الإستحمار الديني (الماهية و الأسلوب) مقتطفات من كتاب " النباهة والاستحمار" للمفكر الاسلامي الشهيد د:علي شريعتي الإستحمار الديني (الماهية و الأسلوب): يمثل الدين ( أحد القوى المتحالفة في السيطرة على التاريخ ) أكبر و أقوى مستحمر في العصور القديمة كما يمتد دوره للعصر الحديث، و هنا لابد من التمييز و عدم الخلط بين الدين الذي بلّغه سائر الأنبياء في ذروة الحقيقة و بين الدين الإستحماري ( دين ضد الدين ) الذي تروجه قوات استحمارية مضادة للإنسانة تتلون بألوان مختلفة و تتخذ أوجه متباينة لكنها تؤدي نفس الدور كالطبقة الروحانية أو المعنوية أو الطبقة الصوفية أو طبقة الرهبان أو طبقة القساوسة. هذا الدين الإستحماري يقف في وجه الدين الحقيقي و يحاول تعطيل قدرته و نفوذه بآلياته الإستحمارية و التي تقوم بتشويه كل مفاهيم دين الوعي و الآيديولوجيا و تقلبها رأسا على عقب و تسلب كل ما منحه دين الوعي. يقوم هذا الدين في إستحماره على مستويين: المستوى الأول : تعطيل قدرة الوعي و الشعور بالمسؤولية الفردية و الاجتماعية عند الإنسان، و يشير شريعتي لذلك من خلال عرضه للطريقة التي يقوم من خلالها هذا الدين بتحقيق هذا الهدف، حيث يقول: ( - دع عنك الدنيا فإن عاقبتها الموت! - ادخر كل هذه الحاجات و المشاعر و الأمنيات إلى الآخرة........ - إنها سنوات العمر القصير لا قيمة لها، دع الدنيا لأهلها! و يقصد " بأهلها" نفسه و شريكيه الآخرين!) المستوى الثاني: تبرير ما يقوم به شريكاه – المال و السيف أو السلطة السياسية و السلطة الاقتصادية كما مر سابقا- في السيطرة و الصراع على التاريخ، و توفير الصيغ الشرعية و صكوك الغفران لهما ، يقول : ( صحيح أنك خنت و بعت مصير الناس للآخرين إلا أنك لا تستطيع أن ترجع حقوقهم إليهم و ليس هذا صوابا! هناك طريق أسهل . ما هو؟ ، أن تقرأ هذه الكلمات ست مرات و أنت متجه نحو القبلة ! فلن يبقى عليك شي، و ستغفر ذنوبك... ثم يتساءل : إذن لأي شيء أتحمل ثقل المسؤولية الاجتماعية ؟ لماذا؟... فهناك طريق أسهل! هو كتاب الأدعية فإنه يفتح الأبواب من غير تعب و لا نصب و لا مشقة.. و بدون أي مسؤولية!.... هذا هو الدين المستحمر- بكسر الميم) هنا يشير لذلك الفهم للدعاء الذي يعزل الإنسان عن مسؤوليته و دوره و يوفر له مزيدا من الطمأنينة و راحة البال بحيث يغدو الأمر نسخة طبق الأصل من ظاهرة صكوك الغفران في المؤسسة الدينية المسيحية في القرون الوسطى و لكنها بامتياز،، لا ذلك الفهم للدعاء الذي يلفت الإنسان لذاته و مسؤولياته و يجعله يتطلع للتكامل و بناء الذات و المجتمع. الدين الإستحماري : هذا الدين ( دين ضد الدين ) يستخدم في عمله الإستحماري ذات الأدوات و المفاهيم للدين الحقيقي ، دين الوعي و الآيديولوجيا، إلا أنه قام بتشويهها و إعادة صياغتها بما يلاءم دوره الإستحماري، فكل العناوين التي تملك دلالات سامقة في الوجود الإنساني تم إفراغها من محتواها و مؤداها و فاعليتها الاجتماعية لتبقى عناوين ذات أبعاد غيبية أو فلسفية، بحيث تسلب من الإنسان إرادته و قدرته في صنع مصيره و كماله و مجتمعه، أو تلهيه عن ذلك. لا يمكننا أن نصف هذا الإجراء و هذا التشويه اختلافا و حسب بل هو عين التناقض، يقول الدكتور شريعتي: ( و التعبير الأكثر دقة هو ما قاله أعرف الناس بالإسلام و أخبر علماء العلوم الاجتماعية و أدراهم بالمصير التاريخي للإسلام، و خير من تكلم و عبر و تفنن و هو ( علي ) الذي عبر بجملة واحدة عن كل ما أراد من التعبير عنه متخصصو العلوم الإسلامية و العلوم الاجتماعية و ما طرحوه من تحليل علمي لتاريخ الإسلام و ما أعدوه من كتب و مؤتمرات مطولة و ما قاموا به من مقارنات بين الحقيقة الأولى للإسلام و واقعه الفعلي و رسالته البناءة، و الدور الهدام الذي أدّي، .... و تبيان جمال الإسلام و جاذبيته، و قبيح ما مسخ منه، و محاولة إثبات أن الإسلام دين مميز غير سائر الأديان، و أنه كان مميزا في انحطاطه أيضا، أو دفعه إلى الانحطاط، و أن الإسلام الأول كان أجمل رسالة و دعوة و أنه أصبح في سيره التغييري نحو الانحطاط ليصبح أبشع رسالة. نعم لقد قلت أن أسمى رسالة فكرية و أكثر رسالة إنسانية تقدمية تحولت إلى أشد الرسالات انحطاطا، كل هذا الحديث بينه ( علي ) باستعارة بسيطة و طبيعية من حياة عامة الناس و بشكل دقيق و كامل حين قال : " لبس- ألبس - الإسلام لبس الفرو مقلوبا " فالفرو لباس لكنه مميز عن سائر الألبسة في الشكل و الاستعمال، و الفرو هو اللباس الوحيد الذي ظاهرة جميل جدا، و باطنه قبيح و أسود ، ظاهرة ذو نقش بديع، و باطنه يخيف الأطفال، أوليس أطفالنا اليوم يرهبون من الإسلام؟! فالإنسان يلبس الفرو مقلوبا و الخروف يلبسه ظاهرا) |
الساعة الآن 07:38 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir