصح وأطلب لضعفاء البدون بعض حقوقهم دون ثمرة وأنا أرى في الجهة الثانية تجنيس من يستحق ومن لا يستحق وأرى التمييز ونفوذ التكفيريين في أجهزة النظام وخاصة في وزارة الشئون الاسلامية ووزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم وبالأخص مدرّسي مادّة الدين في المدارس، حتى راحت الأفكار التكفيرية تفرّخ في الحرس الوطني حيث يطبع قسم الارشاد كتب مؤسسي السلفية التكفيرية وتوزّعها على العسكريين، فلا ندري فكر القاعدة ماذا يفعل في مفاصل هذا النظام وهو يدّعي محاربته؟!
ومن طبيعة هذا الفكر أنه يبدأ بتكفير الشيعة ولما يستقوي يجهز على السلطة نفسها كما حصل في السعودية وقبلها في أفغانستان وباكستان. فهل نحن على موعد مع أحداث مشابهة في البحرين؟!
إنّ استقالتي جاءت تعبيراً عن رفضي لهذه النكسة وللخطر المحدق حتى بإخواننا السنة والعائلة الحاكمة إنْ استحكم التكفيريون قبضتهم باسم السنة والولاء للسلطة، ولي الفخر أنّ أعلّق باستقالتي جرس الإنذار على صدر هذا الوطن العزيز من غزو سلفي تكفيري على الأبواب. وموقفي ليس ضدّ الملك وليس لصالح المعارضة بل هو موقف وطني إسلامي أبتغي منه رضا الله ورضوانه.

س 5/ فضيلة الشيخ، كلمة الغزو تعني أنّ الفكر الذي تعبر عنه بالتكفيري قادم من خارج حدود البحرين، ولعلك تقصد بالتحديد السعودية، ولكنهم قد يردّوا عليك أن هذا مقابل الغزو الإيراني، ألم يكن شيعة البحرين يعلّقون صور قائد الجمهورية الاسلامية في حسينياتهم وفي الشوارع ولديهم ميول شديدة إلى المواقف الايرانية؟ فعند أهل السنة الدخول تحت المظلة السعودية أفضل من الدخول تحت المظلّة الايرانية. فالإشكال في شيعة البحرين إذ فتحوا الباب على أنفسهم بالتأييد لإيران على الطريقة المثيرة. ما رأيكم في هذا الرأي؟

المهتدي: ليس كل الشيعة في البحرين يحملون العقل الإيراني ويسوّقون له، وهذا أمر واضح للسلطة وللتكفيريين، وسبق منّي التحذير والنصيحة للإخوة المؤيدين لإيران أن يصلحوا بعض قناعاتهم وأساليبهم حتى اتهمني متطرّفوهم بالضدّية للجمهورية وقائدها سماحة السيد الخامنئي، ولكن لا ننسى أن هذا التأييد رغم ملاحظتي على أسلوبه لا يتجاوز حدّ المواقف السياسية ضدّ أمريكا والكيان الصهيوني الغاصب، ولا علاقة له بالوضع الداخلي فيما يتصل بالحكومة وخيانة الوطن كما تحاول الأقلام الرخيصة أن تصفه بذلك وتربطه بالأجندة الايرانية. كما لا ننسى وهذا هو الأهمّ بأنّ الغزو الإيراني على فرض وجوده فهو غزو فكري سياسي محدود النطاق بجماعة واحدة من الشيعة ولسنا معنيين بهم بينما الغزو التكفيري شمولي دموي لا يميّز بين شيعي ذي اهتمام سياسي أو ميل إيراني وبين شيعي ليس في الاتجاه السياسي أو الإيراني. فالتكفيريون يخلطون أوراق الصراع ويجرّون إليه من لا علاقة له وهذا هو الأجندة الأجنبية الأخطر على السنة والشيعة وعلى الحكومات ومستقبل الأمّة. ولعلمك أخي أنا لستُ في موقف المصادرة لحرية السلفية كفكر أو اتجاه .. حال السلفيين حال الجماعات الأخرى بين المسلمين، وإنما أنا ضدّ أن تقوم هذه الجماعة بتكفيرنا والتحريض علينا وتمهّد لتصفيتنا الجسدية وفي مرأى الحكومة ومسمعها، وهذا ما فعلتْه السلفية الدموية في أفغانستان وباكستان والعراق وأطلقتْه على مستوى البحرين في بيان باسم (كتائب التوحيد) إستنصاراً لقائد التكفير البحريني المدعوّ عندنا بجاسم السعيدي...
فالقضية واضحة وتحليلنا مدعوم بوثائق دامغة لا تتحمّل السكوت إلا إذا قرّرنا أن نكون خرافاً تساق إلى المذابح بعد استضعافها. وهذه الشدّة في موقفنا إنما كي تنتبه الحكومة إلى مسئوليتها الوطنية وتعالج الواقعة قبل وقوعها. وإلا ما قيمة حكومة لا تحمي مواطنيها من أنياب تنهش في المعتقدات الدينية لمواطنين قد أنهكتْهم مشاكل البطالة والتمييز والفقر في الجهة الأخرى، في الوقت الذي يعيش اليهود والنصارى في بلدنا بحرية كاملة في المعتقد ويعبث الفسّاق في طول البلاد وعرضها بأنواع الفجور فلا يرفع التكفيريون صوتهم عليهم ؟!

س 6/ ولماذا لم يقبل الملك استقالتكم وماذا دار في حواركم معه؟

المهتدي: الاستقالة نوع من الكشف عن وجود خلل في السلطة ليس بالهيّن، وخاصة إذا كان المستقيل شخص بسوابقي المعروفة، والسلطة تحتاج لرجال كانوا في المعارضة ويمتلكون رصيداً من الحضور بين الناس وعلى مستوى الإعلام الداخلي والخارجي، فاستقالتي وبالإعلان عن أسبابها الثلاث الخطيرة - والتي حاولت صحيفة الوسط البحرينية تحجيم موقفنا بتحريف أسبابها - تعتبر إدانة للأوضاع غير الطبيعية في البحرين، وتأتي أهميتها أنها جاءت في وقت الأزمة بين السلطة وبعض قوى المعارضة والشارع البحريني ملتهب. فمن الطبيعي أن يرفضها الملك وهو يعلم وسطيّتي واعتدالي وأهمّية رجل بتاريخي ومواصفاتي. ولكنّي لا أستطيع القبول بالرجوع عن استقالتي لأهمّية المصداقية التي لابدّ لعالم دين أن تكون لديه عند مرجعيته الدينية وجمهور المتديّنين، فماذا لديّ أن أقوله لمرجعي وللعلماء من أصدقائي المنتشرين في أصقاع العالم ولأهلي وأبناء شعبي، إنّ قيمة الإنسان بصدقه ومصداقيته مع الله والعباد، ومن دونها لا قيمة له. ولقد ذكرت للملك (سدّد الله خطاه) في لقائي به الذي دام ساعة وعشر دقائق بعدما أبرقت إليه رسالة الاستقالة الكثير من معوّقات العودة إلى سقف المجلس الأعلى، بيّنت في هذا اللقاء خطورة الوضع وما يؤول إليه الأمر لو لم تعالج الأزمة مع المعارضة بالحوار ولم تتوقف عملية التجنيس ولم يردع التكفيريين. فوعدني بمعالجة الأمور.

س 7/ بتاريخ (13/4) أصدر ملك البحرين عفواً عن المعتقلين الذين كانوا سبب الأزمة الأخيرة التي عصفت ببلادكم، قرأت في بعض المنتديات أنّ الموقف لم ينتج عن مكرمة بقدر ما هو إسكات المعارضة التي عرّضتْ مسابقات الفورمولا الدولية في البحرين إلى خطر حقيقي، فالسوّاح لا يقدمون إلى بلد لا يطمئنون لأمنها واقتصاد البحرين يعتمد على مثل هذه المظاهر اعتماداً كبيراً، فالعفو جاء لضرب عصفورين بحجر واحد كما يقولون، فما هو رأي العلامة المهتدي في هذا التحليل؟

المهتدي: لا يخلو الأمر من شيء كهذا، ولكن يبقى العفو عملاً جميلاً مهما كانت دوافعه، وهذا لا يكفي ما لم تتجه السلطة إلى معالجة الملفات من أساسها، كي لا تدور الإسطوانات، فإلى متى أزمة واعتقالات ومشاكل ثم عفو بلا نظر في الأسباب، فهل البحرين يجب أن تدور حول نفسها فوق محور التراكمات. إنني أثمّن مكرمة الملك وطبعه البسمة على وجوه السجناء وأهاليهم، ولكن إظهار السجناء بمظهر المجرمين كما يسوّق له المتزلّفون لهو أمرٌ خطير. فوجود الخطأ أو قلّة من المخطئين في وسط كبير لا يسوّغ إطلاق وصف التخوين على الجميع.

س 8/ هل كان لاستقالتكم ولقائكم مع الملك وموقفكم الذي أحدث ضجّة في الوسط الإعلامي وأخبار الفضائيات أثر في إصدار العفو عن المعتقلين؟

المهتدي: اتصل بي جمع من الناس يشكروني على ذلك، فأرجعتُ السبب إلى صمود المعتقلين أنفسهم وأهاليهم والجمعيات السياسية والمنظمات الحقوقية وكبار العلماء بلقائهم مع ملك البلاد. هذه طريقتنا، نحن لا ننسب الإنجازات لذات معينة ولا جهة بل نقول أن للجميع أثره بمقدار سعيه. ولا يجوز لأحد أن يسطو على جهود غيره ويبرز نفسه الأول والآخر. مثل هذه العقليات الحصرية الأنانية الإقصائية سبّبتْ لمجتمعنا مشاكل ولا زالت لم تتعظ من الحوادث وعمق المأساة التي تهدّد مصير الشيعة في البحرين. نحن مجتمع التعددية ولا ينفعنا إلا إحترام الكفاءات كلّها عملاً بالآية الشريفة: (ولا تبخسوا الناس أشيائهم) والآية تعلّمنا أن نثمّن الخير من (الناس) وهو كلمة تطلق الآيات القرآنية وتقصد المسلم وغير المسلم.

س 9/ مضت على الاستقالة قرابة ثلاث شهور ، هل تمّتْ تلبية مطالبكم الثلاث التي وردت في أسباب الاستقالة؟

المهتدي: بعد إصدار الملك عفوه عن المعتقلين أبرقتُ له كلمة شكر وإشادة وبذلك أعتقد أنّ السبب الأول وهو تدهور الوضع السياسي بالمعالجات القمعية عولج إلى حدّ ما، وذكرت في البرقية أنّ هذه الخطوة مقدمة جيّدة للحوار بين السلطة والمعارضة وإن لم أتفق كثيراً مع نقل الحوار إلى قبّة البرلمان، لأن البرلمانيين بسبب إصطفافهم الطائفي المعروف هم جزء من المشكلة فلا يقدّمون ولا يؤخرون، وأما السبب الثاني وهو التجنيس وملف البدون فقبل أيام التقيتُ بوزير الديوان الملكي وأخبرني أنّ قائمتي قيد الدراسة وسوف تنظر في الحالات واحدة واحدة ويصدر جلالة الملك شخصياً أوامره في الحالات الإنسانية ومن لم تكن لديه مشكلة أمنية. ومع الأسف هذا الكلام هو ما سمعته سابقاً كراراً ومراراً، ولا أدري إن كان هذه المرّة يثمر أم لا ؟!

