|
الثورة والثورة المضادة بين الحقيقة والشائعة والثائر والمستثار. سؤال مهم، في هذه المرحلة.. هل أنت ثائر أم مستثار؟! السؤال قد يبدو لك، للوهلة الأولى، وكأنه مجرّد تلاعب لفظي ملتوٍ، ولكنه في الواقع سؤال جوهري، وشديد الأهمية.. فلو أنك ثائر؛ فهذا يعني أنك صاحب مبادئ واضحة، ومفاهيم ثابتة، ورؤية مستقبلية مدروسة، وتثور من أجل أهدافك، ومبادئك، ومفاهيمك، ورؤيتك.. والثائر الحق يُدرِك دوره.. وحدوده.. وأبعاده.. والأهم.. نهايته.. وعندما يثور الثائر الحق، فهو ينتظر حتى تتحقّق أهدافه الرئيسية، ثم يبدأ مرحلة بناء المستقبل الذي ثار من أجله.. الثائر الحق إذن، ثائر من أجل المستقبل.. ثائر واضح.. واثق.. قوي.. ملتزم.. أما المستثار، فهو شخص يسهل التأثير فيه، وشحنه، وحشده، وتوجيهه، من قبل كل من يريد.. وقتما يريد.. وأينما يريد.. وكيفما يريد.. المستثار هو وقود جيّد للثورة.. ووقود ممتاز، كما يعرف علميا، وعالميا، وسياسيا، واجتماعيا، باسم "الثورة المضادة".. فوقود الثورة المضادة لا يمكن أن يأتي من ثائر.. وإنما من مستثار.. الثائر سيُدرك اللعبة؛ لأنها تبعده عن أهدافه الحقيقية، وستنتزعه من المستقبل الذي يحوي كل آماله وأحلامه، وستسعى لدفنه في الماضي، بكل آلامه وعذاباته، حتى يضيع منه المستقبل.. أما المستثار، فهو لن يدرك هذا.. لن يدركه أبدا.. إنه سيثور خلف كل من يريد استثارته.. وسيشحن.. ويحشد.. وينطلق.. ربما بسبب شائعة سوداء.. أو حتى بسبب خبر رمادي.. أو مؤامرة كاحلة.. المستثار لا يحاول إدارة الأمور في عقله.. ولا البحث عن منطق.. أو حتى تفسير بديل.. فقط سيثور.. هذا لأن أحدهم، أو بعضهم، أراده أن يثور.. فثار.. المستثار، ينسى أنه إن جاءه فاسق بنبأ، فعليه أن يتبيّن، أن يصيب قوم بجهالة، فيصبح على ما فعل نادما.. أما الثائر، فيدرك هذا.. ويذكره.. يفهمه.. ويستوعبه.. والحديث عن الثورة المضادة -التي تسعى لإفساد وإفشال الثورة الأصلية- يبدو بالنسبة للمستثار عبثا، وخدعة، ومؤامرة، على الرغم من أنه أمر يحدث عقب كل ثورة.. أمر حدث مع كل الثورات السابقة عبر التاريخ.. ويحدث الآن.. وسيظلّ يحدث إلى أبد الآبدين.. هذا لأن كل ثورة تزيح نظاما سابقا، وتنسف عصابة من الفاسدين، الذين اعتادوا أن يكونوا أصحاب القوة والسلطة والنفوذ.. وهؤلاء يرفضون نهايتهم تلك حتما.. يرفضون تصديقها.. والاستسلام لها.. بل ويرفضون حتى إمكانية انزياحهم من السلطة والقوة.. لذا، فهم يسعوْن فورا لعمل ثورة مضادة.. وأوَّل أسلحة الثورة المضادة هو الشائعات.. شعب ثائر، محتقن، غاضب، يسهل أن تدس وسطه شائعة رمادية، غير معروفة المصدر، أو واضحة المعالم، فينطلق ثائرا، في الاتجاه الذي تنشده الثورة المضادة.. أو بمعنى أدق، يثور ضد الثورة.. ودون حتى أن يدرك هذا.. وفي كل مرة، تفلح الشائعات الرمادية، يبتسم أعوان ورموز النظام السابق في ظفر؛ ربما لأنهم نجحوا في لعبتهم، وأعادوا توجيه الثورة إلى حيث يريدون.. أو لأنهم نجحوا في العبث بالثائرين.. والسيطرة عليهم.. وإعادة توجيههم.. واستخدام طاقة ثورتهم؛ للقضاء على الثورة الأم.. وبالنسبة للثائر الحقيقي، فهو يدرك هذه اللعبة.. يدركها.. ويفهمها.. ويستوعبها.. ولا يمكن أن يسقط في فخها.. أبدا.. وحتى عندما يتحدّث عنها إلى المستثارين، فهم يواجهونه باستنكار، ويسعى أعوان الثورة المضادة أنفسهم لتأكيد عدم وجودها؛ لأن الإيمان بعدم وجود ثورة مضادة، هو أقوى أسباب نجاحها وانتصارها.. أنت لا تؤمن بوجود ثورة مضادة، إذن فكل ما تسمعه أو تقرؤه حقيقي.. كل الشائعات بالنسبة لك هي حقيقة.. وكل الأكاذيب.. وكل التآمرات.. إنها لعبة مورست، وستمارس إلى أبد الآبدين.. لعبة الثورة المضادة.. ولقد نجحت تلك اللعبة من قبل في فرنسا.. وروسيا.. وحتى إلى حد ما في إيران.. نجحت بنضال المستثارين، الذين انتهى بهم الأمر إلى إعدام الثائرين.. والسقوط في فخ ديكتاتوري.. بل شديد الديكتاتورية.. والسؤال، قبل أن نغلق هذا الفصل من الحوار.. أأنت ثائر حقا؟! أم مستثار؟! د نبيل فاروق. |
| الساعة الآن 11:39 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir