يحتاج الإنسان ليمارس الزعيق ليفرّغ عما في نفسه من كبت وشعور محتقن فيلجأ إلى الزعيق لينفِّس عن هذا الكبت والإحتقان فتزول حالة الإضطراب والشحن.
لأنَّ طريقة الكلام والإيماءات تؤثر في نفس المتلقي وقد لا تكفي النبرة الهادئة أو الإيماءات المعبّرة والواضحة فتنشأ الحاجة إلى الزعيق أولاً لتكون الرسالة المراد إيصالها أكثر وضوحاً ولتبدو أكثر جديّة وثانياً ليؤدي الزعيق دوره في تحريك العواطف سيّما إذا أردت كمتكلم أن تمرّر ما لا يمكن تمريره في حالة هدوء وتفكير أو أنك تريد أن تظهر بصورة الغاضب المنفعل غضباً وانفعالاً يبدو حقيقياً وموجّهاً.
لأنك تريد إرسال رسالة تبدو غاضبة ومباشرة فيجب أن تكون الكلمات مختارة بعناية لتناسب موجة أو "موضة" الزعيق. لذلك من الممكن أن تأتي كلمة "خسئتم" ومثيلاتها وبمخارج حروف صريحة وواضحة. مع أنّ "خسئتم" هذه يأتي قبلها وبعدها ما يناقضها لكنّ فنّ الأداء ورفع نبرة الزعيق ستؤدي الغرض وستغطي على ما سواها.
أمام الصخب والزعيق لا مجال للأفكار السليمة لأن تبقى خصوصاً إذا كان زعيقاً مفتعلاً أو في غير محلّه أو مبالغاً فيه؛ فيكفي للمرء أن يقول جملة حازمة أو يرمق بطرفه بنحوٍ خاص أو بإشارة مفهومة ليعرف الناس حالته وأنّه غاضبٌ ومنفعل.
يريد "الزاعقون" أن يبقوا على ما هم عليه يخاطبون الآخرين باستعلاء ويفرضون الوصاية على الناس وفي المقابل على الآخرين أن يسمحوا لهم بالإستمرار في الإبحار والتجديف والتعهد بالحفاظ على "المجاديف" وعدم تكسيرها مهما أوغلت تلك "المجاديف" في التجديف بعيداً عن الشاطئ في حين أنَّ القارب واحد ولا مجال لصنع "مجاديف" أخرى إلا أن تنزعها من هواة التجديف وتعطيها لأهلها ومن يحسنون التعامل معها وتوجيه القارب نحو هدفه بتركيز وبجهدٍ حقيقي وفي مساره الصحيح بهدوء ومن دون زعيق.
مع ما كان عليه الوضع من ارتفاع في منسوب الصخب والضجيج إلا أن خطاب الزعيق يقرّ بحملة الإستياء العارمة التي تلفّ الجمهور والتي اضطرت القوم إلى استخدام هذه الموجة أو "الموضة" من الزعيق.
كيف لمن يمسك بزمام المعارضة وبقيادتها كما يدّعي أن ينزل من نفسه ليردّ على كاتب متخف هنا أو هناك في "تويتر" أو غيره ممّن لا حضور ميدانياً لهم؟ كم هي كبيرة نسبة تأثير "تويتر" على السياسيين هذه الأيام!
رسالة خطاب الزعيق للنظام كانت إلى جانب "خسئتم" هي الإستعداد الدائم والمؤبد "للحوار" ، فكيف يستقيم ذلك مع رسائل القوم المضادة من تهديم لبيوت الله وقنص للشباب في الشوارع؟ فهل هدم بيت الله يمكن تصنيفه على أنه مجرّد انتهاك أم ماذا؟
رسالة خطاب الزعيق للمعارضة والتي مرّة يعترف بها ومرّة يتجاهلها هي أن أغلقوا أفواهكم ولا تكشفوا عن مواطن السقوط، فإن كانت هذه الرسالة ليست لفصائل المعارضة المعروفة فما الداعي لها ولمن توجّه يا ترى؟! وإن كانت في الواقع هي موجهة لفصائل المعارضة فلم هذه النبرة والأسلوب، أحوارٌ مع العدو وتراشقٌ مع الأخ والصديق؟
لماذا لا نرى الإستعداد الدائم للحوار والإيمان به قيمة حضارية سائدة بين الفرقاء وثابتاً من الثوابت في التعاطي ما بينهم؟ ما نراه هو العكس وهو "الحوار" ممكنٌ ومتاحٌ ومطلوبٌ مع الأعداء لكننا لا نكاد نذكر أنّ خطاباً واحداً سواء بنفس النبرة أو غيرها دعا إلى ضرورة الحوار السياسي والتوافق بين الفرقاء إلا أن يكونوا أعداء في نظرة كل منهم للآخر أو أن يقرّوا أمام أنفسهم وأمام الناس ألا إمكانية للإلتقاء مع بعضهم. وإذا كان الأمر كذلك وأنك لا تستطيع أن تلتقي في شيء مع أخيك فكيف تلتقي بعدوك بل إنك ترى الأمور معه ميسَّرة سهلة! هل يعقل أن المعارضة لا يمكن بحال أن تتفق وتلتقي مع بعضها في شيء وأنها متناقضة كل التناقض ولا ينسحب هذا التوصيف والواقع - إن قبلتم به - على الجمعيات والنظام.
ملاحظة صغيرة: يرجى الرجوع لمعجم الألفاظ لمعرفة ما هو "الزعيق" والمراد منه.