![]() |
بين ثقافة " الربيع العربي" و ثقافة " القائد و المقود " قبل 14 فبراير كانت ساحتنا السياسية تعيش ثقافة تمنع النقد ، و بمجرد أن تفكر في نقد سلوك سياسي لشخصية لها اتباعها من نوع معين يأتي السؤال التالي : " هل أنت قائد أم مقود ؟ فإذا كنت قائد فلا شأن لك بهذه الشخصية التي لا تعتبرها قيادتك ، و إذا كنت مقود عليك الاتباع دون المناقشة أو الانتقاد " ، هذه الثقافة لبست أكثر من لباس و شكل ، و إحدى أشكالها قضية الغطاء الشرعي ، فلا يجوز لك التحرك في الشأن العام من دون غطاء شرعي و بإذن مباشر من الفقيه . هذه الظاهرة و إن كانت غاية في السلبية حسب ثقافة 14 فبراير إلا أنها بالأمس كانت تعبُّد و تقرّب إلى الله . تعقّب الظاهرة يبين لنا بأنها حالة من تأثر الجماهير نفسياً بالإقليم أو العالم و ليست من الثوابت في ثقافة الجماهير ، فالشعوب تقلد التجربة التي تشعر بنجاحها :- 1- في الخمسينات انتشر الفكر القومي في البحرين تأثراً بشخصيات سياسية قوية مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي دخل الحرب بشجاعة مع إسرائيل ، و تأثرت " هيئة الاتحاد الوطني " بهذا الفكر آنذاك. 2- في الستينات انتشر الفكر اليساري و القومي بتنوعاته تأثراً بمجموعة من المنظمات و الشخصيات كان من بينها جيفارا الثائر الشجاع الملتزم بمبادئه الثورية. و كان لدينا في البحرين حركة القوميين العرب ( جمعية وعد حالياً) ، و بعض البعثيين ( من بينهم علي فخرو) ، و جبهة التحرير البحرانية ( المنبر التقدمي حالياً ) . 3- في السبعينات برز التيار الإسلامي من جديد تأثراً بالثائر السيد الخميني الذي أسقط أقوى نظام دكتاتوري في المنطقة ، و كذلك تأثراً بالثائر الشجاع و المفكر العبقري السيد محمد باقر الصدر ، و نشأ لدينا " حزب الدعوة البحرين " ( الوفاق حالياً ) . و انتفاضة التسعينات تأثرت كثيراً بفكر السيد الخميني حتى أن الجماهير كانت ترفض أي عالم دين أو خطيب منبر لا ينتقد النظام أو يفكر في مصافحته فقط. 4- بعد عام 2003م الذي شهد احتلال العراق و سقوط نظام صدام في العراق برزت شخصية السيد السيستاني ، و برزت معها فكرة الغطاء الشرعي بالنحو المعروف اليوم ، و أصبح السياسي مهما كانت فكرته لا تقبل طالما لم تحصل على " مباركة المرجعية " ، و أي قائمة انتخابية لا تنجح مهما كان برنامجها طالما لم تحصل على مباركة المرجعية . نحن في البحرين تأثرنا كثيراً بهذا الوضع ، كانت الجماهير قبل 2003 و في عام 2002 تحديداً تسعى لفرض رأيها و لذلك تمت مقاطعة الانتخابات النيابية عام 2002م ، أما بعد 2003 فعلى الجماهير أن تبحث عن مباركة المرجعية و رضاها. 5- مع الربيع العربي 2011 و ما قدمته ثورة تونس و ثم مصر من نموذج جديد خرج عن المألوف ، إذ تحركت مجموعة من الشباب من دون مباركة الوجهاء و الأحزاب و القيادات الدينية ، و استطاعت هذه الحركات الشبابية تحقيق نموذج مميز. نحن في البحرين تأثرنا بالحركات الشبابية و ظهرت دعوات " اللامركزية " لأول مرة ، بل إن خروج يوم 14 فبراير كان إنقلاباً جذرياً على الثقافة القديمة ، في الثقافة القديمة كانت أي مسيرة يُعلَن عنها يتم السؤال عن الوجيه الراعي لها و الغطاء الشرعي الذي يمتلكه ، أما في يوم 14 فبراير خرجت الناس من دون دعوات وجهاء دينيين ، بل لم يشارك أكثر هؤلاء بل يكاد يكون كلهم في يوم 14 فبراير و مع ذلك خرجت الجماهير من دون شك في مشروعية عملهم. اليوم هناك من يحاول إرجاع الجماهير لثقافة " القائد و المقود " و الإنقلاب على ثقافة " 14 فبراير " التي انطلقت من مبادئ الديموقراطية التي لا يوجد فيها أحد فوق النقد ، و حرية التعبير في الشأن العام ملك للجميع و ليست منحة من أحد. |
الساعة الآن 01:23 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir