لؤلؤة أوال | تأصيل الثّورة

[محروم.كوم]

تأصيل الثّورة

لا ينبغي أن يُؤخذ مفهوم "التّأصيل" من خلال بوّابة "الأصوليّة"، بمعناها السّلبي. كما أنّ "التأصيل" ليس مسألة فكريّة خالصة، أو عملاً خصوصيّاً يُمارسه النّخبة والعاملون في نحت المصطلحات. هي مهمّة ميدانيّة أساساً، وترتبط مباشرةً بالأفعال واختراعات الجمهور في الميدان.
من أهم وسائل الحماية التي تحتاجها الثّورة في البحرين، هو الجهد التّأصيلي، أي إحاطة منطلقاتها وأهدافها ومسيرتها بالدّعم الفكري والتوثيق الثقافي والرّبط التّاريخي. من غير ذلك، فإنّ الثّورة تكون عُرضة للانحراف، أو الاختطاف.
ومن المتوقّع أنّ عملية التّأصيل تتطلّب أمرين متلازمين. الأوّل معرفة الخلفيّات (الأصل الثّابت)، والثّاني تحديد الأهداف (الفرع الممتد). هنا تحضر الآية القرآنيّة بوضوح مناسب: "أصلها ثابت، وفرعها في السّماء" (سورة إبراهيم، الآية 24). ومن المفيد استذكار القوْل المؤثّر للشّيخ محمد علي المحفوظ في دوّار اللؤلؤة، حينما تحدّث عن السّقف المطلبي للثّورة، جاعلاً من "السّماء" سقفاً لها. إنها إشارةٌ إلى ضرورة أن تكون الحركة الثّورية ذات أفق مفتوح، ولا حدود له، وألا تنخدع الثّورة بمقولة "الواقعيّة" وأختها البغضية: "السّياسة فن الممكن". كذلك، فإنّ اعتبار السّماء "سقفاً" للثّورة، يُحيل بشكلٍ آخر إلى الأرض الثّابتة التي لابد أن تنطلق منها شجرة الثّورة، وتكون أساساً وتأسيساً لها.



لمحة ناقدة


من المعروف أنّ الحركة الإسلاميّة في البحرين دخلت مرحلة جديدةً بعد مرحلة الميثاق الوطني (2001م)، حيث بدأت تنخرط في العمل العام بشكلٍ مباشر وعلني، وبطريقةٍ أكثر تنظيماً، كما أنّها بدأت تُعيد صياغة خطابها العام، وسياساتها العمليّة، تبعاً للظّروف الجديدة التي أعقبت المشاركة السّياسيّة، والإنهاء التّدريجي لمرحلة المفاصلة مع الحكم الخليفي. في ظلّ ذلك، وقعت الحركة الإسلاميّة في فوضى من الخطاب الفكري والسّجالات الثقافيّة غير الموزونة، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة مع النّظام الخليفي، ومنهجية التّعاطي مع التيارات الوطنيّة واليساريّة المخلصة، فضلاً عن أسلوب التفاهم مع الخلافات الدّاخليّة والاختلافات القائمة على الاجتهاد في الرأي وتعدّد المناهج العمليّة.
من بين النتائج الكاشفة التي أظهرتها تلك التّجربة، هو ضعف البناءات الفكريّة للإسلاميين، وغياب الأسس التأصيليّة للمواقف المعلنة، حيث غلِب على الخيارات المطروحة الطّابعُ الارتجالي، والتأرجحُ بين الإلزامات الحزبيّة والقياديّة وبين الرّضوخ للغضب الشّعبي أو الخشية من ردوده غير المحسوبة.
في ظلّ فوضى الواقع الحركي؛ كان البعض يطرح شعار "التأصيل" من غير إبداء الجهد الفكري الرّصين، والمنهجي، والمتتابع، والذي يتطلّبه أيّ عملٍ تأصيلي. في هذا السّياق، كان الخطاب التأصيلي العام للشّيخ عيسى قاسم، والمعالجات المركّزة التي قدّمها الأستاذ عبد الوهاب حسين والشّيخ سعيد النّوري – خاصةً في الفترة التي مهّدت إلى تحوّل الأخيرين إلى تأسيس تيار الوفاء الإسلامي – بحاجةٍ إلى روافد إضافيّة متتابعة، بما يضمن التلقّي النقدي الإيجابي لتلك الأطروحات، وتوفير الأرضيّة الواقعيّة لها وربْطها بالاحتياجات والتساؤلات والفراغات التي تعيشها الحركة المحليّة. من المؤسف، أنّ هذا الأمر لم يتحقّق على أكمل وجهٍ مطلوب، وهو ما حوّل الحديث عن الأصالة والتأصيل إلى محاولاتٍ غير مثمرة فكريّاً وعمليّاً. ومن مظاهر ذلك، استمرار سوء الفهم بين الإسلاميين والوطنيين في خصوص المشروع الوطني المشترك، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى؛ عدم التوصّل إلى تفاهمات بنّاءة بين الإسلاميين المختلفين في الممارسة السياسيّة العامة.

ثورة 14 فبراير بانتظار إسهام تأصيلي جادٍ، يكون معنيّاً بترسيخ أرضيتها، وتوفير الإثباتات المقنعة على سقفها الثّوري ومنهجها الرّافض للعودة إلى المربع الأوّل الذي يفرض على النّاس القبول مجدّداً بالحكم الخليفي الظّالم. ولا شكّ أنّ هذا الإسهام ليس حصْراً باتجاهٍ فكري أو دينيّ معيّن، كما قد يفهم البعض، بل هو ملقى على عاتق كلّ الذين يؤمنون بالعناوين العريضة للثّورة، مهما كان انتماؤهم الأيديولوجي.

المصدر:

http://www.lulu-awal.com/news.php?newsid=57

__DEFINE_LIKE_SHARE__