02-16-2016, 08:00 PM
|
عضو ماسي | | |
اَلْحَمْدُ لِلِه ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي اَنَارَ قُلُوبَ عِبَادِهِ بِنُورِ الْاِسْلَامِ، وَاَنَارَ عُقُولَهُمْ بِالْاِيمَانِ؟ لِيُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْاَلُهُ اَنْ نَقُومَ بِمَا خَلَقَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْ اَجْلِهِ؟ لِنُؤَدِّيَ رِسَالَةَ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْاَرْضِ الْمَنْكُوبَة، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير، رَبَّنَا لَاتُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنَا ، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهَّاب ، رَبَّنَا اِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَارَيْبَ فِيهِ، اِنَّ اللهَ لَايُخْلِفُ الْمِيعَاد، وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ، اَلْحَكِيمُ فِي خَلْقِهِ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الَّذِي اَرْسَلَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَة، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَا رَبَّ الْعَالَمِين، اَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله: اَيُّهَا الْاِنْسَان: لَكَ عَدُوٌّ لَايُفَارِقُكَ اَبَداً، وَلَكَ اِلَهٌ خَلَقَكَ، وَصَوَّرَكَ، وَرَزَقَكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلَكَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلَا، فَاَنْتَ اَخِي الْاِنْسَانُ: اِمَّا اَنْ تَتَّخِذَ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُون ِاللهِ: وَهَذَا هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، وَاِمَّا اَنْ تَتَّخِذَ اللهَ وَلِيّاً: فَذَلِكَ هُوَ الرِّبْحُ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي الْاِنْسَان: نَعَمْ اَخِي الْجَانّ: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ سُورَةِ النِّسَاء{اِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اِلَّا اِنَاثاً، وَاِنْ يَدْعُونَ اِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ، وَقَالَ: لَاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضَا، وَلَاُضِلَّنَّهُمْ، وَلَاُمَنِّيَنَّهُمْ، وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْاَنْعَامِ، وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللهِ، فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَايَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ اِلَّا غُرُوراً، اُولَئِكَ مَاْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَايَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصَا( صَدَقَ اللهُ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي: اَلْوَثَنِيَّةُ اَخَذَتْ اَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً عَبْرَ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَاَمَّا فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ: فَكَانَتِ الْوَثَنِيَّةُ اَصْنَاماً تُعْبَدُ تَقَرُّباً اِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حِينَمَا قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ{مَانَعْبُدُهُمْ اِلَّا لِيُقَرِّبُونَا اِلَى اللهِ زُلْفَى(فَيَنْزِلُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ{اِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اِلَّا اِنَاثاً(وَيَعْنِي بِذَلِكَ سُبْحَانَهُ: اَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْاَصْنَام، نعم اخي: وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ ضَعِيفٍ وَتَصِفُهُ بِاَنَّهُ اُنْثَى، نَعَمْ اَخِي: كُلُّ شَيْءٍ ضَعِيفٍ فِي نَظَرِ هَؤُلَاءِ يُسَمُّونَهُ بِالْاُنْثَى، اَوِ الْاُنْثَى هُنَا بِمَعْنَى اَنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ اَصْنَامُهُمْ اَسْمَاؤُهَا مُؤَنَّثَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ{اَفَرَاَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْاُخْرَى، اَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْاُنْثَى، تِلْكَ اِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى(نعم اخي: اَوْ اِنَاثاً هُنَا بِمَعْنَى: اَنَّهُمْ كَانُوا يُزَيِّنُونَ هَذِهِ الْاَصْنَامَ كَمَا تُزَيَّنُ النِّسَاءُ، نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ اَخَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْلناً عَلَيْهِمْ وَعَلَى خَالِقِهِمْ مِنْ قَبْلُ عَهْداً عَدَائِيّاً حَرْبِيّاً عَلَى اَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ الْبَشَرِيَّةِ{نَصِيباً مَفْرُوضَا(أَيْ نَصِيباً مُعَيَّناً مُحَدَّداً يَفْرِضُ عَلَيْهِ اَنْ يَسْتَسْلِمَ لِغِوَايَتِهِ وَكَيْدِهِ الضَّعِيفِ وَيَتَّبِعُهُ؟ لِيَكُونَ قَائِداً لَهُمْ اِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِير، نَعَمْ اَخِي: وَالشَّيْطَانُ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ، وَالْمَرْاَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ الْمُلْتَزِمَة بِآَدَابِ الْاِسْلَامِ: كَذَلِكَ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ، وَلَكِنَّ كَيْدَهُمْا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفاً، فَاِنَّهُ كَيْدٌ عَظِيمٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ يَجْلِبُ عَذَاباً عَظِيماً لِمَنْ لَايُجَاهِدُ نَفْسَهُ ضِدَّ غِوَايَتِهِمَا لِمَاذَا؟ لِاَنَّ هَذَا الْجِهَادَ لَايُكَلِّفُهُ كَثِيراً مِنَ الْعَنَاءِ، بَلْ يَسْتَطِيعُ التَّغَلُّبَ عَلَى كَيْدِهِمَا بِسُهُولَةٍ، وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ اَنْ يَسْتَسْلِمَ لِكَيْدٍ مِنْ {جَهَنَّمَ مُحِيطَةٍ بِالْكَافِرِينَ(وَمَافِيهَا مِنْ كَيْدِ الشَّهَوَاتِ الْمُحِيطَةِ بِهَا جَاذِبَةً اِيَّاهُ بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ لَامَثِيلَ لَهَا* (كَمَا يَجْذُبُ ضَوْءُ النَّارِ الْمُمْتِعِ الْبَعُوضَ( *اِلَى مَافِيهَا مِنَ الْعَنَاءِ وَالْمُعَانَاةِ الَّتِي لَنْ يَسْتَطِيعَ اَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ مَهْمَا صَبَرَ عَلَى عَذَابِهَا: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ مُعَانَاةِ اَهْلِ جَهَنَّمَ{سَوَاءٌ عَلَيْنَا اَجَزِعْنَا اَمْ صَبَرْنَا مَالَنَا مِنْ مَحِيصٍ(أَيْ مَهَرَبٍ{ اِصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا اَوْ لَاتَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ( نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ{شَيْطَاناً مَرِيداً( أَيْ مُتَمَرِّداً عَلَى اللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ وَظِيفَةُ الشَّيْطَانِ مَعَهُمْ اَنَّهُ يُضِلُّهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ اِلَى اَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ(أَيْ يُبَدِّلُنَّ{خَلْقَ اللهِ(نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا وَقْفَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا عِنْدَ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْآَيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ لِسَانِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَجُرْاَتِهِ الْوَقِحَةِ وَجُرْاَةِ اَتْبَاعِهِ الْاَوْقَحِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ مِمَّا لَامَثِيلَ لَهُ عَلَى اللهِ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله( نَعَمْ اَخِي: لَوْ سَاَلْنَا هَذَا السُّؤَال: هَلْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى شَيْئاً عَبَثاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: مَعَاذَ اللهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ{اَفَحَسِبْتُمْ اَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَاَنَّكُمْ اِلَيْنَا لَاتُرْجَعُون{وَمَاخَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَابَيْنَهُمَا بَاطِلاً(أَيْ عَبَثاً{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار( نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ تَغْيِيرُ خَلْقِ الله، نَعَمْ اَخِي: فَكُلُّ اِنْسَانٍ اَوْ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى لِغَايَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْاِنْسَانُ الْعَاقِلُ لَايَفْعَلُ شَيْئاً اِلَّا اِذَا