س 10/ وماذا عن السبب الثالث ظاهرة تكفير الشيعة على لسان الشيخ جاسم السعيدي؟

المهتدي: بالنسبة لظاهرة تكفير شيعة أهل البيت (ع) إلتقيت برئيس المجلس الأعلى قبل أيام أيضاً وقال هناك خطوات للصدّ عن هذه الظاهرة، ولكني لا أرى يكفي ذلك لأن التكفيريين متغلغلين في مفاصل الدولة وهم بمستوى أن قطعوا الطريق علينا في المجلس الأعلى حينما قام المجلس من خلال لجنة كنت عضواً فيها بحذف المفاهيم التكفيرية من كتب مادّة الدين المدرسية، فلما تمّ ذلك وكاد يعتمد التصحيح من قبل وزارة التربية والتعليم عمل المتنفّذون السلفيون على إجهاض هذا العمل الإسلامي الوحدوي. دعني أذكر لك مثالاً واحداً.. إتصلت بي قبل أيام إحدى المدرّسات الشيعيات الحائزة على جائزة من الوزارة لتميّزها في أداء مسئوليتها المدرسية أنّ كثيراً ما تستلم من الطالبات شكاوي ضدّ معلّمة مادّة الدين السلفية التي لا تبرح من إسائتها لمعتقدات الطالبات الشيعيات واتهام مذهبهنّ بمذهب الشرك والبدع، حتى ذات يوم ناقشتها إحدى الطالبات كما حكتْ لي أنّ التوسّل بالصالحين لطلب الحاجة من الله إذا كان شركاً فكيف قد توسّل النبيّ يعقوب بقميص ولده يوسف فارتدّ بصره (إذْهَبوا بقميصي هذا فألْقُوه على وجْهِ أبي يَأْتِ بَصيراً – سورة يوسف الآية 93) فلم تحر المعلّمة السلفية جواباً. تقول المعلّمة الشيعية نصحتها أمام مديرة المدرسة وهي سلفية أن تتوقف عن الإساءة لمذهبنا فأعادت كلامها أن التوسل شرك وأنتم الشيعة تتوسلون بقبر النبي محمد وأهل بيته فأنتم مشركون. فتلوت لها الآية (64) من سورة النساء (ولو أنهم إذ ظَلَموا أنفسَهم جاؤوك واستغفروا اللهَ واستغفرَ لهم الرسولُ لَوَجُدوا اللهَ توّاباً رحيما) وقلت لها يا أختي ماذا تقولين في هذه الآية؟ قالت هذا لما كان النبي حيّاً وأما بعد موته فلا فائدة فيه إلا في أحاديثه. قلت لها هذا عندكم وأنتم فئة من المسلمين ولكن عند عامّة المسلمين (شيعة وسنة) أنّ النبيّ الأكرم (ص) حيّ بروحه يسمع قولنا ويردّ على سلامنا وللمسلمين علماؤهم وأدلتهم من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة. ما دار هذا النقاش حتى أتتني الأيام من المديرة هذه المرّة بالمشاكل والمضايقات غير المباشرة حول هذه القضية. وبلغ بي أذاها حدّاً لا يطاق فاضررت أن أرفع الشكوى على المديرة في وزارة التربية والتعليم، فزادتْ المضايقات واكتشفتُ أنّ زوج المديرة مسئول كبير في الوزارة فلم يُنظَر في رسالتي إلا لصالحها ومزيد من أذاي حتى بدأت أفكّر أخرج من المدرسة رغم أنها قريبة لمنزلي فأختار مدرسة بعيدة وأنا خائفة من التورّط بأمثالهنّ لأنهنّ مزروعات في أكثر المدارس.
وعلى صعيد وزارة الإعلام، فالسلفية متغلغلة وتظهر قوّتها مثلاً في أيام معرض الكتاب الدولي، حيث يشتكي أصحاب دور النشر أنّ المراقبين يصادرون أيّ كتاب في الردّ على شبهات السلفية ضدّ مذهب أهل البيت (ع) ولكنهم في المقابل يسمحون لدور النشر السلفية وغيرها أن يبيعوا أو يوزّعوا بلا ثمن الكتب التي تسيء إلى الشيعة ومذهبهم.
ولديّ قصص واتصالات ومواقف كثيرة من هذا النوع تكشف عن المشكلة الطائفية الخطيرة في مؤسسات حكومية عديدة، فالعلاج السطحي لظاهرة التكفير ونفوذ التكفيريين لا يأتي بنتيجة ما لم تتحرّك المجاميع الشيعية والسنّية المعتدلة على المستوى الرسمي والشعبي تحرّكاً توعوياً شمولياً بعيداً عن المحسوبيات الداخلية والإملاءات الخارجية.

س 11/ شيخنا ما هو تحليلكم سياسياً لنفوذ الفكر السلفي الوهابي التكفيري في البحرين، علماً أن الأسرة الحاكمة على المذهب المالكي، فما هو موقف أهل السنة من المذهب الشافعي والحنفي والحنبلي، هل ترون مخطّطاً أوسع وأكبر من هذا الظاهر؟

المهتدي: نعلم أنّ الصهيونية العالمية والسياسة الأمريكية وراء خلق الفوضى في عالمنا الإسلامي والعربي لتمرير مآربهم، وهناك حكومات متخوّفة من المعارضة السياسية وخاصة تلك الشيعية منها وبالأخص ما لها علاقة ولاء لإيران، فمن مصلحة القوى الإستعمارية وهذه الحكومات رمي الصراع السياسي في الملعب المذهبي، فوجدوا في الفكر السلفي بقسوته المعروفة أرضية خصبة جدّاً لخوض هذه المعركة بالنيابة عن تلك القوى وتلك الاتجاهات الحكومية، ونسوا أنّهم سيف ذو حدَّيْن، وهم أول مَن سوف يبتلون بهم مِن بعدنا يوم تقوى شوكتهم. إنّ المشكلة التكفيرية اليوم لتداخلها مع المآرب السياسية وما لها من دعم مالي كبير تشكّل في نظرنا كارثة في طريقها إلى التوسّع... ومن ناحيتنا كمذهب مستهدف لدينا تحليل لهذا المخطّط الرهيب على بُعديْن وشعبتيْن، شعبة داخلية تختصّ بالصعيد الشيعي وأخرى خارجية تأتي على الصعيد السنّي. أبدأ لك بتوضيحٍ حول هذه الثانية ثم أتناول بشيء حول الشعبة الداخلية. إنني ألتقي بعلماء ووجهاء ومثقفين من إخواننا السنة فهم يحملون نفس القلق من نفوذ السلفية، حتى قال لأي أحد كبار علمائهم وهو خطيب جمعة وله حضور جيّد في الصحافة أنّ السلفيين أصبحوا أقوياء بالدعم الذي يتلقّونه من السعودية مباشرة، فقبل فترة وبرغبة من أحد كبار المسئولين في البلد تمّ تعيين أحد مشايخ السنة العروف ضدّ السلفية إماماً لأحد أهمّ جوامع البحرين فتحرّك السلفيّون من السعودية ومنعوا هذا التعيين. إنني أحذف الأسماء عن هذه القصة كي لا يؤدّي كلامي إلى ضرر لهذا الشيخ الذي أضاف لي قائلاً أننا كسنّة نعيش القلق حتى على أنفسنا لأن الفكر السلفي يحاربكم علناً ويحاربنا سرّاً ونحن لا نستطيع أن نعارض مثلكم أنتم الشيعة، لأننا ملتزمون بمبدأ الطاعة لوليّ الأمر لحفظ النظام العام، إذا تكلّمنا قالوا خرج عن الطاعة و...
وأما الشعبة الداخلية للمشكلة فهي ظهور فئة من الشيعة تعتمد الحداثوية الثقافية يغلبهم الهمّ السياسي المعارض للنظام، وهي في الجانب العقائدي تتعاطى منهج التشكيك في الثوابت الشيعية ومناقشات هشّة في التاريخ الشيعي وبالتالي يعملون من حيث يريدون أو لا يريدون على نسف روح الولاء لأهل البيت والحدّ من حُبّ التفاني في قضية الإمام الحسين، مما ترى يستفزّها - أي هذه الفئة - الشأن السياسي الدنيوي ولا يستفزّها ما يهدّد المذهب والروح الدينية.. يرون الرمز السياسي المعارض للنظام خطّاً أحمر ولا يرون مذهبهم الذي يتعرّض لتهمة التكفير خطّاً أحمر..
وهكذا فإني أرى الخطر الحقيقي على التشيّع كمذهب إسلامي وعلى أتباعه في البحرين يتمثّل في معول خارجي بيد السلفية التكفيرية وفي معول داخلي بيد الحداثويين وتلك الشرائح من المعارضة التي تفرّغ جمهور الشيعة من روحها الولائية والحماسة الحسينية. إنّ المخطّط لتفريغ الشيعة عن عناصر قوّتها الفكرية والعقائدية وديمومة حياتها وخاصة في البحرين المتميّزة تاريخياً بروح الولاء لأهل البيت والحضور الشيعي الفاعل منذ عصر النبيّ الأكرم (ص) لهو مخطّط أخطر من الملفات السياسية التي يستميت لها السياسيّون وعلماء مدرسة التشكيك. وما يؤلمني هو هذا الملفّ المغيَّب في صراع مصيري هو الأكبر من أيّة قضية سياسية ترتبط في البطالة والإسكان والسواحل و... صراع يعدّ له الجميع بما فيهم خدمة الصهيونية وجواسيسها في مجتمعاتنا بينما علماؤنا غافلون وأبناء طائفتنا لاهون.

س 12/ قد تقول المعارضة أنكم تريدون تحريف أهدافها من السياسية إلى المذهبية، فماذا جوابكم؟

المهتدي: العمل السياسي فرع الدين وليس أصله.. فإذا أخذ الفرع يهدِّد الأصل لا يجوز التفرّج هنا. فنحن قبل أن نكون سياسيين ونعمل للإصلاح السياسي منذ سنة (1977م) يوم لم يكن بعض رموز المعارضة يؤمن بشيء من المفردات السياسية كنّا عقائديين ودينيين ونريد تطويع السياسة للقيم الدينية وليس العكس، والجمهور الشيعي إنما تفاعل مع المعارضة السياسية بناءً على أصلها الديني، والآن غلبت المعارضة والفكر السياسي المنفصل عن الدّين على الدّين وفرّغه عن محتواه الولائي الحسيني بعد الحشو والتفسيرات الشخصية والتغيير في البنية العقدية لدين الله الحق، فهذا خطر استراتيجي ليس بالقليل وهو كارثة على مدى البعيد. إنني لا أدعو إلى ترك الملفات السياسية بل أقول يجب أن لا يتركوا الملفّ الديني في وسط المعركة السياسية ومصالح الجمعيات ورجالها، في الوقت الذي ما يعطيهم مشروعية العمل السياسي عند الله إلا دين الله وشعبنا شعب ديني يريد القيم الإلهية تحكمه وليست قيم العلمانية والأفكار البشرية المستوردة. فلا ينسى رجال المعارضة أنّ شرعية عملهم السياسي حصلوهم من التأييد الجماهيري المتصل بالدّين الإسلامي الحنيف. فإذا كانت أطراف علمانية في السلطة ترغب لتوريط الشيعة والسنة في معركة مذهبية لتسلم هي من المشكلة السياسية، فإنه من واجب الوفاء لهذا الدين أن لا ينتهك بمظاهر الفسق والمجون والفساد المتزايد ونترك مذهبنا يُرمى بالتكفيريين ولا تحرّكنا غيرة تجاه فقرائنا لتلتهمهم عصابات شيطانية أو يخدعهم التكفيريون ببعض المال والخدمات، وهناك شرائح من المعارضة الشيعية تساعد هذا المخطّط بمنهج التشكيك المردود. ففي أجواء كهذه لابدّ لأصحاب الغيرة الدينية وخاصة مَن لا زالت جراحات النضال لا تهدأ لهم بالاً أن يطلقوا تحذيراتهم من كارثة مستقبلية تهدّد وجود المذهب ومؤسساته ومراكزه ومساجده وحسينياته، فلا قيمة للسياسة عندنا ولا للمعارضة ولا للمناصب والوجاهات إذا اقترنت بالضرر للعقائد الإيمانية والثوابت الدينية. هكذا كان نهج أئمتنا الأطهار (ع) عندما زويتْ عنهم الخلافة الدنيوية فحرسوا الدين وجاهدوا من أجل العقيدة إلى آخر قطرة من دمائهم الزكية. هذا بحرنا العميق ونحن مثل السمكة في البحر، فإذا خرجنا منه أو أخرجونا كان موتنا حتميّاً.

س 13/ بناءاً على هذا التخوّف المصيري، هل تهدفون إلغاء ملفات المعارضة والإنشغال بملف التكفير؟

المهتدي: كلاّ بالطبع.. ليكن للمعارضة ملفاتها وإن كانت عندنا بلا فائدة كبيرة بعد اختطاف اليساريين لها نتيجة أخطاء الإسلاميين وخلافاتهم التافهة التي حذّرنا منها حتى داسونا ودهسونا، نعم وليكن للعلماء والقوى الإسلامية ترتيباتهم الجديدة لمواجهة خطر التكفيريين. ولقد دعوت من قبل إلى تأسيس رابطة للدفاع عن شيعة البحرين، والآن أتوجّه إلى تعميم هذه الدعوة خليجياً، فلابد لعلماء دول الخليج أن يفكّروا جدّياً لمستقبلهم ومصالح الشيعة وجودياً ودينياً ومؤسساتياً. لابدّ من التطلّع للأمام بعقل وجهد ومشاركة جماعية لا فئوية ومرجعية ضيّقة. لابدّ من الارتقاء بمستوى الحدث والزمن والمسئولية وأمانة المذهب والطائفة بكلّ مكوّناتها لا بما لدى هذه الجماعة وتلك من إمكانات متفرّقة.

