منتدى استراحات زايد - رسالة من أمٌ صامده إلى ولدها المغيب في سجون الساقط حمد

رسالة من أم إلى ولدها المغيب في سجون الساقط حمد

بسمه تعالى شأنه

لا أدري من أين أبدأ حديثي مع ابني الحبيب المغيّب عني

فمنذ اللحظة التي سمعت فيها بنبأ اعتقالك لم أتمالك نفسي وبدأت نبضات قلبي تخفق سريعاً حرقة على فراق ابني العزيز .. اليوم عرفت معنى الأمومة فلقد رحلت عني وتركت لي أصعب درس في الحياة

كسى الليل سواده عليّ وجيشت مشاعري وتفجرت ينابيع آلامي ثم هبط الفجر علينا بسكونه .. سكون جديد وليل جديد لم نعايشه قبل هذا الأوان .. أول ليلة في غربة الفراق .. وأول ليلة لك في غربة المعتقل وما أطول تلك الليلة .. حمداً لك يارب .. فهاأنا أحظى بفرصة لأنعم بلذيذ مناجاتك وحلاوة التضرع إليك .. لم تستطع عيني أن تهجع تلك الليلة فشريط آلام أمهات الشهداء والمعتقلين بدى أمام ناظري .. فوقفت أفتح أبواب السماء بالدعاء

سويعات هي دهر بأكمله في ميزان الحزن ولوعة الفراق ولم تغفو عيناي إلا من تعب وإرهاق .. بعد أن سمحت لدمعتي أن تحفر خدي

أذكر عندما أتيت تطلب الإذن بالخروج مع باقي أبطال القرية للدفاع عن عزتنا وشرفنا ومقدساتنا .. كانت رائحة الوطن ورائحة الإباء تفيض من قميصك .. حينها لمحت في عينيك شوقاً للحرية لا يطفئها إلا عنفوان الشباب .. وقرأت على جبينك تسبيحاً – ربِّ السجن أحب إليّ – من الذل

ولدي يانور عيني وصدى أحلامي .. يامن كنت بذكائك تستشعر آلامي وأفراحي وتقرأ كل أفكاري .. حتى غدوت صديقاً لي .. عرفت حبك لما فارقت عيني عينك .. كم أشتاق إليك فلقد انتزعوك مني انتزاع النور من العين وحرموني من لقائك أشهراً .. أصبحت دعواتي تخترق السماء لأجلك .. وعيوني تسافر مع أحلامي لتلامس خيالك .. فتقبل شفتاي الذابلتان ضياء خديك

في كل يوم أخوض معركة غير متكافئة مع ألم الفراق .. أحاربه بصمت وصبر .. أتجرع مرارته بين ضلوعي وفي قلبي المكلوم .. أجر الآهات خلفي مشلولة الكلام .. فقد كنت شمعتي ومرآة حياتي ، وبرحيلك سيلهبني جراح الفراق

ولدي وقرة عيني .. في كل ليلة أغني لك أنشودة من حبي وحنيني، وأسطرها كلماتها من أنيني .. وألفها في رسالة تحت وسادتك التي تنتظر رجوعك كما ينتظر صدري أن يضمكلا تبتئس يا ولدي .. فحلم الحرية حلم صادق والسجن وهم زائلإن هذه التجربة خلقت لك شأناً عظيماً .. فلقد كبرت في أعين كل من عرفك .. بل سعى البعض ليتعرفوك لتكبر في أعينهم

بني .. تستطيع أن تطلق على نفسك ماتشاء من صفات وألقاب ولكن مايلتصق بك هو مايمتدحك به الآخرون وقد اعترفوا أنك بطل شهم صاحب كرامة وغيرة فقديماً قالوا إن من يترك بصماته الرائعة في قوم لايموت ولايغيب عنهمعليك أن قدر العمل الذي تقدمه ، فهذه نعمة لاينالها إلا الشرفاء من الناسبني الغالي.. أعلمُ أن سطوري هذه لن تصلك وأنت في السجن ، ولكن طيفها ومعانيها حتماً ستصل مسامعك وتستوعبه جوارحك

أعلم أنهم يمارسون القهر اليومي بشتى أنواعه في حقكم من أجل إضعافكم وإذلالكم ولكسر إرادتكم وبالتالي إخراجكم فارغين مفرغين من جميع الدوافع والمبادئ التي تقاومون من أجلها .. لذا سطرت هذه الكلمات لكل أبنائي وإخواني المعتقلين والمفرج عنهم ، لتكون السند القوي لكم ولترفع من معنوياتكم ولنُبقي على صمودكم ضد من يحاول إنهاء تاريخنا ومقدساتنا وحرياتنا فنحن ننتظر منكم أن تخرجوا إلينا بإبداعاتكم وخططكم المستقبلية فهذه تجربة لاتمنح إلا لذي العزم القوي وصاحب التطلعات والهمم وقليل من يحصل على مرتبة الشرف بعد خروجه ، ذلك أنه استطاع يستفيد من منحته ويعي فوائدها وجعلها مرحلة تربوية وتعبوية واتخذ من السجن مسجداً للعبادة الحقة والمناجاة ومكان للاختلاء بالنفس والتفكير الهادئ المسئول

إبني البطل .. قل لسجانك أن القيد صلى في يديك .. وأنفاس الفجر الملكوتي تسبح على شفتيك .. وجدران السجن تسمع هتافك لله الأكبر في جنح الليل
ولدي الحبيب .. أنجبتك لكي يعمر الوطن .. وترتفع راية العدل والكرامة .. ألم المخاض لن يزول حتى أراك تخرج مع كوكبة الأبطال ناعمين جميعاً بالحرية

نعم يابني .. فلو كنت متواجدة في المحكمة وقت النطق بالحكم عليك , لأطلقت زغرودة تحمل روح التحدي والصمود ، ولأبرق رسالة طمأنينة لك ولزملائك الأبطال

فتحية لكم ياأبنائي وإخواني على الصمود والثبات .. فالذهب يصهر ليزال عنه الشوائب ويصبح لامعاً، وكذلك هي قلوبكم ، تصهر بالشدائد ليزال عنها شوائب المعاصي فتصبح شفافة تستقبل التقوى والقرب منه تعالى بعروج ملكوتي أعلى

أعلم أنه مهما طالت غيبتك، فأنت على موعد مع الحرية، أو على موعد أجل وأجمل مع الله تعالى

اثبت يابني .. فهم لن يطالوا ضرك ولانفعك .. وإياك أن تركع – أيها العملاق – إلا لله تعالى

فسلام عليك في سجون الظالمين .. سلام على أنفاسك التي احتجزتها جدران وظلمات .. سلام على ابتسامتك التي لم تغادر محياك .. سلام طلعتك البهية التي غيبوها عني وحرموني من التزود بها .. سلام على روحك النابضة بالإيمان والحب لأهلك ووطنك

السلام على الأحرار أينما كانوا وحيثما كانوا .. السلام على أمهاتهم المحروقة قلوبهن .. السلام على زوجاتهم وأبنائهم .. السلام على أوطانهم التي احتضنتهم ليكونوا كوكبة الشموع التي تحترق ألف مرة لتنير لغيرهم الطريق – طريق الإباء

يسقط حمد