مقال لليث البحرين المهداة للبطل المجاهد نمر النمر (و بالنجم هم يهتدون)

[محروم.كوم]

‏وبالنجم هم يهتدون

قال تعالى في كتابه الكريم في مقدمة سورة النحل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ، وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).

ذكر الله جل وعلا في هذه الآيات الكريمة عدد من نعمه على خلقه لتبيان فضل الباري واعجازه وتعداد بعض أهم آيات قدرته وعظمته، ومن أعظمها خلق السماوات والأرض وهذا الكون المترامي الأطراف الذي يعجز العلم المتقدم عن حساب أبعاده، ومن آياته خلق الانسان من نطفة متناهية الصغر بث الله فيها الروح ليخرج منها بشراً سوياً بأمره، ومن آياته خلق المواشي والحيوانات التي يستخدمها بنو آدم في تنقلاتهم وسفرهم وحمل أعبائهم وحتى أكل بعض هذه الأنعام عند حاجتهم، ومن آياته سقوط المطر واختلاف الليل والنهار وأنعام النباتات وما تنتجه من فواكه وخضروات، ومن آياته البحر الذي يتنقل على سطحه البشر ويأكلون ما فيه من أسماك ويستخرجون الحلي كذلك، ومن آياته الأنهار والجبال التي جعلها ربنا أمناً وثباتاً للأرض وسكانها.

ولعل من أعظم النعم التي جاءت منفردة بآية خاصة هي نعمة الهداية للطريق القويم والارشاد في حالة الضياع والتياه، لذلك قال الباري وعلامات وبالنجم هم يهتدون، فالعلامات هي التي ترشد الانسان للطريق الصحيح في وقت النهار، ولكن لا يدل على النهج السليم في الليل وظلامه إلا النجم المضيء بذاته، ليكون آية من آيات الله الكبرى التي يحتج بها على عباده ويذكرهم من خلالها بنعمه وتفضله ورحمته.

وكم من نجمٍ قد أشرقت الأرض بنور وجهه قد هيأه الله للانسان ليستدل بنقاءه وصفاء روحه على الصراط المستقيم رغم الضياع والتشت والفتن التي تنخر جسد الانسانية وتحيل حياة البشر الى ليلٍ حالك السواد، فهذا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أحال ببصيرته وحكمته صحراء الحجاز التي دفنت بها الموءودات ظلماً لأنهن ولدن إناثاً، أحال هذه البيداء القاحلة العابدة للأوثان إلى روضة من رياض الجنة تملؤ أركانها الرحمة والمودة والمحبة والعيش الكريم.

ومن رحمة الله بعباده أن تشرق بعض النجوم على الانسانية بين الفينة والأخرى مع تعاقب القرون والأمم، فهذه النجوم تهدي الانسان لحريته وكرامته وتعلمه الصمود في وجه المحن، ومنها كان نجم غاندي معلماً ملهماً للانسانية والحراك السلمي، وكان نجم الأم تريزا التي عالجت الفقراء بالهند لعشرات السنين ملهمة لرعاية الفقراء والمساكين، وكان نجم مانديلا رمزاً للصمود والتضحية في غياهب السجون، وكان نجم جيفارا رمزاً خالداً للنضال من أجل حرية الانسان رغم تعدد الثقافات والأعراق، وكان نجم عز الدين القسام والسيد عباس الموسوي رمزين حقيقيين لمناهضة الصهيونية، وكان السيد الامام الخميني رمزاً للثبات في وجه تكالب الظلمة، وهكذا تشرق هذه النجوم تباعاً في مجالاتٍ شتى لننهل من عطاءاتها ما يفيدنا ويفتح آفاقنا العقلية والروحية لما فيه خير الانسان ومجتمعه.


وكان لنا في ثورة 14 فبراير نجماً لم نعرف حجمه ولا عظمة إشراقاته إلا بعد احتجابه، نجماً لاح لنا يذوب شمعة ًمتوهجة ً ليضيء لنا وللأجيال القادمة درب المظلومية ويحيله معشوشباً مخضراً من بعد تصحره، إنه النجم الباسم الذي رغم عذاباته وآلامه إلا إنه بقي شامخاً كالطود في وجه الريح ألا وهو الشيخ نمر النمر.

بكل جانب من جوانب حياته كان مشرقاً، سناه العظيم علمنا ويعلمنا أن نكون أحراراً، فالنمر لم يخيفه ظالمه ولم يقف عاجزاً أمام من عذبه، فهذا هو يقول متحدياً صلباً فوق منبر صلاة الجمعة بأعلى صوته (يسقط حمد)، فلم تعنيه تجاذبات السياسة النجسة ولا موازين القوى الباطلة، فصاحب المبدأ كما نمر النمر لا يرضا بظالمه ولو كان العالم كله ضده فما يهمه هو رضا الله جل وعلا، فكيف يقبل النمر بحاكم كحمد وآل سعود وهم من هدموا المساجد وعذبوا العلماء واغتصبوا النساء.

نمر النمر هو القيادة الميدانية الحسينية الحقيقية التي تأبى الانكسار والخضوع للظالمين، فهو بعمته البيضاء وقف أمام مدرعات الحرس الخاص السعودي رافعاً قبضته مشهراً روحه هاتفاً مع القلة من خلص أحبته (الشعب يريد اسقاط النظام)، فشعار هيهات منا الذلة لا معنى له في قاموس النمر إن كان يرضا بحاكمٍ طاغٍ مثل يزيد، وشعار لن نركع إلا لله لن يكون حقيقياً نابعاً من القلب إن بقي الرعاع ملوكاً وهم من حاربوا دين الله وهدموا مساجده وقتلوا عبيده وجوعوهم واستباحوا حرمات منازلهم ولم يبقَ لهم من الموبقات جريمة لم يرتكبوها، لذلك فالنمر حين قال مثلي لا يبايع مثله نفذها عملاً ومارسها فعلاً برفضه لحكم آل سعود وآل خليفة رغم علمه بالعواقب الرهيبة المرعبة بسبب موقفه التاريخي.

وإن كان التاريخ منصفاً فليحفظ لك يا حبيب القلوب الثائرة ونمر العلماء موقفك الذي لا يُنسى بعد واقعة الاعتداء على حرائرنا في مجمع السيتي سنتر، فأنت أول من طالب بالدفاع عن الحرائر ولو أدى لقتل المعتدي كائناً من كان، لم تكتفي بذلك بل ناشدت شباب البحرين بجعل الدفاع عن العرض أوجب من الدفاع عن العلماء فمن مات دون عرضه مات شهيداً، وقلت غاضباً لله ورسوله وحرائر المسلمين أن لماذا لم تقتلوا من اعتدى على نسائكم فلا سلمية في هذا الأمر، وحينها هاجمك من هاجمك وسقطك من سقطك فقط لقولك كلمة الحق ولكنك سموت على الجراح فعلمتنا كيف نكون ثورة واعية تدافع عن الدين والعرض وتقطع يد القتلة قبل أن تمد على حرماتنا.

نمر النمر كان نجماً في تواضعه وتسامحه، يحج للناس سائلاً عنهم، يستمع للشباب مصارحاً لهم مشاوراً لكبيرهم وصغيرهم في أمورهم، فلم يكن يوماً فوقياً ولا متسلطاً ولا داعية فرقة بين الناس، وهو الداعي لدعم النظام الايراني رغم اختلافه معه في بعض الأمور ولكن الهدف الأسمى جعله يكرر دوماً وعلناً دعمه للجمهورية الاسلامية منشاداً الشباب للتوحد ونبذ الفرقة والتحزبية وترك خلافات التقليد والمرجعية وغيرها من الأمور والتركيز على الأساسيات.

ومن أروع ما سطع نجم النمر فيه هو انسانيته، فنمر النمر هو القدوة في ظل السواد الحالك من الطائفية العمياء التي ضربت شعوب المنطقة التي باتت تؤيد نظاماً وتعادي آخراً فقط بسبب الانتماء المذهبي أو التحيز العرقي، فكان موقف نمر النمر مكسراً لهذه الطائفية، قالها لا خائفاً ولا وجلاً وبدون أي تردد أن نظام بشار الأسد وآل خليفة وآل سعود سيزولون من الوجود لسفكهم دماء الأبرياء وظلمهم لشعوبهم المنكوبة منذ سنين طوال، فكان بهذا الموقف المشرف علماً هادياً للصواب هادماً لحصون الطائفية والعنصرية المقيتة.


ولك يا نمر القلوب آيتك الكبرى، حدثني عنها، حدثني عن ما لاقيته يوم أسرك، أوَ حقاً صبرت على الرصاص الحي الذي زرعوه في جسدك، أحقاً حين أفقت كانت رجلاك ويداك مربطتين بكرسي التعذيب، لهف قلبي يا نمر كيف عذبوك، سمعت إنهم بالكهرباء صعقوك، سمعت إنهم بالحديد لكموك، سمعت إنهم بأرجلهم رفسوك، قم تكلم فبك احتار الفكر يا نمر، أصمدت رغم وحدتك، أصبرت رغم جراحاتك وغربتك، كيف علمت بموت زوجك كيف، هل أدمعت عيناك لفراق أم عيالك أمْ إنك لم تظهرها لعدوك كي لا يشمت بك، كيف تحتمل غيابها وفلذات كبدك مبعثرة بين بلدان الغربة لا تحضنهم فتواسيهم ولا تراهم فتبعث الحياة بروحك حين تلقاهم.

السلام عليك من عالمٍ تعذب في غياهب السجون، السلام عليك من منسيٍ لا ذكر له بالخطابات الرنانة ولا البيانات ولا من باكية لجراحاته، السلام عليك مظلوماً وحيداً بين يدي معذبيك لم نحرك لك ساكناً لننقذك، السلام عليك مُحارباً في دينك وعقيدتك بين يدي من يرى في قتلك قربة لله تعالى، السلام عليك علماً هادياً للحق بصمودك وعزتك، السلام عليك رافعاً لشعارات الحسين ومطبقاً صادقاً لها بدمائك وروحك، السلام على بدنك المعذب، السلام على شيبك المخضب، السلام على روحك الطاهره.

يا شيخنا وقائدنا نمر النمر نعاهدك ونقسم بدمائك الزاكية، أن نمضي ثواراً في خطك وأن لا نحيد عنه مهما كان الثمن، نعاهدك أن يكون مطلبنا اسقاط النظام ونهجنا مقاومة حزب الظلم والشيطان، يا نجمنا المشرق وعزنا الخالد فداءاً لك أرواحنا، جماجمنا فداء أسنانك المكسرة تحت التعذيب، دمائنا ترخص لنهجك وعزيمتك وصبرك وحكمتك، طبت حياً مخلداً ما بقي الدهر وخاب في قعر الهوان ظالموك، فأنت القيادة، أنت الثورة، أنت النصر، وأنت النجم الذي به اهتدينا.

ليث البحرين
بذكرى مرور شهرين على محاولة اغتيال الشيخ نمر النمر
8-9-2012

__DEFINE_LIKE_SHARE__