س 14/ قيل أن الشيخ المهتدي شديد النقد لعلماء البحرين، فأين موضع الخلل الذي ترونه فيهم ولماذا تنتقدونهم؟

المهتدي: لا يخفى على ذوي العقول الإصلاحية الكبيرة أنّ النقد بداية للتصحيح وعلامة على الصحة والعافية الإجتماعية، فكما أن وجود معارضة سياسية في أيّ بلد دليل على الوعي الصحّي كذلك المعارضة النقدية والعلمية في الداخل دليل على نبض الحياة والإرادة نحو الأفضل، بل هذا النوع من المعارضة - إن صحّ التعبير - هو الأهمّ لو أردنا النجاح في المعارضة السياسية، لأن الله لا يغيّر ما بخارج قوم حتى يغيّروا ما بداخل أنفسهم من صفات مشابهة في الطرف الآخر. ولا أخفيكم أن النقد الذي يصدر عنّي يؤمن به الجميع ولكنهم لا يفصحون عنه إلا بعضهم وعلى نطاق محدود خوفاً من ألسن أتباع المنتقَد ومقاطعتهم. يتصل بي بعض العلماء ويشكرني على نقد الحالة ويبارك لي أدلّتي المقنعة، وهذا يعني أوّلاً أنّي لا أنتقد جميع العلماء، وثانياً أنّ نقدي موجّه للحالة وأسبابها وليس للأشخاص وهم مَن أحترمهم علناً وفي المجالس العامة وأدافع عن إيجابياتهم. وإني أعتقد أنهم في قرارة أنفسهم يؤيدونني لولا بعض الحواجز التي يتوهّمونها، ولكنهم يرون التماشي والعلاج الظاهري أفضل من التجاهر بالنقد، هذا تشخيصهم وأما عندي فإنّ الحالة تشبه الجرح الذي مضى عليه زمن، فاجتمعت بداخله الأوساخ، فبينما يطلب المريض من الطبيب أن يعالج جرحه ظاهرياً من دون الضغط عليه لإخراج الأوساخ، ترى الطبيب المخلص الشجاع يرفض ويقول له بل لابد من النظر إلى مصلحتك الحقيقية، فيضغط على الجرح حتى يتألم منه المريض وقد يسبّ الطبيب ويرفسه برجله، ولكن الطبيب يتحمّل من المريض كل ذلك حتى يقيّئ الجرح المفتوح أوساخه ثم يضع عليه الدواء أو يخيط عليه وهو يعلم أن هذا المريض سوف ينتبه لأهمية علاجه الصحيح بعدما يبرء ويتخلص من التعفّن والتلوّث الداخلي.

س 15/ كلام سليم ولكن أليس النقد السرّي والنصيحة خلف الكواليس أفضل من الإعلان به حسب المأخوذ عليكم؟

المهتدي: تابع التاريخ.. فأنا لم أعلن شيئاً من ذلك النقد إلا بعد أن مارست النصيحة في السرّ ثم طفح الكيل بقطيعتهم لي، وتحمّلنا ولكن عمدوا إلى حرب التسقيط ضدّي عبر أتباعهم في العلن وعبر المنتديات والمنشورات والمجالس جهراً وبهتاناً، فلزم التجاهر بالدفاع والتوضيح ونقد الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المستنقع. وهذا ما يفعله كلّ من تهتك سمعته في المجتمع وتجيَّش الناس ضدّه. وإنما كان هذا منّي بعد صبر وصمت وطلب إستغاثة منهم لإصلاح الوضع فلا من مجيب. وهذا النهج أتبعه لأني لا طمع لي في رئاسة ولا وجاهة، لأنهما يتوفران بالسكوت والتماشي وإخفاء الحقيقة على الجمهور كما يفعله البعض، ولذلك لا يخرجوا إلى حلّ حقيقي للأزمات. وهذا ما أرفضه لأن الحقيقة والجمهور والدين والمستقبل أمانة بأيدينا، فلا يجوز للمخلصين أن يتلاعبوا فيها لمصاحة فلان وفلان.
يا أخي.. إنّ أصل المشكلة هي فكرية وتربوية، ولا يستثنى منها إلا مَن رحمه الله مهما حاول البعض أن يختفي وراءها بالمظهر الديني أو النضال الوطني، تلك هي مشكلة الذات الأوحدية التي تعشعش في أكثر النفوس عندنا حسب الطبقات والتسلسل الهرمي، حيث يعتقد بها الشخص نفسه ذاتاً لا تُمَسّ، فلن يقبل إلا أن يقال له أحسنت وأنك على حق دائماً وغيرك لا يفهم!!
هذه الظاهرة لدى بعض الكبار جعلت الناس يتعلّمون منهم الإستبداد بالرأي في كل صغيرة وكبيرة فأصبح الشارع منقسماً ومتقابلاً لبعضه البعض، وبالتالي أصبح الطيّبون حيارى، لا يدرون في أيّ شارع ومع أيّ عالم يسلكون الطريق؟!
بالله عليك.. نقد هذه المأساة وأسبابها الواضحة والساكتين عنها والمتفرجّين عليها هل يكون عملاً ضدّياً لأولئك العلماء الذين صنع لهم أتباعهم هالة من القدسيّة المزيّفة وهم تقبّلوها وارتضوها لأنفسهم على حساب مصلحة الجميع، وهم يعلمون بأنّ العصمة في هذه الأمة ليست إلا لمن عصمهم الله وطهّرهم من الرجس وهم محمد وأهل بيته، فيكون غيرهم إلى يوم القيامة سواءاً كان صحابياً أو حاكماً أو مرجعاً دينياً أو رمزاً قيادياً أو وجيهاً آتاه الله من الدنيا ما آتاه معرَّضاً للزلّة والكبوة وبالتالي يكون مطالباً بالمسائلة والمحاسبة وربما لكيلا يزلّ ويكبو. وفي الحديث (زلّة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرَق). إنّني مقتنع بما أراه ولي أدلّتي وأدعو للحوار دائماً.
أقول ولازلت مصرّاً أنّ واقعنا العلمائي يحتاج إلى ترميم ومن يقول غير هذا فهو يخدع نفسه وغيره من حيث يعلم أو لا يعلم. ولتعرف حقيقة رأيي أنقل لك ما حدث من جدل ساخن قبل أيام في مجلس أحد العلماء بين جمع من طلبة العلوم الدينية والخطباء أو من يسمّون أنفسهم بعلماء، قسم يدّعي أنّ رمزه فلاناً كان له الأثر لإقناع الملك بالعفو عن السجناء، وقسم يدّعي ذلك الفضل لرمزه، وقسم ثالث يحصره في جهود المعارضة وحسب تعبيره صوت قنينات الغاز وقوّة الدخان في الشارع كان هو السبب للإفراج عن السجناء وخاصة مع اقتراب مجيء السوّاح وهواة مسابقات الفورمولاّ واحد. أنظر إلى هذا المستوى الهابط من التفكير.. وبه تكشف عمق التخلّف الذي ابتلي به مجتمعنا ممن يفترض كونهم موجّهين لعموم الناس.

س 16/ ذكرتم أن المشكلة أساسها من الفكر والتربية، كيف ذلك؟

المهتدي: نعم.. هذه المشكلة أساسها نظرية (التصنيم) و(التسليم).. وتعنيان جعل الرمز القيادي كالصنم ودعوة الناس بالتسليم له وتكسير مَن لا يقبل هذا الطرح، وهو ذاته تعيشه الجماعة الثانية والثالثة والرابعة وهكذا صار (كلّ حزبٍ بما لديْهِم فَرِحُون)... وهذا من أخطر الآفات التي تضرب التطلّعات التنموية في الشعوب وتعيق الحريات النهضوية في الأمم. لذلك نعتقد أنّ مجتمعاً يعجز عن القبول ببعضه لا يكون مجتمعاً يستحق الحياة في كلّه. وليس من الغريب ذلك فالشرقيّون منذ القِدَم عُرفوا بالشخصنة القيادية والتقديس للرمز حتى النخاع، فالشخص قد يكون عالماً أو قائداً أو ملكاً أو حاكماً أو وزيراً أو غنيّاً أو لاعباً رياضياً أو مغنّياً فنّاناً أو رقّاصة فنّانة أو قد يتجسّد (الأنا فقط وغيري كلا) في شكل حزب أو عشيرة أو أسرة أو دولة، فيراد للفرد أن يكون تابعاً بتعصّب دون مناقشة ومن غضّ النظر عن كون الموقف حقاً والاتجاه سليماً والصراط مستقيماً. فباعتباري عالم دين وذو خلفية سياسية (في المعارضة) فمن الطبيعي أن يتجه نقدي في هذا الحقل، والمنصفون يعلمون طبيعة نقدي ونهجي ليس عدوانياً، وحتى نقدي للسلطة لا ينطلق من روح عدوانية وغاية التأجيج والتحريض.
ومن هذا المنطلق كنت واضحاً في خطبة الجمعة بعد إطلاق سراح السجناء، إذ قلت أنه أمر جيّد ولكنه غير كافٍ لحلّ الأزمة من جذورها، هذا على الصعيد الرسمي. وعلى صعيد المجلس العلمائي والإخوة في جمعية الوفاق وحركة حق وغيرهم أرى تجنّبهم المحورية سبيلاً هو الأفضل والأقرب إلى روح الدين وأخلاق الديمقراطية ومقتضى الحكمة والمشاركة والوحدة التعاونية، فالبحرين زاخرة بالكفاءات العلمائية ورجال الفكر السياسي الذين بهم يكتمل شورى الإنقاذ، وإنما تظهر الحقيقة حينما يجتمعوا للبحث عنها بروح الأخوة وإرادة التعاون على البرّ والتقوى، فتلك هي المشاركة التي يطالب بعضهم السلطة بها فلماذا يدوسونها مع أقرانهم. كفانا التناقض والتخلّف والمفاهيم الإستبدادية التي أحالتنا إلى شتات تنطبق علينا آية الحزبية البغيضة. وكفى توظيفاً لمعاناة الناس ومتاجرة لعذاب السجناء في بناء الرمزية وتكريس الأنانية الحزبية وثقافات لا تجلب لنا غير التباعد بين مكوّناتنا.

س 16/ هل تقدّم أحد من كبار العلماء أو قادة المعارضة إليكم لبحث أطروحاتكم ومناقشة هذه الأفكار؟

المهتدي: هذا هو مقتلنا، كلّنا نعاني من مرض القطيعة والانقطاع لنفس السبب الذي ذكرته لك، يخيّم على مجتمعنا فتور العلاقات، كلّ شخصية وكلّ مجموعة وكلّ فئة تعيش لنفسها، الأفكار لا تؤثر، النداء لا يُسمَع، الأدلّة لا تُقرأ، نحن مثل حبّات السبحة التي انقطع خيطها، كلّ حبّة في واد. وحتى الأزمات لا تجمعنا كما تجمع الشعوب الأخرى، نعم لدينا ظاهرة حلوة، وهي الفواتح التي تكتضّ بالموافق والمخالف، فالمهتدي إذا مات أو مات أحد أقاربه يأتي الجميع للتشييع والتعزية، وإنْ كان مرض الفئوية البغيضة تتسلّل حتى إلى مجالس الفواتح، ففي فاتحة زوج شقيقتي دخل أحدهم فمددتُ يدي فتجاوزني إلى غيري ولم يسلّم!! فيا تُرى من أين يُشحَن مثل هذا الأحمق.. أليس من مواقف العلماء مع بعضهم البعض؟! ولذلك قال المثل (إذا فسد العالِم فسد العالَم وإذا صلح العالِم صلح العالَم).
الأصل الغالب في طبيعة المكوّنات العلمائية عندنا في البحرين أن لا يغيّروا ما بداخلهم من قناعات وأن لا يسعوا للقاء بالآخر والاستماع إلى ما لديه من آراء قد يستحق النقاش فضلاً عن القبول. على عكس علماء المنطقة الشرقية بالسعودية إلى حدٍّ ما، حيث يجتمعون في مجالسهم بشكل عام ويتزاورون غالباً، فتجدهم عند أحداث كالتي حصلت في الشهر الماضي للشيعة في المدينة المنوّرة يشكّلون وفداً من كلّ الاتجاهات المرجعية رغم بعض الخلافات ويبلغ عددهم ما يقارب (130) عالماً ويذهبون إلى لقاء الملك السعودي في الرياض ويبلغوه رسالة الإحتجاج نيابة عن كل الأطياف الشيعية ومرجعياتهم التقليدية. نحن في البحرين لا نملك من الترابط مقداراً يعيننا على التنسيق حين الأحداث المحتملة. وهذا الخلل هو ما أذكّر به الساحة الشيعية والسادة العلماء باستمرار وأملي في الجمهور أن يدفعوا مرئياتنا الوحدوية نحو الأمام ويتكلّموا مع العلماء والمتنفّذين الوجهاء قبل أن يتفاجئ الجميع بأمور نقرأ على أنفسنا المثل العراقي (في الصيف ضيّعت اللّبن)!

س 17/ سماحة الشيخ، علماء البحرين الكبار مجتمعون، فالشيخ عيسى قاسم (المحسوب على القائد الخامنئي) والسيد الوداعي (المحسوب على الخط الأخباري) والسيد الغريفي (المحسوب على السيد فضل الله) والشيخ النجاتي (المحسوب على المرجع السيستاني) والشيخ عبدالحسين الستري (المحسوب على الخط العام)... يتحرّكون جماعياً، إنما الإشكال في جماعة المرجع الشيرازي لم يتلائموا معهم حسب المعروف على الألسن. معذرة إذا كانت معلوماتي غير دقيقة.. أستفيد منكم.