كَانَ لَهُ غَايَةٌ فِي هَذَا الْفِعْلِ، فَفِي الْمَجَالِ الصِّنَاعِيِّ مَثَلاً: اِسْتُحْدِثَتِ الْغَسَّالَةُ الْكَهْرَبَائِيَّةُ، فَمَاهِيَ غَايَةُ صَانِعِهَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَنْ يُرِيحَ النِّسَاءَ مِنَ الْغَسْلِ بِالْيَدَيْنِ، وَاَنْ يَاْخُذَ سُمْعَةً اَوْ شُهْرَةً فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا الصَّانِعُ فَعَلَ الشَّيْءَ لِغَايَةٍ، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا نَحْنُ نَسْتَعْمِلُ مِنَحَ اللهِ وَنِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا لِمَا خُلِقَتْ لَهُ، فَاِنَّنَا لَا نَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ وَهُوَ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ بِاَنَّهُ خُلِقَ لِغَايَةٍ، وَمَاهِيَ هَذِهِ الْغَايَةُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لَيَعْبُدُون( نَعَمْ :وَلَيْسَتِ الْعِبَادَةُ هُنَا كَمَا يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى الشَّعَائِرِ مِنْ صَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَحَجٍّ، نَعَمْ هَذِهِ اَرْكَانُ الْاِسْلَامِ، وَلَكِنَّ الْعِبَادَةَ لَاتَقِفُ عِنْدَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ، وَاِنَّمَا تَاْخُذُ مَعْنَاهَا الشُّمُولِيَّ، فَاَيَّةُ خِدْمَةٍ تُقَدِّمُهَا لِلْاِنْسَانِيَّةِ وَتَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاَنْتَ اَخِي هُنَا اَيْضاً عَابِدٌ نَاسِكٌ فِي مِحْرَابِ الْعِبَادَةِ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: عَلَيْنَا اَنْ نَعْرِفَ قَدْرَنَا، وَاَنْ نَعْرِفَ قِيمَتَنَا، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى فَطَرَ الْاِنْسَانَ وَالْجَانَّ عَلَى الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَعَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ{فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ(فَمَا هِيَ هَذِهِ الْفِطْرَةُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ الضِّيَاءُ الْاَوَّلِيُّ الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْفِطْرَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ؟ لِتَنْسَجِمَ مَعَ هَذَا الْكَوْنِ اِنْسِجَاماً مُتَعَاضِداً مُتَعَاوِناً وَلَيْسَ مُتَعَانِداً، وَلَامُتَخَاصِماً، وَلَا مُتَدَابِراً، وَلَا مُتَقَاتِلاً، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام: لَكِنْ مَاالَّذِي يُغَيِّرُ هَذِهِ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَة؟ مَاالَّذِي يُلَوِّثُهَا؟ نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا يَنْحَرِفُ النَّاسُ عَنْ هَذِهِ الْفِطْرَةِ، وَحِينَمَا يَعِيشُونَ فِي مُجْتَمَعٍ فَاقِدٍ لِلتَّوْحِيدِ، وَفَاقِدٍ لِلْمُثُلِ، وَفَاقِدٍ لِلصِّفَاتِ الْاِنْسَانِيَّةِ الرَّائِعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَنْحَرِفُ الْفِطْرَةُ، فَاِذَا انْحَرَفَتِ الْفِطْرَةُ، صَارَ هُنَاكَ تَضَادٌّ بَيْنَ طَبِيعَةِ الْاِنْسَانِ الَّتِي فَطَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَبَيْنَ هَذَا التَّلَوُّثِ الْمَعْنَوِيِّ الْعَقَائِدِيِّ الْفَاقِدِ لِلتَّوْحِيدِ، وَبَيْنَ التَّلَوُّثِ الْمَعْنَوِيِّ الْخُلُقِيِّ الْفَاقِدِ لِلْقِيَمِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا، وَبَيْنَ التَّلَوُّثِ فِي السُّلُوكِ اَيْضاً، قَبْلَ اَنْ يَكُونَ تَلَوُّثاً مَادِّيّاً فِي الْهَوَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ نَشَاَ اِنْسَانٌ فِي مُجْتَمَعٍ، وَهَذَا الْمُجْتَمَعُ يُقَدِّرُ هَذِهِ الْقِيَمَ الْعَظِيمَةَ، نَعَمْ اَخِي: لَوْ نَشَاَ فِي مُجْتَمَعٍ لَايَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ فِي اَقْوَالِهِ، وَفِي اَفْعَالِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْشَاُ هَذَا النَّشْىءُ عَلَى الصِّدْقِ؟ لِاَنَّهُ يَعْلَمُ اَنَّ الصِّدْقَ فَضِيلَةٌ، وَاَنَّ الْكَذِبَ رَذِيلَة، نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا يَكُونُ فِي مُجْتَمَعٍ آَمِنٍ مُطْمَئِنٍّ لَاتَمْتَدُّ يَدُهُ بِالْعُدْوَانِ عَلَى دِمَاءِ النَّاسِ، وَلَا عَلَى اَعْرَاضِ النَّاسِ، وَلَا عَلَى اَمْوَالِ النَّاسِ، فَاِنَّهُ يَعِيشُ فِي بِيئَةٍ طَيِّبَةٍ تَتَنَاسَبُ مَعَ الْفِطْرَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ الْكَرِيمَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْعَالَمُ فِي اَيَّامِنَا الْآَنَ يُعَانِي مِنْ اَمْرَاضٍ نَفْسِيَّةٍ، قَبْلَ اَنْ يُعَانِيَ مِنْ اَمْرَاضٍ عُضْوِيَّةٍ؟ بِسَبَبِ هَذَا التَّعَنُّتِ وَالتَّعَانُدِ مَعَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي تَتَعَانَدُ اَيْضاً مَعَ هَذِهِ الشُّذُوذَاتِ الَّتِي تَسُودُ الْعَالَمَ الْاِنْسَانِيَّ مَعَ الْاَسَف، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى جَعَلَ الْاَرْضَ قَرَاراً لِلْاِنْسَانِ، وَهَذَا يَتَوَافَقُ وَيَنْسَجِمُ مَعَ فِطْرَةِ الْاِنْسَانِ السَّلِيمَةِ، لَكِنْ اِذَا تَغَيَّرَتِ الْاَرْضُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ سَاكِنِيهَا فَانْقَلَبَ الْاَمْنُ اِلَى خَوْفٍ، وَانْقَلَبَتِ الطَّمَاْنِينَةُ اِلَى اضْطِّرَابٍ، فَهُنَا تَحْدُثُ الْمُضَادَّاتُ وَالتَّصَادُمَاتُ، وَهُنَا تَحْدُثُ الْاَمْرَاضُ، وَهُنَا يَحْدُثُ التَّعَانُدُ، وَهُنَا يَحْدُثُ التَّقَاتُلُ، وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ دَائِماً سَلِيمٌ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ النَّاسِ جَمِيعاً، بَلْ وَمَعَ هَذَا الْكَوْنِ كُلِّهِ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: فَالْمُجْتَمَعُ الَّذِي يَتَمَثَّلُ هَذِهِ الْمُثُلَ الْاِنْسَانِيَّةَ وَيَلْتَزِمُ بِهَا، فَاِذَا اَرَادَ اَنْ يَشُذَّ، فَاِنَّهُ يَشْعُرُ بِالْعَجْزِ، وَيَشْعُرُ بِالْعَارِ، فَاَنْتَ اَخِي الْاِبَاحِيُّ فِي الْبِلَادِ الْاِبَاحِيَّةِ، تَنْظُرُ اِلَى الْعَوْرَاتِ دُونَ اَنْ تَسْتَحِيَ مِنْ اَحَدٍ، وَرُبَّمَا دُونَ اَنْ تُفَرِّقَ فِي النَّظَرِ بَيْنَ زَوْجَتِكَ وَبَيْنَ اُخْتِكَ الْقَرِيبَةِ، اَوْ بَيْنَ اُخْتِكَ فِي الْاِنْسَانِيَّةِ اَوِ الدِّينِ وَالَّتِي لَاتَمُتُّ لَكَ بِصِلَةِ قَرَابَةٍ، وَرُبَّمَا تَنْظُرُ اِلَى هَذِهِ الْعَوْرَاتِ اَمَامَ النَّاسِ دُونَ اَنْ تَسْتَحُوا جَمِيعاً مِنْ اَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ، بَلْ دُونَ اَنْ يَسْتَحِيَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ مِنْكُمْ اَيْضاً، بَلْ يُشَجِّعُونَكُمْ بِحَفْنَةٍ مِنَ الْمَالِ وَالدُّولَارَاتِ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ الْاِبَاحِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ وَالطُّرُقَاتِ وَالْاَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، ضَارِبِينَ بِعُرْضِ الْحَائِطِ كُلَّ الْقِيَمِ وَالْمُثُلِ وَالْاَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَدَاخِلِينَ مِنْ بَابٍ شَيْطَانِيٍّ وَقِحٍ حَقِيرٍ يُسَمِّيهِ شَيَاطِينُ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ: بَابَ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ الْاِبَاحِيَّة، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا فِي الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَقُولُونَ عَنْهُ الْمُجْتَمَعَ الْمُحَافِظَ، وَاَنَا اَقُولُ عَنْهُ الْمُجْتَمَعَ الْمُتَدَيِّنَ، نَعَمْ: اِنَّهُ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي يَتَمَثَّلُ الْقِيَمَ الْاِنْسَانِيَّةَ الَّتِي فَطَرَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَلَيْهَا، فَاِذَا اَرَادَ اَنْ يَنْظُرَ اِلَى مُحَرَّمٍ، رَاَيْتَهُ يَتَلَصَّصُ كَاللِّصِّ يَنْظُرُ مِنْ ثُقْبِ الْبَابِ، اَوْ يَنْظُرُ بِالنَّاظُورِ، اَوْ يَنْظُرُ بِشَيْءٍ آَخَرَ وَهُوَ يَخَافُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الرَّقَابَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ السَّلِيمَةَ الْمُسْتَمَدَّةَ مِنْ رَقَابَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تَجْعَلُهُ يَشْعُرُ بِالْعَارِ، نَعَمْ يَشْعُرُ بِالْعَارِ، بَلْ يَشْعُرُ اَنَّهُ مَنْبُوذٌ مِنَ الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ حِينَمَا يَنْحَرِفُ عَنْ هَذِهِ الْقِيَمِ،
__DEFINE_LIKE_SHARE__
|