رائعة أحلام عون: طائرٌ يُغرِّدُ خلفَ أسوارِ السُّجون!!
 

Ahlamoun.com أحلام عون تصرخ:
مرددة مقولة (مالكوم إكس): "لقد تعلمت منذ بداية الحياة بأنك حينما تريد شيئا عليك أن تصرخ"!
http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...07/Slide11.png

يونس عاشوري.. طائرٌ يُغرِّدُ خلفَ أسوارِ السُّجون!!

بقلم: أحلام عون

4 أغسطس 2012م
http://www.ahlamoun.com/2012/08/04/y...-bird-singing/


في منطقة تزدحم بصور عملاقة لرموز النظام البحريني، شعرتُ بالتيه حتى لمحت بابا صغيرا ذكرني بباب "ألس" لدخول "أرض العجائب"، إلا أن هذا الباب أدى بي إلى أرض أخرى.. هي "أرض الظلمات".

إطلعتُ على تقارير وتغريدات كثيرة عن يونس عاشوري، ذلك الستيني المتواضع الذي نذر حياته في المجال الطبي كإداري، ولكنه اختُطِف انتقاما منه وعُذِب وزُجّ به في السجن في قضية مفبركة.

يعيش هذه الأيام في ظروف في غاية السوء بسجن جو، يعاني من عدد من الأسقام كأمراض القلب وحصوة الكلى والصداع النصفي المزمن. تأجلت محاكمته إثناعشر مرة، يؤخرونه بين تأجيل وآخر.
اتهم بسرقة "12 اسطوانة غاز" وإرسالها إلى دوار اللؤلؤة، وهي تهمة دون وجه دليل سوى "مصادر سرية"!

يقولون بأنه استولى على المال العام، يا للسخرية ويا للعجب.. فقد كنا في البحرين عندما سرق اللصوص الملايين في فضيحة "ألبا-ألوكا" ثم أفلتوا من العقاب سالمين عبر "عفو ملكي" من الملك، ولكن يحاكَم يونس بثلاث سنوات سجن في قضية مفبركة!

http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...reeYounis1.jpg
"بوستر على الجدار للمطالبة بالحرية ليونس عاشوري"

عندما دخلت المنزل حُيِّيت بابتسامات زوجته وابنه الوحيد. لم أتمالك نفسي وأنا أسمع أنغام الطيور في القفص المجاور للباب. وقفت لوهلة أفكر بيني وبين نفسي ترى متى كان آخر مرة سمع فيها يونس طيوره وهي تغرد.
تناولنا مواضيع عدة وقصص وحوادث ذات صلة بعاشوري، بعضها جعلتنا نبتسم وأخرى خيمت علينا بصمت موجع في تلك الغرفة.
بعض القصص والمشاهد في تلك الزيارة تركت في نفسي أثرا عميقا. وقد لاتكون تلك مهمة أو ذات صلة للبعض، لكني وجدت أعظم معاني الحياة في أدق تفاصيلها هناك.

- "أنا أدري لماذا يغرد الطائر السجين"
طيلة وقت محادثتي مع أسرته كانت الطيور تغرد في الخلفية. يونس يعشق الطيور ويرعاها باهتمام شديد. يقول ابنه محمد بأنه في اتصالاته القصيرة دائما يسأل يونس عن طيوره. يقول محمد مازحا: "أحيانا اتساءل من الذي يفقده والدي أكثر أنا أم الطيور."
http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...012/08/005.jpg
"يونس عاشوري مع الطيور في الحديقة"

بعد ذلك بأيام التقيتُ أمرأة وزوجها الذي كان سجينا في نفس العنبر مع يونس عاشوري. فأخبرتني بأن يونس لم يتوقف عن الكتابة مطالبا بالرعاية الصحية وببراءته.
تنقل هذه المرأة عن زوجها المحتجز بالقول: "يونس في الستينيات من عمره ولا يترك بابا إلا وطرقه سعيا لخروجه من السجن، ففي الوقت الذي استسلم فيه من هم في العشرينات من أعمارهم نجد يونس عكس ذلك."
http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...1-1024x710.jpg
"يونس عاشوري"

فورا.. تبادر إلى ذهني الشعر الذي كتبته مايا أنجلو:
"أنا أدري لماذا يغرد الطائر السجين":

"يغني الطائر السجين
بنغمة خائفة
من أشياء مجهولة
ولكنه لايزال يتوق إليها
ونغماته تُسمَع هناك
على التل البعيد
لأنه يغني للحرية
يفكر الطائر الطليق بنسمة أخرى
الرياح التجارية الهادئة
تمر خلال الأشجار المتلهفة
والديدان الكبيرة تنتظر
على مرج الفجر المنير
وهو يعتبر السماء سماءه
لكن الطائر السجين
يقف على قبر الأحلام
ويصرخ ظله على صرخة كابوس
فجناحيه موثقان
ورجليه مكبلتان
لذا فهو يطلق حنجرته بالغناء"


أحيانا أراهن على أنه قد تعلم من طيوره، وبالتالي سيظل يغرد حتى وإن كان سجينا.