المهتدي: على ألسن الناس هذا هو المعروف ولكن ربما عند السادة أنفسهم تحفّظات حول التصنيف المذكور، وأما بخصوص جماعة السيد المرجع الشيرازي أنهم لم يتلائموا مع هؤلاء العلماء فاسمح لي بتفنيد هذا التصوّر الخاطئ، الحقيقة أن هؤلاء العلماء مع احترامي لهم لا يعترفون بمرجعية السيد الشيرازي ليقبلوا بوكيله بينهم، وقد قاله لي أحدهم إنّ شرط التعاون بيننا أن تعلن براءتك من الشيرازي والشيرازيين!! فقصفتُه بالجواب التالي: أبشِرْ فإنّ لدينا من بعد المرجع الشيرازي مرجعان شقيقه سماحة السيد صادق وابن شقيقته سماحة السيد المدرّسي. دع عنك الأحقاد وارتقِ في فهمك من أجل المصلحة العامة للعباد والبلاد.
والأثر يدلّ على المؤثر.. يا أخي هناك الإقصاء.. هناك الدهس.. هناك التسقيط.. هناك ظلم لمقلّدي السيد الشيرازي إلى درجة تقديم المفضول على الفاضل وهم يعلمون ما لدى الشيرازيين من كفاءات قدّمتْ تضحيات وخدمات لهذا الشعب أكبر من بعضهم بما لا يقاس.

س 18/ ربما قالوا كيف يقبلون بكم والحال أنّ الخلاف بين وكلاء السيد الشيرازي كبير أيضاً.. فجماعة الشيخ المحفوظ مدرّسيّون لم يتفقوا مع الشيخ عبدالشهيد الستراوي وكيل السيد صادق الشيرازي، وهما لا يتفقان مع سماحتكم، وقد رفضوا مساعيكم لتوحيدهم في مجلس علمائي خاص للخط الرسالي، ولديهم ملاحظات على دخولكم مع النظام في عضوية المجلس الأعلى وغير ذلك من الخلافات الظاهرة في السطح ولا أدري إن كان أشدّ منه في السرّ...

المهتدي: لم يكن شيء في السرّ من خلافات أنت ذكرتها يا أخي، إني لا أنكر هذا الأمر المزعج بيننا، ولقد خسرنا بسببه الكثير من الفرص والمواقع، ولم تنفع نداءات التوافق ومساعي التآلف التي بذلتها شخصياً وبذلها غيري من الأصدقاء، وهذا ما جعلني أعتزل الطرفين ويعتزلاني إدارياً، ليصبح كلّ منّا مجاله ومؤسساته وطموحه التي تشترك في الأصول والمبادئ وتتنوّع في الأسلوب والوسائل، ومع ذلك لدينا فعاليات مشتركة ونلتقي في المناسبات ونتبادل الرأي أحياناً وصداقاتنا الودّية لم تتأثر بسوء ولله الحمد. وهذه هي الحرية والتعددية التي أخذناها من فكر الإمام الشيرازي (رحمه الله) ولكني أعترف أننا لم نأخذ من مبدئه في الشورى ولا في الوحدة، وأحياناً يتخلّى بعضنا حتى عن أخلاق مرجعنا الذي كان مثالاً فيها لدى خصومه. وهذا البلاء لا يختص بجماعة السيد الشيرازي، بل موجود في كل المرجعيات وكل المذاهب وكل الأديان والأحزاب. إنّ مرجعنا لم يطارد أحداً من أحبائه ليفرض عليه مبادئه، فكما كان حول النبي الأكرم رجال نزلت فيهم آيات التنديد والتحذير فإنّ حول مراجعنا يوجد شواذ من الرجال إلا أنّه لم تنزل فيهم آيات!!
إنّ الإشكال ليس في القيم والأفكار بل في تطبيقاتها العملية.. فما تراه فينا من خلافات وهي أقلّ مما لدى غيرنا إنما يرجع سببها إلى إدارة المواقع.. فهناك ضعف في بعض الوكلاء ونفسيتهم وأمزجتهم ونمط أدائهم الإداري للمهام. فهل نقول في المسلمين الذين لا يطبّقون الإسلام أنّ السبب في الإسلام أو أنّ قيادة النبي محمّد (ص) لم تكن ناجحة؟! كلاّ بل الإسلام والنبيّ والأئمة والمراجع الصالحون مثلهم كمثل الغيث النازل ببركاته من السماء، فمن استفاد منه أخذ البركة ومَن لم يستفد يتيه في الحرمان ولا ينجيه اشتراكه مع الفصيل البشري كونه إنساناً، إنما الإنسان بإنسانيته كما المسلم بإسلاميته.

س 19/ هل البيت المرجعي أو المرجع نفسه في قم المقدسة أو في كربلاء المشرّفة يدرون بهذه الحالة ولم يفعلوا شيئاً لحلّها؟

المهتدي: يدرون.. ولكن السيد المرجع (دام ظله) يكتفي بالنصائح العامة ولا يتدخل في الجزئيات، ونحن نحترم هذه الخصوصية، وهي من صفات الأبوّة الناجحة. وأما البيت المرجعي (سواء بيت الشيرازي أو المدرّسي) فهناك نوايا طيّبة ولكنّها مخلَّلة بضعف إداري أطلقنا عليه النقد كراراً وقدّمنا النصيحة مراراً ولم نجد لها مع الأسف أثراً، وربما لأنهم يتبعون نهج السيد المرجع في عدم التصادم مع أحد مباشرة حتى تتعالج الحالة بنفسها تدريجياً. علماً أن مشاكل الناس في المجتمعات ليست قليلة وهي ترجع إلى البيت المرجعي من أنحاء العالم فليس بمقدور إدارة البيت أن تتابع كل هذه الأمور، فالبشر له وسعه المحدود وإمكاناته المحدودة. وهذا التبرير لن أتفق معه كثيراً لأني لو اتفقتُ معه لاتفقتُ عليه عند الآخرين الذين ننتقدهم!! وهذا المنطق التبريري مشكلة الأكثرية وهو رمز تخلّف الجميع.. من هنا فلن أدافع عن جماعتي وهم عاكفون على هذا المنطق في بعض المؤسسات الرسالية.

س 20/ سماحة الشيخ أنتم في موقفكم من الأمور لا تجاملون أحداً وهذا يعني تطبيقكم للحديث الشريف (قُلِ الحقَّ ولو كان عليك). ولكن السؤال هل المهتدي يرى على نفسه مؤاخذات يحاول كتمانها والتبرير لها أيضاً؟!

المهتدي: أشكر صراحتك لأنك مثلي في الصراحة! إني لست معصوماً ولا أدّعي ذلك في الخفاء أو على استحياء، أنا أخطأ ولكن خطأي ليس من عمد، وأمتاز عن غيري أني معلن مرّات عديدة ترحيبي للنصيحة فلن أغلق على أحد باب النقد البنّاء وطلبتها دائماً أن لا يمهّدوا له بل يقولوا لي بلا تردّد، والذين يعملون معي من قرب يعرفونني بهذا المبدأ، وكم من نقد ونصيحة قد شكرتهم عليها عملاً بالحديث الوارد عن مولانا الإمام الصادق (ع): " أحَبّ إخواني إليّ مَن أهدى إليّ عيوبي" وهذا الحديث أردّده لهم عند المناسبات ولعلّهم ملّوا. وأعتقد حتى بعض الذين يعانون من الشحن السلبي ضدّي يعرفون عنّي هذه الأخلاقية المرنة في القبول بالآخر والتنازل إلى حدّ المصالح المشتركة العامة. وأساساً دعوتي لشورى القيادة تنطلق لمعالجة هذه الثغرة التي توجد لدى الجميع ولكي نقلّل موارد الخطأ بيننا. ولهذا كتبتُ في إحدى المؤلفات أننا كإسلاميين إنْ لم نتعلّم من إسلامنا قيم الوحدة والتماسك والتعاون على البرّ والتقوى تعالوا لنتعلّمها من سرب الطيور المهاجرة كيف أنها تصطفّ على شكل عدد السبعة وتقطع المسافات من جغرافيا البلدان في هجرة ملؤها التحدّي والتعاون والسعي والتناغم، وحتى ذلك الطير القائد للمجموعة حيث يتقدّم الرأس حينما يشعر بالتعب يتراجع ليأخذ محلّه طير آخر، وتتحرّك المجموعة بنظم عجيب وروح جماعية، ولو سقط أحدها لطارئ أو أصيبتْ بطلقة صيّاد حاول عدد منها لإسعافها قدر المستطاع.
العلماء إذا كانوا علماء لله حقاً وإلى الله صدقاً فإنّ دين الله يأمر بالتعاون على البرّ والتقوى، وإذا كانوا لغيره وإلى غيره فالتعاون يكون على الإثم والعدوان، وهنا تبدأ عقلية المؤامرة تنشط لسحب البساط وفرض الحصار وعمليات التسقيط (الشرعية)!!!
هذه هي أمراض أكثر المجتمعات وليست خاصة بجماعتنا أو بالشيعة أو السنة ولدى غير المسلمين منها الكثير الكثير. فالأزمة هي أزمة فكرٍ أنانيّ قد تلبّس بلباس الدين في الوسط الديني وتلبّس بلباس السياسة والسلطة والمال والسوق والعشيرة في الوسط الآخر.. إنها أزمة الإستبداد وطبايعه المتلوّنة عند الأشخاص كما ورد في دراسات علماء النفس والإجتماع وأشارت إليه الروايات المأثورة عن النبيّ وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام). منها ما أرسلتُه قبل أيام على جوّالات العلماء وطلاّب العلوم الدينية الذين كانت لديّ أرقامهم (حدود مائة شخص) قول النبيّ الأكرم (ص): "سيأتي زمان على الناس تملح فيه عذوبةُ القلوب، فلا ينفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلِّمه، فتُلوُّنُ قلوب علمائِهم مثلُ السّباخ من ذوات الملح، ينزل عليها قطر السماء فلا توجد لها عذوبة، وذلك إذا مالتْ قلوبُ العلماء إلى حُبّ الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله ينابيع الحكمة، ويُطفئ مصابيح الهدى من قلوبهم، فيخبرك عالمُهم حتى تلقاه أنه يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله، فما أخصب الألسن يومئذ، وما أجدب القلوب. فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأن العلماء علموا لغير الله تعالى و لأن المتعلّمين تعلّموا لغير الله تعالى".
هذه حقيقة الأكثرية في زماننا وفي بحريننا.. شئنا أم أبينا.. والآثار خير كاشف لمن يريد التأكّد. فأنا لمّا أنتقد بعض العلماء فلأني أعرف مَن في صنفي ممن هو صالح وممن هو طالح متسلّق، أعرف الأشخاص بتاريخهم وخفاياهم وتلاعبهم.. وحينما أطرح مع النقد حلولاً فلنفس المنطلق الإصلاحي وقلبي على الناس يتفطّر، وفي ظلّ هذه المأساة أرى المستقبل أمامي كما الشيء الذي تراه أنت في كفّك.. والمؤلم أن تُتّهَم وأنت تريد خيرهم ومنطقك واضح جدّاً بما فيه قبولي بأني قد أخطأ، إذن تعالوا قوّموني بالنقد والإصلاح.

س 21/ نشرت صحيفة البلاد بالخط العريض أن المهتدي يتراجع عن استقالته، هل هناك بالفعل تغيير في موقفكم أم الصحيفة متقصّدة؟

المهتدي: لم يطرأ أيّ تغيير، وهذا الصحفي إما يكون مخطئاً لم يميّز بين أنّ الملك رفض استقالتي فأنا من الناحية القانونية أبقى عضواً وبين كوني متراجعاً، وإما يكون مدفوعاً للتشويش على موقفي المبدئي. مع العلم أنّه لم يكن موفَّقاً في صياغة هذا التلفيق، إذ متن الخبر الذي حكاه عنّي لا يفيد معنى التراجع أبداً. وقد أصدر مكتبنا بيان النفي والتكذيب بعد أن تجاهلت الصحيفة تصحيح الخبر. وهذا يكشف لك المستوى الهابط لمهنة الصحافة عندنا في البحرين.

س 22/ يعلم سماحة الشيخ أن الحياة السياسية سواء في جانب المعارضة أو الوسطية أو الحكومة شأن شائك والإشاعات فيه تتصدّر المجالس وألسنة الموافقين والمخالفين تلاحق الشخصيات سواء منهم الأبرياء وغير الأبرياء.. فعلى ضوئه بلغنا عبر أحد أصدقائنا في الانترنت أن من مطاليبك التي طرحتها على ملك البحرين أن يبني لك منزلاً.. وهناك من يتقوّل على سماحتكم بأنّ هذا المطلب كان هو الأساس لديكم وليس ما نشرتموه. فهل تحبّوا بيان ما يفنّد هذه الإشاعة التي تستهدف نزاهة موقفكم الوطني والإسلامي الشجاع في الاستقالة وأسبابها التي وصفها لي أحد الأصدقاء أنها كانت رمية قنّاص؟!

