أولويات المعارضة: بين اصلاح المعارضة واصلاح النظام
 

ما بين مقولة إصلاح النظام من الداخل، والمنهج النقدي لتصحيح أداء المعارضة، ضاعت بوصلة الشارع والناس، ولم يعرفوا أيهما صاحب الأولوية في "نضالهم" السياسي من أجل حقوقهم المسلوبة

ففي الوقت الذي تسعى فيه أطراف المعارضة ممثلة في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الذراع السياسي للمجلس العلمائي، وجمعية وعد، وجمعية أمل ، وغيرهم، إلا الانضواء ضمن مؤسسات النظام وتكييف نفسها بالقدر المعقول من أجل تحصيل بعض المكاسب، ومحاولة إصلاح الجهاز الإداري والسياسي في جسد النظام، عبر المشاركة في لقاءات مع رؤوس السلطة السياسية، والدخول ضمن أدوات النظام المتمثلة في البرلمان والمجالس البلدية، عبر تأصيل سياسة التغول ، اي التغلغل داخل النظام وهو يكسبها مواقع قوة، ويكسبها منافذ للمعلومات، ومن خلالهما تستطيع استخدام بعض الأدوات المتاحة من أجل الضغط على النظام، إما من أجل إيقاف الظلم ، أو أحيانا المساهمة في إصلاح بعض مؤسسات النظام ودعم بعض أركانه في مشاريعه كما دعم مشاريع ولي العهد او مشروع وزير العمل

في ذات الوقت هناك اطراف في المعارضة، إنشغلت بالنضال من خارج النظام، وهما قسمان، القسم الأول انشغل بالنظام، ولم يلتفت إلى ما سواه، كانت كل نشاطاته موجهة ضد النظام، كلماته التي يلقيها، ندواته التي يقيمها ، تقاريره التي يرفعها للمؤسسات الدولية، وكانت نشاطاته قد ساهمت بشكل كبير في إيلام النظام، وجعله يقدم على بعض التنازلات كان من بينها اطلاق سراح المعتقلين، والبدء بجلسات استماع مع بعضهم، يمثل هذا الخط حركة حق عبر الاستاذ حسن المشيمع، ومركز البحرين لحقوق الانسان عبر الاستاذ نبيل رجب حاليا

أما القسم الثاني، فقد انشغل بالتنظير لما يجب أن يكون عليه أداء المعارضة، ما بين نظريات المسايرة والممانعة، مستوردا القديم المقدس مما يناسبه، ليعكسه على ما يريد، هذا القسم بذل جهدا كبيرا في إحداث تمايز بين المفهوم والمعمول به، وأحدث شرخا كبيرا في ثقة الناس بكل الرموز، استطاع هذا القسم أن يؤصل لنظرياته ويجعلها واقعا يتناوله الجميع، وهو وان اشار إلى نفسه بأنه ممانع لم يقل انه ممانع، وإن أشار لمخالفه أنه مساير، هو لم يقل أنه مساير، يمثل هذا الاتجاه حلقات اسئلة واجوبة للاستاذ عبدالوهاب بطل التنظير في البحرين، وبعض بيانات حركة احرار البحرين التي يتزعمها الدكتور سعيد الشهابي

في خضم هذا الاشتغال ما بين اصلاح المعارضة اولا، او اصلاح النظام ، لم يلتفت احد من كبار المتصدين لتلك الاقسام، حول السؤال الاهم، هل الشارع مستعد ليستوعب ما يتكلمونه، وهل من الأصلح للشارع ان يشتغل بهذا الامر ام يتناساه، هل هو مؤهل اصلا ان يدخل هذه المعارك والتي عادة ما تكون معارك فترات الهدوء لا فترات الحرب

في نظري ان الشارع فشل في أن يستوعب النظريات والافكار، وأخذ يتلقف سطحياتها ويهتم بها كاساسياته، في الوقت الذي تناسى أساسياته، وهي هنا المفاهيم بعيدا عن المصاديق، ان يستوعب أن تكون هناك مساحة للاخر وان كان مختلفا، الشارع يسمع خطبة عن الوحدة بين تيارات المعارضة، ولكن كلمة واحدة من بين ثنايا الخطبة قد تسبب خلافا، يتلقفها الشارع ليضخمها، ويبتدأ في التعاطي معها على اساس انها اساسية في تفكيره وتنظيراته، غير ملتفت إلى ضرورة احتواء الاخر

يعتقد الكبار أنهم نجحوا في بث تنظيراتهم، وهم لا يلتفتون أن الناس لم تستوعب تنظيراتهم، وانما انتقت ما تريد هي ان تلتقيه، هم لم يريدوا ان يستوعبوا خطابات الوحدة التي ينادي بها الرموز بقدر ما استوعبوا خطابات الفرقة، وهم لم يستوعبوا التكامل بين الادوار، بقدر ما استوعبوا ان من لم يكن معنا فهو مع الشيطان، لم يستوعبوا أن مدرسة النقد لتهذيب واصلاح المعارضة، بل استوعبوا عبارات " المشاركة خيانة لدماء الشهداء" ليخونوا المشاركين

الكبار التفتوا إلى نظرياتهم التي بدأ يصفق لها متحزبينهم، ولم يلتفتوا وان ادعوا إلى مصلحة الوطن

تحياتي