- "إبنكِ يتدرب على إدارة الأزمات في الخارج"
بعض الأخبار السيئة تكون قاتلة لضعاف القلوب ولذلك تبقى سرية عنهم.
وأنا أعلم ذلك جيدا حيث حدث وأن فقد أحد أقربائي فجأة إثر نوبة قلبية عندما أبلغته المستشفى بوفاة الصبي الذي حاول هو إنقاذه، ثم اكتشفنا لاحقا بأن المستشفى أعطى معلومات خاطئة له إذ كان الصبي حيا يرزق.
حفاظا على حالة والدة يونس الحرجة، فإن العائلة آثرت أن تخبره بأن يونس مسافر خارج البلاد للتدريب على "إدارة الأزمات". إنه يتصل بها بين فترات من السجن. وفي الأسابيع الأولى التي كان فيها يونس مغيبا تحت التعذيب، كان إبنه محمد الذي يشبه صوته صوت والده يتصل بجدته متقمصا شخصية والده لمجرد طمئنتها لكثرة سؤالها عن إبنها.

فهل سيجتمع شملهما يوما قبل فوات الأوان ياترى؟!

- "كيف لي أن أقارن نفسي بعائلة الشهيد"
أمنية -زوجة يونس عاشوري، هي واحدة من الذين لا يسعنا إلا أن نقف حائرين مذهلين أمام ثباتهم. يا لها من إنسانة متفاءلة برغم المأساة التي تمر بها.
http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...ious-Feb14.jpg
"أمينة -زوجة يونس عاشوري، تلقي كلمة عن حالة زوجها الصحية"

عندما بدأت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بتوثيق القضايا، ذهبت أمينة لتوثيق الظلم والتجاوزات ضد يونس وعائلته. وفي أثناء انتظار دورها قامت بالسؤال من المرأة التي كانت جالسة بجنبها: "لماذا انتِ هنا؟" فاجابت المرأة: "أنا أخت شهيد". تقول أمينة بأن أول شيء قالت في نفسها: "هذه المراة سوف لن ترى أخاها ثانية! لا ينبغي لي أن أكون أنا هنا، لا أستطيع أن أقارن وضعي بما خسرت هذه المرأة". فقررت أمينة الخروج فورا لولا أنها نوديت للتوثيق.
هذه هي روح نكران الذات.

- "أكتشفتُ والدي"
وأنا أحادث الإبن الوحيد ليونس، محمد ذو العشرين ربيعا، لاحظته يردد عبارة "اكتشفت بأن والدي..". وعندما سألته عن السبب، أوضح لي بأنه كان يجهل كل ما عاناه وكافح من أجله والده منذ صغره حتى اكتشف بعد اعتقاله، فلم يكن والده ليرغب في تحميل إبنه هذه الأعباء.

http://www.ahlamoun.com/wp-content/u...Yju788961.jpeg
"في اليسار: يونس عاشوري، وفي اليمين: ابنه محمد"

كان يونس الإبن الاكبر في أسرته. منذ سنين مراهقته تعرض والده لحادث سيارة أعجزه عن العمل. فحمل يونس على عاتقه مسئولية جميع أفراد الأسرة، إذ دخل سوق العمل ليؤمن لهم لقمة العيش. إنه محبوب جدا لدى أخوته لأنه تبنّى تربيتهم عمليا وساعدهم فردا فردا في تزويجهم وتكوين أُسرهم ثم بدأ هو بتكوين أسرته.
ومع ما يربو على أربعين عام من فارق عمْرٍ بينه وبين والده، لازال محمد حريصا على رؤية والده طليقا لأن هناك الكثير مما يريد أن يعرف عنه ويتعلم منه.

- "سرقة صورة، فاختطاف ذاكرة"
عندما يُغِير مرتزقة البحرين على البيوت بدون إذن قانوني فإنهم يتصرفون كقراصنة على الأرض، يسرقون كل ما يمكنهم حمله تحت ذريعة تجميع "الأدلة"، ومما لا أستطيع فهمه هو كيف يمكن للنقود والمجوهرات والصور ودفاتر الشيكات أن تكون أدلة!
من جملة ما تم سرقته من منزل يونس هو شيء عزيز جدا على قلب أمينة (زوجة يونس)، وهي الصورة الوحيدة الباقية لها من والدتها المتوفية قبل خمسة أعوام. حتى إنها ليست صورة وإنما هي نسخة من بطاقة والدتها الشخصية العزيزة على قلبها التي كان يونس قد وعدها بتكبيرها وتأطيرها لها.
أمينة التي كانت تحاول التخفيف على نفسها قالت لي: "أبلغي مريم الخواجة أن تخاطب النظام للمطالبة بإرجاع صورة والدتي".

لقد تشرفت جدا أن أكون موضع تكريم هذه العائلة المحترمة، وأدعو الله أن تكون زيارتي التالية لها قريبة احتفالاً بحرية يونس.

يونس.. واصل التغريد فنغمة الحرية بانتظارك.

ونحن بالإنتظار أيضا..

أحلام عون
@AhlamOun
-------
وقعوا على العريضة المطالبة بإطلاق سراح يونس عاشوري: http://www.gopetition.com/petitions/...s-ashoori.html

ترجمة عربية للأصل الإنجليزي: http://www.ahlamoun.com/2012/08/04/y...-bird-singing/