المهتدي: مادام الصراع متحرّكاً بين الحق والباطل.. بين الصحيح والخطأ.. بين الفضيلة والرذيلة فليس هناك من أهل الحق والفضيلة يسلم أمام إشاعات المبطلين.. وهل سلم ربّنا سبحانه من الإشاعة عليه، وهل سلم رسوله الصادق الأمين (ص) وهل سلم أئمتنا الأطهار من آله (ع) وكذلك لم يسلم الصحابة الصالحون وأمثالهم في طول التاريخ من حملات التشويه والإختلاق، وهذه الظاهرة تستمر إلى يوم القيامة ليحي مَن حيّ عن بيّنة ويهلك مَن هلك عن بيّنة. هذا مع العلم أنّي أوضّح الحقائق المتصلة بمواقفي باستمرار حتى يتهمني الجهلة والخصوم بأني أحبّ الكلام عن نفسي، فنصحني الأصدقاء بعدم إنتهاج مسلك التوضيح فليس لنا خصوم يستحقونه أو يطلبون الحق. ولكنّي لا أتوب عمّا أراه من حقّ الآخرين أن يعرفوا عملاً بالحديث القائل (رحم الله امرءً جبّ الغيبة عن نفسه) ومن حق الأجيال القادمة أن تعرف الحقيقة ولا تكرّر ظلم زماننا لمصلحي زمانها.
وأما بخصوص القضية التي ذكرتموها فإنّ الحقيقة كما يلي.. أنا أسكن منزل المرحوم والدي، ومعي والدتي الطاعنة في السنّ ومعنا أخي، والمنزل مبنيّ على النفايات (الزبالة) وقد خُدع والدي في شرائه قبل أربعين عاماً، لذا تسكن معنا أيضاً أجسام غير مرحَّب بها مثل الحشرات والديدان و...، وفوق ذلك في موسم الأمطار يخرّ علينا السقف وإذا اجتمع الماء في الطريق يدخل إلى الصالة بغزارة، وذات مرّة دخل الماء حاملاً أوساخ الطريق إلى غرفة الأطفال، وبعد التنظيف المتعب اكتشفنا تسلّل فئران إلى خفايا الأثاث، وذقنا لفترة سنتين آثار هذه المشكلة، وأنت أعرف بما يترتّب على هذه الحالة من خراب الأعصاب وذعر الأطفال والخوف من التلوّث والأمراض، فتحت ضغط الأحوال العائلية قدّمتُ إلى الديوان الملكي طلباً لوضع المنزل في قائمة البيوت الآيلة للسقوط، فتمّ الترحيب بهذا الطلب من قبل الوزير وأكّده لي بعد تقرير مبعوثه الخاص الذي جاءنا برفقة أحد المهندسين فرأوا البيت من القرب، وقبل أن أسرد بقية القصة هنا ينبغي لي أن أشيد بمشروع ملك البحرين هذا حيث خدم الكثير من المواطنين الفقراء ببناء بيوتهم القديمة أو ترميمها.. وهكذا فرحتْ عائلتي التي أنهكتْها سنوات الغربة وفرح أطفالي بأن الأزمة توشك على النهاية، ومضت أشهر وأنا أتابع مع مكتب الوزير والمبعوث والمسئول والمهندس فلا مِن مجيب. وفي لقائي بعاهل البلاد بعد الاستقالة ذكرتُ هذه القضية في سياق الحديث حول مشاكل المواطنين وأن ما تقدّمونه من مشاريع إنسانية لا تجد طريقها إلى التنفيذ الصحيح، فقال الملك ضع بناء المنزل على حسابي. وأنا لم أعلّق على كلام الملك هنا لأن الموضوع الذي كنت أتحدّث فيه كان أهمّ من هذه الجزئية الشخصية. وفوجئت في اليوم الثاني باتصال من الديوان الملكي أن لك شيكاً لبناء المنزل، تعال لاستلامه. فقلتُ إنّ طلبي واضح وهو جعل بناء المنزل في مشروع البيوت الآيلة للسقوط كما هو للمواطنين الآخرين. وتركتُ الموضوع شهراً تقريباً حتى اتصلتُ بمستشار الملك لأسئله عن قائمة البدون هل أوصلها بيد الملك حسب الاتفاق، فقال تابع مع الديوان الملكي، فطلبت لقاءاً مع الوزير لهذا الموضوع وهو فاتحني على قضية الشيك ونصحني بأخذه فرفضتُ وأكدتُ على موقفي، فوافق الوزير أن يجعل بناء المنزل في أولوية البيوت الآيلة للسقوط، وها نحن ننتظر ولكن ليس كانتظارنا لبقية المطاليب المتعلقة بأحبّتنا البدون وبالوقوف في وجه المدّ التكفيري المخالف لروح الإصلاح الملكي والوحدة الوطنية. هذه كلّ القصة، وطبعاً منزلنا لا زال على حاله ولمن يريد التأكد أن يشرّفنا في المحرق خلف مدرسة معرّي الابتدائية قبل أن يبرد الشاي!!
أخي هذا أنا.. وليقل غيري مَن هو.. ولكن ماذا تقول في الذين مرآتهم مكسورة، يعملون على وأد الكفاءات ولن يمكنهم مشاهدة الحقيقة إلا إذا أصلحوا مرآتهم.. ومن نعم الله عليّ أني أعرف مصادر الإشاعة، وهم المتضرّرين من مبدئيّتي ومواقفي الصريحة، ومن نعمه عزّوجل أيضاً أني لستُ وحيداً في توجيه سهام الكذب إليّ بل جميع الشخصيات في بلدنا وفي غير بلدنا تُرمى إليهم سهام الإشاعة وأحياناً سهام نقد يستحقّونها، لأن مجتمعاتنا المتخلفة يرتع فيها المكروب كما يرتع في جسم المريض، فلو كانت النفوس تأبى ذلك وترفض قبول أي خبر إلا بعد الاستماع للرأي الآخر لما كان الكذّابون يلعبون في عقولهم كما يشاؤون ويرتعون بينهم كما يريدون.

س 23/ شيخنا العزيز.. بآرائكم الجريئة ومواقفكم المبدئية أما تخشون من تصفية جسدية؟حيث يبدو الجميع مبتلون بكم!

المهتدي: إغتيال الشخصية أخطر من إغتيال الشخص، فما اجتمع له الكثيرون في بلدنا ونفّذوه بجهل ومكر هو الأول، وأما الثاني فيا ليته يأتي اليوم قبل غد، فهو راحة لي من العيش في وسط الجهّال والحسّاد والمتاجرين بالدين والوطن وحكومةٍ لا تسترشد من وعي المخلصين. فأنا على أعتاب الخمسين الآن، ولقد ذهب الكثير من العمر وبقي القليل.

س 23/ سماحة الشيخ كم كانت فترة بقائكم في المجلس وهل حققتم للناس شيئاً خلال هذه الفترة ؟

المهتدي: مدّة الدورة أربع سنوات، ومضت على عضويتي ثلاث سنوات وشهران، وفي هذه المدّة تمّ إنجاز الكثير ولله الحمد ولكن ذلك لم يكن في سقف الطموح والتطلّع، ورغم أن المجلس ورئيسه وأعضاءه وأمين عامه شخصيات أُكنّ لهم الاحترام إلا أنّ ذلك لا يمنعني من نقد أداء المجلس في بعض الأمور. مثل إخفاقاته التي تتعلق بمنع الخطاب التكفيري الذين ينسف جميع ما يقدّمه المجلس على طريق الوحدة الوطنية.. والمجلس يبدو عاجزاً أمام هذا التحدّي ولعلّ السبب أن رمز التكفير المدلَّل مدعوم من قبل جهات رسمية أخرى مما يكشف لنا جانباً من الإزدواجية الخطيرة في مراكز القوى داخل النظام. إني آمل في المجلس الأعلى مزيداً من التقدّم في دوراته الآتية نحو أهدافه الواردة في لائحته الداخلية التي تمّ التصديق عليها في جلساتنا الأولى من هذه الدورة.

س 24/ شهدت البحرين مع مطلع الألفية الثالثة إطلاق مشروع الإصلاح الوطني من لدن الملك، إلى أين وصل الواقع السياسي البحريني في تحقيق هذا المشروع على أرض الواقع بالمقارنة مع ما قبل عودتكم للبلد؟

المهتدي: المشروع كمبادئ للمرحلة يحمل بذور نقلة نوعية في تاريخ البحرين المعاصر، ولكن حينما ظهر على السطح ما عُرف بتقرير البندر وما رأينا لهذا التقرير المشئوم من آثار عملية في الدوائر الرسمية قد رمى المشروع على حافّة هاوية. وقد بذلنا سعياً لإنقاذ مبادئ المشروع والدعوة لمؤازرتها وتفعيلها، وقمنا من أجل تسديد المشروع الإصلاحي ودفع الآفات عنه بإمساك العصا من الوسط بغية التواصل مع خط الإصلاح الرسمي والحفاظ على السمعة بين الناس، ولكنّي اليوم اكتشفت نفسي أشبه ما أكون بمن ينفخ في جربة مخروقة على الصعيد الحكومي والشعبي معاً كما العلمائي أيضاً، وإنْ كنتُ لا زلت متفائلاً في الذين يفهموني بلا مسبقات سلبية..

س 25/ شيخنا ماذا تصنّف نفسك في المعادلات السياسية، ترفض أن تكون حكومياً وترفض أن تكون معارضاً، فماذا إذن؟

المهتدي: يمكنك أن تصنّفني مصلحاً مستقلاًّ.. لأني أرفض أن أكون برغيّاً في ماكنة الحكومة وكذلك لست معارضاً بالمفهوم الإصطلاحي للمعارضة السياسية، ولكني لمكانتي الدينية أرى واجبي أن أنصح للخير وأنتقد لأجل البناء وأدعو إلى الإصلاح وليس لديّ عند أحد ما أخسره، فلن أخاف إذن إلا من الله عزّوجل، وهذا ما أمارسه على كل المستويات، سواءاً كان الطرف هو نفسي أو صديقي أو مرجعاً دينياً أو رمزاً علمائياً أو ملكاً أو سياسات لا نراها تليق بدولة مثل الجمهورية الاسلامية مثلاً أو غيرها. فمن كان من هؤلاء تتقبّل نفوسهم النصيحة (والدّين النصيحة) فإنهم يفهمون لغتي، وأما الذين تأخذهم العزّة بالإثم فهم يفسّرون نقدي ونصيحتي بما لا أقصده ليأمنوا كبريائهم من مسئولية التغيير والإصلاح. يا أخي هل تعلم أنّي أنتقد حتى أصدقائي الذين عشتُ معهم في خندق النضال سنوات الهجرة الطويلة.. وهذا لأني أؤمن بأنّ النقد حالة صحّية وليس سلوكاً عدائياً.. فلابدّ من تثقيف المجتمع على ممارسة النقد للذات وللآخر بحرّية وأدب وهدفية.
أعتقد أنّ هذا المنهج هو عقيدة كلّ مَن يريد الجنة ويسعى لها سعيها ولم يبعْ آخرته بدنيا نفسه فضلاً عن دنيا غيره. وما عند الله باق.

س 26/ قد يعتبر السياسيون هذا النهج إنتحاراً سياسياً للمهتدي، فهل توافقونهم؟

المهتدي: نعم أوافقهم لو كنتُ أعيش بمعاييرهم الدنيوية، ولكنّي ولله الحمد أعيش بمعاييري الخاصة كإنسان ديني لا يبالي بالمغانم لو جاءت على حساب ديني وآخرتي، إنهما نهجان مختلفان قال عنهما ربّنا عزّوجل: (قد أفْلَحَ مَن تزكّى وذَكَرَ اسمَ ربِّه فصلّى بل تُؤثِرونَ الحياةَ الدّنيا والآخرةُ خيرٌ وأبقى).

س 27/ فضيلة الشيخ.. هل يلزمكم تاريخ شيعة البحرين التظلّمي بأن تكونوا فاعلين بوجه خاص في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والمواطنة؟ وإن كان الجواب بالإيجاب، كيف تتجلى مسؤوليتكم الخاصة في هذا الميدان؟

المهتدي: شئنا أم أبينا، هذا التاريخ يشحن الشيعة بروح الرفض والمقاومة على طول الخطّ، وهو تاريخ عموم شيعة أهل البيت (ع) في كل مكان وعلى امتداد الأزمنة، فمن ينطلق من راية حسينية حمراء لا يلين عزماً حتى يتصل بها إلى راية مهدوية خضراء، إلا أنّ الشيعة يرضون بالقليل من الحقوق الانسانية الطبيعية في ظلّ أية دولة تراعي هذا الجانب، ومع الأسف لم تعمل الحكومة البحرينية على إستلهام الدروس الكافية لقلع الأزمة المزمنة مع الشيعة في هذه الجزيرة. فقد باتت القضية متكرّرة منذ حوالي عقود وعقود، في الوقت الذي كان بإمكان الحكومة أن تعالج العقدة بينها وبين مواطنيها الشيعة بشفافية أكبر وباعتماد الوسطيين أمثالنا. تأكّد أخي لو أنّ بعض الأموال التي تصرفها الحكومة على المعالجات الأمنية وما صرفته على المجنَّسين كانت تصرفه على المواطنين الشيعة لتحسين أوضاعهم المعيشية بما يرفعهم إلى ما يقارب المستوى المعيشي لشعوب دول المنطقة لما صرفتْ أضعاف ذلك والنقمة عليها في تزايد بين الناس، وبهذا في نظري قد سجّلتُ الحكومة على نفسها تراجعاً عن مسيرة الإصلاحات التي أرادها الملك حسب ما وعد به الناس والمحرومين. أقول هذا وأنا لا أخفي عليكم أن واقع الشيعة في بلدنا أيضاً يشكّل جزءاً من هذه الأزمة بناءاً على نظرية الإمام علي (ع): " كيفما تكونوا يُولّى عليكم ".
ذلك هو الواقع المتفكّك المزري وما فيه من عقليات مستبدّة ونفسيات لا ترقى مستوى الحدث والمسئولية، والمصيبة أن هذا الواقع يشترك فيه الجمهور وبعض مَن رفعتهم الظروف إلى سدّة القيادة الدينية والقيادة الشعبية. وهو الواقع الذي يجعل بعض أركان النظام يناور في معالجة الأزمات بتقريب جهة وتبعيد جهة والضرب على وتر الخلافات الداخلية، وهو الواقع الذي أرهق المواطنين الشيعة وفتح للسلفية التكفيرية أبواب الفرص للتغلغل في فراغات الدولة وتكثيف العمل الدعوي في أوساط السنة وفقراء الشيعة لصيدهم وتقوية جبهتهم للمستقبل، وكم قد سعيتُ لإيقاظ أبناء مذهبنا وأهمّ كبار العلماء لمعالجة هذه الناحية ولكن يبدو لي لا حياة لمن تنادي، وهذه الإشكالية بشقّها الأول والثاني تقف وراء تعقيد المشكلة السياسية في البحرين. وهكذا فبناءاً على وعيي للمعادلات أرى أنّ الأفق المستقبلية لحقوق الإنسان البحريني غامضة، ويبقى أنّ لله في الحياة مشيئته الغالبة وهو الذي وعد المؤمنين بالخلاص.
نحن نتطلّع إلى وطن يحمي حقوق مواطنيه الإنسانية كلّها لكلّهم وعلى وجه المساواة دون تقسيمات طائفية أو عرقية أو طبقية قد نبذها الإسلام المحمّدي العظيم، وإذا لا يمكن تحقيق ذلك فلا بأس ببعضه ولن نقبل بعدمه. إننا لما نعترض وننصح ونقول كلمة الحق ليس لكوننا شيعة بل لأن الله نهى عن الظلم، فكان الواجب الشرعي والوطني والإنساني يقضي علينا الوقوف مع المظلوم حتى لو كان المظلوم من إخواننا السنة، بل حتى لو كان المظلوم يهودياً أو نصرانياً أو من غير دين وانتماء، هكذا علّمنا مولانا الامام زين العابدين (ع) من خلال دعائه: "اللهم إني أعتذر بك مِن مظلومٍ ظُلِم بحضرتي فلم أنصره".

س 28/ كيف ترون دعم الحكومة لحقوق الإنسان على أرض الواقع؟ وماذا عن تعاطي المعارضة الشيعية مع أداء السلطة؟

المهتدي: لست ممن ينكر وجود بعض الجوانب الإيجابية في الحكومة، ولكنها قياساً للدول الخليجية الأخرى تُعتبَر قليلة جدّاً، يكفيك أن تعرف معدَّل الدخل والراتب الشهري للمواطن البحريني فتقارنه بما لبقية الخليجيين في دولهم، هذا ما عدا ما لمواطني دول الخليج من مزايا وهبات ومنح الزواج وقلة الرسوم وما يتعلق بالماء والكهرباء والهاتف الأرضي وما أشبه. والحكومة تعلم أن المعارضة السياسية لا يمكنها أن تتنفّس إلا لهذه الأسباب التي لو أزالتها السلطة بشكل سليم لسحبتْ البساط من تحت المعارضة، وقد تكلّمتُ مع كبار الحكوميين بهذا الشأن ولكنهم لم يعالجوا الموقف بعدل وحكمة، وراحوا يستخدمون العنف الرسمي بمعزل عن النظر إلى هذه الأسباب، وهي أسباب واضحة على الأرض تمنع حقوق الإنسان البحريني وترمي الوطن إلى خطر أكيد وتعيدنا إلى دوّامة الأحداث السابقة، فأين حقوق الإنسان من التمييز الطائفي غير الطبيعي الذي وصل إلى حدّ التكفير وهو في منهج التكفيريين مقدّمة للقتل والتفجير؟! وأين حقوق الإنسان من التجنيس وتوابعها ولواحقها التي تشكّل كارثة على مستوى القريب والبعيد، والكارثة الأخرى هي تعامل المتنفذّين في المواقع الرسمية المنتمين إلى السلفية بخلفية الكره للطائفة الأخرى وهم يشحنون إخواننا السنة والمسئولين في الدولة على أن الشيعة خلايا نائمة لدولة أجنبية (إيران بالتحديد)، هذا الواقع يميت حقوق المواطنين من الطائفة الشيعية وهم سكّان البحرين الأصلاء بوثائق تاريخية ثابتة، فمن الطبيعي أن نعيش القلق على حقوقنا ومستقبلنا. فالحكومة التي لا تنظر إلى هذه الحقائق المؤلمة بنظرة وطنية حيادية إنسانية سوف تكون داعمة لعكسها لا محالة. وهنا يقضي الواجب الديني والوطني أن يناقش الرجال الصادقون أداء السلطة لا من موقع الشحن والعداء وخلق التراكمات وتخريب الشارع بل من موقع النصيحة والتذكير، وهذا هو نقطة التمايز بين منهجي ومنهج بعض الإخوة في المعارضة، حيث يواجهون السلطة بروح تهاجمية وشتائم (الموت لفلان وفلان) مما يعقّدون بها الأزمة مع العائلة الحاكمة وتبرّر للسلطة القابضة ممارسة القمع بالحديد والنار والارتماء في أحضان التحالفات الإقليمية والمعاهدات الأمنية مع الدول الأجنبية. فخطاب المتشدّدين في المعارضة لا يجلب للمطاليب الإنسانية خيراً حسب فهمي لهذه الحقائق. وفي نفس الوقت أدعو من يريد أن يفهمني مبرّراته التشدّدية كيلا أكون قد ظلمته في تحليلي.

س 29/ كيف تفسّرون الحملة العنصرية ضد الشيعة في العالم العربي، وتفاقمها في الشهور الأخيرة؟

المهتدي: المشكلة خطيرة بوصفها المتداخل بين السياسة والمذهب، فلنرجع قليلاً إلى الوراء، منذ انتصرت الثورة الاسلامية في ايران عام (1979م) وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر حليف لها وللدويلة الصهيوينة في المنطقة قامت الإدارة الأمريكية بحياكة مؤامرات تلو الأخرى لإرجاع إيران إلى حضيرتها السابقة، وكان السلاح القومي والمذهبي من أبرز الأسلحة التي تم توظيفها في هذا الصراع، فتحرّكت الدول العربية المتحالفة مع أمريكا على الصعيد السياسي بدعمهم حرباً شمولية لصدّام ضدّ إيران ثمانية أعوام، وكان عام واحد منها يكفي لزرع الفتن المذهبية (شيعة - سنة) وثقافة الكراهية القومية (عرب - عجم)، ولم يكتفوا بذلك حتى وظّفوا عتاة السلفية في هذه الحرب السياسية باعتبارهم رأس حربة على الشيعة في كل بلد وهو الدور الحرام الذي لا يلعبه إخواننا السنة المعتدلون، ولكن مع مرّ الزمن نجحتْ الحكومات والسلفيّون الذين استقووا بها أن يجرّوا بعض السنة المعتدلين إلى هذه المعركة المذهبية القذرة، وبذلك استدرجوا بعض الشيعة إلى المواجهة بحجة الدفاع عن المذهب. والقضية في أصلها خطة إسرائيلية صرّح بها أكثر من واحد من قادة العدو الصهيوني.

س 30/ قبل أيام خرج على شاشة التلفاز إمام الحرم المكّي الشيخ عادل الكلباني يكفّر الشيعة ويبيح دم علمائهم ويدعو إلى إبادتهم علناً، كيف ترون هذا التصعيد وبمستوى إمام معيَّن من قبل الملك السعودي في أقدس بقعة للمسلمين هي (الحرم المكي)؟

المهتدي: يتصل هذا التصعيد بالمخطّط الإمريكي الصهيوني العام لنقل الصراع من جبهة المسلمين ضدّ حكومات اليهود والنصارى إلى جبهة المسلمين أنفسهم حكومات ومذاهب. وقد تورّط في هذه اللعبة الخطيرة بعض الحكّام وبعض العلماء الذين يعيشون على أموال الحكومات المرتبطة بتلك الأجندة الأجنبية. وهنا نعرف حقيقة السلفية الدموية والتي تسمّي نفسها جهادية، فقد أعدّتها الاستخبارات الإمريكية بأموال حكومات عربية لمحاربة الروس في أفغانستان فترة السبعينات، ولما نجحوا في دحر الروس تجاوزتهم الإدارة الإمريكية فمنحتْ السلطة لغيرهم فثارتْ ثائرتهم وغضبوا على أسيادهم ومنها تولّدتْ (القاعدة) ودخلوا بها في صراع مع الأمريكان والأوروبيين وحكومات مثل باكستان والسعودية والجزائر واليمن والصومال ولبنان وما أشبه، وفجأة بعد نجاح حزب الله في مواجهة إسرائيل وبعد حرب غزّة فتحتْ أمريكا وإسرائيل والحكومات المرتبطة بها خطر المدّ الشيعي في العالم وبلوغ إيران رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية، فأخذت هذه الحكومات وبإيعاز من أمريكا وإسرائيل مشروع إعادة السلفيين إلى خط المواجهة، ولكن هذه المرّة ضدّ الشيعة وضدّ إيران. فبذلك سوف ترتاح أمريكا وإسرائيل وهذه الحكومات من أذاهم وتفجيراتهم، كما تستفيد منهم أداةً للضغط على إيران وعلى الشيعة في كل مكان، وكيف لا فهم قد جرّبوهم من قبل ضد الروس وكانوا وسيلة ناجحة. وهنا سوف تجلس أمريكا وإسرائيل وهذه الحكومات متفرّجة على الصراع الجديد، وبالطبع سوف يكون ذلك على حساب جمهور الشيعة في دول الخليج والعراق وغيره الذين لا علاقة لهم بإيران وأي شأن سياسي. ومن هنا أخذت حكومة مصر والمغرب واليمن وبعض دول الخليج في تنفيذ المخطط وبدأت في التضيق على الشيعة بحجّة الارتباط بإيران وأنها خلايا إيرانية نائمة، وهم يعلمون عبر جواسيسهم أن الشيعة وإيران مقولتان وجه النسبة بينهما عموم خصوص من وجه حسب مصطلح علماء المنطق بمعنى أنه ليس كل مؤيد لإيران هو شيعي وليس كل شيعي هو مؤيد لإيران. إننا حينما نفتح القضية على مشرحتنا بهذا الوضوح فلأننا نخشى على الإسلام والأمة وبلاد المسلمين من فتنة عمياء قادمة تلتقي فيها مصالح اليهود والنصارى والتكفيريين والحكومات وتهدف إلى تغيير خريطة الصراع الحقيقي إلى صراع يغضب الله والرسول، فالفتاوى التكفيرية ولقاءات القادة المكوكية وما يتم التوافق عليه في الغرف المغلقة كلّها تمهيدات لحرب دموية بين المسلمين على حساب أعدائهم الحقيقيين. نحن نأمل أن لا تحدث وإذا حدثت فلن تنتهي حسب قرائتي إلا بظهور صاحب الراية العالمية ذلك الموعود المنتظر المهدي القادم لقلع جذور الفتنة كلها، وإنهم يرونه بعيداً ونراه بإذن الله قريباً.

س 31/ لننتقل الآن إلى بعض مواضيع ثقافات الحوار والتعايش والاختلاف والتي ترتبط بنيوياً بمسائل حقوق الإنسان وكانت لكم قبل شهرين ورقة باسم (الديمقراطية وحقوق الإنسان) في مؤتمر بإسطنبول، كيف يمكننا أن نفعّل ثقافة الحوار في أنسجتنا الإجتماعية وأروقتنا السياسية بما يخدم الملف الإنساني؟

المهتدي: لقد بدأ النبيّ الأكرم (ص) دعوته للمشركين في الجاهلية بتلاوة قول ربّنا تعالى: (وقُلْ إنّا أو إيّاكُم لَعَلى هُدى أو في ضلالٍ مُبين). هذه الآية المباركة اختزنت معاني حق الإنسان الآخر ليس في الإعتراف به فقط بل أن يفترض واحدٌ مثل رسول الله (الحق المطلق) كونه على باطل وكون المشركين (وهم الضلال المطلق) على حق.. وبهذا التنزيل الأخلاقي يعلّمنا الإسلام أدب الحوار مع الخصوم الألدّاء، ثم يعلّمنا كيف نضع النقاط على الحروف باستثارة دفائن عقولهم وإحداث هزّة في ضمائرهم، إما لهدايتهم أو لتعريتهم أمام الآخرين فيكون ذلك سبباً لتحريك هؤلاء نحو التغيير إلى الأفضل. هذا المبدأ الثقافي كان البداية لإنطلاقة الاسلام الذي أعلن للإنسان كرامته وجاء بمنهج متكامل في الإنسانية للتعامل مع الواقع وقلبه لصالح الشأن البشري العام. كلّنا نعلم أنّ المسلمين اليوم متأزّمون على كافة الأصعدة من أعلى دولة إلى أصغر أُسرة، ولا يمكنهم الخلاص إلا عبر التأسي برسول الله (ص) وأن يعتمدوا ذلك في نهجه الحواري البنّاء مع الآخر أولاً، فإذا كان الرسول الأعظم يحاور أهل الضلال بأدب وأخلاق، فإنّ ثقافة الحوار هذه بين أهل القبلة والشهادتين كمذاهب لها حقها المتكافئ في الوجود والاجتهاد والحرّية الشرعية تتصدّر الأولوية عملاً بقوله تعالى (رحماء بينهم)، ففي جوّ التراحم يتمّ التفاهم إذ في هذا الجوّ فقط تنفتح العقول وتتفتّح على الحقائق وتزول التعصّبات القومية والعرقية والمذهبية والفئوية والعشائرية. وأعتقد أنّ البداية لهذه الإنطلاقة تكمن في إطلاق حرّية الكلمة ورفع المنع عن الخطاب ومناقشته. فالعلم هو المفتاح الأول لأيّ ظاهرة تغييرية وتظاهرة ثقافية وانتقالات نهضوية وتأسيسات سياسية. الثورة الفرنسية مثلاً والتي تركتْ للغربيين مفاهيم إنسانية في عالم السياسة والنهضة العلمية الحديثة ولكنها حينما رفعت القيود عن الأفواه وأسستْ للحرية الفكرية روافدها واحترمتْ كلمة النقد. ورغم كل الملاحظات وما قيل في ثغرات هذه الثورة إلا أنّها وبالمقارنة مع ما كانت عليه أوروبا وفرنسا بالذات من الوحشية والتخلّف تجد فيها الكثير من إضاءات. والرسالات السماوية كانت في بادئ دعواتها عمدت إلى إطلاق الحريات، وقد وصف القرآن الكريم واحدة من غايات نبيّنا محمد (ص) بقوله: (لِيَضَعْ عَنْهُم إصْرَهُم والأغلالَ التي كانتْ عَلَيْهِم). وهكذا نعتقد أنّ المسلمين في هذا العصر لم يستطيعوا الخروج من شرنقة التخلف إلا إذا طالبوا بالحريات الفكرية ليناقشوا أوضاعهم بلا خوف من حاكم ولا محكوم بل يناقشوا حتى المعتقدات ليأخذوها من واقع الدليل والبرهان، ويناقشوا التاريخ الموروث فيميّزوا الحقائق عن المدسوسات، فإنّ هناك الكثير من القناعات التي لا تصمد أمام الأدلة الشرعية والبراهين العقلية والثوابت الفطرية. مجتمعاتنا تحتاج إلى مناخٍ ثقافيٍّ أخلاقيٍّ حُرٍّ وهادفٍ ومنضبطٍ لينفق كلٌّ مذهب وجماعة وحزب وشخصية ما عنده، وللناس عقول فطرية تتمكّن من التمييز بين ما تستمع إليها من غثّ وسمين. وقد يخاف البعض هنا من سقوط ما يراه ثوابت أو يخاف من هرج ومرج في الفكر والكلمة، ولكننا نرى أن هذا الخوف ليس له ما يبرّره في الشرع والعقل، لأن الفكر الضعيف الهشّ والباطل والسخيف سوف يفضح نفسه ويكشفه الفكر الأقوى حينما يصطدم معه ويفنّده بدليل علمي أقرب إلى الفطرة النقيّة. وذلك هو ما قاله ربّنا وأثنى عليه القرآن الحكيم لما قال: (فبشّر عبادِ الذينَ يستمعونَ القولَ فيتّبعونَ أحسَنَه أولئك الذين هداهُمُ اللهُ وأولئك هم أولوا الألباب). وإلى هذه الحقيقة العلمية أشار الإمام علي (ع) في قوله الهادي: "ما مِن حركةٍ إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة".
بذلك كان من واجبنا العمل لتأسيس المجتمع المعرفي الحُرّ يتعاطى أبناؤه ثقافة الحرية والمعرفة كمنطلق لأية حركة ونشاط وتقدّم، بما فيها الحركة السياسية، فكلّ مَن يريد فيها الفوز والفلاح يجب عليه أن يقرأ ويعرف وينفتح بلا وجل ولكن مع الدليل العلمي والبرهان الصادق وإلا ضاع وانحرف وضلّ وانجرف.

س 32/ هل بوسعكم سماحة الشيخ أن تذكروا لنا أمثلة محدّدة ناجحة في هذا المضمار؟

المهتدي: القرآن الكريم ذكر صوراً كثيرة من الحوار بين الله تعالى وإبليس، وضمّن فيه الكثير من أدب الخلاف وأخلاقيات التقابل الفكري وسبل الخروج بها من الأزمات مع التأكيد على الحق وسننه في مسيرة الكون والحياة وفق المعايير الإلهية. وكذلك ذكر حوار الأنبياء وأقوامهم، وحوار أهل الجنة وأهل النار، وليس بالضرورة أن يكون الحوار بين طرفي نقيض بل قد أسس القرآن للحوار بين أهل الحق أنفسهم مثل ما جرى بين النبي موسى والنبي خضر وحوار الله والملائكة في قصة آدم وحوار النبي عيسى مع حواريّيه وهكذا.
ومن بعد القرآن الكريم نجد أمثلة كثيرة في سيرة النبيّ الأكرم وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام). وقد جمع العلامة الطبرسي (رحمه الله) وهو من علماء القرن السادس الهجري في كتابه القيّم (الاحتجاج) ما يقرب من 600 قصة حوارية جرتْ بين النبي محمد وأئمة أهل البيت وبين اليهود والنصارى والملحدين ومن كانوا يختلفون معهم في الرأي والموقف من فرق المسلمين.
وفي عصرنا تعتمد الدول ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العالمية مبدأ التلاقي الفكري والثقافي والحوار السياسي والاقتصادي جزءاً أساسياً في إرساء قواعد السلام العالمي، وقد ساهم هذا المبدأ إلى حدّ كبير في تخفيف التوترات السياسية في بعض البلدان وإنهاء الحروب أحياناً أو نزع فتيلها. ذلك وإن كان دون مستوى المطلوب ولكنه خطوة على الطريق الصحيح في زمن تفتك بالشعوب عصبيات جاهلية ولو تُركتْ على حالها لانتهى الخير كلّه من سطح الأرض. بل كانت ثقافة الحوار والمشاركة الشورائية في قيادة الأمور إلى نسبة معيّنة موجودة حتى في العصر الجاهلي ما سُمّي بحلف الفضول أو أهل الحلّ والعقد. إنّ الأمثلة على الحوار بين الأضداد كثيرة ومتوفرة على مرّ العصور وكذلك بين الأحباب، ولابدّ لنا من الاقتراب إلى المثال الإسلامي الذي تجسّدتْ درجاته في سيرة القادة الصالحين تأسياً بالنبي الأكرم (ص) حتى يومنا هذا إقتراباً واعياً متحرّكاً يربط جذور الأصالة بتمدّدات الحداثة دون أن نسمح للحداثة بتجفيف جذور الأصالة. هذه الإشكالية تعيشها الصحوة الإسلامية اليوم وهي مبعث القلق لدى المخلصين فيها. وعلاجها بإعادة الروح إلى الحلقات الحوارية المفقودة من جدٍّ وجديد.

س 33/ نظراً لكتابكم (الاختلاف وثقافة التعايش) أو (تجربة الوحدة والتعايش) وكتاباتكم الأخرى في هذا السياق، ما هو باعتقادكم أفضل السبل لتحقيق تقدّمٍ فعليٍّ في مجال وعي الإختلاف وقيمة التعايش؟

المهتدي: يجب أن نعرف أنّ الإختلاف قانون في الحياة لا مفرّ منه، قد بدأته الملائكة إيجابياً حينما اختلفتْ مع الله في نقاشها حول أهمية خلق آدم، ولكنها لإخلاصها في النقد سرعان ما استسلمتْ لله وتواضعتْ للحق. وإبليس أيضاً قد بدأه سلبياً حينما اختلف مع الله بروح إستعلائية تكابرية. وسار على نهج إبليس أناسٌ وعلى نهج الله تعالى سار أناسٌ وإلى قيام القيامة.. فهذان خطّان بدءا لينتهي إبليس وأتباعه إلى النار وغيرهم إلى الجنة.. وهنالك ينتهي الخلاف والإختلاف في الجنة ويستمر بين أهل النار كما تفيده الآيات القرآنية. فإذن لا خوف من الاختلاف مادام هو سنّة الحياة وبه تنشط روح التدافع والتنافس وبه يعرف الناس خطأهم ويصحّحه المخلصون منهم ويفتضح المفسدون، فمن بعد الهدم يقوم البناء ويعلو الصرح، إنما الخوف يكون من ذلك الاختلاف بين أهل الحق أنفسهم حينما يتبدّل إلى معول هدم لا بناء بعده. وهذا هو الموجود فعلاً والذي يجب شرعاً وعقلاً حلّه.
إني أعتقد بأنّ معرفة هذا الأمر بحدّ ذاتها خطوة باتجاه الطريق إلى حلّ مشكلة الإختلاف وتجعل التعامل معها ذا بصيرة ومرونة.
ولو أنّ المسلمين أو أبناء المذهب الواحد أو الجماعة الواحدة أرادوا وضع خطّة للنجاة أرى نقطة البداية الناجحة لهم تنطلق من وعي هذه الحقيقة، ومن غيرها تأتي المعالجات من دافع الإنفعال وردود الفعل الذاتية والعصبيات المغلقة والمقفلة، ومنها يتواتر الفشل ويتراكم على بعضه.. وتصبح الشعارات الوحدوية من أجل النفس لا من أجل الغير، بمعنى الوحدة بشرط تذويب الغير بدلاً عن التكامل معه، وإذا حلّتْ بقوم هذه الإزدواجية صاروا كما قال الله تعالى عن قوم كانوا يأمرون بالعدل وينسون أنفسهم وندّد بهم في آية أخرى وهي خطاب إلى المؤمنين: " يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لِمَ تقولونَ ما لا تفعلون كَبُرَ مقتاً عند الله أنْ تقولوا ما لا تفعلون ". وإني أفهم من خلال هذه الآية معاناة الأمة الإسلامية وما ضُرِبَ عليها من الذلّة والمسكنة والفساد والتفرقة.. وأرجو أن يفهم القراء كما أفهم، فالأثر يدلّ على المؤثّر، والعاقل تكفيه الإشارة.

س 34/ بماذا ترد سماحة الشيخ على أولئك الذين يسعون ليجري قياس حقوق الإنسان بمقاييس طائفية وسياسية وأنها لأسباب تاريخية لا يمكن تطبيقها بالدرجة عينها على جميع أطياف المجتمع؟

المهتدي: هذا تفسير ذاتي لحقوق الإنسان، إنّ المنظومة القيمية للحقوق الإنسانية سواسية بشهادة الوجدان والفطرة المغروسة في جوف كلّ إنسان، وهي تتجه نحو الإنسان بوصفه بني آدم قد نال التكريم من خالقه عزّوجل. فالاتجاهات السياسية التي تتلاعب في المفاهيم الإنسانية وتقسّطها على من تشاء وتمنعها ممن تشاء ليست إنسانية. ولقد وقع في هذا التمييز حتى الدول الأوروبية وأمريكا دعاة حقوق الإنسان وكأنّ الإنسان الذي له حقوق عندهم فقط ذلك الذي يكون منهم وإليهم!! وقد صرّح بهذه الثغرة في منطق الغرب كبار فلاسفتهم حيث انتقدوا معايير ساستهم وازدواجية مواقف دولهم والنفاق العملي. وحده الإسلام قد أتى بحقوق الإنسان كاملة وذهب إلى أبعد من ذلك لمّا أعطى للحيوان والنبات والتراب والبيئة حقوقها الطبيعية باعتبارها سُخّرتْ لخدمة الحياة البشرية، وكان أوّل تطبيق مثالي لحقوق الإنسان في الإسلام قد تجسّد في شخصية النبي محمد (ص) وسيرته ومنه انتقلت إلى أهل بيته ثم الأمثلين له من صحابته والأمثلين. والتاريخ يحتفظ بأدقّ المواقف لأولئك الرجال قبل أن تلوّث السياسة الدنيوية حكّام المسلمين ويُدخلوهم في نفق الصراعات العشائرية والمذهبية والقومية وتتوسع إلى يومنا هذا بوضع فلسفات لها في أغلفة إسلامية وتوجيهات من الآيديولوجيات الليبرالية تارة والاشتراكية اليسارية تارة أخرى!

