لؤلؤة أوال | وجوه الثورة : زينب الخواجة

[محروم.كوم]

وجوه الثورة


زينب الخوّاجة



تحملُ أمُّ جود إرثاً غير محدودٍ من والدها. من الصّعب قراءة صوتها من غير الرّجوع إلى الأدبيّات الفاصلة التي أرساها عميد حقوق الإنسان في الخليج، عبد الهادي الخوّاجة، وخصوصاً بعد عامٍ واحدٍ من الانقلاب على ميثاق العمل الوطني، والدّخول في المرحلة الرّسميّة للاستبداد المقنّن. وقتها، انفتحت زينب على التّحضيرات الأوليّة لعمل مركز البحرين لحقوق الإنسان، والذي كان قد بدأ، بعد العام 2003م، جهداً جديداً تجاوزَ فيه إشكاليّة الحقوقي والسّياسي، وحسم أمره في الخروج من المكاتب المكيّفة، وأخذ يخوضُ عميقاً في تفعيل الحقوق الإنسانيّة كلّها. حقّ العمل، حقّ الأمن الاقتصادي، حقّ السّكن، حقّ التّعبير، حقّ التّظاهر، حقّ السّواحل العامة، وحقّ الحياة.

تشرّبت زينب حقوقها. لم يكن لها أن تكون في صُلب الثّورة، ووجهاً من وجوهها، لو لم تكن قد تعرّفت على حقوقها كاملةً. كانت حلقة الوصْل بين الميدان والإعلام الخارجي. أسهمت في كشْف الوجوه الملطّخة من عصابات النّظام ومهرّجيه. لم تكن "نخبويّتها" المكتسبة بفعل تعليمها العالي، وثقافتها الأجنبيّة، وصيتها العالمي؛ حائلاً دون تواجدها بين النّاس البسطاء الذين يقودون الميادين ويُشعلون الثّورة حماساً وانتشاراً. لم تكتفِ أمّ جود بدورها في تأمين الصّورة النّاصعة للثّورة، بل جادت بكلّها من أجل تقديمٍ نموذجها السّلمي الكامل في مواجهةِ القوّات الغازية وأسلحتهم القاتلة. بالنسبة لها، فهي معنيّة بتمثيل المدرسة التي أسّسها والدها في العمل الحقوقي، وهي المدرسة التي تنصّ على أنّ نشْر ثقافة حقوق الإنسان تتطلّب أمرين: الأوّل، ربْط النّظرية بالتّطبيق، والثّاني، التخلّص من مقولة التّسييس وكتابة التقارير الحقوقيّة الباردة.
كانت زينب، في أوقاتٍ كثيرة، معنيّة بإعطاء النّموذج، ولكن من غير أستذة مكشوفة، وبعيداً عن الإدّعائيّة واحتكار الأمثولة الفضلى. كانت تعملُ من أجل النّاس. المعتقلون، والشهداء، وضحايا التّعذيب والانتهاكات. تمدّ الأهالي بالصّبر والصّمود، وتكتسب منهم الانتماء الحقيقي إلى الثّورة وشرعيّة السّاحات.
أراد النّظام إخراس صوتها مراراً. لم يكسر عزيمتها في كلّ المرّات. كان خروجها من المعتقل إيذاناً بأنّها على وشك البدء، مجدّداً، في سيْرها وسيرتها الأولى. يعجزُ الطّاغية عن إخراسها، وكسْرها، وإرهاق روحها. ثباتُها واقعة مسجّلة، وبأعين الجميع، وبشهادة الجرح الذي يسكن قدمها، ويسكنُ قبل ذلك في جسد، وروح، عائلتها المبتلاة. تعطي زينب درساً في إمكان أن يتحوّل شعار "يسقط حمد" إلى شعارٍ حيويّ يمكن ترديده، بلا خوفٍ، وأنتَ مُحاطٌ بالمرتزقة وحولك أسلحتهم الجبانة. يمتزج الشّعار بقوّة الاطمئنان، فيتسرّب الهلعُ إلى جيوب المرتزقة وضبّاطهم. هكذا تكتبُ لنا زينب قصّة انتزاع الحقّ في الانتشار على قارعة الحقوق، وليخسأ بعدها كلّ المختبئين تحت الأقنعة والخوذات النّجسة.




المصدر: http://www.lulu-awal.com/news.php?newsid=62 __DEFINE_LIKE_SHARE__