منتدى استراحات زايد - تجرد من أغلال آل خليفة تسقط قصور الرفاع / كريم المحروس

تجرد من أغلال آل خليفة تسقط قصور الرفاع
كريم المحروس
23/6/2012

أُقفلت الزنزانة الإنفرادية في سجن المنامة لشهور عدة فأطبقت العزلة على الحواس كلها وأبى الذهن إلا أن يبقى حرا طليقا.. وبين أيام السجن الإنفرادي كنت أُستدعى الى غرف التحقيق بمبنى مخابرات القلعة لساعات عدة في حضور معذب أردني ومحققين أحدهما من آل خليفة.. وكانت مدة التحقيق بالنسبة لتقديري على تلك الحال أعددتها أياما طويلة جدا تفوق في طولها أيام صيف لندن التي تصل في ذروة مدتها الى 19 ساعة تقريبا..

كم كنت أرجو من الله العلي القدير أن يسرع بي القدر للعودة بي الى الزنزانة الإنفرادية فور بدء كل جلسة تحقيق لكي أجد في نسج الإفادة اللاحقة صيغة كلام تلقي باستنتاجات المحقق بعيدا جدا عما كنت أحمله في داخلي من معلومات سرية يعود البوح بها آنذاك بضرر كبير على مسيرة العمل النضالي وعلى مسار القضية التي اعتقلت بسببها وعلى حجم خطورتها.

وبين آلام التعذيب وفراغ الزنزانة الإنفرادية الضيقة وضغط سر العمل السياسي الذي كنت أخشى الاعتراف به أمام المحقق لظرف قاهر يفوق قدراتي المحتملة على الصمود؛ وجدت نفسي فجأة أبحث بالضرورة عما يشغل حواسي التي بدأت تتعطل فيما عدا الذهن الذي ظل مشغولا بوقائع التحقيق وتفاصيله والأسئلة المحتملة والإجابات المناسبة المموهة المبتذلة، حتى كدت أعلن الاستلام والفشل في تشغيل هذه الحواس التي كان من طبيعتها الإندثار السريع في بيئتنا البحرانية المشحونة بالصخب الفكري والسياسي والاجتماعي فكيف بي وأنا الآن رهن لحجرة ضيقة مظلمة منعزلة.

حينها أدركت أن المراد من الحبس الإنفرادي ليس لغرض تحقيق العزلة لاستكمال الإفادة في قضية الإعتقال فحسب ، بل لمعاقبة المعتقل من خلال إشغاله بضغط الذهن وشجون قضاياه وامتداده السلبي والمخاوف من العواقب المترتبة على قضية الاعتقال ومنها إسقاط الحقوق المدنية كافة وأولها الفصل الوظيفي الطائفي.. فهذه عادة بعقاب درج آل خليفة على ممارستها لإذلال المعتقلين السياسيين منذ الخمسينات وكان في ذلك حجتهم في سن قانون أمن الدولة السيئ الصيت.

ثلاثة مواقف كانت تبعث على راحة الذهن من الإنشغال المفرط بضغط قضية الإعتقال وعزلة الحواس في الزنزانة الإنفرادية: بسمة سجين كنت أتلقاها عند الصباح في ثواني معدودة أثناء التزود بشاي الإفطار المقرف برفقة السجان اليمني الكريه الذي يمنع إطلاق أي منا كلمة واحدة وإن كانت تحية ، وبسمة أخرى في المساء من سجان باكستاني أتلقاها منه كلما فتح زنزانتي في موعد زيارة دورات المياه لأنه مضطر لترديد اسمه "كريم" كلما أصدر أوامره ، ودقات ثلاث على جدار الزنزانة أتبادلها مع معتقل سياسي آخر في زنزانة مجاورة تبعث في كلانا روح الصمود والتحدي.

في الزنزانة الإنفرادية بسجن المنامة تنقطع بك سبل الاتصال بعالمك الإجتماعي الفسيح الذي نشأت فيه ودرجت على السباحة في بحاره ، لتبدأ حواسك في الضعف شيئا فشيئا لتشعرك بألم الوحدة والعزلة القاتلة، فينكمش جسمك وعضلاته تحت ضغط جدران الزنزانة الضيقة ويظل ذهنك حرا طليقا مالكا لقرارين مصيريين يحددان رؤيتك للمستقبل : إما ان تخضع لمحيطك الطارئ الجديد الكريه وتستسلم فترثي لنفسك حالها وتعزيها بمصابها الجلل فتقعد بك الزنزانة منكسرا ذليلا، وأما أن تخترق بذهنك حجب الزنزانة كلها فتتجاوز قيد السجن أولا، ثم تتخطى به ضيق غرف التحقيق وآلام التعذيب ثانيا ، وأخيرا تحط برحال ذهنك قصور الرفاع القبيحة لتلعن أهلها ثانيا، لأن البراءة من أعداء الله تعالى تبدأ أولا بلعن أولهم حتى ثالثهم ثم تعرج على أذيالهم ثانيا فتستخف حكم آل خليفة ووطنية من والاهم من البقر الوحشي ومن آمن والتجئ اليهم .

هكذا أرى أن الخارج من سجون آل خليفة منتصرا عالما بشؤم قصور آل خليفة فلا يأمن مكر أهلها ولا يرى نجاة لبلده من شرهم إلا بهدم قصورهم. وأما من يسعى الى بناء هذه القصور وهو مؤمن بحقهم في الملك فليزر زنزانات سجونهم مخفورا حتى يتبين له الخيط الأبيض من الأسود من السياسة.