إشكالات في بيان الجمعيات بتاريخ 19 مارس
 

السلام عليكم إخواني وأخواتي الأعزاء ورحمة الله وبركاته

بعد أن نشرت الجمعيات السياسية البيان الأخير حول دخول الحوار مع النظام، أحببت أن أتكلم عنه لوجود غموض فيه للأسف الشديد، فكلمة "بيان" تنبغي أن تعني كون ما كُتِبَ واضحا للغير لا غامضا، مما يشكك أن مسؤولي "خمس جمعيات" اجتمعت لأجل أن يخرج هذا البيان بهذه الصياغة!!!، وللعلم فإني قد قرأت البيان من موقع جمعية وعد والوفاق في هاتين الوصلتين، وأرجو من الجميع قراءته بدقة قبل النظر إلى الإشكالات:

http://www.aldemokrati.org/ar-BH/Vie...8/bayanat.aspx
http://alwefaq.net/index.php?show=ne...rticle&id=6298

وقبل البدء أود التنويه أيضا إلى أن صحيفة الوسط كتبت اليوم خبرا حول نفس هذا الموضوع، ولكني سأتكلم عن البيان فقط دون الجمع بينه وبين الخبر، وسببه:

1- إننا نقطع بصدور هذا البيان من الجمعيات لوجوده في موقع جمعيتين هما وعد والوفاق، فلو أشكلنا على البيان، وتبين وجود خلل فيه، لاستطعنا الجزم بأن الخلل والخطأ من الجمعيات لا من غيرها، أما الكلام المنقول في الصحيفة فإنه يمكن أن يشكل علينا بأن يقال: ( إن ما نُقِلَ من الصحيفة غير دقيق أو غير صحيح - سواء بعضه أو كله -، فالعبارة الفلانية مثلا لم يقلها فلان، وهذا الفعل لم يفعله فلان )، وبهذا لن نصل لنتيجة مثمرة.

2- في بعض الأحيان يقول بعض أعضاء الجمعيات كلاما، ثم نجد غيره ينفيه، فلن نعول حاليا على قول أحد أعضاء الجمعيات أن الخبر الموجود في الجريدة صحيح 100% إلا إذا تبين لاحقا صحته من شواهد أخرى.

ملاحظة: الخبر الموجود في الجريدة به إشكالات أيضا، وبجمعها مع البيان كنا سنستفيد أكثر، ولكن الإنصاف هو أن نتكلم عن البيان دون الخبر لما تقدم.

والأن فلننتقل إلى الإشكالات:

1- في البداية رحبت الجمعيات في البيان بالحوار مع النظام بعد قولها أنها اجتمعت وتدارست الأوضاع السياسية في البحرين، والذي "خصصت الجزء الأكبر منه لمناقشة الموقف المبدئي من أي حوار قادم" كما عبرت، وهذا تأكيد منهم على قبولهم بالحوار بعد دراستهم للأوضاع السياسية مجددا، وأن نهجهم في الحوار ما زال هو النهج الأصح، وعليه نقول:

أ) ذكر البيان بعد ترحيبه للحوار "الجاد ذي المغزى" ست نقاط، وقالت أنها "تؤكد على"، ثم ذكرت ست نقاط، وعليه فنقول:

هذه التأكيدات الست أهي شروط لما بعد دخول الحوار، أم هي شروط لما قبل دخول الحوار، فإن كان الأول فما هي الضمانة لتنفيذها جميعا؟، فالجمعيات تسعى ليلا ونهارا لدخول الحوار، والنظام لحد الآن لم يبين حسن نواياه بوقف الهتك والقتل إلا في قبوله بضع مسيرات واعتصامات "رخصها" هو نفسه، أما ما لا يرخصها النظام فهي تُقمَع حتى الآن، بل يطول القمع إلى تشييع الشهداء وما يتعلق بها، وأهل هذه المسيرات والاعتصامات يتعذبون ويتألمون يوميا من الضرب أو المسيلات أو الاعتقال من المنازل وما شابه، ولذا فنقول للجمعيات: لو كان النظام يريد "حوارا ذا مغزى" فعليه أن يوقف جميع انتهاكاته على الشعب على أقل التقادير ليكون حسن نية منه، أما الواقع فإنه يزيد الهتك بجميع أنواعه دون رادع، ولذا فالحوار ليس ذا مغزى، وموافقتكم للحوار مع طلب حوار ذا مغزى مع نظام كهذا أمر محال عقلا.

أما إن كانت هذه التأكيدات هي شروط لما قبل الحوار، فهل من شروط دخول الحوار "تشكيل مرجعية تفاوضية من أجل اتخاذ القرارات التي تراها إزاء مجريات أي عملية حوار قادمة" كما ذُكِرَ في النقطة السادسة، فهي ليست شرطا كما يتضح من العبارة، كما أن قول: "تدارست فيه الأوضاع السياسية في البحرين وخصصت الجزء الأكبر منه لمناقشة الموقف المبدئي من أي حوار قادم. وفي الوقت الذي ترحب فيه الجمعيات السياسية المعارضة بالحوار الجاد ذي المغزى " يدل على عدم وجود شروط للحوار أصلا، فقد ذكر النص بأن الجزء الأكبر من الدراسة كان عن "دخول أي حوار مبدئي"، ثم ظهرت النتيجة بالدخول بقول: "وفي الوقت الذي ترحب فيه الجمعيات ..."، فإنها قد بينت أن موقفها المبدئي من أي حوار قادم هو الدخول فيه، بل وقد رحبت به، ولم تضع شروطا قبل الدخول.
بهذا نصل لنتيجة هي أن التأكيدات موضوعة لتحصل بعد الدخول لا قبله، وقد بينا عدم وجود ضمانة أصلا لتطبيق ما فيها، وستأتي النقطة المتمثلة بالرموز المعتقلين، والذي سيتبين أنهم ليسوا شرطا في دخول الحوار.

ب) النقطة الثانية من التأكيدات ذكرت: "تؤمن المعارضة بحق جميع الأطياف، بما فيها الرموز المعتقلة، الاشتراك في الحوار، وان يتم هذا الحوار عبر لقاء ممثل عاهل البلاد المفوض بالحوار مع أطراف المعارضة على انفراد وله أن يجتمع مع غيرها بالشكل الذي يراه مناسبا حتى يتم التوافق التام عبر اللقاءات المنفردة وعند تحقق التوافق يمكن عقد اجتماع عام للإعلان عن ذلك. وترى المعارضة أن مرئياتها لهذا الحوار تتمثل في:" - انتهى النص -، وعليه فنقول:

ركزوا معي جيدا في هذه النقطة:

"تؤمن المعارضة بحق جميع الأطياف، بما فيها الرموز المعتقلة، الاشتراك في الحوار"، سؤالنا الأول هو: ما المقصود بأن "المعارضة تؤمن"؟ هل هي الجمعيات السياسية مع الرموز، أم هي الجمعيات دون الرموز؟
الجواب: هذه العبارة تدل على أحد أمرين:

1) أن الرموز من أطياف أخرى، ويقصد بها من أطياف الموالاة، وهو محال.

2) أن الرموز من أطياف أخرى، ويقصد بها من أطياف المعارضة، وهو المعقول، ولكن هناك عدة إشكالات على هذه القضية:

أ- ذكر البيان بأن "المعارضة" عندها ثلاث مرئيات، ولكن الواقع أن أكثر الرموز المعتقلين لا يقبلونها، وعليه ينبغي أن يكتبوا بدل "المعارضة" في البيان: "المعارضة المتمثلة في الجمعيات السياسية"، فالذي يقرأ البيان يتوهم ابتداء أن المعارضة شيء، والرموز شيء آخر، فقد قيل في البيان مرتين: " الجمعيات السياسية المعارضة"، ومرتين: "الجمعيات السياسية"، بينما تعبر عن الرموز بـ"السجناء والمعتقلين السياسيين" أو "الرموز المعتقلة"، فالتركيز على كلمة أنهم "معارضة" دون غيرهم يدل إيحاءا على أنهم هم المعارضة الأقوى، فقد ذكر في بداية البيان: "... من سياسة العقاب الجماعي التي طالت المعارضة السياسية وجمهورها وفئات واسعة من الشعب البحريني"، وهذه العبارة تدل على أن المعارضة مع جمهورها هي الأقوى، وإن كان هذا لا ينفي تضرر الكثير غير المعارضة لكونه عقابا جماعيا - وكلنا يعلم أن الجمعيات تدعي أن الأغلبية تريد الإصلاح لا الإسقاط -.

ملاحظة: نحتاج من الجمعيات أن توضح بياناتها أكثر حتى لا يتهمنا أحد بأننا نفهمها خطأ، فإننا نحتاج للدقة في كتابتها لنقرر رفضنا أو قبولها لشيء - كوننا "مصدر السلطات" كما يدعون -، لا أن ننتظر بيانات البيانات حتى تحاول أن توضح شيئا مما تريد أن تقوله الجمعيات لنا، فكلامها غير واضح هنا وسابقا، وقد تكرر هذا منها مرارا، ومن أمثلته وثيقة المنامة، وما قلناه في مقالنا "أوجه الشبه بين النظام والوفاق"، ومن أراد قيراجع، ولا حاجة للإعادة.

ب- الجمعيات قالت في البيان أن من حق الرموز المعتقلين الحوار، بينما قالت في وثيقة المنامة شيئا آخر كما بيناه سابقا في مقالنا "إشكالات على وثيقة المنامة"، فقد ذكرنا في إشكالنا الثالث على الوثيقة بأن الجمعيات موافقة بالحوار مع النظام دون الرموز، وذلك لأنها قالت بأن الحوار مهم، ثم ذكرت شرطا وهو: "على أن يتفق الجميع بداية على أن تكون البحرين مملكة دستورية ديمقراطية طبقاً لما وصلت إليه التجربة البشرية." - انتهى النص -، وهما أمران متناقضان، ففي الوثيقة يدعون للحوار دون الرموز إلا إذا تنازلوا وقبلوا أن تكون البحرين مملكة دستورية، وفي البيان يرون أن هذا من حقهم دون هذا الشرط، ومع هذا فإننا نرى أن البيان وضع وثيقة المنامة كأحد المرئيات الأساسية!!!، فهل هذا يعني أن الجمعيات ستوافق على دخول الرموز للحوار في حال وافقوا على أن تكون البحرين مملكة دسنورية يحكم فيها آل خليفة؟!!!، عجب لمن يعطي هذه الشروط للرموز القابعين في سجون النظام، فمن يصرح اليوم في المهرجانات يشترط على من لم يقبلوا بالملكية الدستورية إلى اليوم - والذين لاقوا أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي - أن يوافقوا عليها إم كانوا يريدون الحوار، بل وجعلوها في وثيقة باسم الشعب!!!!، ولذا فعلى الجمعيات احترام حق "جميع أطياف المعارضة" قبل أن يطلبوا ذلك من النظام - كما جاء في النقطة الرابعة من البيان -، فإن كانت الجمعيات تريد الملكية فهو رأيها، والذي من حقنا أن نناقش صحتها من عدمها، أما اشتراط قبول الملكية لدخول الحوار مع النظام فهو إقصاء لأطراف من المعارضة، وهو واضح جدا.

ج- نعلم جميعنا أن أغلب الرموز المعتقلين لا يريدون الحوار مع النظام، فماذا سيكون رد الجمعيات والنظام عندها؟ هل يعني ذلك أنهم خارجون من المعادلة السياسة، وأن الحوار سيجري دونهم؟!!!، وما هذا الحوار الذي يجمع بين نظام يظلم ويهتك دون توقف، وبين جمعيات لا تعرف مطالب الشعب الحقيقية في إسقاط النظام، ولا يعرف الشعب ما الذي تريد قوله لها لكي يوافق أو يرفض أمرا - كل ما يقولونه هو عبارة عن عناوين عريضة لا غير، كقولها "حوار" و "حل سياسي شامل" أو "جذري"، أو نطقها كلمة "الحرية" أو "الديمقراطية" أو "رفض الدكتاتورية" أو العبارات المشابهة التي تحتاج تفصيلا لا قولها هكذا دون بيان وتوضيح، فالشرع مثلا يأمر بالعدالة والمساواة بين الزوجات، ولكنه فصل في كيفية العدل والمساواة بينهن، ولم يكتف بقول أننا يجب أن نعدل ونساوي فقط، وعليه فلا يكفي وجود كلمتي "عدل ومساواة" وما شابهها من عبارات عند مخاطبة الشعب، بس يجب التفصيل والإفهام ليقرر مصيره باقتناع ووضوح، أنسوا أن الشعب مصدر السلطات؟!!!، لماذا يكون الشعب مصدر السلطات وصاحب الحق الأصيل في كل شيء إلا إسقاط النظام والحوار من أجل الملكية؟!!! تناقضات!!!

2- النقطة الخامسة ذكرت: "عرض نتائج الحوار المزمع إقامته على الشعب ليحظى هذا التوافق بالشرعية الشعبية والقانونية وهي عملية أساسية لنجاح أي توافق، فالشعب هو مصدر السلطات جميعا وصاحب الحق الأصيل في تقرير كافة شؤونه السياسية وموافقته مسألة أساسية وضرورية لنجاح أي اتفاق." انتهى النص، وعليه نقول:
لماذا أصبحت نتائج الحوار يجب ان تحظى بموافقة الشعب لإعطائه شرعية شعبية قانونية، بينما لا تكون هذه الموافقة لأصل الحوار؟!!! لماذا لا يكون أصل الحوار مع النظام يجب أن يحظى بموافقة شرعية شعبية قانونية، فالشعب هو مصدر السلطات جميعا وصاحب الحق الأصيل في تقرير كافة شؤونه السياسية وموافقته مسألة أساسية وضرورية!!!

3- ذكرت النقطة الثانية شيئا عن اللقاءات المنفردة مع ممثل الملك، وسؤالنا: من الذي سيقرر أنه حصل توافق في كل هذه اللقاءات الفردية؟، من هو الحكم في كل ذلك؟ الملك أم ممثله أم أحد آخر؟، كما أنه لماذا تقول الجمعيات بأن الحوار يتم بأن يجتمع الممثل معها، - والتي أسمت نفسها "معارضة" دون غيرها - بينما تقول عن ممثل الملك: "وله أن يجتمع مع غيرها"، وهو كلام يوحي بأن الجمعيات تقول : "إن لقاء الممثل معنا نحن الجمعيات السياسية واجب وضروري جدا كوننا "معارضة"، بينما لقاء غيرنا مستحب وأقل ضرورة، وإن كنا نرى أنه من حق جميع الأطياف المشاركة في الحوار"!!!

النتيجة: صياغة البيان كدس سم في العسل، وخطاب فيه التفاف أكبر من السابق، وهذا ليس مؤشرا جيدا للأيام القادمة إن كان يؤدي لتقوية النظام.

أكتفي بهذا، ونسأل الله العافية والثبات على الحق، إنه سميع مجيب الدعاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.