استقلال البحرين ..الحقوق مقابل السلام
 

استقلال البحرين ...الحقوق مقابل السلام
عباس المرشد
كان يفترض ببعض الجهات الأمنية أن تكون أكثر ايجابية في تعاطيها مع احتفالية ذكرى استقلال البحرين، لكنها آثرت تحويل الاحتفال بهذه الذكرى إلى مساحة مفتوحة من المواجهة بينها و بين القوى السياسية المعارضة. الإعلان الرسمي الخاص بقوى المعارضة لا يخفي أن الاحتفال بتاريخ 14 أغسطس بدلا من 16 ديسمبر يرمز إلى غياب الشرعية السياسية التي يجب أن يحصل عليها النظام القائم، و يرمز أيضا إلى وجود أرضية قادرة على مواصلة التحدي و الرفض لكافة المشاريع غير المتوافق عليها عبر الحوار الصريح و الواضح.
طوال ثلاثة عقود سابقة كانت ذكرى 14 أغسطس تطرح نفسها كإطار سياسي جامع للقوى السياسية المعارضة، إلا أن مقدار توظيف رمزيتها تلاشت في الست سنوات الأخيرة باتفاق أغلب القوى السياسية، ففي العام الماضي لم تسجل فعاليات القوى السياسية سوى فعالية يتيمة أقامها التجمع الشبابي في جمعية "وعد" و بيانات صحفية أصدرتها تلك القوى.
الحكومة و أجهاز الاستخبارات التابع لها و بالأخص جهاز الأمن الوطني يدركان جيدا خطورة التوظيف الرمزي لذكرى الاستقلال و ما تفرضه من مطالب سياسية تعنى فيما تعني المطالبة باستحقاق الاستقلال نفسه، هو استحقاق يتضمن إقامة حياة برلمانية كاملة و سلطة تشريعية دستورية كاملة الصلاحيات، إضافة إلى استحقاق غير مباشر يتضمن القضاء على التمييز الطائفي الممارس ضد الطائفة الشيعية و تذهب بعض الأحاديث إلى أن بعض شروط تسوية الاستقلال كانت تنص على أن تكون السلطة التشريعية من اختصاصات الطائفة الشيعية مقابل احتفاظ السنة بسلطة الحكم و رئاسة الدولة.
إن إعادة طرح مسألة التاريخ الحقيقي لاستقلال البحرين يسمح للقوى المعارضة لأن تزيد من رصيدها الشعبي و أن تزيد من رمزيتها الثورية، وهذا ما يدفع بالأجهزة الأمنية لمواجهة أي احتفال أو تذكير يوظف رمزية الحادثة لأغراض سياسية تخدم توجهات المعارضة.
الملفت للنظر أن أغلب أدبيات المعارضة لا تأتي على ذكر الاستفتاء الشعبي الذي على أساسه تم إعلان استقلال البحرين، و يتم اللجوء عادة إلى قيام الحكومة بالتلاعب في التاريخ و دمج تاريخ الاستقلال بتاريخ تنصيب الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان حاكما رسميا على البحرين. كما لا تأتي على ذكر التسوية التي عقدت بين شاه إيران و بين بريطانيا حيث حصل الشاه على الجزر الثلاث مقابل تنازله عن إدعاءاته بالبحرين.
لا يستطيع أحد أن يدعي أن البحرين قد استقلت تماما فالاستقلال التام له مقتضيات أساسية أبرزها امتلاك الشعب لقراره بحرية و بصورة مطلقة، فيحق له عزل الحاكم و يحق له اختيار حكومته عبر الانتخابات الحرة و النزيهة ومهما كانت الدعاية السياسية التي تروج في الداخل و الخارج من أن البحرين لديها نظام سياسي مستقر و محمي أمنيا و تمارس من خلاله كافة الحقوق السياسية، مهما كانت تلك الدعاية قوية و نافذة و قادرة على خداع بعض الجهات، فإن هناك واقعا مختلفا تقوده مجموعة من القواعد السياسية و الأمنية، فعوضا عن الشرعية الدستورية و الشرعية السياسية الحقيقة يستقر النظام عبر أجهزة الأمن المتضخمة و التي يصل عدد أفرادها إلى ما يقارب الثلاثين ألفا، و عبر قوة القمع و المصادرة، و أن ممارسة الحقوق السياسية يمكن أن تمارس في ظل أطر شكلية يستفيد منها النظام في تقوية نفوذه و سلطته مقابل إخضاع المجتمع و اختراقه.
إذن نحن أمام صورتين صورة تروجها الحكومة و صورة تدعمها المعارضة و تقوي نفسها بتقارير منظمات حقوقية و منظمات تعمل على رصد سجل الحريات و الحقوق، وهي تقارير تؤكد في مجملها وجود تراجعات واضحة في سجل الحريات و الديمقراطية.
إن ذكرى الاستقلال سواء كانت في أغسطس أو في ديسمبر أو في الشهر الخامس عشر يجب أن تكون مقرونة بجملة من القضايا يجب أن ترسخ قضية السلم الأهلي و تؤكد أن الاستقلال يعني العيش بسلام و التمتع بكافة الحقوق السياسية و الاجتماعية.
إن الأمر ينطبق حتما على الأجهزة الأمنية و على جهاز الدولة الرسمي الذي لن يحصل على السلام ما دامت هناك استحقاقات غير منجزة، و بالتالي فإن ذكرى الاستقلال لن تعني سوى أن السلام لن يأتي قبل أن تكتمل رزمة الحقوق السياسية.