منتدى استراحات زايد - لؤلؤة أوال - وجوه الثورة

الأستاذ حسن مشيمعhttp://www.lulu-awal.com/news/photos...1350733970.jpg

لم يطق يوماً الرّكون إلى الضّعف. حين التفّ عليه المرضُ الخبيثُ، ظنّ البعضُ أنّ حسن مشيمع بدأ يعدّ ساعة اعتزال السّاحات، والاختلاء مع أوجاع جسده المنهك. كانت تلك الوساوس، والأمنيات، محض أوهامٍ خالطت بعض أولئك الذين يزعجهم صوته غير القابل للمساومة أو الانخداع مجدّداً.
في أقاتٍ عصيبةٍ، كان "أسد الخطابة" وحيداً. كان منزوعاً من تاريخه الرّمزي. كاد يتحوّلُ إلى حدودٍ قريبةٍ من الحصار والتّشويه والإنهاك المعنوي. لكنه، قاوم كلّ السّهام بعينيه الغاضبتين. استسلم المرضُ أمام إرادته، كما استسلم المرجفون وهم يرونه ماضياً في طريقه، لا يعبأ بوحشة الطّريق، ولا همسات الشّامتين وفذلكاتهم السّياسيّة.
حين قامت الثّورة، كان الأمرُ بالنسبة إليه، وكأنّ وليداً جديداً حلّ عليه، بعد طول انتظار وترقّب. لم تكن الثّورة بالنسبة إليه حدثاً مفاجئاً. كان خطابه دائم التّبشير بذلك البركان الذي سينفجر بفعل الإجرام الخليفي المتواصل، وسوء أفعالهم وغدرهم.
يحقّ لأيٍّ كان أن يختلف مع مشيمع. هو – أصلاً – ثمرةٌ من ثمار ثقافة الاختلاف، والحقّ في الإظهار العلني للرّأي الآخر. دَفع ضريبة ذلك، ولكنه لم يندم لحظة واحدة. من زاويةٍ أخرى، ستكون الثورة واحدة من هذه الثّمار أيضاً.
أسّس حركة "حق"، شقّ بها جوّاً سياسيّاً مغايراً. أُعيد ترتيب الأوراق، وتم تجاوز التّركة الثقيلة للميثاق، ودستور المنحة، وبدأ الحديث عن مفهوم الحقّ الشّعبي في كتابة دستور جديد. الثقافة الأهم التي زرعها مشيمع هو ممارسة الحقّ، وليس المطالبة به فحسب. على هذا النّحو، كان الشّعار المحوري للحركة: شرعية الحقّ، لا شرعيّة القانون. كانت جولةً حامية على طريق مقاومة القوانين الظّالمة، والتي شكّلت العهد الاستبدادي لحمد، ومنها كانت "مملكة الظلام"؛ الأكثر إجراماً في تاريخ البحرين.
"عيشوا الأمل": يخاطبُ مشيمع جمهوره، والنّاس عموماً. لعل هذه الكلمة هي مفتاحُ صبره الفولاذي. كان الخليفيون يريدون هذه المرّة اقتلاعه من أرض الثّبات التي تربّى عليها. أوجعوا كلّ شيءٍ فيه، ولكنهم لم يخرجوا بنتيجةٍ مفيدة.
سيقولُ البعضُ الكثيرَ من الكلام بشأن الإعلان عن "التحالف من أجل الجمهوريّة". بعضهم سيذهب بعيداً في اعتبارها الخطوة التي أجهضت الثّورة. لكن لا أحداً سيملك الدّليل القاطع. سيرورة الأحداث التّالية، والحالية، تكشفُ أنّ النّظام الخليفي لم يكن بحاجةٍ لأية خطوة لكي يمارس الغدر. كان الغدرُ حاضراً بداخل النّظام الخليفي، وفي كلّ الأوقات. بنظرةٍ أكثر واقعيّة، سيكون مشيمع الأقدر على إظهار الصّورة البشعة للخليفيين. كانوا يحتالون، ويمارسون طريقتهم المعتادة في التّلبيس والتلوّن. استطاع خطابه غير المهادِن على إفراغهم، شيئاً فشيئاً.
اشتغل الخليفيون على "شيطنة" مشيمع. أرادوا أن يشوّهوا صورته، للأقربين والأبعدين. قالوا عنه كلّ الأوصاف، ونسجوا حوله قصصاً من التآمر وأمراض الذّات والتحزّب. بلعَ البعضُ شيئاً من خيوط الفتنة، ولكن الثّورة أعادت الاعتبار، كلّ الاعتبار، لواحدٍ من قادة الثّورة، ووجهٍ من وجوهها الأصيلة.

المصدر: http://www.lulu-awal.com/news.php?newsid=73