س 35/ ما هي الموضوعات التي تشغلكم سماحة الشيخ المهتدي في العالم الإسلامي و الخليج بشكل خاص؟

المهتدي: نقرأ في الملف الدولي ممارسات الدول الكبرى الداعمة لإسرائيل في مواجهة إيران النووية والمقاومة الفلسطينية اللبنانية الوطنية الاسلامية وما تفرزه هذه الممارسات من القلق على مستقبل شعوب المنطقة.. وفي الملف الإقليمي نجد وقوف الحكومات مع المشروع الإمريكي في الظاهر والإسرائيلي في الباطن وعدم إهتمامها بمصلحة الأمة الإسلامية ودولها على المدى البعيد.. وفي هذا الجوّ المحموم تقلقنا على الصعيد الشعبي عدّة مواضيع، يتصدّرها الوضع الثقافي والسلوك الأخلاقي وضياع بوصلة الشباب ومشكلة الفساد والمخدّرات، فالجيل القادم ليس قادراً على تحقيق الغايات النبيلة ما لم نفكّر فيه اليوم بعقل جمعي متقدّم، لقد بلغ الفساد بين البنات والبنين حدّاً لم يبلغ حتى في الغرب الإباحي.. لدينا معلومات تدهش.. تصلنا أخبار عن الدعارة والفسق وما يمارَس في الشقق المفروشة والفنادق والغرف المغلقة ما قد ينزل على أهل البحرين من عذاب سماويّ ليس ببعيد. وأما المستوى الفكري والثقافي لدى أكثر الناس حسب متابعتي للصحف والنشرات الخبرية ومجموعة اتصالات ميدانية وما تأتيني من مشاكل لحلّها فذلك أمر خطير جداً.. قد وصلتْ حالة بعض الناس في بلادنا والبلدان الأخرى من حيث الفهم إلى مستوى الحمارية المطلقة، تجدهم لا يفهمون أبسط الأمور.. فهم والبهائم مترادفين.
وهناك أزمة الثقة، فالحكام والأنظمة والقوى الإسلامية والوطنية والعلماء والمثقفون.. كلٌّ يضرب في وادٍ غير واد النظرة المسئولة لمصالح الأمة بالحوار والتلاقي والتفاهم.. مما فتحتْ هذه الحالة أبواب حياتنا على العنف والإرهاب وتزايد البغضاء وانتشار ثقافة الكراهية وجماعات المواجهة وظهور التحيّز القومي والمذهبي والفئوي كأصل في التعامل مع الغير.. وتأتي قضايا المال والسوق والدجل والاختلاس في المعاملات التجارية والخوف من الفقر والخسارة لتثقل على كاهل الشعوب وتهدّد السلام والتنمية والاستقرار.
هذه قضايا تؤرّق المصلحين الذين هم بدورهم مصابون بالتفرّق والآحادية إلا القليل منهم الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في المعادلات المعقّدة لكلّ هذه المفردات الشائكة.

س 36/ رؤيتكم للتطلّع الوحدوي بين المسلمين متميزة، و يكفي لإكتشاف ذلك القراءة الحصيفة لمقالاتكم وكتبكم ومضمون خطبكم وبياناتكم على جلّ مستويات الحياة، لكن عندما يحتدم التناطح المذهبي في عالمنا الإسلامي، هل يخفت لديكم نور الشروق الوحدوي الإسلامي فتصابون باليأس؟

المهتدي: أحياناً كثيرة أشعر باليأس والإحباط.. فأنا بشر.. ولكن الله كريم...

س 37/ أين مشروع شورى الفقهاء في واقع المسلمين الشيعة؟ وهل هناك جسور بين المرجعيات الدينية في معاقلها الأمّ لتحقيق التعاون الإسلامي؟

المهتدي: مات صاحب الفكرة (الإمام الشيرازي) وماتت معه المساعي، فهي إلى حدّ كبير متوقفة وإنْ كانت الأفكار والدعوات إليها مستمرة بضعف وتردد. ولعلّ أهمّ الأسباب في موت الفكرة أنها لم تجد عند تلامذة الإمام الشيرازي طريقاً، فهل تجد طريقها عند الآخرين. فالحالة العامة الآن هي التسابق بين المرجعيات وأتباعهم، وفي ذلك أحياناً يلتقون على خط التعاون وأحياناً يتصادمون وأحياناً يعمل كل طرف حسب اجتهاده وفي محيطه الخاص. ومن الواضح أن هذا ليس ما يشبع التطلّع الإسلامي الرفيع وما يجب عليه أن يكون المرجع الديني في وعيه العالمي مصداقاً للتعاون على البرّ والتقوى مع أقرانه.
يعرف الجميع ما للوحدة من ضرورة وما للتعاون من أهمّية وما للحوار من دوافع، وإنما المشكلة في أنّ الجميع أيضاً يرى نفسه كعبة الحلول للأزمات، فهي تنتهي بالوحدة معه والتعاون معه والحوار بشرط الدخول تحت عباءته!!!
من هنا جاءت مواقف التفرقة والتخاذل.. ومواقف الإسترخاء بانتظار المعجزة وحلول غيبية...
إنني رغم احترامي لمراجع الدين (حفظهم الله) أراهم في خطأ فضيع من هذه الناحية.. ففي عصر تتحد الدول وتندمج الشركات وتتقارب المؤسسات لا يمكن القبول بمراجع باقين على طريقتهم الفردية في إدارة أوضاع الطائفة المستهدفة. فليكتشف بعضهم نواقص بعضهم ليتناصحوا ليتكاملوا ليتعاونوا، أليس هذه المبادئ يدعون أتباعهم إليها، فهم أوْلى بها منهم، فلو رأوا الأتباع تطبيقاً لدعوات مراجعهم على مستوى القيادة فسوف يطبّقونها على مستوياتهم. فالإشكالية نازلة من الرؤوس على رؤوس الناس، وقد انتبه إلى هذه الإشكالية سماحة المرجع الشيرازي الراحل فأمطروه بالتهم حتى مات كمدا.. فقال (رحمه الله) سوف يعرف المسلمون أهمّية شورى الفقهاء المراجع بعد مئة عام، فيما قال المرجع النجفي المرعشي سوف يعرف المسلمون أهمية نظرية السيّد الشيرازي بعد مئتي عام. ويدلّنا هذا الكلام على عمق الألم الذي يعيشه العظماء حتى بين الكبار.

س 38/ ما هي آخر مؤلفاتكم وهل هناك ما هو في طريق التحرير الفكري؟

المهتدي: ما صدر مؤخراً هو الطبعة الثانية من كتاب حول فقيدنا السعيد المقدّس الشيرازي سماحة السيد محمد رضا (أعلى الله مقامه) والكتاب جاء هذه المرّة بصياغة جديدة ومعلومات إضافية وصور وإجازات الفقاهة والاجتهاد. طبعته دار العلوم في لبنان. وهناك كتيّبات في طريقها إلى الطباعة والنشر، وهي أبحاث قدّمتها لمؤتمرات دولية وخليجية وبحرينية.

س 39/ في مشوار تحقيق المشروع الكبير المتعلق بمستقبل الإسلام والأمة فقدتم أخاً ورفيقاً غالياً عليكم كما فقدت الساحة الإسلامية عالماً جليلاً رسالياً هو العلامة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدّس سرّه)، ما الذي توصون به بعدما نصحتم الشباب المسلم بالإطلاع على سيرة المقدّس الشيرازي من خلال هذا الكتاب القيّم؟

المهتدي: النموذج الذي أرسى له المقدّس الشيرازي فريد من نوعه في عالم الحوزات والمجاميع العلمائية.. ولقد اختاره الله سريعاً ربما لأننا لم نستحقه. وكذلك هم النوادر.. سرعان ما يخرجوا من هذه الدنيا الدنيّة إذ يتألّمون فيها من الأقربين قبل الأبعدين، من الذين لا يفقهون حديثهم ولا يعملون بعلمهم. إنّ أمثال الفقيه المقدّس الشيرازي لن تطيق أرواحهم الكبيرة أبدانهم الضيّقة فيغادروها إلى الملئ الأعلى ليكونوا مشاعل في طريق الآخرين وقليلٌ ما هم. ووصيتنا في هذا الخصوص ونحن في الذكرى السنوية الأولى لرحيله المفجع هي ما أوصانا بها المقدّس الشيرازي الذي حاولت قدر مقداري أن أكتب عن أهمّ وصاياه ومرئياته حسب إدراكي المتواضع عن معالم شخصيته وما رأيته فيه من خلال صداقتي معه.

س 40/ الإسلام والغرب، هذه الثنائية تتضمن صور متباينة من خلال زيارتكم كل مرّة لبعض الدول الغربية وتوجيه الجالية المسلمة هناك، فضيلة الشيخ كيف ترون مستقبل الإسلام في ظل تيّار العولمة الجارف؟

المهتدي: الاسلام يكتسح الغرب، لأن الغرب فَقَدَ ما يبقيه غرباً كالسابق، فالغرب لم يعد اليوم يجد حلاًّ لأزماته المتشعّبة والمتراكمة، فعندما بنى الغرب نفسه على الإقتصاد والصناعة والمال والسوق والتجارة نسي جانباً هو الأهمّ في البناء الحضاري.. جانب الروح الدينية والأخلاق المعنوية وبناء النفس وفق الهندسة الإلهية، وها قد انهار اقتصاده وأعلنت حكوماته الإفلاس وكساد السوق وركود الحركة التجارية وزيادة البطالة وإغلاق الشركات والمصانع. ذلك ما حذّر منه الاسلام في نهاية الحضارات: (وإذا أرَدنا أنْ نُهلِك قرية أمرنا مُترَفيها ففسَقوا فيها فحَقَّ عليها القولُ فدمّرناها تدميراً). وليس فسقاً أكبر من الخمور والزنا وترويج الفواحش وقيادة الحروب وقتل الشعوب واستعمار البلدان ودعم الصهاينة المجرمين والتآمر على الأديان السماوية وفي رأسها الدين الإسلامي الحنيف. وهل الأمراض التي تفتك بالمجتمعات الأوروبية مثل الإيدز وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير والجنون البقري وما سوف يأتي باسم (انفلونزا القيامة) وهي أمراض زاحفة إلى مجتمعاتنا التابعة للغرب إلا نتيجة الإبتعاد عن قيم السماء المحفوظة في القرآن الكريم والتي بيّنها النبي الأمين وأهل بيته الأبرار. إنّ الإسلام الحقيقي هذا وليس ما يروّجه قطّاع الرؤوس في أفغانستان والعراق هو الحلّ الذي ينقذ الغرب، وقد لمسته من قرب في سفراتي المتعدّدة إلى الدول الأوروبية وفي حواراتي مع مختلف الفئات هناك. ومن الجميل أن الغربيين رغم الدعايات المغرضة ضد الإسلام يميّزون بين الإسلام السلمي المعقول في أصوله العقائدية وفروعه الفقهية وبين إسلام مخترع في غرف مظلمة يحمله الظلاميّون والإرهابيّون والقتلة والمجرمون التكفيريون. والآن أخذت الخطط ترتسم في الدوائر الإستعمارية في الغرب وبأموال عربية لتوجيه ضربات الظلامييّن إلى صدر الإسلام الحقيقي بحجّة الوقوف أمام المدّ الشيعي والخطر الإيراني. وهذه الخطة مفضوحة لدى عقلاء الغرب ولدى إخواننا السنة المعتدلين ولدى أحرار العالم والوطنيين الشرفاء، فلم تؤثر في واقع الساحة العالمية بإذن الله. لأن شعوب العالم باتت يائسةً من حكوماتها وتعرف الكذب الذي تقدّمه وسائل الإعلام المبرمجة. ويكفيك خروج الناس في العالم تنديداً بالقوانين التعسفية في بلدانها وجرائم إسرائيل في لبنان وفلسطين. فهذه الضمائر الحيّة أرضية خصبة لتقدّم الإسلام في الغرب، وهنا نعرف قيمة فضائياتنا الإسلامية وأهمية دعمها مالياً وفكرياً. نحن رغم اشتداد الصراع العالمي وقساوة الظلم وعمق التخلف وكثرة الفساد وضبابية العيش، نرى المستقبل سوف ينتقل إلى يد الإسلام.. إسلام المهدي من آل محمد الذي أعدّه الله ليملئ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئتْ ظلماً وجوراً.
ـــــــــــــ
وأخيراً: شكراً لكم سماحة الشيخ لإتاحتكم لنا هذه الفرصة الحوارية المفتوحة على أهمّ القضايا الاستراتيجية عالمياً وخليجياً وبحرينياً.

المهتدي: شكراً لكم أيضاً وشكراً لقرائكم إذ تعبوا في قراءة هذا الحوار الطويل. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل في دولة أهل البيت القادمة.

ــــــــــــ
مكتب العلامة المهتدي
__DEFINE_LIKE_SHARE__
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تقرير مصور : العلامة المهتدي البحراني في الليالي الفاطمية - السويد محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 04-07-2010 06:00 PM
تقرير مصور : العلامة المهتدي البحراني في الليالي الفاطمية - السويد محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 04-07-2010 05:50 PM
خطبة العلامة عبدالعظيم المهتدي البحراني عن قاعدة الافراط والتفريط محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 08-29-2009 10:40 PM
من هو العلامة | عبدالعظيم المهتدي البحراني (دام ضله) محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 07-29-2009 01:50 PM
مكتب العلامة المهتدي : رسالة يبعثها الشيخ المهتدي للجنة العائدين (مهم جداً) محروم.كوم منتدى أخبار المواقع والمنتديات العربية والأجنبية 0 05-17-2009 09:50 AM


الساعة الآن 05:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML